اعتبر النائب فيصل كرامي في كلمته خلال جلسة الثقة المسائية ان “ترامب قال ما قال، وليس على ترامب حرج. قال، الارض لا شيء، التاريخ لا شيء، الجغرافيا لا شيء، مصائر البشر لا شيء، حقوق الشعوب لا شيء، حتى المقدسات لا شيء.…المليارات ثم المليارات ثم المليارات هي كل شيء، وليس على ترامب حرج. قال ترامب ان سلطان القوة المادية يجيز لدولة عمرها 242 سنة ان تمنح مدينة عمرها 6000 سنة لكيان غاصب عمره 70 سنة، وليس على ترامب حرج. قال ترامب وصدق في ما قال، ان منظمة الامم المتحدة ومجلس الامن الدولي والقرارات الدولية، كلها ليست اكثر من حبر على ورق لا يعول عليه، وان بدعة حل الدولتين ومبادرات السلام ومفاوضات ومبادرات العرب على امتداد تاريخ الصراع العربي- الصهيوني، كلها ساقطة ولا يعول عليها، وليس على ترامب حرج. قال ترامب وصدق ترامب في ما قال، ان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وان المقاومة هي الخيار الحضاري والاستراتيجي والواقعي الوحيد لتحرير فلسطين من البحر الى النهر، ولاستعادة القدس الشريف عاصمة لفلسطين وعاصمة للأمة، وليس على ترامب حرج، بل شكرا ترامب. (وهي مناسبة دولة الرئيس كي نشكرك على موقفك وعلى كلمتك القيمة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي والتي عبرت فيها عن نبض ووجدان كل لبناني وطني ومخلص للبنان وللقضايا العربية).
وقال: “ايا يكن الاسم الذي اختارته هذه الحكومة لنفسها، فإن اسمها الحقيقي والواقعي والوحيد هو “حكومة التركة الثقيلة”. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف للعطار ان يصلح ما افسده الدهر؟ والأصح القول كيف للحسان ان يصلح ما افسده العهر؟… وكيف لحكومة تلقفت كرة النار ان تجعلها بردا وسلاما في دولة انهكتها ثلاثون سنة من السياسات الخاطئة والمعالجات الخاطئة في كل الميادين وفي كل القطاعات؟ والجواب ايضا يفرض نفسه وهو ان لبنان يشهد ازمة غير مسبوقة لا نبالغ في القول انها تكاد تكون ازمة وجودية، وان المهمة التي تتصدى لها هذه الحكومة ليست بالمهمة السهلة في ظل تجذر نهج الفساد وحماة الفساد في كافة مفاصل الادارة اللبنانية، وفي ظل غضب شعبي عارم لم يدرك بعد معظم المسؤولين في هذا البلد المنكوب بأن الجزء الأكبر والأصدق من هذا الغضب هو عابر للمذاهب والطوائف والمناطق، وبأنه ليس سوى المقدمة لما حذرنا منه على مدى عقود وقلنا بوضوح ان الخواتيم السوداء تتمثل بانفجار اجتماعي يهدد لبنان في وجوده، وان علينا تدارك الامور عبر تدابير ومعالجات توقف المسار الانحداري المتسارع وتتيح المجال لوضع رؤى جديدة للانقاذ ولانتهاج مسارات جديدة لبناء الدولة المنهارة وترميم مؤسساتها المتهالكة”.
اضاف: “لقد درجت العادة ان تعطى الحكومات فرصة 100 يوم قبل اطلاق الاحكام عليها وهو ما فعلناه مع الحكومة السابقة التي منحناها الثقة ومنحناها فرصة 100 يوم رغم كل الشوائب التي اعترتها، ومن حق هذه الحكومة ان تحصل على فرصة 100 يوم ايضا وعدم اطلاق الاحكام المسبقة عليها. انطلاقا من كل ذلك، ان الحكومة الماثلة امامنا اليوم ببيانها الوزاري طالبة ثقة المجلس، قد سبقها انجازان يمكن التأسيس عليهما، ويجب الاقرار بأن الفضل الأول لهذين الانجازين يعود الى الحراك الشعبي وبشكل حصري: الانجاز الاول هو الطريقة التي ولدت بها والتي اعتمدت في تأليفها وصولا الى بيانها الوزاري الذي لا يدعي قدرات وهمية خارقة على اجتراح المعجزات، لكنه يقدم وربما للمرة الاولى في تاريخ البيانات الوزارية رؤية شاملة ومتكاملة تعتمد الواقعية باعلى مستوياتها في الدقة، والواقعية في هذا المقام هي الرديف للمسؤولية الوطنية الجدية. اما الانجاز الثاني، فيتمثل بأنها حكومة تتجاوز الامر الواقع، حكومة لا تنتمي الى فلسفة الديمقراطية التوافقية القائمة على المحاصصات الطائفية والحزبية والمذهبية، حكومة تؤسس لاستعادة آليات العمل الديمقراطي وفق الدستور اللبناني، والاهم انها حكومة تلبي الى حد كبير المطلب الشعبي بأن تكون رئيسا ووزراء من المتخصصين والمستقلين ونظيفي الكف”.
