العيس ومعركة الهروب إلى الأمام … لن تمر دون عقاب – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

العيس ومعركة الهروب إلى الأمام … لن تمر دون عقاب

حركة احرار الشام
حركة احرار الشام
أحمد فرحات

عندما اعتذر أبو يزن الشامي من الشعب السوري عن كونه سلفياً، وعن ادخال هذا الفكر الشعب في معارك دونكيشوتية، كانت حركة أحرار الشام في حينها عند مفترق طرق، توضحت معالمه بعد مقتل قادة الصف الاول فيها في بلدة رام حمدان بريف ادلب قبل عامين.

بعد هذه الحادثة، دخلت “أحرار الشام” في مرحلة جديدة، خصوصاً وان هذا الإعتذار دخل حيز التطبيق في سلوكيات الحركة وأدبياتها، حيث تراجعت عن ضابطة “السلفية الجهادية”، ودخلت في لعبة السياسة الدولية.

دخولها السياسة عبر مقالات نشرت في صحف غربية، واشادتها بالسياسة التركية، وغيرها، وضعت أحرار الشام وجهاً لوجه مع حليفها تنظيم القاعدة في سوريا (جبهة النصرة)، رغم سيطرتهما معاً على مدينة ادلب قبل نحو عام تحت راية ما سمي حينها “جيش الفتح”.

هذه المقدمة كانت ضرورية لفهم خلفيات ما يدور الآن بين هذين الفصيل، فما الذي جرى منذ عام حتى الآن، حتى تباعد الطرفان، وانقطع حبل الود بينهما، ولماذا هجوم العيس ؟

جنيف
“جنيف” .. كلمة السر التي انتظرتها بفارع الصبر حركة أحرار الشام منذ مقتل قادتها، فهي تعطيها الشرعية في قتالها الدولة السورية، وبالتالي حصة من مكاسب ما بعد الأزمة، وبرعاية دولية.

واختارت الحركة أن تكون تركيا هي الواسطة، ووصف مسؤول العلاقات الخارجية بالحركة لبيب النحاس العلاقة مع “الحلفاء الإقليميين” بالمميزة، وذلك خلال مقابلة صحافية نشرت مؤخراً. وتحدث هذا المسؤول عن قنوات تواصل مباشر مع أطراف دولية لم يسمها.

علاقة أحرار الشام مع الإقليم والغرب، كانت محل انتقاد كبير من قادة النصرة ومنظري تنظيم القاعدة، وآخرهم القيادي البارز في الجبهة أبو فراس السوري، حيث قال قبل أيام إن هناك جماعات “لا يهشون ولا ينشون إلا بعد إذن الأنظمة المرتدة والكافرة، وأسلمت قرارها لأنظمة الردة لقاء حفنة دولارات”.

وتريد أحرار الشام من جبهة النصرة فك ارتباطها بالقاعدة، فيما الجبهة تريد من الحركة فك ارتباطها بالغرب، بحسب ما أكد قياديون في الحركة على موقع تويتر، وهذا ما استدعى تعليقاً من أحد منظري تنظيم القاعدة طارق عبد الحليم، الذي اعتبر أن طلب فك الإرتباط هو “تدليس لغوي”، والحقيقة هي “نقض لبيعة شرعية”، وقال إن “الفصائل التي تريدون أن تنضم لها النصرة قد سلّمت وجلست ووقعت بالفعل على إقامة حكومة (مدنية)”.

وبدا لافتاً في الأيام القليلة الماضية، ما قاله أحد قادة أحرار الشام ويدعى “أبو مصطفى”، حيث غرد على موقع تويتر أن “يجب أن تفهم الفصائل أن عمرها الافتراضي قد انقضى أو يكاد وعليها أن تبدأ مرحلة جديدة من الإجتماع تحت راية سياسية وعسكرية واحدة مستظلة بالشعب”.

فما هي الرسالة التي ارادت أحرار الشام توجيهها من خلال أن عمر الفصائل قد انقضى، في ذروة الخلاف مع جبهة النصرة.؟

لماذا هجوم العيس ؟

من معارك الجيش السوري في ريف حلب الجنوبي
من معارك الجيش السوري في ريف حلب الجنوبي

وأمام هذا الواقع، لجأت هذه الجماعات المأزومة داخياً إلى فتح جبهة ريف حلب الجنوبي، بإيعاز إقليمي، وجدت فيها هذه الفصائل الفرصة لإعادة شد عصب مسلحيها، بعد التوترات التي أفرزتها أحداث ادلب من اطلاق نار على متظاهرين معارضين، وما تلاها من مواجهات بين جبهة النصرة والفرقة 13 التابعة للجيش الحر في معرة النعمان.

