ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاثنين 10 آب 2020، على المؤتمر الدولي الداعم للبنان والذي انعقد في باريس، واستقالات الوزراء والنواب من الحكومة والمجلس النيابي على وقع انفجار 4 آب، والترهل الذي اصاب النظام حيث بات الحديث عن مصير حكومة حسان دياب مدار تساؤل حول امكانية بقائها حتى يوم الخميس…
* الاخبار
هل ترعى فرنسا حواراً وطنياً؟ نظام جديد أو الفوضى!
أيام الاسئلة الكبرى؟
ابراهيم الأمين
استقالة حكومة او هزيمة سلطة او سقوط للنظام. ما جرى ويجري، منذ انفجار الرابع من آب، يقود الى الاسئلة الكبرى امام الناس جميعاً، مواطنين ومسؤولين… ومتآمرين ايضاً. وهي اسئلة تخص الخارج المهتم بخلاص لبنان، او ذاك الباحث عن فرصة لتدميره نهائياً.
وقع حسان دياب تحت الضغط الكلي. مشكلته لم تكن محصورة بالقوى المعارضة لوجوده في السراي، بل في حلفائه ايضاً. وهو وجد، من تلقاء نفسه، ان اقتراح الانتخابات المبكرة قد يمثل مدخلا لهدوء يقود الى حل. نسي الرجل ان قواعد اللعبة ليست للشارع كما يظن المتوهّمون، بل لمن لا يزال بيده الامر. فكان القرار باطاحته مشتركاً: الرئيس ميشال عون الذي تعني له الانتخابات النيابية نزعاً للشرعية عنه. جبران باسيل الذين تعني الانتخابات المبكرة تشليحه نصف كتلته النيابية. سعد الحريري الذي لا يطيق الجلوس في البيت والخائف من ان تصبح كتلته بضعة نواب على شاكلة ديما الجمالي. وليد جنبلاط الذي يخشى على مصير زعامته..وفوق كل هؤلاء، الرئيس نبيه بري الذي لم يكن اصلا من المرحّبين بحكومة دياب. وكان ولا يزال يفضل الحريري على جميع الاخرين، والهارب ايضاً من ضائقة شعبية لا يمكن لحزب الله ان يعالجها كل الوقت… كل هؤلاء، معطوفين على الجهد المتواصل من الاميركيين وحلفائهم السعوديين والاسرائيليين، ومنظماتهم غير الحكومية في لبنان، انتج الجدار المرتفع الذي يعطل كل شيء. فكانت النتيجة القرار المبدئي باستقالة الحكومة. سيكون بوسع حسان دياب ان يستقيل بدل ان تتم اقالته في المجلس النيابي، وهو الذي رفض فكرة استدعائه لتحميله مسؤولية جريمة ارتكبها كل خصومه من داخل الحكومة وخارجها خلال السنوات الماضية. ومعه وزراء هم اليوم في حالتهم الطبيعية، عراة من كل شيء، لا قوة لهم ولا ثمن. من أتى بهم يبيعهم على مفترق طرق. يجري كل ذلك، وسط حال من الجنون تسود الشارع ومعه الاعلام الفاجر المنتشر على كل الشاشات والمنابر.
لكن الى اين من بعد هذه الهزة؟
الطبقة السياسية تريد تنفيذ توصية الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتشكيل حكومة وحدة وطنية. يعتقدون انه في حال استقالة حكومة دياب، سيُدعون الى استشارات نيابية تسمّي الحريري بطلاً منقذاً، على ان يجري منحه فرصة تشكيل حكومة تضم ممثلين عن كل القوى السياسية من دون أقطابها، وان يصار بعدها الى وضع برنامج عمل هدفه تهدئة الوضع في انتظار القرار الدولي.
لكن من يفكرون بهذه الطريقة، هل يملكون الاجابة عن الاسئلة المحرّمة، ومنها:
– ماذا يعني الفشل في تشكيل حكومة سريعاً؟ هل يصبح الجيش المكلف بقرار ادارة العاصمة الكبرى في ظل حالة طوارئ الحاكم الفعلي للبلاد؟ وهل الجيش قادر على هذه المهمة وهو الذي فشل في ادارة شوارع مثلومة الاسبوع الماضي؟ وهل لدى قيادته وهم بأن سلطة الامر الواقع تتيح له تشكيل حكومة واجراء انتخابات والاتيان بقائد الجيش رئيسا للجمهورية؟
– من سيكون المسؤول عن البلاد بعد ثمانية ايام، عند صدور قرار المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري؟ من سيتسوعب الصدمة ومن يمكنه ضبط الشارع الذي سيتصرف على انه اسقط الحكومة وعليه اسقاط المجلس النيابي ورئيس الجمهورية ايضا؟ وكيف سيكون الوضع لو ان الشارع ضم الى مهامه ايضاً مهمة تنفيذ حكم المحكمة الدولية؟
– فرنسا التي قادت مؤتمراً لتحصيل مساعدات تقرر حصرها بنتائج الانفجار، تقول انها جمعت نحو ربع مليار يورو. لكنها – كما الولايات المتحدة – تريد ان تشرف الامم المتحدة على انفاقها. وهي تريد ذلك في ظل وجود الحكومة، فكيف اذا صارت البلاد من دون حكومة. وبالتالي، فان الامم المتحدة، وكر الفساد الاول في عالم المساعدات، ستتولّى تشكيل «حكومة ظل» قوامها مرتزقة المنظمات غير الحكومية ليتولّوا الاشراف على صرف المساعدات، وبالتالي الدخول الى الادارة العامة، وتخيلوا ما بعد ذلك.
– اذا كان اسقاط حكومة حسان دياب هدفاً بذاته، فان الفرق اللبنانية لديها اهدافها الاخرى. والمرجح ان الساعين الى رئاسة الجمهورية سيدعمون تنشيط المعارضة لاسقاط المجلس النيابي، وهم يعتقدون بأن انتخابات جديدة تحت اشراف دولي ستتيح تغييرا واسعا في تركيبة المجلس النيابي، وسيجدون العلاج لملف الرئاسة واطاحة الرئيس عون من بعبدا. وهؤلاء، سيفتحون بازار المفاوضات مع كل شياطين الارض لتحقيق الحلم بالوصول الى الرئاسة. وعندها سنقترب من الملفات الحساسة.
– العالم الخارجي الذي «حزن» بعد انفجار المرفأ، قرر صرف مساعدات موضعية. لكن قرار فك الحصار عن لبنان لم يحصل بعد.
وبالتالي فان هذا العالم لديه مطالب غير تلك التي تهم الجياع والمطالبين بحسن التمثيل. هدفه واحد ومحصور في ضرب المقاومة. وهذا العالم، سيعتقد انه بمقدوره الضغط اكثر على اللبنانيين بغية ممارسة ضغط جانبي على المقاومة لاجبارها على الاتيان الى طاولة لتفاوض على سلاحه ولو بالتقسيط، هل يعتقد هؤلاء ان مصير المقاومة يعالج كأننا نصنع العجة؟
– حسناً، اذا كان الهدف اسقاط السلطة لانها لم تعد قادرة على القيام بمهمات تلبي حاجات الناس، فهل يحاول هؤلاء الهروب من استحقاق تغيير وجه النظام القائم وقلبه، سياسيا واقتصاديا واداريا. من يرد تعديل قواعد اللعبة، عليه ان يعرف ان المطلوب فعلياً ليس تغيير الحكومة، بل تغيير النظام، وهذا يعني الآن امراً واحداً: رصاصة الرحمة على اتفاق الطائف.
– اذا كانت فرنسا حصلت على تفويض ولو جزئي من العالم لادارة الازمة اللبنانية. واذا كان خيار تغيير النظام هو الاساس. فان الطاولة المستديرة التي جمع الرئيس الفرنسي اقطاب البلاد حولها، سيُعاد تشكيلها بغية ادارة حوار يستهدف عنوانا جديدا، وهو الاتفاق على نظام جديد في البلاد، ما يعني ان ثمن الانهيار القائم اليوم، هو المباشرة بالعمل على مؤتمر تأسيسي جديد لتشكيل سلطات جديدة، نيابية وحكومية وادارية وعسكرية وخلافه. واذا كانت سوريا منهكة بدمارها، والسعودية غير مؤهلة لادارة شؤونها، واميركا كما بقية العالم تشكل طرفا في الازمة، فهل توكل الى فرنسا مهمة ادارة حوار لبناني – لبناني للاتفاق على نظام سياسي جديد. وفي هذه الحال، هل يعلم الناس ان فرنسا ستتحدث باسم المسيحيين، اما المسلمون فسيواصلون انقساماتهم من دون التوصل الى قواسم مشتركة… وعندها سنكون امام لوحة فوضى مكتملة.
– سيحصل كل ذلك، والبلاد تسجل مزيداً من الانهيار الاقتصادي والمالي. فهل سيعود رياض سلامة حاكما لكل الادارات وليس للسياسات النقدية فحسب. وتطيير الحكومة الحالية يعني تطيير كل اشكال التدقيق الجنائي المحلي او الدولي في عمليات مصرف لبنان وبقية المصارف. وهذا هدفه الاول، لكن هل يمكنه إدّعاء القدرة على توفير تمويل للعصابة اياها لادارة البلاد من جديد؟
– الاكيد ان الاميركيين يعتقدون ان الافضل، الان، هو سقوط الحكومة وعدم تشكيل حكومة بديلة سريعا، وان يصار الى فرض سلطة الجيش مع وصاية خارجية على اقتصاد البلاد. وهم سيكثرون من الكلام عن ان لبنان قابل للحياة من جديد، فقط اذا قرر التخلي عن المقاومة.
ايها اللبنانيون، استعدوا لما هو اسوأ. واستعدوا لمنازلات لا نعرف حدودها ولا مساحتها ولا طبيعتها، واستعدوا لتحمل مسؤولية ما تقولون وما تفعلون وما تقرّرون من خطوات لاحقة… ولا شيء أمامكم أكثر وضوحا من فوضى الانهيار الكبير.
