ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الجمعة 26 شباط 2021 على اشتداد الازمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان وشعبه و جديدها ازمتي “الرغيف والكهرباء” وتعنت مصرف لبنان وغيابه عن السمع كاجراء مقصود “لغاية في نفس رياض سلامة ومن وراءه” امعاناً في التدمير الممنهج والبطيئ للدولة في لبنان…
الاخبار
“إسرائيل” ترضخ للصواريخ الدقيقة
«إسرائيل» تحرّك «الخطّ الأحمر»: لن نتحمّل أكثر من ألف صاروخ دقيق في لبنان!
بعد التقليل من أهمية تهديد الصواريخ الدقيقة لدى المقاومة للجمهور الإسرائيلي، لجأ العدو إلى «تجزئة» هذا التهديد، قبل أن يبدأ بخفص سقوفه: في البداية، تحدّث عن وجود عدد ضئيل من الصواريخ، ثم تحدّث عن عشرات الصواريخ، قبل أن يرجّح وجود المئات منها في حوزة المقاومة. آخر ما «كشفه» العدو الذي يرفض تكبيل يديه تجاه أعدائه، هو أنه لن يتحمّل وجود أكثر من 1000 صاروخ دقيق في لبنان! العدّاد، بطبيعة الحال، مرشّح للارتفاع مستقبلاً
هي نتيجة مألوفة ومتوقّعة، وباتت طبيعية جداً، في معادلة بناء القوة العسكرية للمقاومة. تسعى إسرائيل لـ«الحؤول دون»، وتهدّد بأنها «لن تسمح وإلّا»، ومن ثم تتراجع لتتعايش قسراً مع واقع جديد بات يكبّل يديها أكثر في مقاربة الساحة اللبنانية عسكرياً. هذه هي حال إسرائيل مع سلاح حزب الله الدقيق، بل وفائق الدقة، كما يرد أخيراً من تل أبيب.
ما ورد في الإعلام العبري، وعلى لسان جهات رفيعة المستوى، يدفع إلى التهكّم. وفقاً لهذه الجهات: امتلاك حزب الله سلاحاً صاروخياً دقيقاً، وتحديداً ما بين 500 و1000 صاروخ هو سقف أعلى، إن جرى تجاوزه، فيلزم «إسرائيل» بالعمل.
حديث «الجهات الرفيعة المستوى» غير معلوم إن كان تهديداً أم «تعزية ذات». والمفارقة أنه يأتي بعد يومين فقط من حديث آخر لرئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، أكّد فيه أنه «لن نساوم على تطوير صواريخ عالية الدقة، في سوريا ولبنان».
في السابق، قيل الكثير إسرائيلياً عن الصواريخ الدقيقة. الويل والثبور لحزب الله وللبنان وللبنانيين، إن أبصر «مشروع الدقّة» النور وخرج من مرحلة «التفكير به» إلى مرحلة الإنتاج، وأي خطوة في هذا الاتجاه وفقاً للتهديدات «تُلزم إسرائيل بالعمل».
التهديد كان قاطعاً، وعلى لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين، بل كان التهديد في حينه جزءاً لا يتجزأ وحاضراً دائماً لدى أيّ موقف أو تصريح يصدر عن شخصيات أو محافل أو مصادر في «إسرائيل»، تتناول الشأن اللبناني. أيضاً، رسائل التهديد نُقلت إلى لبنان عبر زائريه من شخصيات رسمية وغير رسمية وفدت إلى لبنان، ومنها من جاء خصّيصاً كي ينقل التهديد ويؤكد جديته، بأن «إسرائيل» لن تهتم ولن تقف أمام ما سيجري لاحقاً لأنها قرّرت أن تتحرك لضرب «مشروع الدقة»، إن لم يتوقف.
استمر «مشروع الدقة»، فيما استمرت «إسرائيل» بإيصال تهديداتها علناً أو عبر آخرين. وفي السياق، كانت تعمد بين الحين والآخر إلى طمأنة جمهورها عبر إنكار الواقع باللعب على الكلمات بأن «مشروع الدقة» لدى حزب الله هو «مجرد فكرة» لم تجد تعبيراتها العملية، وبالتالي لا إنتاج لصواريخ دقيقة حتى الآن. السبب كما كانت الأذن الإسرائيلية تسمع، هو إصرار تل أبيب وعملها على الحؤول دونه. وكان هذا الموقف، الموجّه إلى الداخل، خليطاً من الأماني وإنكار الواقع وقلة الحيلة وارتفاعاً غير معقول وغير محتمل لمقاربة متطرّفة، قد تقدم عليها «إسرائيل» في مواجهة «الدقة».
في السياقات، لجأت «إسرائيل»، إضافة إلى التهديدات، إلى العمل على إدخال الآخرين في المعركة ضد «الدقة». والجهة التي كان يُعول عليها كثيراً، هي الولايات المتحدة الأميركية، التي سارعت بطبيعة الحال إلى تبني مقاربة «إسرائيل» والاصطفاف خلفها وإلى جانبها، في المعركة على الصواريخ الدقيقة. فواشنطن معنيّة تماماً، كما تل أبيب، في الحؤول دون امتلاك الحزب هذا النوع من الاقتدار العسكري. ليس هذا القرار محصوراً بما يتعلق بأمن «إسرائيل»، وهو أولوية واضحة جداً لديها، بل أيضاً بما يتصل بأجندتها الخاصة بها في المنطقة، التي لا يمكن أو يصعب تحقيقها، مع تعاظم قدرة أعدائها على الإيذاء، إن لها مباشرة أو لأتباعها، الأمر الذي يعني السياسة الأميركية في الإقليم على أكثر من صعيد.
المساندة الأميركية كانت تهديدية واستخبارية، مع العمل على الداخل اللبناني كي يكون وقوداً للمعركة ضد حزب الله. ووسّعت «إسرائيل» مواكبة تحرّكها الدعائي الذي وصل إلى منابر دولية لعرض «المظلومية» وللحديث عن أماكن مختلفة في لبنان ينشط فيه «مشروع الدقة». والمفارقة أنه في الوقت الذي كانت فيه الحملة تستعر ضد الصواريخ الدقيقة، كان يقال للجمهور الإسرائيلي إن مشروع الدقة «مجرّد فكرة».
سعت إسرائيل أيضاً لتحقيق غايتها عبر تحريض اللبنانيين وبيئة حزب الله المباشرة على المقاومة، عبر سرديات مختلفة. من بينها تقارير شارك فيها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بشكل استعراضي، عما قيل إنها مصانع للصواريخ الدقيقة تنشط بين الأحياء السكنية. الغاية كانت الإشارة إلى الجمهور اللبناني أن حزب الله يتسبّب بتهديد له، عبر «زرع المصانع» بين المدنيين التي ستكون عرضة لهجمات إسرائيلية تدميرية. كان الأمل بأن يؤدي ذلك إلى انقلاب في لبنان والبيئة المباشرة للمقاومة على حزب الله وإن بوصفه مقاومة. وهو كما العادة، خطأ تقديري متوافق جداً مع أخطاء تقديرية إسرائيلية سابقة تتعلّق بالعلاقة بين حزب الله وجمهوره.