وتابع: “ان اصل الأزمة في لبنان سياسي، وبالتالي فإن الحل لا بد أن يكون سياسيا. من باب التفاؤل وحسن الظن يمكننا اعتبار باكورة الحل السياسي هو في تسليم مقاليد السلطة التنفيذية لحكومة مؤلفة من تقنيين واختصاصيين، ولكن يبقى نجاح هذه الحكومة مرهونا بمدى صدقية الارادة السياسية لدى كل القوى الفاعلة في البلد سواء في الموالاة او المعارضة، في السماح لهذه الحكومة بالنجاح. ليس خافيا على أحد بأن البيان الوزاري يجنح الى معالجة اعراض الازمات دون التوغل في طرح معالجات جذرية (يصعب تحقيقها) للمرض العضال المسبب لكل هذه الازمات. هذا يعني ان الحكومة اختارت بعناية عدم استعداء وعدم استفزاز المنظومة السياسية التي يعتبرها كثيرون منظومة الفساد بامتياز. لقد اختارت نهجا عقلانيا لفرملة التدهور وايقاف المسار الانحداري وهذا بحد ذاته انجاز لا يستهان به، وهي خطوة لا بد منها للانتقال في مرحلة لاحقة الى اعادة بناء الدولة على انقاض منظومة الفساد التي تشكل حاليا الدويلة الخفية والقوية والمتجذرة والتي منعت وعرقلت على مدى عقود بناء دولة القانون والمؤسسات. باختصار، انها حكومة الفرصة الاخيرة للمحافظة على الانتظام السياسي والدستوري لكي تتراجع هذه الطبقة السياسية عن خطاياها المميتة ولكي تؤسس لبداية مصالحة مع شعب كفر بالوطن والدولة والسياسيين بعد سنوات عجاف من ضرب ونسف كل مكونات الدولة بجشع غير مسبوق وبوقاحة ما بعدها وقاحة، ما اوصلنا في هذه اللحظة الى هذا المنزلق الخطير”.
واردف: “نريد هنا ان نتوجه الى الحكومة بكثير من الصدق والشفافية، واقول لها بوضوح ان ما تطرحه في بيانها الوزاري هو وجهة نظر متكاملة واننا كلقاء تشاوري قد نتفق او نختلف معها في بعض الطروحات، ولا اخفيكم اننا قد نكون اصحاب طروحات اكثر ثورية تنسجم مع مبادئنا ومسيرتنا السياسية ومع رؤيتنا الصارمة في ضرورة محاسبة المرتكبين ممن تولوا السلطة وحرفوا الدستور وتوسلوا الصراعات المذهبية مظلة لنهب المال العام والتلاعب بمصير اللبنانيين. ولكن، ورغم كل المعاناة فنحن قد نتغاضى عن الوسائل والآليات للوصول الى الهدف المشترك، كما أننا وانطلاقا من مسؤولياتنا الوطنية والاخلاقية نعتبر ان الواجب يحتم علينا دعم الحكومة التي نثق برئيسها ووزرائها ونثق بنواياها وكفاءاتها. غير ان على الحكومة ان لا تكتفي بهذه الثقة التي ستنالها اليوم لأن الثقة الحقيقية عليها ان تنتزعها من الناس وبالانجاز السريع وان تثبت لنا ولكل اللبنانيين ان خططها الهادئة والعقلانية هذه لا تضع الاصبع على الجرح فقط ولكنها كفيلة بمعالجة هذا الجرح. من هنا فإننا لن نخوض في تفصيلات الخطط التي يطرحها البيان الوزاري، ولكن وبلا تردد نقول للحكومة حذاري ثم حذاري من تشريع الافلات من العقاب، ومن تمييع حق اللبنانيين بالمحاسبة”.