استقالات بالجملة تقلب المشهد السياسي: صلاحية الحكومة انتهت
استقالة الحكومة لن تتأخر. سقطت كل مبررات بقائها بعد ٤ آب. الدفع الدولي يقود إلى إعادة بناء للنظام على أسس جديدة. هذا يفترض وجود حكومة تمثّل جميع الأطراف. لم ينضج هذا التوجه بعد. المعارضة تسعى إلى عرقلته. وهي لذلك تزين فوائد الاستقالة من مجلس النواب. والقوات تتباحث مع الاشتراكي والمستقبل في إمكان نزع الشرعية الميثاقية عن المجلس، تمهيداً لفرض انتخابات مبكّرة
انتهى عمر حكومة حسان دياب، أو يكاد. المسألة مسألة وقت. في أي دولة في العالم، الاستقالة تلك يفترض أن تكون نتيجة طبيعية لكارثة بحجم انفجار المرفأ، إلا في لبنان. الحكومة ستستقيل لأن لا مكان لها في مرحلة ما بعد ٤ آب. ليس الحكومة فحسب. العوامل الداخلية كلها لا دور لها في المرحلة المقبلة. الانفجار قلب الموازين الغربية في التعامل مع لبنان. كان هدف الحصار خنق لبنان واقتصاده وأحزابه، لا قتله. لكن الانفجار أودى بالبلد إلى أبعد بكثير من الخطط الغربية. هذا اغتيال بالجغرافيا استدعى تغييراً جوهرياً يضمن عدم انهيار لبنان. وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت على وجه السرعة، لم يكن للتعزية حصراً. زيارته أعلنت عودة الفراغ إلى السلطة التنفيذية، تمهيداً لإعادة ملئها ببركة الغرب. الزيارة، كما مضمونها التسووي، كانت مدعومة أميركياً أيضاً. بحسب المعلومات، فإن اجتماعاً عقد في الخارجية الأميركية في اليوم الذي تلا الانفجار لتقييم الموقف. وقد خلص إلى أن الأولوية اليوم هي المحافظة على الستاتيكو القائم، لأن لا مصلحة أميركية في انزلاق الأمور وخروجها عن السيطرة. وقبل ذلك كانت السفارة الفرنسية قد أجرت مسحاً بيّن لها أن الخيارات محدودة في لبنان، ولا بديل من إعادة لم شمل السلطة لمواجهة التحديات، خاصة مع اقتناعها بأن المجتمع المدني المتشرذم ليس قادراً على إنتاج أي بديل جدي. «رويترز» نقلت عن مسؤول في الإيليزيه قوله إن «ماكرون أبلغ ترامب أن سياسات الضغط الأميركية يمكن أن يستغلها حزب الله».
مواقف ماكرون في بيروت جاءت لتعبّر تماماً عن هذه الخلاصات، التي على أساسها بدأت فرنسا التأسيس للمرحلة المقبلة، وعنوانها تدويل الحل، بصرف النظر إن كان هذا الحل على شكل تعويم للنظام الحالي على أسس جديدة أو التأسيس لنظام جديد. أكد ماكرون ذلك عبر تويتر: «يتم الآن رسم مستقبل لبنان مع شركائه الدوليين». أبرز هؤلاء الشركاء هو أميركا، التي توفد وكيل وزارة الخارجية ديفيد هيل إلى بيروت، في مسعى لإحراز تقدم في ملف الترسيم البحري، بوصفه جزءاً من الملفات التي ينبغي ترتيبها في المرحلة المقبلة.
الحلول المطروحة إما أن تكون القوى السياسية جزءاً منها أو تكون خارجها. أحزاب المعارضة، ولا سيما الثلاثي الرئيسي المستقبل والاشتراكي والقوات، لا تزال تسعى إلى فرض أمر واقع قد يعدّل بعضاً من الخطط الغربية لصالحها. تفعل ذلك، بالرغم من أنها أيقنت، بعد لقاء ماكرون، أن أدواتها محدودة، وأن فكرة الحكومة الحيادية غير واردة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الانتخابات المبكرة، التي اعتبر ماكرون أنها ليست أولوية. لم يعد بيدها سوى ورقة الشارع، والسعي لاستغلال حالة الغضب الشعبي، التي أعقبت الانفجار الذي أدى إلى مقتل وجرح الآلاف، ودمر العاصمة.
الغضب والقهر أعادا إحياء الانتفاضة في وجه السلطة السياسية، بكل أوجهها، إن كانت في الحكم أو في المعارضة. وقد حمّل المنتفضون الجميع مسؤولية ما حصل. وهو الغضب الشعبي الذي استمر يوم أمس أيضاً، حيث قوبل بإطلاق الغاز المسيل للدموع بكثافة غير مسبوقة.
تحرك الشارع مجدداً هو جزء من الحراك المتكامل الذي يشهده لبنان على وقع التغيرات المقبلة حتماً، والتي لا تزال غير واضحة المعالم. أبرز المطالب في الشارع كان استقالة الحكومة وتأليف حكومة إنقاذ حيادية وإقرار قانون انتخاب غير طائفي تجرى على أساسه الانتخابات (مع غياب التوافق على المطلب الأخير). أما مطلب الانتخابات المبكرة، فقد بقي مطلباً للقوى المعارضة وحدها، ظناً منها أن النتيجة ستكون حصولها على الأغلبية، من خلال الرهان على ميل المزاج المسيحي باتجاهها. إن حصل ذلك، فسيكون بمقدورها لعب دور أكبر في المرحلة المصيرية المقبلة. وبالتالي، إذا لم تضمن أن تؤدي الاستقالة إلى انتخابات مبكرة، فهي لن تقدم على المغامرة بالاستقالة من مجلس النواب، بما يؤدي إلى تعزيز حضور أحزاب السلطة. ولأن القوات تعتبر أن الاستقالات في شكل عشوائي وغير مدروس لن تؤدي إلى استقالة مجلس النواب، بل إلى انتخابات فرعية لملء الشغور الحاصل، فقد أكدت مصادرها أن اتصالات تجري بينها وبين الاشتراكي والمستقبل في سبيل البحث في استقالة الأطراف الثلاثة من المجلس، إذ ستؤدي استقالة كهذه إلى فقدان المجلس لميثاقيته السنية والدرزية، وستؤدي إلى استقالة أكثر من ثلث أعضاء المجلس، ما يزيد من صعوبة إجراء انتخابات فرعية لعدد كبير من النواب، ويمهّد بالتالي لانتخابات مبكرة.
إلى حين أن تتبلور هذه الوجهة، فإن هذه الأحزاب لم تعترض على استقالات نيابية محسوبة عليها، انضمت إلى موجة الاستقالات التي رست، حتى مساء أمس على تسعة نواب (مروان حمادة، سامي الجميل، نديم الجميل، الياس حنكش، ميشال ضاهر، نعمة افرام، ميشال معوض وهنري حلو وديما جمالي).
بري يشارك في دفع دياب نحو الاستقالة
الاستقالات وصلت أيضاً إلى الوزراء، الذين استقال منهم الوزيران منال عبد الصمد ودميانوس قطار، مع تردد احتمال استقالة آخرين اليوم. وعلى وقع هذه الاستقالات، شهد السراي الحكومي اجتماعات مكثفة أمس عنوانها توحيد الموقف. بالنتيجة، خرج وزراء ليؤكدوا أن لا استقالة للحكومة. وزير الصناعة عماد حب الله أعلن من السراي أن لا استقالة، «وسنستمر في تحمّل مسؤولياتنا، ولن نخضع للضغوطات أو الابتزاز».
المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه دياب، يوم السبت، نيّته تقديم مشروع قانون لتقصير ولاية المجلس النيابي، إضافة إلى إشارته إلى أنه سيتحمّل مسؤولية الحكومة مدة شهرين حتى تصل الأحزاب السياسية إلى اتفاق، لم يكن منسّقاً مع أحد. وبحسب المعلومات، فإن الرئيس نبيه بري كان من أكثر المنزعجين من مواقف دياب، ولا سيما من طرح الانتخابات المبكرة. ولذلك، لم يتأخر في الرد، فدعا هيئة مكتب المجلس إلى الانعقاد الثلاثاء، قبل أن يعلن عن عقد جلسات مفتوحة لمساءلة الحكومة بدءاً من الخميس. تلك الخطوة أيضاً لم تكن منسّقة مع الحلفاء، وقد فوجئ بها حتى أعضاء هيئة المكتب، الذين لم يعلموا بداية سبب الدعوة.
يأمل بري أن تستقيل الحكومة قبل موعد الجلسات النيابية. تلك رسالة واضحة وصلت إلى دياب. لكن بحسب المعلومات، فإن دياب أعلن أنه لن يستقيل. لكن مع ذلك، فإن اليوم سيكون حاسماً. قد يضطر إلى الاستقالة إذا وجد أن موجة الاستقالات ستستمر. وهو يملك الحجة لذلك، حيث يتوقع أن يرفض مجلس الوزراء اقتراحه تقديم مشروع قانون لتقصير ولاية المجلس.
المشكلة أن البديل لم ينضج بعد. ربما تحرر سعد الحريري من الضغط الأميركي الذي يمنعه من تولي رئاسة حكومة تضم حزب الله، لكنه لم يحصل على الضوء الأخضر السعودي بعد. وفيما تعهد ماكرون بإعداد الأرضية لتأليف حكومة الوحدة الوطنية في كل من إيران والسعودية، يبدو أن السعودية ليست متحمسة لعودة الحريري، وليست مستعدة بعد للتسليم لحزب الله بالبقاء بالحكومة. وقد أكد وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، في مؤتمر دعم لبنان، أن «هيمنة حزب الله في لبنان مثيرة لقلق الجميع، مشيراً إلى أن الحزب له سوابق في استخدام المواد المتفجرة في عدد من الدول العربية والأوروبية والأميركية، إضافة إلى تخزين المتفجرات بين المدنيين».
الانتخابات المبكرة… غير متوفرة حالياً
كانَ يُظَنّ أن حسان دياب لا يتزحزَح عن منصِبه. لكن رئيس الحكومة «العنيد» اهتزّ. هالَه مشهدان: «يومُ الحساب» الذي استحالَ غضبة سياسية في الشارع، وكلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن حكومة «الوحدة الوطنية»، امتداداً للإصرار على مسار الإصلاحات كجسر عبور للإنقاذ المالي. شعرَ دياب من حديث ماكرون بأن هناك مناخاً تفاهميّاً ونية لعودة الأصيل، ففضّل البحث عن مخرج لائِق لنفسه، يُرضي من خلاله الشارِع والخارج معاً، بعدَ إفشاِله في تطبيق الإصلاحات وتنفيذ ما جاء في البيان الوزاري. وفي الوقت ذاتِه، ظهَر كمن يناور، بوضع القوى السياسية تحتَ الضغط، عبرَ تهديده بالاستقالة بعدَ شهرين، علّه يرفَع عنه الخناق ويسمَح له بتنفيذ بعض الإصلاحات. لكن المفاجئ في بيان دياب الذي تلاه أول من أمس، على مرأى المشانق والمحاكِم الميدانية، كان في طرحه الانتخابات النيابية المُبكرة. وهو ما لم يكُن مُنسّقاً مع القوى الممثلة داخِل الحكومة، ولا يبدو مقبولاً عندها. كما أنه ليس مُستساغاً عندَ كل القوى المعارِضة.
الزمن ليس ٢٠٠٥. القوى السياسية. الناس، الشوارع، التحالفات كلّها ليستَ كما ٢٠٠٥. السيناريو نفسه. زلزال أمنيّ فغصب شعبي يجري توظيفه، ثم الدعوة إلى إسقاط الحكومة والذهاب إلى انتخابات نيابية وقلب الموازين، لكن «الفيلم محروق» ولن يُعاد إنتاجه. بلا أدنى شكّ، إن المشهد اليوم أكثر دراماتيكية، فالدولة ومؤسساتها سبقت مدينة بيروت إلى الانهيار. صور الحطام الذي خلّفه الفساد ليسَت سوى انعكاس لصورة الدولة المفلسة العاجزة والمهدومة. إفلاس مالي واقتصادي وحصار كُسر جزئياً من جرّاء زلزال المرفأ. كلّه لا يلغي حقيقة تبدّل الواقع السياسي في المنطقة، ومفاوضات تشق طريقها بعناية وسط الصواعق. وهذا ما يجعَل من تكرار المسار الذي لحِق باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي حاول بعض الأطراف السياسيين فرضه، بلا جدوى حتى الآن.