وفي وقت شاركت الفرقة 13 في معركة ريف حلب الجنوبي، بإيعاز من الدول الراعية، غاب “جيش الفتح” عن البيانات الإعلامية لهذه الفصائل، خصوصاً جبهة النصرة، في إشارة تعكس فرط عقد هذا التحالف، نتيجة الإختلافات الفكرية الكبيرة داخله، وفشله في إدارة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وهذا ما يؤكد أن من يدير معركة العيس والريف الجنوبي بشكل عام هي غرفة عمليات خارج حدود سوريا، وهذا ما بدا واضحاً من خلال إشادة كبير المفاوضين بوفد المعارضة في جنيف والقيادي في “جيش الاسلام” المدعوم سعودياً محمد علوش بالهجوم، رغم أنه خرق واضح للهدنة، التي اتفقت عليها الدول المعنية بالملف السوري.

فبعد التقدم الكبير للجيش السوري على جبهة ريف حمص الشرقي واستعادته تدمر، أُحرجت بعض الدول الإقليمية والغربية، لا سيما وأن نصر تدمر، أعاد تنشيط ذاكرة الرأي العام الغربي، الذي تحدث عن إنجاز للجيش السوري، بمقابل ارتفاع حدة الخطاب الإعلامي الموجه للسعودية وتركيا على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان. فأرادت هاتان الدولتان التخريب على الإنجازات، ولو كلفها هذا الأمر انهيار الهدنة، فدفعتا بالجماعات المسلحة ترهيباً وترغيباً إلى الميدان لمواجهة الدولة السورية.

وتستفيد جبهة النصرة، من معركة جنوب حلب، في إعادة ترميم علاقتها مع باقي الفصائل والمعارضين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، بعد ارتفاع حدة الانتقادات ضدها، من قيادات بارزة، أبرزها من حذيفة عزام ( ابن عبد الله عزام رفيق اسامة بن لادن في أفغانستان).

وبالنسبة لأحرار الشام، فإن هذه المعركة سبيل لإعادة الاعتبار إلى حضورها في الميدان، خصوصاً وأنه تم استثناؤها من وفد المعارضة في جنيف، وهي باتت تخشى من تهميشها في طاولة المفاوضات، فإذا بها توجه رسالة بأننا “موجودون، وعليكم أن تحفظوا حصتنا”.

مشاركة “جيش الإسلام” في معركة ريف حلب، له تبعات بالنسبة لاستمرار حضوره في المفاوضات، فهو عليه أن يختار، إما السير في طريق جنيف، أو مواجهة الجيش السوري وحلفائه في الميادين، فيما هزائمه في الغوطة الشرقية ما تزال ماثلة للعيان، ولم يستفق بعد من مقتل متزعمه ومؤسسه زهران علوش بغارة سورية قبل أشهر، فيما علاقته مع جميع الفصائل ليست على ما يرام، وهي مهددة بالإنفجار في أي وقت.

تداعيات هذا الخرق لن يقف عند حدود الميدان بحسب مصادر قيادية في جنوب حلب، مع تأكيدها على أن قوات الجيش السوري وحلفائه ستكون في حل من أي تعهد بالهدنة وستقوم بواجباها في الحرب على الارهاب، بحال استمرت الخروق، وحملت الدول الداعمة والمشغلة للإرهابيين مسؤولية تدهور الأمور.

وأشارت المصادر القيادية إلى أن بعض المجموعات المشاركة في هجوم ريف حلب الجنوبي تشارك في مفاوضات جنيف، وهذا تأكيد برأي المصادر على خداع تمارسه المجموعات الإرهابية وتواطئ من الدول الداعمة لهم.

وهذا ليس الهجوم الأول على تل العيس، فخلال أحداث معرة النعمان مع الفرقة 13، قبل أسابيع قليلة، حاولت جبهة النصرة احداث خرق على تلك الجبهة، لكنها فشلت، وعادت خالية الوفاض، واليوم أعادت هذه الجبهة الكرة مع باقي الفصائل في هجوم، يبدو أنه احدى المعارك الدونكيشوتية، التي تحدث عنها ابو يزن الشامي قبل مقتله عام 2014.

*ابو يزن الشامي: نائب رئيس حركة أحرار الشام سابقاً وأحد القادة الشرعيين البارزين فيها وقتل في انفجار غامض ببلدة رام حمدان بتاريخ 9-9-2014

المصدر: موقع المنار