وقال: “من اعاجيب السياسة اللبنانية التي اعتدنا عليها هذا التمادي في رشق الحكومة بتهمة المحاصصة، وانقول لكل الذين يتشدقون بهذه الاتهامات ان بيوتهم من زجاج، بل اكثر نقول لهم اذا بليتم بالمعاصي فاستتروا. هذه الحكومة في الأدبيات الديمقراطية اسمها حكومة ائتلافية، ولا هي ولا احد ينكر بأنها اتبعت في سياق تأليفها المسار الطبيعي الذي يتيح لها الحصول على ثقة الاكثرية البرلمانية، اي ان رئيسها تواصل ونسق مع الكتل النيابية التي تؤمن لحكومته نيل هذه الثقة دون ان يتنازل عن شروطه وعن رؤيته وعن صلاحياته في كيفية اختيار الوزراء بالتفاهم مع رئيس الجمهورية. بدون طول شرح المحاصصة شيء آخر. اذا أردتم ان تعرفوا ما هي المحاصصة راجعوا حكوماتكم السابقة، واذا بالغتم في خداع الناس بالقول بأن هذه الحكومة هي حكومة محاصصة فأنكم تجافون المنطق والآليات الدستورية والديمقراطية المتبعة في لبنان وكأنكم تطالبون بحكومة من المريخ”.
واضاف: “نريد اخيرا ان نتوجه الى الحكومة ببعض الملاحظات السريعة من باب النصح والتحفظ والثناء.اولا، يحسب للحكومة انها اعتبرت المعالجات المتعلقة بالاوضاع المالية والنقدية اولوية ملحة، عبر اجراءات سريعة تضمنها البيان الوزاري تتعلق بتخفيض الفوائد على الودائع والقروض واعادة رسملة المصارف وزيادة الضمانات على الودائع، الخ… يبقى ان نصدق الحكومة القول بأن اللبنانيين ينتظرون منها تطمينات بالفعل لا بالقول بأن مدخراتهم لن تمس وبأن القطاع المصرفي لن يستمر بهذه المهزلة من التسيب وبأن اي اجراءات سيتم اتخاذها لن تكون على حساب محدودي الدخل واصحاب الودائع الصغيرة والمتوسطة اي الغالبية العظمى من اللبنانيين، وهنا نسأل دولة الرئيس اسئلة الناس فيما يتصل بتسديد مستحقات اليوروبوندز في آذار ونيسان وحزيران، ما هي رؤية الحكومة وماذا تنوي فعله لحماية اموال المودعين والحفاظ في الوقت نفسه على تصنيف لبنان الائتماني؟ وسؤال آخر حول اعادة هيكلة الدين العام.. هل ستحصل؟ واذا حصلت هل ستشمل صغار المودعين؟
وتابع: “ثانيا، تشكر الحكومة ايضا على الرؤية الاقتصادية السوية التي تطمح الى انتهاجها عبر ايجاد مسار اقتصادي عملي للانتقال من الاقتصاد الريعي المدمر الى اقتصاد انتاجي يعيد الاعتبار الى قطاعات منتجة جرى تهميشها على مدى ثلاثين سنة، وهنا نعيد التأكيد على أهمية دعم الصناعة والزراعة والسياحة واقتصاد المعرفة. ثالثا، كما يحسب للحكومة ايضا الاجراء الذي تضمنه بيانها الوزاري حول تطبيق القانون 431 الذي ينظم قطاع الاتصالات بشفافية، ونأمل ان تنسحب هذه الرؤية على قطاع الطاقة والكهرباء وايضا ان يطبق القانون الذي يرعى هذا القطاع بشفافية مطلقة. رابعاغ، لا شك بأن الحكومة مدركة بأن المدخل الطبيعي لاقرار اصلاحات جدية هو اطلاق ورشة تشريع لاقرار كل القوانين اللازمة للمسار الاصلاحي وفي مقدمها ما يتعلق باستقلالية القضاء ومكافحة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة وغيرها. واني هنا اذكر المجلس النيابي بأن هناك الكثير من مشاريع واقتراحات القوانين لا تزال حبيسة الادراج من بينها مثلا اقتراح القانون الذي تقدم به الرئيس عمر كرامي والرئيس حسين الحسيني والرئيس سليم الحص والوزير بطرس حرب والنائب نسيب لحود وآخرين والمتعلق باستقلالية القضاء على وجه الخصوص”.