حين أعلنَ دياب نيته طرح مشروع قانون الانتخابات المبكرة على مجلس الوزراء، فتَح باباً لعشرات الأسئلة عمَّا يُحاك خلف الكواليس، وهل كانَ الطرح ترجمة لحركة سياسية تَعمل في الغرف المُغلقة تجاوباً مع زيارة ماكرون، ليتبيّن أن ما قاله هو مِن بنات أفكاره، والغالبية الوازنة من القوى السياسية لا ترفضه ولا تؤيده، سواء الأطراف المشاركون في الحكومة أم من هم في خارجها، ما يجعله طرحا ضعيفاً، حتى اللحظة، لأسباب عديدة:
لا فرق عند حزب الله أو حركة أمل بالنسبة إلى الانتخابات المبكرة. المسألة ليست مسألة نتائج. لقد أعطاهم بعض الخصوم في الشارع هدية مجانية، باستفزاز شارعهم ودفعه أكثر إلى التشبّث بهما. قد يرفض الطرفان الاقتراح، بسبب عدم السماح للأطراف الذين كشفوا باكراً عن مشروعهم بالتحكم في الساحة السياسية.
جنبلاط في انتظار ما سيحمله الموفد الأميركي ديفيد هيل
رُغم التنسيق الذي حصل بينَ «المستقبل» و«القوات» و«الاشتراكي» بشأن الاستقالة الجماعية من مجلِس النواب، لا يصبّ الذهاب إلى انتخابات نيابية مُبكرة في صالح سعد الحريري. رئيس تيار «المُستقبل» مأزوم إلى درجة كبيرة. جرت مُحاصرته بشكل مُحكَم، بينَ التلويح له بورقة شقيقه بهاء الحريري (كانَت له إطلالة على قناتي «سي أن أن» الأميركية و«سكاي نيوز عربي» الإماراتية) وبينَ إدراكه أنه سيخسر جزءاً من كتلته في أي انتخابات، فضلاً عن أن الحريري لا يزال يُحاذِر الدخول في صدام مع حزب الله، ويحيّده عن المعركة مع دياب والعهد. وبحسب الأجواء، يبدو الحريري هو «الأعقل» بينَ وليد جنبلاط وسمير جعجع، وهذا ما يُفسّر المعلومات التي تحدثت عن عدم حماسته للاستقالة، لاقتناعه بأن الأولوية في هذه اللحظة الدولية هي للحديث مع الجميع.
الأكيد أن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس تكتّل «لبنان القوي» جبران باسيل لن يُقدِما على الخطوة. يتعرضان لضغط كبير «في الشارع المسيحي»، كثّفه انفجار المرفأ. وثمة همس كثير عن الكلفة التي دفعها العونيون من جرّاء أداء السنوات الماضية، سواء لجهة التحالفات أو أداء التيار نفسه. لكن عون لن يسمَح بأن يتّم التعامل معه كما جرى مع رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، الذي عُزِل في قصر بعبدا بعدَ أن تسلمت ١٤ آذار السلطة. وهو يرى أن الدول التي كانت تحاصِر لبنان لم تستغل حادث المرفأ للإطباق على العهد. يستدل العونيون على ذلك بالاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب به للقول إن الوضع مُختلف، وربما كانَ لهذا الاتصال علاقة بخيبة الآذاريين الذين سعوا أول من أمس إلى ركوب موجة الانتفاضة مرة جديدة.
وليد جنبلاط لا يُمكن التعويل عليه. هو اليوم يدعو إلى انتخابات مبكرة، وقد يقول غداً إنه لا يُريدها، ثم يعيد المطالبة بها ثم يتراجع. هو ينتظر، مع آخرين، تطوّر الأحداث في الأيام المقبلة التي ستحمِل معها الموفد الأميركي ديفيل هيل إلى بيروت.
التفجير أباد القطاع السياحي: 10 آلاف مؤسّسة تضرّرت و100 ألف بلا عمل
ثوانٍ معدودة كانت كفيلة بالقضاء على القطاع السياحي وإرسال عشرات الآلاف إلى البطالة. أطلقت كارثة المرفأ رصاصة الرحمة على المؤسسات السياحية التي تعاني منذ سنوات والتي أغلقت المئات منها أبوابها منذ مطلع العام الجاري بسبب الأزمة الاقتصادية وجائحة كورونا. فيما من تبقّى منهم كان يحاول شراء الوقت والحدّ من الخسائر… إلى أن حلّت الفاجعة التي أدّت الى «محو» القطاع الذي كان يشكل ركيزة أساسية للاقتصاد (قُدّرت مداخيله بنحو 4 مليارات دولار عام 2018).
قبل الانفجار، كان القطاع السياحي يتحضر، في الأيام المقبلة، لإعلان «ثورة الكراسي والطاولات»، إلى أن قضت الكارثة «النووية» على ما تبقى من كراسٍ وطاولات كان يُفترض أن تُستخدم لقطع الطرقات في المناطق اللبنانية كافة، تعبيراً عن احتجاج المؤسسات السياحية على تجاهل الحكومة لمطالبها لأشهر وعدم اتّخاذها أيّ مبادرة لدعم القطاع.
لا ثقة للمؤسسات بتعاميم سلامة ولا نيّة للترميم قريباً
كانت الحكومة، لدى إعادة فتح المطار، تمنّي النفس بالـ Fresh Money عبر اجتذاب السياح كون لبنان أصبح بلداً «رخيصاً»، إلّا أنّ الانفجار أدّى إلى «إبادة» القطاع السياحي برمّته، مع خسائر تقدّر «بأكثر من مليار دولار»، بحسب طوني رامي، نائب رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري. وأوضح أن «70% من الكثافة السياحية في لبنان تتركز في نطاق بيروت الكبرى، وقد طاولت أضرار الانفجار، مباشرة وغير مباشرة، أكثر من 10 آلاف مؤسسة سياحية، من فنادق ومطاعم وملاهٍ ومقاهٍ وشركات تأجير سيارات وشقق مفروشة ومحلات حلويات وباتيسري وغيرها». وتراوح خسائر المؤسّسات بين عشرات آلاف الدولارات لبعض المؤسسات وعشرات الملايين لأخرى، خصوصاً الفنادق التي «تضررت غالبيتها، خصوصاً الكبيرة منها التي توقفت عن العمل مثل فينيسيا ولو غراي وهيلتون وفور سيزنز ومونرو وغيرها»، بحسب نقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر. أما الأضرار غير المادية فهي أشدّ ضخامة. إذ يشير رامي إلى أن «أكثر من 100 ألف عامل في القطاع السياحي من أصل 150 ألفاً أصبحوا بلا عمل». وبطالتهم قد تطول كثيراً، خصوصاً أن لا نية لدى المؤسسات السياحية لتحمل كلفة الترميم، إذ، بحسب رامي، «لا ثقة لدينا بتعاميم رياض سلامة التي لم يطبّق أي منها، وندعوه إلى التوقف عن إصدار تعاميم وهمية وبالونية. ندرك أننا لن نحصل على أي قرض، لذلك فليوفّر علينا التنظير». الأشقر، من جهته، أكد أيضاً «رفضنا لتعميم الحاكم (رقم 152)، ونحن ننتظر صدور نتائج التحقيق وتحديد المسؤوليات. لن نرمّم على حسابنا ولن نتحمل أي دين يُضاف إلى الديون التي نحملها في الأساس».
ويطلب تعميم سلامة الذي أصدره أول من أمس من المصارف والمؤسسات المالية «أن تمنح قروضاً استثنائية بالدولار الأميركي للمتضررين من الانفجار في مرفأ بيروت (أفراداً ومؤسّسات فردية ومؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم وشركات، باستثناء المطورين العقاريين) بغية الترميم الأساسي لمنازلهم ولمقار مؤسساتهم».
أنقاض الانفجار طمرت القطاع السياحي الذي تشكل بيروت ركيزته الأساسية. لن تكون السياحة في المناطق، أياً بلغ نشاطها، قادرة على تعويض حجم الخسارة، إذ إن «مجمل الغرف الفندقية المتوفرة في فاريا وكفردبيان وفقرا وجزين، على سبيل المثال، لا يساوي عدد الغرف في فندق فينيسيا وحده»، على ما يقول الأشقر. أضف إلى ذلك أن لبنان كان بحاجة إلى «3 أو 4 أضعاف عدد السياح الذين كانوا يقصدونه سنوياً لتحقيق المداخيل نفسها التي كان يجنيها من القطاع السياحي قبل انهيار سعر صرف الليرة»، وفقاً للخبير الاقنصادي جهاد الحكيّم.
مجلس عسكري للعشائر برعاية دمشق: إطلاق المقاومة الشاملة بوجه الأميركيين!
لم تتأخّر دمشق في تلقّف الغضب الذي ولّدته عمليات الاغتيال المتكرّرة لشيوخ العشائر العربية في المنطقة الشرقية، إذ سارعت إلى إطلاق خطوات تنفيذية لاغتنام ما ترى أنها فرصةُ «إطلاق مقاومة شعبية» بوجه الاحتلال الأميركي. وهو ما بدأت بوادره أمس، بإعلان قبيلة العكيدات تشكيل جناح عسكري لها بالتنسيق مع الجيش السوري
أثبتت التطوّرات التي رافقت حادثة اغتيال أحد أبرز شيوخ قبيلة العكيدات، مطشر الهفل، أن هذه الحادثة ستشكّل محطّة تأسيسية في مسار استعادة العشائر وزنها في المنطقة الشرقية، وهو ما برز أولاً في التضامن العشائري اللافت مع العكيدات بوجه الأميركيين الذين وُجّهت أصابع الاتهام إليهم بالوقوف وراء عمليات الاغتيال الأخيرة. هكذا، بدأت العشائر العربية تستردّ حضورها ومكانتها، بعد تهميش امتدّ منذ سيطرة مسلّحي «الجيش الحر»، ومن ثمّ «جبهة النصرة» و»داعش»، على مناطقها، وصولاً إلى انتشار الأميركيين و»قسد» في أرياف دير الزور خاصة. يأتي ذلك بعد مطالبات كثيرة من قِبَل العشائر لقوى الأمر الواقع بمنح أبنائها دوراً سياسياً وعسكرياً، في ظلّ استمرار غياب الحكومة السورية، ليأتي الردّ على تلك المطالبات بعمليات اغتيال طالت شيوخها ووجهاءها.
وعلى رغم أن من غير المحسوم هوية الجهة التي تقف وراء الاغتيالات، فضلاً عن إمكانية أن تكون لـ»داعش» يدٌ فيها، إلا أن وقوعها في مناطق سيطرة «قسد» و»التحالف» يجعل الكشف عن مرتكبيها من مسؤوليتهما. لكن، وبدلاً من بذل جهد جدّي وحقيقي في هذا الإطار، سعت «قسد» إلى لصق التهمة بدمشق، وهو ما قوبل برفض عشائري. وكانت دمشق، التي تعتقد أن من واجبها الوقوف مع أبناء العشائر في ما يتعرّضون له، رأت في الاغتيالات فرصة «لاستنهاض همّة العشائر لإطلاق مقاومة شعبية»، تُعوّل عليها في طرد الأميركيين من المنطقة، واستعادة سيادتها على ثرواتها النفطية والزراعية. وانطلاقاً من ذلك، رعت الحكومة السورية، أمس، بشكل غير مباشر، اجتماعاً لأبناء قبيلة العكيدات في مدينة دير الزور، أطلقت من خلاله القبيلة رسمياً «مقاومة شعبية ضدّ الوجود الأميركي في المنطقة»، إذ أعلن المجتمعون تأسيس مجلسين سياسي وعسكري للقبيلة، في محاولة لاستعادة حضورها ودورها في حزام المناطق النفطية في دير الزور. وأصدرت العكيدات بياناً أعلنت فيه «تشكيل جيش العكيدات، كجناح عسكري مسلّح لتحقيق التحرير الشامل للأراضي السورية بالتنسيق مع الجيش السوري، وللقضاء على الإرهاب». كما أعلنت «بدء المقاومة الشعبية ضدّ المحتلّ الأميركي وأدواته ومرتزقته، واعتبارهم هدفاً مشروعاً للمقاومة»، داعيةً «شيوخ ووجهاء العشائر المرتبطين بالمحتلّ وأعوانه من أبناء القبيلة والمنطقة إلى العودة إلى حضن الوطن»، ومُوجّهةً التحية إلى «الجيش السوري وحلفاء وأصدقاء سوريا والرئيس بشار الأسد». اللافت في البيان هو حرص القبيلة على التأكيد أن تحرّكها مدعوم من الجيش السوري، إضافة إلى رفضها ضمناً أيّ اتّهام لروسيا أو لإيران بالوقوف وراء حوادث الاغتيال. من جانبها، أرادت دمشق إشهار دعمها لهذه المقاومة، والذي سيعني حتماً إمدادها بالعتاد والسلاح.
أرادت دمشق إشهار دعمها لهذه المقاومة، والذي سيعني حتماً إمدادها بالسلاح
وفيما يُتوقع أن يشهد يوم غدٍ الثلاثاء اجتماعاً لشيوخ قبيلة العكيدات ووجهائها في ديوان القبيلة في بلدة ذيبان بعد الانتهاء من مراسم العزاء بالشيخ مطشر الهفل، دعت قبيلة الشرابيين «أبناءها وكافة القبائل إلى مقاطعة قسد والتوحّد لمقاومة الأميركيين القَتَلة وأذنابهم في سوريا». وكانت «قسد» بدأت، في محاولة لامتصاص الغضب العشائري ضدّها، برفع حظر التجوال عن بلدات ذيبان والحوايج والشحيل، بعد أربعة أيام من فرضه، وسمحت بعودة الحركة التجارية إلى هذه البلدات. كما أفرجت عن عدد من المدنيّين الذين اعتقلتهم خلال الأيام الماضية، بينما أبقت على عدد كبير من الحواجز في المنطقة لمواجهة أيّ هجمات جديدة على قواتها. جاء ذلك في وقت نشرت فيه مواقع كردية، مقرّبة من «قسد»، تصريحاً لأحد قيادات «قوات سوريا الديموقراطية» اتهم فيه «خلايا تابعة للنظام السوري باستهداف نقاط للأسايش في ريف دير الزور، بهدف زعزعة المنطقة ونشر الفتنة بين العشائر وقوات قسد». وأكدت وسائل إعلام سورية رسمية، من جهتها، «تدمير 3 آليات لقسد في مدينة الشدادي جنوب الحسكة، خلال توجّه رتل لها إلى حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي»، فيما شنّ مسلّحون مجهولون هجوماً بالأسلحة الخفيفة على مقرّات «قسد» المنتشرة على ضفاف نهر الفرات، في بلدة جديد العكيدات في ريف دير الزور الشرقي.
في هذا الوقت، تداول ناشطون معارضون لـ»قسد» مقطعاً صوتياً لرئيس «مجلس دير الزور العسكري»، أحمد أبو خولة، يهاجم فيه العشائر ويقلّل من قدرتها على حكم مناطقها، وهو ما لاقى غضباً واسعاً في أوساط العشائر. ووفق المقطع الصوتي، قال أبو خولة إن «العشائر لن تنجح في إدارة مناطقها حالياً بوجود قسد والتحالف الدولي هناك، خصوصاً بعد فشلها إبّان سيطرة قوات المعارضة وداعش على تلك المناطق». وتابع: «عشائركم تريد أن تدير دولة، وهي قسم يُشبّح لأردوغان، وقسم يُشبّح للأسد (…) الآن الشوايا تريد أن تدير دولة».
* الجمهورية
الحكومة في مدار الاستقالة.. ومؤتمر باريــس يدعم اولياً بـ 300 مليون دولار
على وقع المؤتمر الدولي لدعم لبنان الذي نظمته باريس وقرّر تقديم نحو 300 مليون دولار مساعدة سريعة لـ«الشعب اللبناني»، بعد الإنفجارالزلزال الذي دمّر مرفأ بيروت وأجزاء كبيرة منها، تصدّعت الحكومة بترددات هذا الزلزال، حيث استقال وزراء فيها تحت وطأة ضغوط عليها لدفعها إلى الإستقالة، في ظلّ توقّعات أن تستقيل في أيّ وقت هذا الأسبوع، خصوصاً بعدما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسات مفتوحة للمجلس إبتداء من الخميس المقبل لمناقشتها على «الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها»، ما أثار الخشية من إسقاطها بنزع الثقة منها.
بدأ زلزال الانفجار يتحوّل تدريجاً زلزالاً سياسياً، إذ في الوقت الذي تتوالى الجنازات من منطقة إلى أخرى في وداع من سقط في انفجار المرفأ، تتوالى الإستقالات من الحكومة ومجلس النواب، ما يعني انّ حدود الانفجار لم تقف عند حدود الخسائر الفادحة على مستوى البشر والحجر، إنما تعدّتها إلى انفجار شعبي أعاد إحياء الثورة، ولكن بحلّة جديدة وغضب شديد، ووصلت إلى عمق مجلسي الوزراء والنواب.
فالأحداث أصبحت متسارعة جداً، فيما خطوات السلطة بطيئة جداً، فضلاً عن انّها تقف عاجزة أمام شعب مندفع في اتجاه إسقاطها وغيرعابئ بشيء بعدما فقد كل شيء. كذلك تقف حائرة حيال الحصار السياسي الدولي والداخلي، حيث انّ الثقة الشعبية المفقودة بالسلطة امتدت إلى المجتمع الدولي، الذي أعلن جهاراً وعلى لسان أكثر من رئيس دولة، انّ المساعدات الانسانية لن تتسلّمها السلطة مباشرة، في إدانة ما بعدها إدانة لها، فيما الحصار السياسي الداخلي يتواصل فصولاً مع الاستقالات المتتالية والتشاور بين قوى 14 آذار سابقاً، من أجل الاستقالة، تمهيداً لانتخابات مبكرة، وصولاً إلى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، الذي أعطى دفعاً لهذا التوجّه برباعية رفعها أمس، داعياً الى استقالة الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة وتشكيل لجنة تحقيق دولية والاستجابة لمطالب الناس.
ووسط كل هذا المشهد الذي يتلخّص بسلطة مأزومة وغليان شعبي واستنفار سياسي ودخول دولي على خط الأزمة اللبنانية، الأمر الذي يؤشر في وضوح إلى انّ الأمور لن تقف عند هذا الحد، وانّ هناك تحوّلات في الأفق، باعتبار انّه للمرة الأولى تتجمّع كل هذه العناصر والعوامل دفعة واحدة، ما يعني انّ البلاد تسير في خطى متسارعة، إما نحو تسوية أو مزيد من التأزُّم، من دون سقف ولا ضوابط، خصوصا انّ الأمور لن تقف عند حدود تغيير حكومة مع تحول سقف الانتخابات المبكرة أمراً واقعاً.
دياب والاستقالات
وكان رئيس الحكومة حسان دياب انشغل في إجتماعات وزارية امس، حاول خلالها إقناع عدد من الوزراء بعدم الاستقالة، في انتظار مهلة الشهرين التي حدّدها امس الاول، للذهاب بالبلاد الى انتخابات مبكرة، حتى اذا لم يحصل ذلك يتمّ عندئذ اللجوء الى الاستقالة، فمنهم من اقتنع ومنهم من اصرّ على الاستقالة، او استمهله الى اليوم، في انتظار ما سيتقرّر في جلسة مجلس الوزراء التي ستنعقد في القصر الجمهورية اليوم.
وقالت اوساط سياسية مطلعة لـ«الجمهورية»، انّ هناك ضغوطاً تمارس على رئيس الحكومة حسان دياب لدفعه الى الاستقالة، حتى لا يكون حجر عثرة امام نافذة الحل التي فُتحت خارجياً، وهذه الضغوط تتمّ على مستويات عدة منها:
اولاً- من خلال تصعيد التظاهرات في الشارع.
ثانياً- من خلال استقالة مجموعة من الوزارات.
وذكرت هذه الاوساط انه تمّ امهال دياب الى اليوم حتى يقدّم استقالته اثر جلسة مجلس الوزراء، وفي حال اصرّ على البقاء، هناك اجماع لدى القوى السياسية على وقع مجموعة من الوزراء الى الاستقالة، على ان يكون الخيار الاخير سحب الثقة من الحكومة في مجلس النواب، الذي سيبدأ جلسات مفتوحة ابتداء من الخميس المقبل.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري اعلن امس، عن جلسات مفتوحة للمجلس ابتداء من قبل ظهر الخميس المقبل في قصر الاونيسكو، لمناقشة الحكومة في الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها. وقد دعا بري هيئة مكتب المجلس الى اجتماع بعد ظهر اليوم، تحضيراً لهذه الجلسات.
بعبدا و«الحزب» يرفضان
وقالت مصادر واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ رئيسي الجمهورية والمجلس وقيادة «حزب الله» وتيار «المردة» لن يوفّروا اي جهد لحماية الحكومة من السقوط في هذه المرحلة بالذات. وأضافت، انّ الضغوط لم تفعل فعلها مع وزيرة الاعلام منال عبد الصمد، فقدّمت استقالتها في الدفعة الثانية المنتظرة، بعد استقالة وزير الخارجية ناصيف حتي. وكذلك استقال مساء أمس الوزير دميانوس قطار، الذي تجول بين الديمان والسرايا الحكومية، فيما يتوقع ان يستقيل اليوم وزير الداخلية محمد فهمي.
وتزامنت الاستقالات الوزارية مع استقالات نيابية شملت امس النواب ميشال معوض ونعمة فرام وهنري حلو وديما جمالي.
ولفتت المصادر الى انّ الحراك الذي قاده رئيس الحكومة لجمع الوزراء الذين هدّدوا بالاستقالة في السرايا الحكومية نجح في تأجيل استقالة كل من وزير الاقتصاد راوول نعمة، الى مرحلة وعد فيها بأنّ الاستقالة قد تكون جماعية بعد جلسة مجلس الوزراء اليوم، إن لم ينجح في البت خلال الجلسة في اقرار مشروع قانون يقضي بتقصير ولاية مجلس النواب والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة.
وتقصير الولاية
ولفتت المصادر، الى انّ فكرة دياب تقصير ولاية مجلس النواب واجراء الانتخابات المبكرة لاقت استياء لدى رئيس الجمهورية، الذي استغرب هذه الخطوة التي تحدث عنها في كلمته الى اللبنانيين مساء السبت امس الاول. كذلك تركت اجواء مماثلة لدى رئاسة مجلس النواب. لكن ما تركته الفكرة لدى «حزب الله» كانت اقسى بكثير من الطرفين الآخرين.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع، انّ وزراء الحزب حذّروا زملاءهم ورئيس الحكومة من اي خطوة تودي بالحكومة، او ان تؤدي الى مشروع قانون يقضي بتقصير الولاية النيابية، لأنّ الوقت لا يسمح بإجراء مثل هذه الانتخابات، خصوصاً بعد النكبة التي حلّت ببيروت، وهو ما عبّر عنه وزير الصناعة عماد حب الله في وضوح.
الوزراء البدائل؟
وفي ظلّ هذه الضغوط التي بلغت الذروة لحماية الحكومة من السقوط، قالت اوساط الرافضين لـ«الجمهورية»، انّ «البديل لكل وزير مستقيل جاهز وسيُعيّن فوراً». واشارت الى انّ البديل لوزيرة الاعلام بدأ البحث فيه إثر اعلانها عن إستقالتها، وانّ هناك لائحة كبيرة من البدائل.
«القوات»
الى ذلك، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»، انّ «الهدف الذي تعمل عليه هو الانتخابات المبكرة، لأنّ تغيير الحكومة في ظلّ الأكثرية الحالية لا يفيد بشيء، وبالتالي المطلوب الذهاب إلى انتخابات لتغيير هذه الأكثرية من أجل تشكيل حكومة تستطيع وضع خريطة طريق إصلاحية تفرمل الانهيار وتعيد الاعتبار لمنطق الدولة».
وكشفت هذه المصادر، «انّ التواصل قائم على قدم وساق مع تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الإشتراكي» من أجل استقالة تحقق ثلاثة أمور دفعة واحدة: إفقاد مجلس النواب ميثاقيته، استقالة الثلث زائد واحدا من اعضائه، وهذا الثلث متوافر، ما يعني تحويل الانتخابات المبكرة أمراً واقعاً مع افتقاد المجلس إحدى وظائفه الأساسية، إن بانتخاب رئيس جمهورية او التصويت على قوانين تتطلب الثلثين، والأمر الثالث تحقيق أحد أبرز المطالب الشعبية».
وقالت المصادر، «ان أي إستقالة لا تجعل الانتخابات المبكرة أمراً واقعاً لا تحقق الهدف المطلوب في هذه المرحلة، إنما تؤدي إلى تمديد الأزمة وترك الساحة للفريق الآخر، فيما الاستقالة القادرة على تأمين الثلث وما فوق تؤدي إلى شل مجلس النواب وتعطيل عمل الأكثرية وفرض انتخابات نيابية مبكرة».
ورأت «أنّ اي كلام عن تغيير قانون الانتخاب في هذه المرحلة الهدف منه ضرب الانتخابات المبكرة، لأنّ الاتفاق على اي قانون جديد في ظل هذا الوضع المأزوم أمر مستحيل، فيما الاتفاق على القانون الحالي استغرق عشر سنوات، وبالتالي المطلوب تحويل هذه الانتخابات أمراً واقعاً لفتح باب التغيير الديموقراطي من أجل الانفراج السياسي والمالي، خصوصا انّ السلطة ليس فقط لم تستجب لأصوات الناس منذ 17 تشرين الاول الماضي، وإنما واصلت نهجها الذي أدّى إلى الكوارث المعلومة ووضع لبنان على قاب قوسين أو أدنى من الفوضى».
لجنة التحقيق
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، انّ لجنة التحقيق في كارثة المرفأ اعدّت تقريرها ورفعته للامين العام لمجلس الوزراء من اجل الاطلاع عليه اليوم في بعبدا.
وحدّد التقرير المسؤوليات الادارية عن تفجير المرفأ منذ دخول السفينة التي كانت تحمل نيترات الامونيوم الى حين انفجارها، مما يسهّل عمل القضاء بتحديد المسؤوليات ورفع لائحة الاسماء المكونة من 20 اسماً مع تحديد المسؤولية السياسية التي توالى عليها الوزراء طوال هذه السنوات لاستجوابهم كشهود. اما التحقيق في حدّ ذاته والتوقيفات فهما من اختصاص القضاء المختص.
وعلم انّ «نادي قضاة لبنان» سيُعلن غداً عندَ الساعة الحادية عشرة قبل ظهر موقفاً كبيراً في قصر عدل بيروت، يضع فيه النقاط على الحروف وسيشكِّل خطوة نوعية غير مسبوقة في تاريخ القضاء.
تجدّد المواجهات
ميدانياً، تجدّدت أمس الإشتباكات بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي كانت دارت السبت، فاستمرّ الغضب الشعبي العارم، حيث نجح المتظاهرون في نزع أحد الأسوار الحديدية التي تحمي مجلس النواب، ورموا المفرقعات في اتجاهها. واستمرّت عمليات الكرّ والفرّ بين الطرفين، في ظلّ إطلاق القوى الأمنية القنابل المسيّلة للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين.
إلى ذلك، وفيما أوضحت قيادة الجيش أنّ عناصرها لم تطلق أي نوع من الرصاص الحيّ على المتظاهرين، تردّدت معلومات أنّ عناصر من شرطة المجلس هي من أطلق هذا الرصاص.
مؤتمر باريس
في غضون ذلك، قرّر المشاركون في المؤتمر الدولي الافتراضي لمساعدة لبنان، الذي إنعقد أمس في باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبالاشتراك مع الامم المتحدة ومشاركة 36 من رؤساء وملوك ورؤساء حكومات ووزراء خارجية ومدراء مؤسسات مالية دولية حول العالم، العمل بحزم وبالتضامن لمساعدة بيروت والشعب اللبناني على تجاوز نتائج مأساة الرابع من آب. واتفقوا على حشد موارد مهمة في الايام والاسابيع المقبلة بهدف تلبية الحاجات الفورية على اكمل وجه.
وقد توافق المؤتمرون، حسب البيان الختامي للمؤتمر، على ان تكون مساعداتهم «سريعة وكافية ومتناسبة مع حاجات الشعب اللبناني ومنسقة جيداً تحت قيادة الامم المتحدة، وان تسلّم مباشرة للشعب اللبناني، بأعلى درجات الفعالية والشفافية». كذلك ابدوا «الاستعداد لدعم النهوض الاقتصادي والمالي للبنان، مما يستدعي، في اطار استراتيجية لتحقيق الاستقرار، التزام السلطات اللبنانية بالكامل القيام سريعاً بالاجراءات والاصلاحات التي يتوقعها الشعب اللبناني». وأكّدوا أنّه «بناء على طلب لبنان، انّ المساعدة من اجل تحقيق محايد وموثوق ومستقل في انفجار الرابع من آب، تشكّل حاجة فورية وهي متوافرة».
وشكر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لنظيره الفرنسي مبادرته عقد المؤتمر الافتراضي لدعم لبنان بعد كارثة الانفجار في مرفأ بيروت مع الامم المتحدة، كما وجّه الشكر للدول الشقيقة والصديقة على مسارعتها لمساعدة لبنان.
وكان ماكرون قد افتتح المؤتمر بكلمة شدّد فيها «على وجوب العمل بسرعة وفاعلية لمساعدة لبنان وشعبه لمواجهة الكارثة التي حلّت به، والرد بسرعة على حاجات اللبنانيين من خلال إيصال المساعدات عبر الامم المتحدة مباشرة الى الشعب بمشاركة صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الدولية». وطالبَ ماكرون بـ«تحقيق غير متحيّز، ذي صدقية، ومستقل لكشف ملابسات الانفجار»، ودعا الى «الحرص على وجوب عدم حصول أي فوضى في لبنان منعاً لتهديد الامن والاستقرار فيه وفي المنطقة»، معتبراً انّ «مستقبل لبنان وشعبه على المحك». ولفت الى اهمية ان تقوم السلطات اللبنانية بإصلاحات سياسية واقتصادية».
وعبّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن «تعازيه الخالصة»، مشيراً إلى أنّ «المساعدات قد تحرّكت بالفعل نحو لبنان بعد الحادثة المفجعة، حيث وصل قسم منها والقسم الآخر بات في طريقه». وشدّد على «وجوب معرفة من يقف وراء هذا الانفجار والسبب، وهل كان بالفعل حادثاً أم لا»، مؤكّداً «أننا ملتزمون العمل على مساعدة لبنان لتخطّي هذه الكارثة التي لم أشهد مثلها من قبل».
وقدّمت فرنسا 50 مليون يورو، وألمانيا 20 مليون دولار، والكويت 41 مليون دولار، وقطر 50 مليون دولار، والمفوضية الأوروبية 63 مليون يورو، وقبرص 5 ملايين يورو. وبلغ مجموع هذه المبالغ نحو 300 مليون دولار.
مؤتمر اممي آخر
وفي اولى الخطوات التي تلت مؤتمر باريس، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية «أوتشا»، الى اجتماع عند الرابعة بعد ظهر اليوم الاثنين، من أجل استكمال ما آل إليه أمس مؤتمر باريس لدعم لبنان والشعب اللبناني. وسيقدّم الجانب الفرنسي لأعضاء الجمعية العمومية للامم المتحدة ملخصاً عن نتائج مؤتمر باريس الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتعاون مع الأمم المتحدة، والذي أفضى بحسب آخر المعلومات، الى تلقّي تعهدات من 36 جهة حضرته بتقديم نحو 298 مليون دولار أميركي مساعدات وإغاثات فورية. وسيتمّ عرض حاجات لبنان بعد الانفجار في كل القطاعات والتمنّي على دول العالم في أي قطاع يمكن المساعدة فيه.
وكانت بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك برئاسة السفيرة آمال مدللي بالتنسيق مع وزارة الخارجية اللبنانية، قد طلبت رسمياً من مكتب الأمين العام عقد هذا الاجتماع الدولي المهم لدعم بيروت بعد الإنفجار المروع الذي أدى الى أضرار جسيمة في العاصمة اللبنانية، وصلت بحسب آخر أرقام صدرت في تقارير الأمم المتحدة الى: 157 شهيداً، أكثر من 5 آلاف جريح، وأكثر من 150 مفقوداً فضلا عن أضرار جسيمة في العاصمة التي باتت تحتاج الى إعادة إعمار في بنيتها التحتية ومبانيها ومنازل أكثر من 300 الف شخص باتوا مشردين بلا مأوى. وكانت الأمم المتحدة قد صرفت مبلغ 15 مليون دولار فورية لدعم العمليات الطارئة. ويُذكر أنّ عدداً من وزراء خارجية الدول العربية: العراق، الأردن والجزائر ومصر أكّدوا حضورهم هذا الاجتماع ما سيرفع مستواه أكثر، ولم تتأكّد لغاية الساعة إن كان ثمة وزراء خارجية آخرين سيعلنون عن حضورهم.
ترامب
وفي المواقف العربية والدولية بعد الكارثة، أعرب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس، عن استعداد الولايات المتحدة مساعدة الحكومة اللبنانية في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت.
وكشف الناطق باسم البيت الأبيض، جاد دير، في تغريدة على «تويتر»، أنّ الرئيس الأميركي أكّد، خلال مؤتمر الدول المانحة لدعم لبنان، «استعداد الولايات المتحدة وعزمها على مواصلة تقديم الدعم للشعب اللبناني في أعمال إعادة البناء».
وأضاف، أنّ ترامب وافق مع زعماء سائر الدول المانحة على «التعاون الوثيق في إطار الجهود الدولية». كذلك دعا ترامب الحكومة اللبنانية إلى إجراء تحقيق شامل وشفاف في أسباب الانفجار الذي أستهدف مرفأ بيروت، وأعلن أنّ الولايات المتحدة «ما زالت مستعدة» لمساعدة الجانب اللبناني في إجراء مثل هذا التحقيق.
كما دعا إلى إعادة الوضع في لبنان إلى الهدوء، معلناً اعتراف واشنطن بـ «مطالب المحتجين السلميين الخاصة بالشفافية والإصلاحات والمساءلة».
السعودية
وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، إنّ «استمرار هيمنة «حزب الله» يثير قلق الجميع»، معتبراً أنّ «الجميع يعرف سوابقه في استخدام المواد المتفجرة وتخزينها بين المدنيين». وشدّد على «أهمية إجراء تحقيق شفاف ومستقل لكشف الأسباب التي أدّت إلى تفجير مرفأ بيروت»، مشيراً إلى «أنّ السعودية كانت من أوائل الدول التي قدّمت مساعدات إنسانية عاجلة للشعب اللبناني».
ولفت بن فرحان إلى أنّ «الشعب اللبناني له الحق في العيش في بلاده بأمان واحترام، ولبنان في حاجة ماسة إلى إصلاح سياسي واقتصادي شامل وعاجل»، مضيفاً أنّ «الإصلاح المطلوب لضمان مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي يعتمد على مؤسسات الدولة القوية التي تعمل من أجل المصلحة الحقيقية للشعب اللبناني». وقال إنّ «استمرار الهيمنة المدمّرة لتنظيم «حزب الله» الإرهابي يثير قلقنا جميعاً.. الجميع يعرف السوابق المؤكّدة لاستخدام هذا التنظيم للمواد المتفجرة وتخزينها بين المدنيين في عدة دول عربية وأوروبية والأميركيتين».
نائب الرئيس الايراني في بيروت
على صعيد آخر انجزت أمس التحضيرات لاستقبال نائب الرئيس الإيراني الذي سيزور بيروت اليوم للقاء كل من عون وبري ودياب.
* اللواء
انهيار حكومة دياب هل يوقف انزلاق لبنان؟
298 مليون دولار حصيلة المساعدات الدولية… وأيام الغضب مستمرة واتصالات لاحتواء التوترات المذهبية
بالتزامن مع حدثين كبيرين: تعهد بجمع ما لا يقل عن 252.7 مليون يورو كمساعدات إنسانية قوية للبنان لمواجهة تداعيات الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، أعلن عنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، ومواجهات عنيفة في محيط مجلس النواب لليوم الثاني على التوالي، بعد اقتحام عدد من الوزارات: الخارجية، الطاقة، النقل وغيرها، دخلت حكومة الرئيس حسان دياب في موت سريري ايذاناً، بإعلان استقالتها، إذ بدأت البشائر تظهر مع حلول الليل ان لا أمل ببقائها، فإذا مرّ اليوم، فإنها لن تبقى إلى الخميس، اليوم الذي حدده الرئيس نبيه برّي بداية لجلسات مفتوحة لمناقشة مسؤولية الحكومة عمّا حدث.
واستباقاً انضم إلى الاستقالة وزير البيئة والتنمية الإدارية دميانوس قطار، بعدما سبقته وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، إذ جرت اتصالات مع الإعلامية منى أبو حمزة لتكون وزيرة بديلة للاعلام مكانها.
وترددت ليلاً معلومات عن اتجاه قوي لدى وزير الداخلية محمّد فهمي للاستقالة، وكذلك زينة عكر وزيرة الدفاع.
إلا ان المصادر تباينت اتجاهات المعلومات لديها، فبعد ان تحدثت مصادر نيابية قريبة عن ان الحكومة راحلة في غضون أيام، وأن وزيري المال غازي وزني وعباس مرتضى كان يمكن ان يكونا في عداد المستقيلين، لولا الاتصالات والمساعي التي بذلها «حزب الله» لمنع انهيار الوضع الحكومي.
وأكّد الوزير مرتضى لـ«اللواء» ان الجلسة التي يعقدها مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم، لا تزال قائمة، لكن المصادر جزمت ان الحكومة راحلة في غضون أيام، وأن لم تستقل، فستخضع لتهشيم في جلسات مجلس النواب (إذا انعقدت)، في ظل تزايد عدد النواب المستقيلين، وتعليق البعض عملهم (7 نواب استقاله لغاية تاريخه).
ولاحظت مصادر سياسية ان احتلال الوزارات كان مخططا له وان ظهور دياب وتلاوته البيان لم يكن بمستوى الحدث اقله كان عليه إدانة ما جرى ودعوة القوى الأمنية لاخراجهم لا بل إنه تماهى مع الذين كانوا في الشارع لجهة الانتخابات المبكرة حيث أعلن انه سيطرح ذلك في مجلس الوزراء من دون اي تفاهم سياسي أو على اساس اي قانون، وكأنه بذلك رمى الكرة لا بل جمرة الى الرئيس بري الذي سرعان ما رد على ذلك بدعوة المجلس لجلسات متتالية بدءا من الخميس.
وأكدت المصادر أن دياب خلق مشكلة بينه وبين رئاستي الجمهورية والمجلس.
وشددت المصادر على أن طرح الانتخابات المبكرة في مجلس الوزراء سيؤدي إلى مشكل كبير ما لم يحصل شيء يحول دون انعقاد جلسة اليوم.
وكان الرئيس دياب قال في بيان له امس: لا يمكن الخروج من الأزمات الا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وانه مستعد لتحمل المسؤولية لشهرين وادعو للاتفاق على المرحلة المقبلة.
إلى ذلك، تتجه وزيرة العدل ماري كلود نجم إلى الاستقالة الفردي، ما لم يُقرّ مشروع قانون تقصير ولاية مجلس النواب، والدعوة إلى انتخابات مبكرة.
ونسب موقع «مستقبل ويب» ان رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله «قررا رفع الغطاء عن الحكومة، بعد استنفاد المساعي لتعويمها، واصرار عدد من الوزراء على مغادرة المركب قبل ان يغرق.
ولاحظ المصدر ان رئيس الحكومة سلّم قدره لحالة القضم الجارية وهو سيجد نفسه امام استقالة حتمية بين ساعة واخرى، ولن يصمد ليوم الخميس موعد انعقاد جلسة مجلس النواب.
وختم المصدر ان حسان دياب سيهرّ نتيجة اهتراء الحكومة، وانفضاض اصدقائه من حوله وآخرهم ديميانوس قطار.
إلى ذلك، تزايدت مظاهر القلق لدى النواب، فسارع النواب ميشال معوض وهنري حلو، بعد استقالة النواب مروان حمادة، وبولا يعقوبيان، ونواب الكتائب الثلاث، وتعليق النائب نعمة افرام عضويته في أنشطة المجلس، وانسحب النائب ميشال ضاهر من تكتل لبنان القوي.
واوفد رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع إلى بيت الوسط الوزير السابق ملحم رياشي حيث اجتمع مطولاً مع الرئيس سعد الحريري، لتنسيق في المواقف لجهة الاستقالة الجماعية من مجلس النواب.
وأكّد كل من النائب ستريدا جعجع والنائب جورج عقيص عضوا تكتل الجمهورية القوية ان الاستقالة بجيوب نواب «القوات» بانتظار الساعة المناسبة، والتي لن تكون طويلة.
مؤتمر مساعدة لبنان
على صعيد المساعدات والإغاثة الدولية، بعد اختتام مؤتمر دعم لبنان، أعلن مكتب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ان المؤتمر الطارئ للمانحين الذي عقد أمس الكترونياً لدعم لبنان بعد انفجار بيروت تلقى تعهدات بنحو 253 مليون يورو (298 مليون دولار) مساعدات إغاثة فورية للبنان.. جلّها يتركز على الاعانات الطبية.
وأعلن ماكرون في مستهل المؤتمر الذي شارك فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والملك عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مروراً برئيسي وزراء إيطاليا واسبانيا، وبمشاركة 15 رئيس دولة وحكومة والذي تنظمه فرنسا والأمم المتحدة من أجل تحريك مساعدات طارئة للبنان.
ومن مقر إقامته الصيفية في بريغانسون في جنوب فرنسا، أعلن ماكرون في مستهل المؤتمر «يجب التحرك سريعاً وبفاعلية لتصل هذه المساعدات مباشرةً وبشفافية على الأرض إلى السكان».
وتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكثر من مرة بدعم من الولايات المتحدة. وكتب في تغريدة السبت ان «الجميع يريدون تقديم المساعدة» بعدما تحدث إلى الرئيس الفرنسي. وجدد البابا فرنسيس الدعوة إلى مساعدة «سخية» إلى لبنان، في ختام عظة الأحد من ساحة القديس بطرس في الفاتيكان. وتمثل في هذا المؤتمر نحو 30 دولةً. ويحضره أيضاً رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشال، كما مدراء منظمات دولية كبرى مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وحثّ ماكرون السلطات اللبنانية على «التحرك لتجنيب البلاد الغرق واستجابة التطلعات التي يعبر عنها الشعب اللبناني حالياً بشكل مشروع في شوارع بيروت». وقال «علينا أن نفعل جميعاً ما أمكن لكي لا يهيمن العنف والفوضى» على المشهد في لبنان. وتحدث عن «قوى» لديها «مصلحة في هذا الانقسام والفوضى».
وجاء في البيان الختامي للمؤتمر أن المساعدات يجب أن تكون «سريعة وكافية ومتناسبة مع احتياجات الشعب اللبناني… وأن تُسلَّم مباشرة للشعب اللبناني، بأعلى درجات الفعالية والشفافية».
ولم يفصح البيان عن حجم التعهدات التي جرى تقديمها.
وجاء في البيان الختامي لمؤتمر المانحين ان شركاء لبنان مستعدون لدعم النهوض الاقتصادي للبنان، إذا التزام الزعماء التزاما كاملا بالاصلاحات التي يتوقعها اللبنانيون.
وشكر الرئيس ميشال عون الرئيس ماكرون على مبادرته عقد المؤتمر الاقتراضي لدعم لبنان بعد كارثة الانفجار في مرفأ بيروت مع الأمم المتحدة، كما وجه الشكر للدول الشقيقة والصديقة على مسارعتها لمساعدة لبنان.
وأكّد الرئيس عون أن «تلبية الاحتياجات بعد هذه الكارثة كبيرة جدا وعلينا الإسراع في تلبيتها خصوصا قبل حلول فصل الشتاء حيث ستزداد معاناة المواطنين الذين هم من دون مأوى في ظل كل تلك الأوضاع الضاغطة».
وإذ أشار إلى ان العدالة وحدها يمكن ان تقدّم بعض العزاء للبنانيين، جدد التزامه بأن «لا أحد فوق سقف القانون، وأن كل من يثبت التحقيق تورطه، سوف يحاسب وفق القوانين اللبنانية».
وشدّد على وجوب ان تكون إدارة صندوق التبرعات المالية المنوي انشاؤه، منبثقة عن المؤتمر.
واوضحت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان دوائر قصر بعبدا ابدت ارتياحا لإجتماع الدعم الأفتراضي ولفتت الى ان هناك متابعة له في ظل ما تقرر سواء الدعم الفوري تحت قيادة الأمم المتحدة او المساعدة في تحقيق محايد وموثوق ومستقل في انفجار الرابع من اب والتزام السلطات اللبنانية في الأصلاحات.
وعلم ان الرئيس عون ووفداً فلسطينياً برئاسة عزام الأحمد، ومدير برنامج الأغذية العالمي ديفيد يزلي بحثوا في التطورات. (تفاصيل الخبر في مكان آخر).
ليلة الحواجز الحديدية
وغلب على الاحتجاجات ليلاً، محاولات المحتجين لخلع الحواجز الحديدية المحيطة بمجلس النواب.
وبدت الساحة أشبه بمعركة، تردّد انها وصلت إلى الرصاص الحي، فقوى الأمن تحاول ابعاد المحتجين بالقنابل المسيلة للدموع ووضع العوائق، والمتظاهرون اسلحتهم المفرقعات والحجارة.
وامتدت التحركات إلى قصقص، إذ سجلت حالات «اعتداء» على مواطنين كانوا في طريقهم إلى الضاحية الجنوبية، ووزعت صور لأشخاص ضربوا بآلات حادّة وبعضها اصابته خطيرة.
واتجهت وحدات من الجيش اللبناني، إلى منطقة كورنيش المزرعة وبربور بعد انتشار مسلح على اسطح البنايات هناك، وجرت اتصالات سياسية وأمنية لاحتواء التوترات المذهبية ولجمها.
وحرّك الصليب الأحمر 11 فرقة لنقل الجرحى إلى المستشفيات واسعاف الجرحى.
وكان اللبنانيون في احتجاجهم أمس دعوا إلى انتفاضة لا تتوقف للإطاحة بزعمائهم السياسيين وسط غضب عام جراء الانفجار المدمر الذي وقع الأسبوع الماضي في بيروت، في حين قال بطريرك الموارنة إن على الحكومة أن تستقيل، ان لم تستطع تغيير طريقة حكمها.
وكانت احتجاجات السبت الماضي أكبر تعبير عن الغضب منذ تشرين الأول عندما خرج آلاف الأشخاص إلى الشوارع احتجاجا على الفساد وسوء الحكم والإدارة.
وتجمع نحو عشرة آلاف شخص في ساحة الشهداء التي تحولت إلى ساحة قتال في المساء بين الشرطة والمحتجين الذين حاولوا إسقاط حاجز على الطريق المؤدي إلى البرلمان. واقتحم بعض المتظاهرين وزارات حكومية وجمعية مصارف لبنان.
وتحدى المتظاهرون قنابل الغاز المسيل للدموع التي أطلقت عليهم بالعشرات ورشقوا قوات الأمن بالحجارة والمفرقعات مما استدعى نقل بعض أفراد الشرطة إلى سيارات إسعاف للعلاج من الإصابات التي لحقت بهم. ولقي شرطي حتفه وقال الصليب الأحمر إن أكثر من 170 شخصا أصيبوا.
6517
صحياً اعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 294 إصابة كورونا جديدة رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 6517.
* البناء
مؤتمر ماكرون الدوليّ لمساعدة لبنان ينجح بالحشد السياسيّ وينتهي بنتائج ماليّة متواضعة
حملة ضغوط لاستقالات وزاريّة ونيابيّة تنجح بطرح مصير الحكومة قبل الخميس
حكومة الوحدة الوطنية والانتخابات المبكرة يتسبّبان بإرباك التحالف الحكومي
كتب المحرّر السياسيّ
مساران ميدانيّان كانا في الواجهة، المواجهات التي طغت على كل شيء في وسط بيروت، خصوصاً محيط المجلس النيابي، والمتابعات القضائية للتحقيقات في تفجير المرفأ وتحديد المسؤوليات بحثاً عن التقصير وكشفاً لحقيقة ينتظرها لبنان والعالم، فيما بقي وباء كورونا يسجل أرقاماً قياسية جديدة، كانت للاهتمام السياسي وجهتان، الأولى نحو باريس حيث المؤتمر الدولي بالفيديو الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون، والثانية نحو الداخل حيث مصير الحكومة على بساط البحث والاستقالات النيابية تطرح أسئلة حول مواقف المرجعيّات الرئيسية السياسية والطائفية، ومن خلالها تطرح مصير اتفاق الطائف.
المواجهات التي بلغت أول أمس، مدى غير مسبوق من التصعيد، كانت لافتة سواء بالمستوى الذي بلغه عنف الجماعات المنظّمة في وجه الجيش والقوى الأمنيّة وأدّى إلى سقوط شهيد من قوى الأمن الداخلي، أو بما رافق المواجهات من وضع يد على وزارة الخارجية وإعلانها مقراً لقيادة «الثورة» كما قال العميد المتقاعد جورج نادر، قبل أن يستعيد الجيش المبنى من «الثوار» الذين قالوا إنهم باقون ولن يغادروا، ليظهر السؤال حول مدى ارتباطها بضغوط خارجية تمنح التفاوض الذي يقوده الرئيس ماكرون حول حكومة وحدة وطنية أو حول ما وصفه بالنظام الجديد، وحيث موقع لبنان الإقليمي هو عنوان التفاوض خصوصاً، مع حديث ماكرون الواضح حول الحدود مع سورية كعنوان رئيسيّ لما يصفه بالإصلاحات المطلوبة، بينما يصل الدبلوماسي الأميركي ديفيد هيل ليعيد تفعيل التفاوض حول ترسيم الحدود البرية والبحرية للبنان مع فلسطين المحتلة.
هذا الترابط بين التصعيد والتفاوض قرأت فيه مصادر سياسية متابعة، إطاراً لمرحلة غير قصيرة ستمتدّ إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية قبل أن تنتج تسوية ما أو تنتهي بفشل يفتح الباب الواسع للمواجهات. وحذرت المصادر من أن ينتج عن الرهانات التفاوضية تفكك سياسي يدفع لبنان نحو الفوضى والفراغ، مشيرة إلى دعوة الانتخابات المبكرة التي تورّط بالدعوة لها رئيس الحكومة حسان دياب بعدما كانت الدعوة محصورة ببعض القوى المعارضة، وما تسببت به دعوته من ردود فعل سلبية في التحالف الحكومي، وتلاقت مع الارتباك الذي أصاب الحكومة بفعل المخاوف من تفاهمات يشترك فيها الشركاء السياسيون مع خصومهم على حساب الحكومة ورئيسها.
من زاوية موازية قالت المصادر المتابعة إن بعض الاستقالات الحكومية والنيابية تعبر عن رسائل مرجعيات طائفية ودينية وسياسية، يمكن لمواقفها الدافعة باتجاه هز الاستقرار التقليدي لنظام الطائف سواء بربط الانتخابات بتوافق على قانونها، وعدم التلاعب بولاية مجلس النواب خارج إطار التوافق نفسه، أن تؤدي لفتح الباب للحديث عن سقوط الطائف بغياب بديل توافقي على نظام جديد، سواء من قلب الصيغة الطائفية أو من خارجها، كما تتضمن دعوات الذهاب لنظام مدني، فتكون النتيجة هي الفراغ والفوضى، بسقوط الصيغة التي أنتجها الطائف، بينما أصحاب دعوات الفدرالية والحياد يتوهمون أن سقوط شرعية النظام القائم يجعلهم أقرب لطروحاتهم، فيأخذون البلد إلى حيث يصير السلم الأهلي مهدداً، أو يجعلون لبنان وصيغة نظامه مواضيع خارجية للتفاوض، لا يملك اللبنانيون فرص التأثير عليها، والخارج الباحث عن مقايضات يجريها ويقيم عليها التسويات لن يزعجه تورط اللبنانيين في منحه هذه الفرصة.
لا شك في أن التخبط المحلي حيال التعاطي مع مرحلة ما بعد انفجار 4 آب سيد الموقف، فكل المؤشرات تدل على محاولة القوى السياسية تقاذف الاتهامات وإبعاد المسؤوليات عنها، الامر الذي دفع ببعض الوزراء الى الاستقالة بالأمس. وأمس عقد اجتماع وزاري موسع مع الرئيس حسان دياب في السراي الحكومي للتشاور في خيار الاستقالة الجماعية، ضم: وزراء الاتصالات، العدل، البيئة، الشباب والرياضة، الداخلية والدفاع والمالية والصناعة والزراعة والتربية والاقتصاد.
وبعد انتهاء الاجتماع خرج الوزراء من دون التعليق، باستثناء وزير الصناعة عماد حبّ الله الذي قال: «الحكومة صامدة، ولن نستقيل». أما وزيرة العمل لميا يمّين فاكتفت بالقول: «ليس هناك قرار بالاستقالة»، في حين أن وزير البيئة دميانوس قطار حسم موضوع استقالته بشكلٍ نهائي ولم يتراجع عنها وقدّمها رسمياً رغم المطالبات بتعليقها.
وعلمت «البناء» ان اتصالات عدة تجري بين دياب والوزراء ومرجعيّاتهم من أجل بلورة الصّورة الكاملة لموضوع الاستقالات والخروج بأمور توضح مسار الحكومة في المرحلة المقبلة، خاصة أن الرئيس دياب حاول امس ثني الوزراء الراغبين في الاستقالة عن ذلك، الا ان تجميد الاستقالات يبقى رهن جلسة مجلس الوزراء اليوم التي يفترض أن تحدد مسار الاستقالات من عدمها، خاصة أن الاستقالة الجماعية موضوع مطروح في الأيام المقبلة قبل يوم الخميس في حال لم يوافق مجلس الوزراء على طرح دياب إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وجرت مساء أمس مشاورات بين وزراء المال والدفاع والاقتصاد من أجل تقديم استقالاتهم اليوم من الحكومة.
وفي هذا السياق، فإن مصادر قانونية تشير الى ان الحكومة تصبح مستقيلة، إذا استقال ثلث أعضائها (7) او استقال رئيسها وعندها تصبح حكومة تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة. أما استقالة الوزراء، ولم يتجاوز عددهم الثلث فبالإمكان رئيس الحكومة تكليف وكلائهم او تعيين وزراء أصيلين بدلًا منهم.
وكانت أمس توالت استقالات الوزراء وأيضاً النواب، فأعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد استقالتها امس الأحد. ولاحقاً قدّم قطار خطياً استقالته إلى دياب قائلاً للأخير «رفاق ولادي ماتوا بانفجار بيروت وما بقدر كمّل بهالمسؤوليات وبالوزارة».
في المقابل، قالت وزيرة العدل ماري كلود نجم بأنه لا يمكنها أن تستقيل لأنها تعتبر ان اليوم أكثر من أي وقت مضى عليها مسؤولية متابعة التحقيقات ووجودها في الوزارة ضمانة اليوم أكثر من أي وقت مضى. اما وزيرة الشباب والرياضة فارتينيه اوهانيان فقالت لدى سؤالها عن الاستقالة: «سوف نعمل لمصلحة الوطن». وقال وزير الاتصالات طلال حواط رداً على سؤال عمّا إذا كان سيستقيل: «لماذا؟».
وبينما أعلن نواب الكتائب فضلاً عن النواب بولا يعقوبيان،، هنري حلو، ديما جمالي، ميشال معوض، ونعمة افرام استقالاتهم من المجلس النيابي، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن جلسات مفتوحة للمجلس النيابي ابتداء من الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الخميس المقبل في قصر الأونيسكو، لمناقشة الحكومة على الجريمة المتمادية التي لحقت بالعاصمة والشعب وتجاهلها.
وعلى صعيد التحرّك الدولي لدعم الشعب اللبناني، فإن التحرك الفرنسي بحسب مصادر متابعة لـ«البناء» هو أشبه بمبادرة إنقاذية قد ينتج عنها في مرحلة لاحقة تشكيل حكومة وحدة وطنية قد تمر بطاولة حوار تجمع المكونات الاساسية في البلد من أجل التوصل الى توافق لبناني جديد. ولفتت المصادر الى ان لقاء قصر الصنوبر قد يكون مقدمة لهذه الطاولة التي قد تعقد في شهر أيلول مع عودة ماكرون الى بيروت لا سيما أن الأخير كان دقيقاً عندما قال ان هناك حاجة لنظام سياسي جديد، وبالتالي فإن ماكرون يتجه الى احياء المبادرة الفرنسية تجاه لبنان، مع إشارة المصادر الى تباين في هذا السياق بين فرنسا والولايات المتحدة حيال طبيعة وشكل الحكومة في لبنان. فواشنطن تسعى الى تأليف حكومة «مستقلة» لا يتمثل بها حزب الله على وجه التحديد، وهي تربط ضغطها على لبنان بجملة من الملفات على رأسها ترسيم الحدود والصواريخ الدقيقة في سياق عملها المتواصل للحفاظ على ما تسميه «أمن إسرائيل».
إلى ذلك، يبدأ الحراك الأميركي تجاه بيروت هذا الاسبوع، فيزور السفير الأميركي دايفيد هيل لبنان يوم الاربعاء للبحث مع المسؤولين اللبنانيين في ملفات عديدة تتصل بالاقتصاد والسياسة والمعابر، فضلاً عن ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية الذي سيكون بالإضافة الى التفاوض على الصواريخ الدقيقة وعمل اليونيفيل محور محادثاته مع المعنيين؛ على أن يتوجّه مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالوكالة، جون بارسا، هذا الأسبوع أيضاً إلى بيروت، لتقييم الوضع على الأرض وجهود الإغاثة مع فريق الاستجابة للمساعدة في حالات الكوارث، الذي يقود الفريق الأميركي للمساعدة هناك، وسيلتقي بشركاء الوكالة الذين يسلمون المساعدات الإنسانية والصحية في بيروت. وأوضح بارسا أنه وخلال وجوده في بيروت، ستصل المساعدات الطبية التي سينقلها الجيش الأميركي لدعم عمليات الإنقاذ الطبية، مشدداً على أن المساعدات الأميركية لن تصل حتماً إلى الحكومة اللبنانية، ولكنها ستذهب إلى الشعب اللبناني عبر الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية وستسلّم إلى مستشفيات عدة من بينها مستشفى رزق العائد للجامعة الأميركية اللبنانية، والمركز الطبي التابع للجامعة الأميركية.
وكان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون جمع امس، في قمة عبر تقنية الفيديو 36 شخصية بين رئيس دولة أو ممثل عنها ورئيس هيئة أو منظمة أو مؤسسة دولية وكان اللافت مشاركة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار والصليب الأحمر الدولي، اذ إن القمة توصلت الى توافق على أن تنظيم المساعدات سيتم عبر البنك الدولي، الاتحاد الاوروبي، الامم المتحدة، الصليب الاحمر الدولي والجيش اللبناني. وتوافق المؤتمرون على ان تكون مساعداتهم سريعة وكافية ومتناسبة مع احتياجات الشعب اللبناني ومنسّقة جيداً تحت قيادة الامم المتحدة، وان تُسلَّم مباشرةً للشعب اللبناني، بأعلى درجات الفعالية والشفافية.
وأبدى الشركاء استعدادهم لدعم النهوض الاقتصادي والمالي للبنان، ممّا يستدعي، في إطار استراتيجية لتحقيق الاستقرار، التزام السلطات اللبنانية بالكامل القيام سريعاً بالإجراءات والاصلاحات التي يتوقّعها الشعب اللبناني. وعليه فقد قدّمت للبنان فرنسا 50 مليون يورو وألمانيا 20 مليون دولار والكويت 41 مليون دولار وقطر 50 مليون دولار والمفوضية الأوروبية 63 مليون يورو.
وفيما أشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى أن «المساعدات قد تحركت بالفعل نحو لبنان بعد الحادثة المفجعة، حيث وصل قسم منها والقسم الآخر بات في طريقه»، كان لافتاً اشارته الى ضرورة «وجوب معرفة مَن يقف وراء الانفجار والسبب، وهل كان بالفعل حادثًا أم لا».
ودعا ماكرون من جهته الى «الحرص على وجوب عدم حصول أي فوضى في لبنان منعاً لتهديد الأمن والاستقرار فيه وفي المنطقة»، معتبراً ان «مستقبل لبنان وشعبه على المحك». ولفت إلى أهمية أن تقوم السلطات اللبنانية بإصلاحات سياسية واقتصادية. وأكد «أنه من المهم أن تصل المساعدات الى مؤسسات المجتمع المدني بأسرع وقت ممكن».
وأكّد رئيس الجمهورية ميشال عون من جهته أنّ إعادة بناء ما دُمّر واستعادة بيروت بريقها تتطلبان الكثير؛ فالاحتياجات كبيرة جداً وعلينا الإسراع في تلبيتها خصوصاً قبل حلول الشتاء، حيث ستزداد معاناة المواطنين الذين هم من دون مأوى. وشدد عون على أن تكون إدارة صندوق التبرعات المنوي إنشاؤه، منبثقة عن المؤتمر. وقال: «لقد التزمت أمام شعبي بتحقيق العدالة، اذ وحدها يمكن أن تقدّم بعض العزاء لأهل المفجوعين ولكل لبناني، والتزمت أيضاً بأن لا أحد فوق سقف القانون، وان كل من يثبت التحقيق تورطه سيحاسب وفق القوانين اللبنانية. تعهّدت أيضاً بمحاربة الفساد وبالإصلاح، وعلى الرغم من كل العوائق بدأت التدابير الملموسة وفي طليعتها التحقيق المالي الجنائي الذي لن يقتصر على مؤسّسة واحدة بل سيشمل كل المؤسّسات».
وعلى صعيد التحقيقات المتصلة بانفجار العنبر رقم 12 في المرفأ، تشارك فرنسا في التحقيقات الجارية بانفجار مرفأ بيروت، وهي قدمت لـ 46 من رجال الشرطة والدرك بلبنان، الدعم الفني للتحقيق القضائي الذي فتحه المدعي العام ضمانًا للنزاهة والسرعة في التحقيقات، كما أعلن السفير الفرنسي برونو فوشيه. وأجرى خبراء فرنسيون تحاليل للتربة والمياه في مكان الانفجار، ومن المقرّر أن يجري الخبراء الفرنسيون مسحاً جوياً ثلاثي الأبعاد للموقع. وهو ما يمكن أن يساهم في كشف المزيد من الأدلة.
وكلف النائب العام التمييزي غسان عويدات الشرطة العسكرية استجواب رؤساء الأجهزة الأمنيّة بإشرافه على صعيد التحقيقات القضائيّة حول الانفجار. وفي السياق دعا المحامي العام التمييزي غسان خوري رؤساء الوحدات الأمنية، المدراء العامين للأمن الداخلي والأمن العام وأمن الدولة والمخابرات، للاستماع إليهم اليوم.
بالتوازي يتوجّه في الساعات المقبلة الى قبرص وفد قضائي للقاء مالك السفينة «روسوس» التي نقلت أطنان نيترات الأمونيوم إلى بيروت في ظل الحديث عن عدم صلاحية إبحار هذه السفينة.
وأوضحت الأمانة العامة للمجلس الاعلى للدفاع أنها بصفتها المرجع الذي يتلقى ويحيل لرئيس الحكومة التقارير الأمنية لم تتلق أي مراسلة تتعلق بشحنة نيترات الامونيوم باستثناء تلك التي وردت بتاريخ 22-07-2020 وقامت بإجراء المقتضى وإحالتها بناء لتوجيهات رئيس مجلس الوزراء إلى وزارتي العدل والأشغال العامة والنقل بتاريخ 24-07-2020 لإجراء المقتضى.
وتعقيباً أعلنت وزارة العدل انه بتاريخ 27/7/2020 تسجل لدى قلم وزارة العدل كتاب موجه من قبل الأمانة العامة لمجلس الدفاع الأعلى بموضوع الباخرة وشحنتها. عند الإطلاع، تبين أن الملف محال أمام النيابة العامة التمييزية التي اتخذت بتاريخ 1/6/2020 قرار يقضي بالطلب من إدارة واستثمار مرفأ بيروت بتنفيذ إجراءات وأعمال محددة بكل تفصيل في متن القرار. وبالتالي، اكدت وزارة العدل أن ليس من صلاحياتها التدخل في القرارات التي تتخذ من القضاء المختص الواضع يده على الملفّ وبكل تأكيد ليس من صلاحياتها التدخل في إجراءات تنفيذ قرار قضائي واضح وصريح أُحيل إلى إدارة المرفأ للتنفيذ.
الى ذلك، أعلن قائد فوج الهندسة في الجيش اللبناني روجيه الخوري انتهاء المرحلة الأولى من عمليات البحث والإنقاذ بشأن العثور على أحياء.
وأوضح أنه تمّ تقسيم المرفأ لقطاعات وتسلّم كل فريق اجنبي قطاعاً، لافتاً الى ان الامل بات ضعيفاً لإيجاد أحياء. وقال: الفرق التي كانت تبحث عن أحياء اعتبرت أن عملها انتهى. وأكد ان «العمل مستمر على مدار الساعة للبحث عن ناجين وسط صعوبات ناجمة عن وجود كميات هائلة من الركام في مرفأ بيروت».
المصدر: صحف