في كل سياقات «مشروع الدقة»، كانت إسرائيل تعمل وتعد العدّة، العسكرية والأمنية ورواية ما بعد الفعل على السواء، ضد الصواريخ الدقيقة لحزب الله. وكانت المحاولة الفاشلة في حي ماضي (شارع معوض)، في الضاحية الجنوبية لبيروت في آب 2019، واحداً من مساعي «إسرائيل» الأمنية التي تحولت نتيجة الفشل العملياتي من عمل أمني بلا بصمات دالة عليها، إلى عمل عسكري صاخب، أدى لاحقاً بعد الرد عليه إلى تكريس أكثر للردع في مواجهة العدو. كانت تل أبيب، حينذاك، أمام استحقاق غير سهل وما زالت، مع سجلّات وفرضيات وأفكار مختلفة وأحاديث عن ضغوط يعاني منها حزب الله، وأخرى ترى أن رد الحزب ليس أمراً حتمياً، أو أنه سيقتصر على أهداف عسكرية إسرائيلية وحسب، بما بات يُعرف بـ«جولة أيام قتالية». وحين كانت «إسرائيل» تجادل نفسها، كان إنتاج الصواريخ الدقيقة مستمراً.
لا يخفى أن أسهم العمل العدائي الأمني، وفي أحيان العسكري، كانت ترتفع ربطاً بمتغيرات تطرأ على الساحة اللبنانية والإقليمية، ظنت محافل القرار في تل أبيب أن بإمكانها لجم حزب الله أو تخفيف رده على اعتداءات قد تلجأ إليها ضد اقتداره العسكري الدقيق. في حينه، كانت أسهم الحرب مرتفعة، وألزمت المقاومة، كما بات معروفاً، باستنفار وحداتها المختلفة. كان الجانبان في تموضع حربي واضح. وكما العادة، عندما تدرك «إسرائيل أنها أخطأت تقدير فاعلية «الظروف» التي ترى أنها تضغط على حزب الله، تتراجع إلى الخلف، لتعود إلى سياسة التهديدات بلا أفعال.
التوثّب كان سمة السنوات الماضية، تماماً كما كان التوثّب المقابل للرد وربما المواجهة الواسعة اللاحقة على الرد. لم تكن المعركة تتوقّف. انتظرت «إسرائيل» الفرصة التي لم تأت. بل إن جاءت كما قدّرت، فوّت عليها حزب الله الفرصة، عبر إظهار إرادة وجدية الرد والذهاب بعيداً في أعقابه، مهما كانت التبعات.
معقولية الحرب، أو الأيام القتالية التي تؤدي إلى حرب، كانت تعلو وتنخفض وفقاً لتقدير توثّب العدو وقرار المواجهة لديه. ما حال دون المجازفة، ولا يزال، هو الكلفة والثمن اللاحقان على الاعتداءات، الأمر الذي أبعد العدوان، وإنْ أبقاه على طاولة اتخاذ القرار في تل أبيب من دون إبعاده بالمطلق.
في السياقات أيضاً، عمدت «إسرائيل» إلى تجزئة تهديد الصواريخ الدقيقة، وإن ظهّرت أن خطها الأحمر ثابت: لن نسمح بالسلاح الدقيق. الهدف كما كان واضحاً، وهو الداخل الإسرائيلي لطمأنته. قيل في البدء إن حزب الله نجح في توفير أجزاء من مكوذنات تصنيع الصواريخ الدقيقة، لكن ما زالت مكوذنات أخرى غير متوفرة. كان الهدف هو التأكيد على أن «مشروع الدقة»، رغم نجاحات حزب الله بالتزوّد بمكوّناته، ما زال «مجرد فكرة». من ثم تجاهلت إسرائيل وامتنعت عن الحديث عن المكوّنات، وعمدت إلى تجزئة التهديد الصاروخي الدقيق نفسه. وكانت هذه التجزئة تمهيداً لاقرار إضافي لم يعد الواقع يسمح بتجاوزه: هناك نوعان من التهديد الدقيق. يتعلق الأول بصواريخ موجودة في لبنان يُعمل على تطويرها كي تصبح دقيقة ومجنّحة وما إلى ذلك، والثاني يتعلق بتصنيع صواريخ تكون من الأساس دقيقة. وهنا جاءت التوليفة: الجزء الثاني أكثر تهديداً من الجزء الأول، وإن كان الجزءان تهديداً لا يُحتمل من ناحية «إسرائيل».
أعقب التجزئة إقرارٌ لاحق بأن حزب الله نجح في تطوير وتصنيع عدد محدود جداً من الصواريخ الدقيقة، التي لا تتجاوز عدد أصابع اليدين. ثم أعقب ذلك حديثٌ عن عشرات الصواريخ… ولاحقاً عن مئات. وما سيَرِدُ من المقبل من الأيام، واضح جداً وقابل للتقدير.
وللدلالة على حجم التهديد من ناحية إسرائيل، نعيد التذكير بأنه «يكفي أن يكون لديك عشرون صاروخاً دقيقاً لتغيّر وجه المعركة»، بحسب ما ورد على لسان أحد قادة العدو العسكريين، قائد المنطقة الشمالية السابق في جيش الاحتلال، اللواء يؤال سترايك، لدى إجابته على واحد من أسئلة الدقّة المتداولة في الكيان.
لفترة طويلة، واظبت «إسرائيل»على القول
لجمهورها إن مشروع الصواريخ الدقيقة
ليس أكثر من «فكرة»
في أخبار اليومين الماضيين، مفارقة مع ما ورد أمس. إذ أكد رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو أنه لن يسمح بصواريخ «عالية الدقة» في سوريا ولبنان. والمفارقة ليست إجمال سوريا في التهديد، بل إيحاؤه أن السلاح الدقيق غير موجود و«إسرائيل» لن تسمح بوجوده.
مع ذلك، معاينة كلمات نتنياهو كما وردت بالعربية على الموقع الرسمي لرئاسة حكومة العدو، من شأنها الإشارة أيضاً إلى نوع آخر من التجزئة، وإن من نوع آخر أكثر دقة. وفقاً لتهديده، «إسرائيل» لن تسمح بصواريخ «عالية الدقة». و«العالية» هنا هي الجديد في كلامه، فهل يقصد التفريق بين صاروخ دقيق مع هامش خطأ مترٍ أو مترين، وآخر مع هامش خطأ سنتمترات؟
ولكي لا نقع في خطأ التقديرات، والركون إلى امتلاك القوة و«إنتاجات» مشروع دقة الصواريخ وغيره من الوسائل القتالية الدقيقة، على أهمية ذلك، يشار إلى أن أصل امتلاك صواريخ متطورة لا يعني – ولا يمكن أن يعني – شيئاً من ناحية «إسرائيل»، إنْ لم تكن إرادة استخدام هذه القدرة موجودة، وهو ما تدركه تل أبيب جيداً، خاصة ما يتعلق منه بالموقف الدفاعي لحزب الله. وعلى هذه الحيثية تحديداً تدور معركة «إسرائيل» وتطلعاتها. وهي تتحيّن الفرصة لاستغلالها إنْ لاحت لها: متى؟ وكيف؟ وما هي مدة تأثير أي ضغوط على حزب الله أو أزمات أو غيرها مما يمنعه من تفعيل إرادة الرد على اعتداءات «إسرائيل»، الأمر الذي يتيح لها التحرك والاعتداء؟ المعركة الحالية بين الجانبين هنا، بعد أن كاد ما يغايرها ينتفي وبلا جدوى ملموسة في تحقيق النتيجة ضد حزب الله.
إذاً هي معركة على قراءة وتقدير نيات حزب الله وإرادته، وعلى قراءة وترقّب أي ظرف يمنعه من تفعيل قدراته رداً على «إسرائيل». في معركة كهذه، الخطأ وارد، ووارد جداً. إلا أنها طبيعة الأمور ونتيجة ملازمة لتوثّب دائم لدى عدو لا يرضى أبداً بتكبيل يديه ومنعه من فرض إرادته على الآخرين. فهل ما كفل إلى الآن منعَه عن الاعتداء العسكري، ينسحب أيضاً على المرحلة الراهنة؟
هذا هو التهديد الأكبر ضدّ «إسرائيل»… بعد النووي الإيراني
«إذا تجاوز حزب الله عتبة (حيازة) كمية أو نوعية من الأسلحة الدقيقة، فسنضطر إلى التصرف ضده. إنه قرار صعب، لكننا لن نتمكن من الإفلات منه». هذا ما أشار إليه رئيس لواء أساليب القتال وطرق الابتكار في الجيش الإسرائيلي، عيران نيف، الذي أضاف: «عدا النووي الإيراني، هذا هو التهديد الأكبر» في وجه إسرائيل.