واردف: ” خامسا، لقد استوقفتنا الطريقة التي تحدث بها بيانها الوزاري عن تحفيز النمو عبر اجراءات وتشريعات ضرورية ومشروعة ولكن يبدو انه قد سقط سهوا التطرق الى الانماء المتوازن الذي يعتبر قاعدة اجتماعية واقتصادية ومنبثقة أساسا من دستور الطائف ولا يجوز التغافل عنها علما ان كل الحكومات السابقة كانت تؤكد عليها في بياناتها الوزارية ولا تعمل بها، وهي فرصة لكي نلفت نظر الحكومة بشكل سريع بأن تفعيل عمل المرافق العامة التي تمتلكها الدولة في مدينة طرابلس على سبيل المثال وهي منشآت قائمة وقد انفقت عليها الدولة اموالا وجهودا وتركتها مشلولة، هذا من شأنه ان يشكل تخفيزا نوعيا للنمو الاقتصادي ولدعم المالية العامة اللبنانية، وهو أمر لا ينحصر في طرابلس وانما يشمل الكثير من المناطق خارج العاصمة وفي كل محافظات لبنان. سادسا، اختارت الحكومة الصيغة التالية لتختتم بها بيانها الوزاري: “ستعمل الحكومة على ادخال تعديلات واصلاحات على قانون الانتخابات النيابية”، والواقع ان هذه العبارة حمالة اوجه، ولا ارى اي مسوغ للحكومة في تبنّي هذا الطرح اذ ان عليها ببساطة ان تلتزم امام اللبنانيين بإقرار قانون الانتخابات النيابية الذي نص عليه الدستور اللبناني بشكل واضح ودقيق والذي لم يتم تطبيقه ولا اعتماده منذ ثلاثين سنة، مع تأكيدنا بأن المدخل الحقيقي لتلبية مطالب الحراك الشعبي هو في اتاحة الفرصة للناس للخروج من الساحات والشوارع والذهاب الى صناديق الاقتراع وفق قانون دستوري يؤسس للتغيير المنشود ورغبة الشعب اللبناني في بناء دولة مدنية عصرية. ودعونا نقول ان اي حديث عن قانون انتخابات مخالف للدستور وللنصوص التي ترسم المسار الدقيق لالغاء الطائفية السياسية وللتخلص من المادة 95 المشؤومة، انما هو اهدار للوقت في لحظة نفد فيها كل الوقت الذي يمتلكه هذا الوطن”.
وقال: “سابعا، يبدو انه سقط سهوا ايضا من البيان الوزاري التطرق الى حق المرأة اللبنانية في منح الجنسية لأولادها، وهو حق مكتسب لها قانونيا ودستوريا واجتماعيا، لذلك نطالب الحكومة ان تسعى جاهدة لتحقيق هذا المطلب المحق الذي يحقق العدالة والمساواة بين المواطنين اللبنانيين. ثامنا، نصيحة من القلب والعقل للحكومة، اياكم وتحميل اللبنانيين اعباء مالية وضريبية جديدة واضافية، واياكم ان تكون الاجراءات المؤلمة التي تحدث عنها البيان الوزاري تطال الفقراء ومحدودي الدخل، خذوا ما شئتم من الاثرياء ولكن لا تقتربوا من جيوب الفقراء”.
اضاف: “ختاما، كلنا يعرف ان لبنان مصنف اليوم في مرتبة عالية جدا من بين الدول الأكثر فسادا وفق منظمة الشفافية الدولية، وذلك بسبب غياب الرقابة والمحاسبة ما يدفع الدول المقرضة لوضع شروط ونظام رقابي على الأموال كي تضمن صرفها في المكان المناسب. من مشاريع وملفات الفساد وهو غيض من فيض، المشاريع المتعلقة بمجلس الإنماء والإعمار وكل المجالس والهيئات، الإرث الثقافي في طرابلس وغيرها، الاتصالات، النفايات، الاملاك البحرية، التجنيس، بلدية بيروت، الطرقات، الضمان الاجتماعي، المقالع والسدود، الكهرباء، الجمارك، التهرب الضريبي، التخمين العقاري وغيرها الكثير. وعلى الحكومة ان تدرك بأنها لحظة نيلها الثقة ستصبح مسؤولة وليس فقط وارثة لهذه المصائب، من هنا ندعوها الى وضع حد جذري ونهائي لكل هذه الارتكابات والا فإنها تضحي بنفسها حين ستصبح بعد اشهر قليلة في نظر الرأي العام وفي نظر العالم شريكة في استمرار وديمومة نهج الفساد”.
وختم: “نتوجه الى اللبنانيين الغاضبين والى الحراك الشعبي الذي غير كل المعادلات في لبنان بأن ما تحقق عبر ولادة هذه الحكومة هو انجاز أول لا تستهينوا به بل استثمروه وادعموه وراهنوا على تقويته في مواجهة سلطة الفساد الخفية. اخيرا اعلن باسم اللقاء التشاوري اننا نمنح هذه الحكومة الثقة آملين لها التوفيق في مهامها وفي القدرة على نيل ثقة الشعب اللبناني”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام