بدأ المسؤولون يطالبون العاملين في أجهزة الحكومة في قطر بأمور مثل السفر على الدرجة السياحية بدلا من الدرجة الأولى، والاشتراك في حجرة مكتب واحدة، وإلغاء اشتراكات المطبوعات الدورية، إذ فرض انخفاض أسعار النفط التشقف على أعلى مواطني العالم دخلا.
استطاعت قطر بما لديها من احتياطيات هائلة من الغاز وأرصدتها الخارجية بمليارات الدولارات وصغر عدد سكانها أن تتحمل هبوط أسعار النفط منذ منتصف 2014 بشكل أفضل من كثير من جيرانها في الخليج.
غير أن تراجع إيرادات الدولة من صادرات الطاقة يجيء في وقت تعمل فيه الدوحة على تنفيذ برنامج تبلغ استثماراته 200 مليار دولار، لتحديث بنيتها الأساسية استعدادا لنهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها، وبناء موانئ ومستشفيات، وضغط الإنفاق الأمر الذي أدى إلى تخفيضات في الميزانية.
وقد تحمل العاملون الأجانب، الذين يشكلون الجانب الأكبر من سكان قطر البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، العبء الأكبر لهذه التخفيضات. وفقد الآلاف وظائفهم، بينما سعت الحكومة لحماية مواطنيها من عواقب التقشف.
لكن قطر، أكبر دولة مصدرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، تواجه عجزا في الميزانية يبلغ 12.8 مليار دولار هذا العام، يمثل أول عجز من نوعه منذ أكثر من عشر سنوات. كما أنها خفضت توقعاتها للنمو الاقتصادي إلى النصف.
أما الآن فحتى مواطني أغنى دولة في العالم من حيث نصيب الفرد من الدخل، والبالغ عددهم 300 ألف قطري، بدأوا يشعرون بوطأة التغيرات في أجهزة الدولة التي يعمل بها تسعة من كل عشرة قطريين ذوي وظائف.
وقال الشيخ تميم أمير البلاد في كلمة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ان مسؤولية القطريين أصبحت أكبر في ضوء انخفاض أسعار النفط، وحذر من الهدر والتبذير، وقال إنه لم يعد بوسع الدولة أن تقدم كل شيء، وهي تعمل على تنويع الموارد الاقتصادية بدلا من الاعتماد على النفط والغاز.
وربما تكون إجراءات التقشف خفيفة مقارنة بما شعر به العمال الوافدون والدول الأفقر المنتجة للطاقة. غير أنها أضنت بعض المواطنين الذين اعتادوا على بحبوحة العيش وعلى النمو الاقتصادي بأرقام فلكية.
ولم يؤثر دمج عدد من الوزارات في أوائل العام الجاري على رواتب القطريين، وما يحصلون عليه من امتيازات، والتي يعتبر المساس بها حتى الآن من المحرمات. غير أنه أدى إلى تخفيضات حادة في الانفاق «التقديري» وفقا لما ذكره ثلاثة مسؤولين في الحكومة.
قال أحد المسؤولين «توقفنا عن تسلم جريدة يومية»، مضيفا أن زملاء له وجدوا تشجيعا من رؤسائهم على عدم السفر على درجة رجال الأعمال، وكذلك خفض عدد الرحلات للخارج لحضور مؤتمرات خارجية.
وأضاف «ألغيت اشتراكات صحف. وانتقل البعض ممن كان لهم مكتب خاص إلى مكاتب مشتركة.»
ولم تستجب وزارات الاقتصاد والمالية والعمل لطلبات للتعليق على ذلك.
وقال مسؤول آخر من وزارة العمل ان مئات العاملين القطريين في الحكومة أصبحوا منذ دمج الوزارات دون عمل منذ يناير/كانون الثاني، بينما سعت الحكومة لإيجاد مواقع جديدة لهم واستمرت في صرف مرتباتهم.
وقال المسؤول ان العاملين في وزارة العمل أبلغوا بأن السفر للخارج لمواصلة التعليم أثناء العمل للحكومة، وهو شق مغر في العمل بالنسبة لكثير من القطريين، أصبح مقصورا الآن على من يسعون للحصول على درجات علمية تقنية أو مهنية.وطلب هو والمسؤولان الآخران عدم نشر أسمائهم لأنهم ليسوا مخولين بالتحدث لوسائل الإعلام.
وتقول السلطات القطرية ان هبوط أسعار النفط يمثل فرصة للحد من تجاوزات الأجهزة الحكومية التي تعاني من أوجه ضعف منذ سنوات.
وقال مستشار اقتصادي للحكومة طلب أيضا عدم نشر اسمه ان السلطات فرضت تجميدا على التعيينات الجديدة في بعض الدوائر الحكومية، وفرضت المزيد من الرقابة على الإنفاق.
وقال إن تقليل أوجه القصور أمر مؤلم، لكنه سيفيد الدولة في الأجل الطويل حتى عندما تنتعش أسعار النفط.
وينجذب كثير من القطريين إلى وظائف القطاع العام، التي عادة ما تكون ساعات العمل فيها أفضل، ورواتبها أعلى ومزاياها أفضل كذلك من الشركات الخاصة.
ولم يتضح بعد مدى نجاح حملة تحسين كفاءة الأداء، رغم أن ميزانية عام 2016 شهدت انخفاضا بنسبة 70 في المئة في الانفاق الرأسمالي الثانوي، وهو مجال للإنفاق التقديري يشمل في العادة مشروعات أصغر مثل إعادة تجهيز المباني.
وتبلغ المرتبات 50 مليار ريال (13.7 مليار دولار) أي حوالي ربع الإنفاق القطري.
وكان أثر ما أخذته قطر من قبل من خطوات التقشف، مثل زيادة فواتير المرافق في أواخر عام 2015، وخفض دعم أسعار الوقود هذا العام، أشد وطأة على عمال البناء الأجانب الذين يحصلون على أجور زهيدة.
ومن المقرر فرض ضريبة مبيعات بنسبة خمسة في المئة على السلع الاستهلاكية والخدمات عام 2018.
ويمثل هذا الاتجاه مجازفة بتقسيم البلاد بين طبقة ثرية من القطريين في القمة والعمال الآسيويين في القاع.
ومع ذلك قال سيد بشار، الاقتصادي السابق في البنك المركزي القطري، ان العاملين القطريين قد يشعرون على نحو متزايد بوطأة التقشف مع استهداف الحكومة لأجهزة الدولة لتقليل العجز.
وأضاف «الحكومة لن تتمكن من توفير الغالبية العظمى من الوظائف للقطريين إلى ما لا نهاية. ولا يمكنها كذلك ضمان استمرار زيادة المرتبات مثلما كان يحدث من قبل. وهذا سيزعج بعض المواطنين».
المصدر: رويترز