رئيس «أمان» (الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي) اللواء تامير هايمن، قال أخيراً إنه يوجد اليوم لدى حزب الله «عدة عشرات» من القذائف الصاروخية والصواريخ الدقيقة. في إسرائيل قلقون من مجهود حزب الله للتسلّح بكمية أكبر بكثير، من أجل ضرب أهدافٍ نوعية في الحرب القادمة، مثل قواعد سلاح الجو ومنشآت بنية تحتية وطاقة ومؤسسات حكومية.
في السنوات الأخيرة بذل الجيش الإسرائيلي جهداً كبيراً لمنع حزب الله من التزوّد بصواريخ وقذائف صاروخية دقيقة. في السابق، لم تخض إسرائيل حرباً لمنع تسليح الدول والمنظمات المعادية، باستثناء الأسلحة النووية. مع ذلك، يعتقد كبار المسؤولين (في تل أبيب) أنه يتعيّن على إسرائيل رسم خطوط حمراء واضحة في ما يتعلق بمشروع حزب الله الدقيق (تطوير وتصنيع صواريخ دقيقة)، إذ أن التهديد وإن كان تقليدياً، لكن يمكن أن يصل إلى أبعاد غير مسبوقة. وذكر كبار المسؤولين، عدداً ما بين 500 و1000 صاروخ دقيق، هو السقف العددي الأعلى الذي يُلزم إسرائيل بالعمل.
الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، الرئيس الحالي لمعهد أبحاث الأمن القومي، اللواء احتياط عاموس يدلين، يقول إنه «يجب فحص وتحديد التوقيت المناسب للعمل ضد مشروع الدقة، وذلك بسبب إمكانية أن يؤدي ذلك إلى تصعيد واسع النطاق»، مشيراً إلى تفصيل يعتقد صوابيته وضرورة الوقوف عنده: «إذ سرّع حزب الله وتيرة العمل على حيازة صواريخ دقيقة، فعلى إسرائيل أن تبادر إلى حرمانه منها». في المقابل، تعتقد مصادر أخرى أنه لا ينبغي لإسرائيل أن تبادر إلى هذه الخطوة التي من شأنها أن تؤدي بالتأكيد إلى حرب.
الحرب التي كانت موضع التهديد الأول لإسرائيل ضد أعدائها، باتت هي نفسها ما يردع أفعال إسرائيل ويلجمها عن أعدائها.
* أبرز ما ورد في تقرير منشور في صحيفة «إسرائيل هايوم» العبرية أمس، بقلم معلّق الشؤون العسكرية فيها، يؤاف ليمور، تحت عنوان: «الخط الأحمر، حتى ألف صاروخ دقيق لدى حزب الله»
راوول نعمة يسرق لقمة الفقراء: ربطة الخبز إلى 3000 ليرة
لم يكد سكان لبنان يستوعبون زيادة سعر ربطة الخبز إلى ٢٥٠٠ ليرة، حتى بدأ وزير الاقتصاد راوول نعمة التحضير لزيادتها مرة أخرى. هذه المرة هدفه الوصول إلى سعر ٣٠٠٠ ليرة، ويتوقع أن يعلن ذلك رسمياً الأسبوع المقبل. الحجة دائماً حاضرة: الزيادة العالمية في أسعار القمح وارتفاع سعر الدولار الذي يؤثر على نسبة الـ١٥ في المئة التي يدفعها المستوردون من سعر القمح، وعلى أسعار باقي المكوّنات التي تدخل في صناعة الخبز. هذه المرة يحمل معه سبباً جديداً وهو رفع الدعم عن السكر، ما أدى إلى «تكبّد» الأفران تكاليف إضافية.
هكذا هو راوول نعمة. عينه على لقمة الفقراء. لا يجد غيرها لينقضّ عليها، ظاناً أنها ستُنقذ الاقتصاد الذي ساهم هو وشركاؤه السياسيون والمصرفيون في انهياره. أما الاحتكارات والوكالات الحصرية التي تنهش الاقتصاد المسؤول هو نفسه عن استقراره فلا تعنيه. ببساطة، وخلال أشهر قليلة رفع وزير الاقتصاد سعر ربطة «الخبز العربي» إلى الضعف، علماً أن القمح لا يزال مدعوماً على سعر ١٥٠٠ ليرة. وهذا القمح يُستعمل لصناعة منتجات أخرى غير محددة السعر رسمياً، ما يحقق هوامش ربح ضخمة لكارتيل الأفران الذي يحميه وزير الاقتصاد بدلاً من أن يشدد الرقابة عليه، لما يُشكّله الخبز من مادة أساسية في حياة الناس. دعم القمح هو الأقل كلفة بين كل السلع المدعومة الأخرى. ما يزيد قليلاً عن 100 مليون دولار يدفعها مصرف لبنان لدعم هذه المادة. لكنه في المقابل يدفع نحو ثلاثة مليارات دولار لدعم المحروقات، التي يستفيد منها الأثرياء أكثر من الفقراء.
الخبز الأبيض للفقير. وهو لذلك سلعة استراتيجية، يشكل المسّ بها مساً بالأمن الاجتماعي للناس. هذا في المطلق، فكيف إذا كان الواقع مأساوياً، وإذا كانت نسب البطالة ترتفع بشكل مطّرد، والقدرة الشرائية حتى للذين حافظوا على دخلهم قد انهارت؟ كل ذلك ليس مهماً بالنسبة إلى وزير الاقتصاد. المهم أنه قرر. وعلى طريقة وزير الصحة حمد حسن، قراره سيادي. لكنه حكماً لا يقدّر تداعياته.
لأنه عُيّن بالصدفة وزيراً للاقتصاد، ظنّ نعمة أن بإمكانه نحر الناس. لكن مع ذلك ليس وحده المسؤول. رئيس الحكومة مسؤول أيضاً عن هكذا قرار وعن نتائجه. الحكومة كلها مسؤولة. خاصة أن أعضاءها يدركون أن الهدر الفعلي يتمثل في دعم المحروقات، بنزين ومازوت، حيث يذهب معظمه إلى غير مستحقيه. في القمح لا يحصل ذلك. وإن حصل فبهامش ضيّق. وحتى مع افتراض أن نسبة الهدر هي نفسها في البنزين والقمح، فإن ذلك يعني أن المليون دولار التي تُهدر هنا يقابلها هدر ١٠ ملايين دولار هناك.
على المقلب الآخر لغياب المسؤولية، تستمر القوى السياسية بالمقامرة بمصير البلد والناس، من خلال التعامل مع ملف تشكيل الحكومة كأنه تفصيل غير مهم في الحياة السياسية اللبنانية. ولولا تصريحات إثبات الوجود التي تظهر كل حين، لما انتبه أحد إلى أن لا حكومة. حتى المساعي التي تجري لترميم الهوة السحيقة بين بعبدا وبيت الوسط غالباً لا تزال حذرة.
