أمين أبوراشد
ليست لدى المواطن اللبناني العادي رغبة المعرفة بالهندسات المالية، ولا بفذلكة “الكابيتال كونترول” ولا تفاصيل ما يُسمَّى “هير كات”، حتى أن صورة الدولار الأميركي باتت غريبة عنه، ولا يستطيع المواجهة الإقتصادية سوى بالتخفيض التلقائي للسلَّة الإستهلاكية الى الثلث لغاية تاريخه، والكثير من المواد التي كانت من الضروريات باتت خارج طلبات البيت، ولا حاجة بنا للدخول في موضوع الأقساط المدرسية والجامعية ولا في الطبابة، لأن السنة الدراسية المُنتهية علَّقت الأمور المادية بين أخذِ وردّ، والمستشفيات انخفض فيها التشغيل الى 20% لأن اللبناني غير قادرٍ على الإستشفاء.
نسبة البطالة تخطَّت كل التوقعات، والعاملون يعملون بنصف أجر أو بأجور مؤجَّلة، ونمط حياة الناس تبدَّل بشكلٍ دراماتيكي، والشيء الذي لم يتبدَّل هو في الممارسة السياسية واستمرار قدرة البعض على الإستمرار في الكيدية بمواجهة الحكومة. ومشهدية بعضها يخطفنا الى واقعنا السياسي المأزوم، الذي لا مخرج منه سوى بإنجازات عجائبية تنتصر فيها الحكومة على محاولات الفرملة.
وصلت الأمور ببعض الكيديين الى تعيير هذه الحكومة بإنسداد الأفق العربي بوجهها، ربما لأن اعتدنا على بعض رؤساء حكومات يسألون خاطر الدواوين الخليجية فور التكليف وبعد التأليف، وليس انتشار وباء الكورونا هو الذي أعاق حركة الرئيس دياب عن التواصل مع العرب حيث يجب، لأن اللقاءات عبر تقنية الفيديو مُتاحة، لكن هذا الوباء الذي لم يرحم بلداً، جعل لكل بلدٍ أولويات الإرتداد عن السياسة الخارجية الى داخله المنكوب، وهذه عقدة سوف تواجهها الدولة والتي تحاول قدر الإمكان الحدّ من تأثيراتها على الإقتصاد المنهار، تماماً كما خَرقَت زيارات واتصالات اللواء عباس ابراهيم “الحجر العربي” نحو سوريا والعراق.
يُضخمون المسائل على المواطن اللبناني بإنتقائية عبر إطلالات إعلامية تُدخِله بمتاهات الهندسات المالية وتفرُّعاتها، فيما هو يطلب الحدّ الأدنى من كرامة العيش ولقمة الخبز، ثمَّ يُقزِّمون له أهمية الزيارات الى المحيط العربي القريب وهو يبحث اليوم عن سوقٍ لمنتجاته الزراعية وصناعاته الصغيرة والمتوسطة، وفي الوقت الذي عاد فيه الى تراب أرضه يزرع فيها جزءاً من قوته، حتى على شرفة المنزل، يريد له البعض من المعارضة أن يبقى في حدودٍ مغلقة مع الجارة الأوحد والرئة الوحيدة تحت ذريعة أقبح من ذنب المقاطعة لسوريا.
الواقعان السياسي والإقتصادي في ظل الوبائين، المرض والفساد، يحددان الأولويات في المعالجة، وإذا كان الوباء الأول مصيبة عالمية، فإن الثاني مصيبة لبنانية فريدة ليست الحكومة مسؤولة عنها بمفردها، بل القضاء أيضاً عليه واجب المواكبة الجدية بجعجعة مع طحين.
المصدر: موقع المنار