إبراهيم يسعى لترتيب العلاقة بين بكركي و«الثنائي»
وإذا كانت بكركي قد توجّهت إليها الأنظار أمس على خلفية التحضير لمسيرة يوم السبت، فقد شهدت أيضاً حراكاً مرتبطاً بالحكومة. حيث تلقّى البطريرك بشارة الراعي اتصالاً من كل من الرئيس سعد الحريري والنائب جبران باسيل. كما استقبل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، الذي قال بعد اللقاء إنه تحدّث مع الراعي عن موضوع تشكيل الحكومة حيث «أتولى أنا جزءاً من المساعي وغبطته يتولى الجزء الآخر، لذلك لا بد من التلاقي من حين إلى آخر لاستكمال الجهود على أمل أن تتحسّن الأمور».
وعلمت «الأخبار» أن زيارة إبراهيم لبكركي استهدفت شرح موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من موضوع الحكومة، والاستفسار من البطريرك عن شأن عقدة التمثيل المسيحي. وبينما كان الراعي من المطالبين باجتماع الحريري مع باسيل، جرى التباحث في إمكانية حل هذه المعضلة، خاصة أن الحريري اجتمع مع كل الأطراف السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، رغم إنكاره ذلك. فالجميع يعلم أن المداولات بينه وبين ثنائي حزب الله وحركة أمل لم تتوقف، كما أن الأسماء الدرزية التي طُرحت في الصيغ الحكومية كان جنبلاط إمّا مشاركاً في وضعها أو مؤيداً لها.
إبراهيم الذي تقول مصادر مطلعة إن «زيارته لبكركي هي مبادرة فردية»، يحاول وفق المصادر ذاتها «ترتيب العلاقة بين بكركي والبيت الشيعي، خاصة بعد الالتباس الذي أثارته المطالبات بتدويل الأزمة». صحيح أن «حزب الله لم يتخذ موقفاً علنياً من هذه الدعوة، إلا أن كلمة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله كانت واضحة، وأن البلبلة التي أثيرت في ما بعد على وسائل التواصل تعكس حجم التشنّج في لحظة حساسة أمنياً وسياسياً».
أزمة الكهرباء تتفاقم: مصرف لبنان «مش عالسمع»
العتمة تنتشر منذ يومين من دون أفق لحل قريب. حتى الحلول صارت تقاس نتائجها بالايام. إذا حلّت مشكلة ولدت أخرى. من تأخر شحنات الفيول إلى تأخر فتح الاعتمادات إلى تشدّد المصارف المراسلة واستمرار مصرف لبنان في اتخاذ القطاع رهينة لحث الحكومة على ترشيد الدعم. كلها أمور تؤدي إلى خيار وحيد: التأقلم مع التقنين المتزايد. حتى الخبر الإيجابي الوحيد المتمثل بإطلاق مناقصات الفيول، لن يكون بالإمكان تنفيذه قبل إقرار سلفة خزينة جديدة لم يكتمل التفاهم السياسي حولها
انحلال الدولة يترسّخ يوماً بعد آخر. لا أحد من بين المسؤولين يبالي بالنتائج المترتبة على الناس. يمكن أن يخرجوا ساعات لتبرير تناولهم لقاح كورونا من دون استحقاق، لكن أحداً منهم لا يظهر ليوضح سبب التقنين القاسي للكهرباء، والذي أدى في اليومين الماضيين إلى انقطاع طويل للكهرباء ليلاً في بيروت وخارجها.
الحديث عن عودة الاستقرار إلى إنتاج الطاقة يبدو منفصلاً على الواقع. لا يمرّ يوم إلا وتطرأ مشكلة تُذكّر بأن العودة إلى الشمعة أمرٌ ممكن دائماً. أي مشكلة في القطاع لا نتيجة لها سوى انقطاع الكهرباء. «كهرباء لبنان» تؤكد أنها تلجأ إلى تخفيض إنتاج المعامل إما اضطرارياً بسبب عدم توفر الفيول أو قطع الغيار، وإما احتياطياً خوفاً من الوصول إلى الانقطاع الكلي في حال لم تعد تتمكن من تأمين الفيول. لكن ذلك التخفيض يزداد يوماً بعد يوم، حتى صار هو القاعدة. يبدو واضحاً أنه حتى المحافظة على المستوى المتدنّي أصلاً من التقنين لم يعد ممكناً. الحجج كثيرة لكنها تؤدي إلى النتيجة نفسها: قطاع الكهرباء بالكاد كان يعمل في «أيام العزّ»، ولذلك من البديهي أن يكون أول المتأثرين في زمن الانهيار، تماماً كما كان هو نفسه أحد أسباب هذا الانهيار.
أُرهق من كان يصدق وعود الـ24 على 24 ، حتى صار أقصى المبتغى هو الثبات على مستوى 50 في المئة من التغذية. ذلك يبدو صعب المنال، وإن تطمئن كهرباء لبنان، في بيانها الصادر أمس، إلى أنه من المتوقع تحسن التغذية تدريجياً فور المباشرة بتفريغ حمولتي شحنتي الفيول اللتين وصلتا إلى المياه الاقليمية وتنتظران فتح الاعتمادات لتفريغهما. صار واضحاً أنه إذا حلّت مشكلة فإن أخرى ستليها، وستكون النتيجة نفسها: مزيد من العتمة.
تأخر تفريغ الشحنتين أدى عملياً إلى انخفاض الإنتاج من 1400 ميغاواط إلى 1030. علماً أن الحاجة في هذه الفترة من السنة تصل إلى 3000 ميغاواط. أي أن الإنتاج كان منخفضاً أصلاً نتيجة الاحتياطات التي تجريها مؤسسة كهرباء لبنان، ونتيجة انخفاض إنتاج معملي الجية والزوق الجديدين (بسبب عدم توفر كل معدّات الصيانة)، واللذين أضيف إليهما، بسبب شح الفيول وإشرافه على النفاذ، كما أعلنت كهرباء لبنان، المزيد من الانخفاض في إنتاج البواخر التركية (مئة ميغاواط من أصل 380) وفي إنتاج معملي دير عمار والزهراني (450 ميغاواط من أصل 900).
إشارة بيان «كهرباء لبنان» إلى التحسّن التدريجي بعد تفريغ شحنات الفيول لا تدعو إلى الاطمئنان. مبررات التشاؤم عديدة، أبرزها:
– عدم اتفاق وزارة الطاقة مع مصرف لبنان على صيغة لتأمين الدولارات الطازجة لزوم «كهرباء لبنان».
وبحسب نتائج الاجتماعين الأخيرين للمجلس المركزي لمصرف لبنان، فإن النتيجة بحسب مصادر المجلس: لا شيء.
المصرف لم يحسم أمره بشأن الجداول التي كانت عرضتها المؤسسة عليه وتتعلق بحاجتها إلى الدولارات خلال العام 2021.
بحسب المعلومات لا يزال حاكم مصرف لبنان متمسّكاً برفض دفع جزء من مستحقات المورّدين اللبنانيين بالدولار، مقابل موافقته على الدفع للمورّدين الخارجيين على الفاتورة. وهذا يعني أنه حتى الاتفاق بشأن تأمين الأموال المطلوبة لتجديد عقد الشركة المشغّلة لمعملي دير عمار والزهراني لم تدفع بعد، رغم الاتفاق في السراي الحكومي على حل المشكلة. حينها طُلب من الشركة الاستمرار في العمل رغم انتهاء عقدها، مع وعد بحل المسألة المالية العالقة.
وزارة الطاقة لمصرف لبنان: قل ماذا تريد؟
كان رياض سلامة من بين الحاضرين وكان موافقاً على الاتفاق. وبالفعل، وافقت الشركة على «تسيير المرفق العام» لأسابيع عدة، لكن بعد مرور عشرة أيام لم يخرج أي قرار واضح عن المصرف، باستثناء ما نُقل سابقاً عن المجلس المركزي من أن الأجواء إيجابية، وأن الدفع سيتم بعد الحصول على مستندات إضافية. هذه الإيجابية لم تترجم بإبلاغ الوزارة الموافقة على المبلغ المطلوب أو حتى على أي مبلغ آخر. وهذا أمر ينعكس أيضاً على الحاجات الدولارية للشركات الأخرى العاملة في القطاع، ولا سيما شركات مقدمي الخدمات، التي لا تزال تنتظر نصيبها من الاتفاق.
ولأن ردّ مصرف لبنان طال، فقد طلبت الوزارة عكس الآية. بدلاً من أن يطلب المصرف من المؤسسة إبلاغه بحاجتها، من دون أن يصدر منه أي رد، فليعلن هو ماذا يريد، وما هي قدرته التمويلية، وبناء عليها تقرر المؤسسة توزيع أولوياتها، حتى لو اضطرها الأمر إلى وقف بعض الأعمال. لكن مصرف لبنان، كما رفض التجاوب في المرة الأولى يرفض التجاوب في المرة الثانية، بالرغم من الإبقاء على عنوان الإيجابية الذي لم يصرف بعد في أي مكان، باستثناء الاستعداد لدفع المستحقات الخارجية. ولذلك، صار المطّلعون على الملف واثقين أن الغاية من عدم التجاوب، هو الضغط على الحكومة لحثها على اتخاذ القرار بترشيد الدعم. وفيما الحكومة مستقيلة من واجباتها، فإن المصرف المركزي يرفض تحمّل المسؤولية. ولو كان المبرر هو الكلفة العالية المطلوبة وعدم قدرة المصرف على تأمين المبلغ المطلوب، لكان وافق على ما عرض عليه من أكثر من طرف بإلغاء تأمين الدولارات لباخرتي مازوت (ما يعادل 70 مليون دولار) مقابل تأمين الحاجات الماسة للقطاع، علماً أن الاتفاق مع الشركة المشغّلة لدير عمار والزهراني وافقت على تقسيط مستحقاتها على 14 شهراً.
التقنين القاسي مستمر إلى حين تفريغ شحنات الفيول
– عدم حسم مسألة إقرار سلفة الخزينة المخصصة لكهرباء لبنان. وبالرغم من أن مختلف الأطراف يؤكدون أن لا بديل عن إقرار قانون إعطاء سلفة خزينة إلى المؤسسة، بما يضمن استكمال الحصول على الفيول لزوم تشغيل المعامل. إلا أن المؤسسة لا يمكنها العمل بالنيّات. وتؤكد مصادرها أنها ملزمة التعامل مع الوضع الراهن بكثير من الحذر، ما يحتّم عليها الاستمرار في سياسة التحفّظ في الإنتاج تحسباً لأي طارئ. واللافت في هذا السياق أن إدارة المناقصات أطلقت أمس ثلاث مناقصات لاستجرار الفيول، بعد أن توافقت مع وزارة الطاقة على دفاتر الشروط. وبالرغم من أهمية هذه الخطوة لتأمين الاستقرار في إمدادات الفيول، إلا أنه إذا لم تُقرّ سلفة الخزينة، فلن يكون ممكناً الدفع لأي شركة تفوز بالعقد.
– حتى لو أمّن مصرف لبنان الاعتمادات المطلوبة، فإن الشركات والمصارف المتعاقدة معها، تواجه صعوبة في التعامل مع المصارف الخارجية. وفيما أشارت مؤسسة كهرباء لبنان في بيانها إلى صعوبة استكمال الإجراءات المصرفية، تؤكد مصادر مطّلعة أن المصارف المراسلة تتشدد في التعاملات المتعلقة بلبنان، وقد بدأت بتعديل آليات العمل مع المصارف اللبنانية، وهذا ما فعله مصرف JP Morgan مؤخراً، علماً أن المورّدين يرفضون التفريغ قبل حصولهم على الأموال.
واشنطن تنبش قبر خاشقجي: إبن سلمان مذنب حتى تثبت طاعته!
لن تكون حماقة ابن سلمان، هذه المرّة، من دون ثمن؛ فهو بات يعلم أن «الخطيئة الأولى» ستبقى تلاحقه، طالما أُريد استثمارها لتحصيل الإدارة الأميركية «خوّاتها»، سواء جاءت على شكل أوامر بالتنازل عن العرش لن يستطيع الأمير الهروب منها، أو مجرّد ابتزاز مقونَن بسقوف محدّدة. لكن ما هو جليّ أن ثمّة ما تَغيّر في مقاربة العلاقات الأميركية – السعودية، الخاضعة، في الوقت الراهن، لتقييم جو بايدن، بعدما اطّلع، قبل يومين، على تقرير الاستخبارات المركزية الأميركية الذي يشير بوضوح إلى ضلوع وليّ العهد السعودي في مقتل خاشقجي. وفي انتظار إماطة اللثام عن خلاصات هذا التقرير، بعد الاتصال الأوّل بين الرئيس الأميركي والملك السعودي سلمان ليل أمس، سيتمدّد القلق في أرجاء المملكة، ليُبقي على ابن سلمان أسير جريمةٍ تستغلّها الإدارات المتعاقِبة.
ليست العلاقات السعودية – الأميركية، ما بعد دونالد ترامب، في أحسن أحوالها؛ فاختطاط إدارة جو بايدن مساراً جديداً لها لليّ ذراع وليّ عهد المملكة، محمد بن سلمان، ستكون له تداعيات ظرفية مِن مِثل ابتزاز هذا الأخير لاستحصال واشنطن ما تطال يدها من تنازلات تُعزّر التوجّهات الجديدة للبيت الأبيض في المنطقة، وأخرى يُحتمل أن تؤسِّس لمشهدٍ إقليمي (ربّما) لا يكون الأمير الشاب جزءاً منه حالَ قرار الولايات المتحدة رفع الغطاء عنه والتخلُّص من «عبء» يثقل كاهلها. لم تكن قضيّة اغتيال جمال خاشقجي لتنتهي بهذه البساطة، من دون أن تبادر الإدارة الوليدة إلى نبش ماضٍ قريب لم تتمكّن الرياض بعد من تجاوز تداعياته التي فاقمها نُطق القضاء السعودي، قبل أشهر قليلة، بأحكام ضدّ مجهولين، ارتأوا مناسباً ارتكابَ جريمةٍ مروّعة في ممثليّة دبلوماسية، فقتلوا مَن سمّوه «خروف العيد» وجزّأوا جثّته بدمٍ بارد قبل إذابتها بالأسيد، هكذا مِن تلقاء أنفسهم.
تقاطعت كلّ الروايات التي ظلّت تتأتّى تباعاً، عبر الإعلامَين التركي والأميركي، عند نقطة التقاء واحدة تضع وليّ العهد السعودي في صلب «حادثة القنصليّة»، لكنّ الغطاء الذي ظلّلت به إدارة ترامب ابن سلمان، منذ اللحظة الأولى لوقوع الجريمة، دفَع تهمة الاغتيال عنه وأبقاه على مسافة أمان من عرّابه في البيت الأبيض. وعلى رغم اقتناع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، «سي آي إيه»، ابتداءً، بمسؤولية الأمير الشاب عن مقتل الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في إسطنبول يوم الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2018، كانت كلّ المؤشرات تدلّ على اتجاه الإدارة الأميركية إلى «طبخ» رواية مع الرياض تضع ابن سلمان خارج دائرة الضوء، لاعتبارات عدّة، من بينها عدم الإضرار باستراتيجية البيت الأبيض إزاء إيران، وفق ما سُرِّب في حينه. ارتفاع الأصوات المطالِبة بتغيير الحكم في السعودية، وازدياد الضغوط على واشنطن في الأيام الأولى لـ»اختفاء» خاشقجي، أثارا مخاوف لدى البيت الأبيض من الالتهاء عن مسألة حزمة العقوبات الأولى ضدّ الجمهورية الإسلامية ما بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، ما جعل اهتمام واشنطن والرياض مصبوباً على إنهاء القضيّة/ الفضيحة إعلاميّاً، بهدف إعادة التركيز على الملفّ الإيراني. اقتناع الاستخبارات بمسؤولية ابن سلمان مردّه إلى سيطرة هذا الأخير الكاملة على أجهزة الأمن في بلاده، ما يجعل من المستبعد جدّاً تنفيذ عمليّة من هذا الوزن من دون علمه، فضلاً طبعاً عن وجود أعضاء تابعين له في فرقة الاغتيال الأمنية المؤلّفة من 15 شخصاً بقيادة ماهر المطرب، والتي قال القضاء السعودي، في أحكامه الأوّلية، إنها اجتهدت وقرّرت قتل الصحافي بعدما رفض التفاوض، ما فتح الباب لاحقاً أمام تبرئة كبار المسؤولين، وعلى رأسهم نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد عسيري، والمستشار المُقال في الديوان الملكي سعود القحطاني، الذي ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، نقلاً عن تقييم «سي آي إيه»، أنه تلقّى قبل اغتيال خاشقجي وأثناءه وبعده 11 رسالة من ابن سلمان. في مطالعة الدفاع عن وليّ عهد المملكة، والتي تولّاها ترامب شخصياً، يُعدُّ التخلّي عن «بقرةٍ حلوب» ضرباً من الجنون. من هنا، جاء موقفه المساند للقيادة السعودية، لكونها «شريكاً راسخاً» للولايات المتحدة، «يدفع مبالغ طائلة» ثمن صفقات السلاح، فضلاً عن «دورها في خفض أسعار النفط العالمية». إعلان ترامب الذي قفز على محتوى تقرير وكالة الاستخبارات المركزية، كما كان متوقّعاً، لم يكن مستغرباً، لأن الأمر بالنسبة إليه «بمنتهى البساطة… أميركا أولاً… لن أدمّر اقتصاد العالم، ولن أدمّر اقتصاد بلادنا بالتصرّف بحماقة مع السعودية»، ودفعها إلى أحضان روسيا والصين.
أكّد بلينكن لابن فرحان التزامه بالتعاون مع المملكة لإنهاء الحرب في اليمن
ومع تبدُّل الرواية السعودية الرسمية حيال القضية مرّة تلو أخرى، ظلّت براءة ابن سلمان وكلّ مَن يدور في فلكه الثابت الوحيد فيها، فيما بقيت خلاصة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التي ربطت في استنتاجاتها وليّ العهد بالجريمة (وهي الخلاصات نفسها التي توصّلت إليها المقرّرة الأممية، أنييس كالامار، في تقريرها الصادر منتصف عام 2019)، في خانة السرّية، لحماية تحالف عائلة ترامب – ابن سلمان، والذي كاد ينجح في تخطّي حالة السخط الدولي، لو حالف الرئيسَ السابق الحظُّ في ولايةٍ ثانية. إزاء ما تقدَّم، قرّرت الإدارة الجديدة تنفيذ وعدها برفع السرّية عن التقرير الذي كان يُفترض إماطة اللثام عنه يوم أمس، قبل أن تُقدِم وزارة الخارجية الأميركية على إرجاء نشره، وتالياً إرجاء المكالمة المنتظرة بين بايدن والملك سلمان. والأمران باتا مترابطين بحكم الأمر الواقع، إذ لفتت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الهدف الحقيقي من اتصال الرئيس الأميركي، هو إبلاغ الملك السعودي بقرار رفع السرّية عن تقييم «سي آي إيه». وفي حين لم تتّضح مسألة التأجيل حتى الآن، فإن نشر المحتوى غير السرّي، في هذا التوقيت، يحتمل هو الآخر سيناريو من اثنين: فإمّا التخلُّص من ابن سلمان، أو ابتزازه لتحصيل تنازلات في غير ملفّ، واليمن وإيران ليسا إلّا على رأس قائمة الاهتمامات المستجدّة للإدارة الأميركية. واستعيض عن الاتصال المؤجّل، بآخر جمع وزيرَي خارجية البلدَين أنتوني بلينكن وفيصل بن فرحان، إذ حضّ الأوّل الثاني على ضرورة تَقدُّم الرياض في «مجال حقوق الإنسان»، مؤكداً التزامه بالتعاون مع المملكة لإنهاء الحرب في اليمن. لكنّ الوزارة استبقت الاتصال ببيان أكّدت فيه أنه سيتمّ نشر التقييم في وقتٍ قريب، مذكّرة بأن بلينكن «يثق بالاستخبارات»، فيما سينكبّ الرئيس الأميركي على «مراجعة العلاقات بأكملها مع السعودية، بما يحقّق مصالح الشعب الأميركي»، أيّاً كان ما يعنيه ذلك.
البناء
بايدن أبلغ الملك سلمان… ملف الخاشقجي يحاصر وليّ العهد… طارت زيارة ماكرون
بكركي تموضع دعواتها على حدود متغيّرات المنطقة… ومناصرون للتصعيد
القلق من الانهيار الكبير يحرّك وساطات إبراهيم… ومصفاة الراعي أحد العروض
كتب المحرّر السياسيّ
يقول دبلوماسي متابع للملف النووي الإيراني ومسارات التفاوض غير المباشر حوله، أن مفوّض السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بوريل والمبعوث الأميركي للملف النووي الإيراني روبرت مالي، يعكفان على صياغة مشروع الخطوات المتزامنة التي يجب أن تلتزمها واشنطن وطهران في طريق العودة إلى الاتفاق النووي، في اجتماع غير رسمي يستضيفهما ضمن صيغة الـ 5+1 في النصف الأول من الشهر المقبل، ليتم تقديمها كورقة أوروبية أميركية مشتركة تضمن عودة إيران التدريجيّة عن خطواتها التي اتخذتها تباعاً منذ عامين، رداً على الانسحاب الأميركيّ من الاتفاق النووي، وعجز أوروبا عن تنفيذ موجباتها رغم بقائها تحت مظلة الاتفاق، بعدما منحت عاماً لأوربا لتفعيل وعودها بآليّات مالية تتجاوز العقوبات الأميركية.
وفقاً للدبلوماسي نفسه، ستتواصل الإجراءات التي تتيح لإيران تحريك قرابة عشرين مليار دولار، خلال الفترة الفاصلة عن الاجتماع المنتظر، منها خمسة مليارات قرض من صندوق النقد الدولي لتمويل احتياجاتها في مواجهة كورونا، ومنها خمسة عشر ملياراً من ودائع إيرانيّة مجمّدة في مصارف كوريا الجنوبية واليابان والعراق بسبب العقوبات الأميركيّة.
بالتوازي، أفرجت واشنطن بقرار من الرئيس جو بايدن عن التحقيق الخاص بقتل الصحافي جمال الخاشقجي، بعد اتصال لبايدن بالملك سلمان بن عبد العزيز أبلغه خلاله بالقرار، بينما تحدّثت الصحف الأميركية عن توقعات أكيدة بنشر الفقرات التي تكشف تورط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بقرار القتل، وعن مسار صعب ينتظر ولي العهد الذي قد يكون أحد عروضه للتسوية مغادرة الحكم مقابل إقفال الملف من دون عقوبات وتصادم سياسي، ووفقاً لمصادر سياسية لبنانية كانت تراهن على زيارة للرئيس الفرنسي امانويل ماركون الى الرياض للقاء ابن سلمان في محاولة لرفع القيود السعودية على عودة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري الى الحكم، فإن زيارة ماكرون كانت من ضحايا ملف الخاشقجي، الذي قرأت المصادر في الحديث عن مرض ابن سلمان وإجرائه عملية جراحية بداية لاحتجاب ولي العهد السعودي تمهيداً لغيابه عن المشهد، للحفاظ على العلاقات الأميركية السعودية في أفضل حالاتها، وهو ما تحتاجه السعودية في هذه المرحلة.
الشأن الحكومي الذي كان ينتظر التطورات المتوقعة من زيارة ماكرون للرياض، بدا جامداً بلا حراك، بينما الحراك الوحيد لسعر الدولار ولأسعار السلع صعوداً مع أحاديث عن دراسات موثقة لقرب ساعة الانهيار الكبير، وهو ما يتحرك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لمحاولة تفاديه بمبادرات ومساعٍ ترجمتها زيارته لبكركي، حيث قالت مصادر متابعة لموقف بكركي إنها تبدو أقدر على التحرك بعدما أعادت ترسيم مواقفها وطروحاتها على خطوط تأخذ بالاعتبار المتغيرات الدولية والإقليمية، التي تشير لتراجع فرضيات التصادم الأميركي الإيراني لحساب التسويات والتفاهمات، وقالت المصادر إن بكركي التي كانت تسعى لإقامة توازن بوجه حزب الله في ظل التجاذب الحاد الأميركي الإيراني عبر دعوات الحياد والتدويل، شرحت مبادراتها بلسان البطريرك بشارة الراعي على قاعدة لا تستفز حزب الله وتفتح معه قنوات الحوار، ما يسهل مهمة بكركي الحكومية، ويعقد مهمة بعض الصاعدين الى بكركي لدفعها للتصعيد، الذين يبدون في غربة عن موقف بكركي بنسخته المعدلة، بينما قد يكون المخرج الحكومي الممكن في ظل مد الجسور بين بكركي وحزب الله، عبر لوائح تعدّها بكركي لبعض أسماء الوزراء بما يضمن عدم تشكل الثلث المعطل، ويضمن عدم وضع اليد من غير المسيحيين على المواقع المسيحية، كمطلبين لكل من الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، على ان يختار رئيس الجمهورية منها ثلاثة أسماء يختار منها الرئيس المكلف اسماً.
وفيما تراجع الملف الحكومي إلى أسفل سلم الأولويات، برزت الحركة السياسية باتجاه الصرح البطريركي من قوى سياسية متعددة تتوسع اليوم عبر تنظيم زيارات لوفود شعبية إلى بكركي لتأييد ودعم مواقف الكنيسة المارونية الأخيرة.
وفيما أشار زوار بكركي لـ»البناء» إلى أن «كلام البطريرك عن المساعدة الدولية للبنان لا يعني التدخل في الشؤون الداخلية للبنان ولا يعني الاستقواء بالخارج ضد فئة معينة ولا إخضاع لبنان للفصل السابع، بل الهدف دعوة لعقد مؤتمر دولي لحث الأطراف الداخلية على تأليف الحكومة والعمل على تأمين حشد دولي لدعم لبنان مالياً لإنقاذه من أزماته المتفاقمة». تخوفت مصادر سياسية من أهداف الحملة السياسية والإعلامية لاستدراج تدخل خارجي في شؤون لبنان وصولاً إلى طرح الموضوع أمام الأمم المتحدة كما فعلت القوات اللبنانية والتي تحمل في طياتها دعوة لصدام داخلي وتوتير الوضع الأمني والسياسي أكثر. وأشارت المصادر لـ»البناء» إلى أن «التدويل سيؤدي إلى الفدرالية والتقسيم واستدراج انتداب دولي جديد لا يزال لبنان يعاني من أنواعه وأشكاله منذ عهد المتصرفية والحكم العثماني إلى الانتداب الفرنسي مروراً بالاحتلال الإسرائيلي للبنان»، مشددة على أنه «لا يمكن عزل لبنان عن محيطه العربي والقومي والجغرافي ووضعه تحت وصاية دولة». وحذرت المصادر من «توجه لافتعال مشاكل داخلية وتوترات طائفية وأزمات اجتماعية ومعيشية لنقل صورة للخارج بأن لبنان مهدّد بأمنه واستقراره ولا يستطيع حكم نفسه وحلّ أزماته ودفع بعض الدول الغربية لإثارة التدويل في مجلس الأمن الدولي»، لكن المصادر أكدت بأن «هذا المشروع لن يمرّ فهناك توازنات داخلية وإقليمية ودولية جديدة أفرزتها الأحداث خلال العقد الماضي لا تسمح بمرور أيّ من هذه المشاريع».
وتوقفت المصادر أمام الحج السياسي لعدد من الكتل السياسية والنيابية الرئيسية في البلد إلى مراجعها الدينية وما الهدف من ذلك؟ كما فعلت كتل القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر وغيرهما من الأفرقاء المسيحيين وكتلة المستقبل التي زارت دار الفتوى، ما يزيد من حدة التموضع والانقسام الطائفي والمذهبي في بلد يعاني من أزمات وانهيارات اجتماعية، فيما تنادي هذه الأطراف بالدولة المدنية واللاطائفية ودولة القانون! وتساءلت عن سبب زجّ المرجعيّات الروحيّة ورجال الدين بتفاصيل الحياة السياسية وتوريطهم بمشاريع ومواقف تؤسس لتوترات طائفية وأمنية، فهل يخدم هذا الدولة المدنية؟ وهل نحن في دولة أو في مجلس ملة؟ وهل هدف الكتل النيابية استرضاء أو الاحتماء بمرجعياتها الدينية؟ مشيرة إلى أن «العلة تكمن أولاً وأخيراً بهذا النظام الطائفي القائم ولا حل لأزمة لبنان إلا بتغييره».
وقال الراعي أمام الوفود التي زارته: «علينا تشخيص مرضنا وطرح معاناتنا انطلاقاً من 3 ثوابت هي وثيقة الوفاق الوطني والدستور والميثاق، وكل ما يجري الخلاف عليه اليوم في الداخل هو بسبب التدخلات الخارجية». كما دعا الراعي كل فريق إلى «وضع ورقة حول مشكلتنا في لبنان لتقديمها كورقة واحدة إلى الأمم المتحدة من دون الرجوع إلى أي دولة».
وقد زار بكركي وفد من التيار الوطني الحر والتقى البطريرك الماروني مار بشارة الراعي وبحث معه الأوضاع العامة. وقال النائب روجيه عازار باسم الوفد «أبلغنا البطريرك ان «التيار» على استعداد للبحث والمساعدة في اي طرح يعزّز هذه الأهداف على قاعدة الحوار الشامل بين اللبنانيين». وتابع «أما المصطادون في الماء العكر، فنقول لهم إن هذا الصرح اكبر وأنقى من ان تطاوله سهام الكيد والسلبية. وما بينه وبين «التيار الوطني»، قيادة وجمهوراً، لن تقوى عليه ألسنة السوء والأيام شواهد». وخلال اللقاء تلقى الراعي اتصالاً من باسيل.
كما تلقى الراعي اتصالاً من الرئيس المكلف سعد الحريري، وجرى النقاش في المستجدات السياسية. واستقبل البطريرك المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وبعد اللقاء، أشار اللواء إبراهيم إلى أننا «بحثنا في موضوع تشكيل الحكومة، أنا اتولى جزءاً من المساعي وغبطته يتولى الجزء الآخر، لذلك، لا بد من التلاقي من حين الى آخر لاستكمال الجهود على أمل أن تتحسن الامور».
في المقابل، أشارت مصادر مطلعة على موقف مرجعية عاملة على خط التأليف لـ»البناء» إلى أن «بعض المبادرات لا سيما مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري اصطدمت بجدار الرفض من بعبدا وكل المبادرات التي طرحت وصلت إلى طريق مسدود». وقالت: «إذا كانت مبادرة الرئيس بري لم تصل إلى خواتيمها السعيدة، فكل المبادرات الأخرى لا تملك المقومات اللازمة وبالتالي لن يكتب لها النجاح لإنقاذ الوضع الحكومي»، ولفتت الى أنه لا تبدو في الأفق حلول لأزمة الحكومة نتيجة الاشتباك الإقليمي والصراع وعدم الثقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري.
وسجلت المصادر مؤشرات سلبية عدة تعزّز الاعتقاد بألا حكومة في المدى المنظور:
الأول السفير السعودي في لبنان وليد البخاري الذي زار المرجعيّات الروحيّة لم يقم بأي زيارة إلى المسؤولين السياسيين لا سيما الرؤساء الثلاثة. وهذا يؤشر الى أن السفير السعودي وبعد مرور ثلاثة أشهر على غيابه، لم يحمل معه أي مبادرة أو حل للمساعدة بتأليف الحكومة. وفي سياق ذلك علمت «البناء» أن «بعض المسؤولين اللبنانيين والعرب يبذلون جهوداً مع السعودية من خلال اتصالات ولقاءات مع مسؤولين سعوديين لتسهيل ولادة الحكومة فكان الجواب السعودي بالربط بين تسهيل التأليف في لبنان مقابل أن يقوم حزب الله بإقناع أنصار الله في اليمن بوقف الهجمات الصاروخيّة على المملكة».
المؤشر الثاني الموقف الفرنسي الذي لم يول الأهمية لزيارة الحريري الأخيرة الى باريس ورفض طرح أي مبادرة جديدة للحل ورفض الرئيس ايمانويل ماكرون زيارة لبنان إلا بعد تأليف الحكومة.
الثالث كان من المتوقع أن يزور ماكرون السعودية لمناقشة ملفات عدة معها ومن ضمنها الملف اللبناني لكن الزيارة لم تحصل ما يخفي موقفاً سعودياً حاسماً بعدم التدخل للتسهيل بلغ الرئاسة الفرنسية فأرجأت الزيارة.
وخلصت المصادر للإشارة الى أنه صحيح أن المشكلة داخلية، لكن الاشتباك الاقليمي لا يعزز فرصة إنقاذ الحكومة.
في موازاة ذلك، أكدت كتلة المستقبل النيابية في إطار جولة على القيادات الروحية بدأتها من دار الفتوى أن «الحريري يعمل استناداً إلى الدستور، وهو حريص على حقوق جميع اللبنانيين الذين نبذوا اللغة الطائفية والمذهبية التي دمّرت البلاد». وخلال زيارتها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، برئاسة بهيّة الحريري. قال النائب وليد البعريني باسم الكتلة: «نقلنا للمفتي أن الرئيس الحريري ومنذ تكليفه، عمل جاهداً للوصول إلى حكومة مهمة من أصحاب الاختصاص غير الحزبيين، المشهود لهم بالكفاءة لإجراء الإصلاحات الضرورية، ووقف الانهيار وإعادة إعمار ما دمّره انفجار المرفأ، والحريري كرَّس كل علاقاته الخارجية وهو يقوم بزيارات عدة لدول شقيقة وصديقة، لتأمين شبكة دعم عربية ودولية للبنان، تساعده في تخطي المشاكل التي يعيشها».
في المقابل أكدت كتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب محمد رعد على «وجوب التوصل بسرعة الى تفاهم يقضي بحكومة جديدة فاعلة لا أسيرة عدد معين ولا عدم توازن»، مشيرة إلى أن «ضرر التأخير بتشكيل الحكومة أكبر من ضرر أيّ تنازل». ولفتت الكتلة في مجال آخر، إلى أنه «مع تعيين قاضي تحقيق جديد بقضية انفجار مرفأ بيروت المريع الذي حصل في الرابع من آب 2020، تطالب الكتلة بالمتابعة الدقيقة والوازنة لمعرفة كامل الحيثيات وتؤكد على نشر التحقيق التقني الذي أنجز من الأجهزة المختصة بالتعاون مع أجهزة دولية، ولا يجوز أن يستمر توقيف الموقوفين الأبرياء لأن في ذلك ظلماً غير مبرر». ولفتت إلى «ضرورة قيام لبنان عبر وزاراته بحملة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ضد التسرّب النفطي لما يمثل اعتداء بيئياً من قبل «إسرائيل» التي تهدد السلامة البيئية في منطقتنا».
وفي ظل الجمود الحكومي، تتفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية ما يضع البلد أمام انفجار اجتماعي محتوم إذا ما استمر الوضع على حاله، فيما يتمادى سعر صرف الدولار بالارتفاع في السوق السوداء من دون أي رادع وبلغ 9525 ليرة للشراء مقابل 9575 ليرة للمبيع مع ترجيح الخبراء أن يقفز إلى ما فوق الـ10 آلاف ليرة خلال الأيام القليلة المقبلة.
ولا يكفي المواطن ارتفاع سعر الصرف وأسعار السلع والمواد الغذائية في السوبرماركات وأيضاً أسعار المحروقات التي ترتفع تدريجياً من دون حسيب أو رقيب، حيث يسعى التجار الى رفع السعر تحت حجة ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، سجلت مختلف المناطق اللبنانية مزيداً من التقنين القاسي في التيار الكهربائي بسبب التأخير بفتح اعتمادات للشركات في مصرف لبنان. وتوقعت مؤسسة كهرباء لبنان في بيان أمس، أن «تتحسن التغذية تدريجياً فور المباشرة بتفريغ حمولتي الناقلتين البحريتين، Grade A) و(Grade B) لافتةً الى أنه من المرتقب وصول شحنة محملة بمادة الغاز أويل مساء السبت 27 شباط بما سيساهم بتحسن اضافي للتغذية بالتيار الكهربائي في حال تم استكمال الإجراءات المصرفية، وصدور موافقة المورد لتفريغ حمولتها”.
وفيما بدأ انعكاس ارتفاع أسعار المحروقات على السوق لا سيما على قطاع النقل تردد عن توجّه لرفع تعرفة “السرفيس” الى 5000 ليرة لبنانيّة ابتداء من أول آذار المقبل. إلا أن المكتب الإعلامي لوزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال ميشال نجار، نفى الخبر مؤكداً أنه عار عن الصحة.
وفي السياق نفسه، نفى رئيس اتحادات ونقابات النقل البري بسام طليس في تصريح المعلومات عن رفع تعرفة السرفيس الى 5000 ليرة بداية الشهر المقبل.
على صعيد مصرفي، وفيما عزت مصادر مصرفيّة سبب ارتفاع سعر الصرف الى زيادة الطلب عليه بسبب اقبال المصارف على شراء الدولارات من السوق السوداء لكي ترفع سيولتها واحتياطاتها لتنفيذ تعميم مصرف لبنان. كرّر الأخير الطلب من المصارف ارسال كافة بياناتها الى لجنة الرقابة على المصارف التي تقوم بدورها بالتدقيق بها وإرسال التقارير المتعلقة بها الى مصرف لبنان وذلك بعد تاريخ 28 شباط 2021”.
على صعيد آخر، أشار وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن إلى أن “الوزارة أعطت 24 إفادة لشركات خاصة لاستيراد اللقاح، ولكن لم تتمكن أي شركة من تحقيق ذلك حتى الآن”، وأعلن أن “هذه الشركات ليست من بعلبك، ولا تربطني أي علاقة بأي منها”. ورأى حسن أن “ما حصل مع النواب هو درس للجميع ولكل الإدارات والمؤسسات”، وأضاف: “استخلصنا العبر والهدف هو تنقية المسار للمستقبل”.
المصدر: صحف