تناولت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم الاثنين 30-09-2019 في بيروت العديد من الملفات المحلية والإقليمية، وجاءت افتتاحياتها على الشكل التالي..
* الاخبار
السلطة عاجزة أمام الغضب الشعبي: عون «يحاكم» سلامة اليوم
حتى ساعة متأخرة من الليلة الماضية، كان أركان الطبقة الحاكمة، كما قادة الأجهزة الأمنية، عاجزين عن تحديد الهوية السياسية للمحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع في العاصمة والمدن الكبرى، احتجاجاً على سوء الأوضاع الاقتصادية. ما جرى أمس، فاجأ الطبقة الحاكمة، العاجزة عن إيجاد حل للأزمة. أما اليوم، فمن المنتظر أن يشهد قصر بعبدا «محاكمة» لحاكم مصرف لبنان من قبل رئيس الجمهورية
يعكس سلوك السلطة السياسية في الأيام الماضية، الإفلاس الكامل الذي بات يمسك بمفاصل نظام المحاصصة اللبناني. وجوم على وجوه المسؤولين يرسمه القلق الذي ينتاب الأمنيين أيضاً. إنها المرحلة التي يقف فيها الجميع عاجزين عن تقديم أي حلول أمام الانحدار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتزايد، وعدم القدرة على تحديد المصير، من الاقتصاد إلى الشارع.
الشارع، أمس، تحرّك من الجنوب إلى الشمال، محدثاً إرباكاً عاماً، على رغم محدودية أعداد المشاركين. ومع ذلك، لا تملك القوى السياسية والأجهزة الأمنية جواباً واضحاً عمّن حرّك الشارع. المصيبة، أن بعض الطبقة الحاكمة يفاجأ بالتحركات الشعبية، ولا يسأل عمّا حرّض المتظاهرين من خلفية المعرفة، بل من خلفية الاتهام، وكأن كل شيء سليم في البلاد، ولا داعي للتظاهر. بالأمس، اختبرت البلاد عيّنةً هجينة من الاعتراض على الحضيض الذي وصل إليه الواقع القائم.
ماذا ينتظر هذا الصنف من السياسيين؟ فالجائعون والعاطلون عن العمل والغارقون في الديون والمرميون على نواصي الطرق بلا ضمانات، شباباً وشيوخاً، لم يعد بإمكانهم الصمت، و«الطائفية اليوم، هي وحدها التي تمنع الانفجار الشعبي الكبير» على حدّ قول الرئيس نبيه بري.
ولا يكفي الطبقة الحاكمة عجزها عن إيقاف التدهور الاقتصادي وفشلها في تقديم أي أمل، على الأقل في العام الأخير، ولا غياب نيتها وقدرتها على اتخاذ خيارات مصيرية لمنع البلاد من الانهيار، بل يغرق السياسيون في الصراعات والتكتلات، وتزداد الأزمة عمقاً. فالرئيس سعد الحريري يخاصم رئيس الجمهورية ميشال عون والوزير جبران باسيل متهماً إياهما بتحريض الفرنسيين عليه بسبب فشله في تحقيق الإصلاحات المطلوبة لـ«سيدر». بينما يتّهم الرئيس عون الرئيسين بري والحريري والنائب السابق وليد جنبلاط وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتآمر لإفشال العهد. هكذا، يتلهّى آباء الطبقة الحاكمة بالصراعات الجانبية، والبلاد تغرق وتغرق.
أما الأميركيون، فالاسطوانة القديمة الجديدة ذاتها: استخدام الضغط لحصار المقاومة، عبر إفقار اللبنانيين، بهدف تحميل مسؤولية الانهيار الاقتصادي لحزب الله، وتدفيعه ثمن مواقفه وإصراره على المقاومة. وهذه الدعاية، باتت تدور على ألسن كثيرين في البلاد، كما دارت قبل أسبوع، بكبسة زرّ، كذبة تحميل سوريا أزمة الدولار، عبر عشرات وسائل الإعلام. لكن، كما أثبتت التجارب خلال الـ 15 عاماً الماضية، فإن كل معركة يخوضها الأميركيون ضد المقاومة في لبنان، تقع الخسارة فيها على حلفائهم، كما قد يحصل كلما ازدادت الأزمة حدة.
في يوميات السياسة، يُفتتح هذا الأسبوع باجتماع يعقده عون مع سلامة، في جلسة استدعتها الحاجة إلى تدارك الأزمة. مصادر في التيار الوطني الحر تقول إن هناك «أزمة في إدارة العملية النقدية، وليس أزمة فقدان السيولة من السوق أو نقص في احتياطنا ومصارفنا». والأكيد أن «ضبط هذه الأزمة بيد حاكم مصرف لبنان. فمشكلة عدم ضخ دولارات كافية معطوفة على سلوك المصارف بعدم تلبية حاجة السوق مرتبطة أولا وأخيرا بالمصرف المركزي». ويعتزم الرئيس سؤال سلامة عن سبب «الانقلاب» على موقفه السابق بمنح قروض صناعية وزراعية واسكانية. ولا يلغي ذلك وجود «أزمة مالية واقتصادية عميقة عبّرت عنها الموازنة التي تحتاج الى كثير من التعديل لتتحول الى موازنة اصلاحية»، لكن «ليس الوقت مناسبا للمحاكمة على النوايا بتأخير خطة الكهرباء وتنفيذ الاجراءات التي أقرت في قصر بعبدا بموافقة كل الكتل السياسية وأحيل جزء منها الى الحكومة». وأكدت المصادر: «سننتظر وهناك مسار مختلف سيتم اعتماده ابتداء من مطلع تشرين الأول».
وكان شربل قرداحي، المستشار الاقتصادي لباسيل والمكلف بالملف الاقتصادي من قبله ويشارك دوريا في اجتماعات قصر بعبدا، قد نشر سلسلة تغريدات على حسابه على موقع «تويتر»، تُحمّل حاكم مصرف لبنان مسؤولية افتعال أزمة الدولار بالقول: «منذ العام 1994 يتدخل مصرف لبنان بائعا أو شاريا للدولار بهدف المحافظة على سعر الصرف حدود 1507.5 ليرة للدولار. توقف مصرف لبنان عن التدخل في السوق فبات السعر نتيجة العرض والطلب. ارتفعت المخاوف فقام الكثيرون بادخار الدولار نقدا. ارتفع الطلب على الدولار فارتفع سعره». واضاف في تغريدة أخرى أنه يمكن للمصرف المركزي تغطية الفرق بين العرض والطلب عبر التدخل في السوق بائعا للدولار، داعيا السلطات النقدية للتدخل وبيع الدولار. وأشار قرداحي الى أن تقديرات للمبالغ النقدية بالدولار التي أودعها اللبنانيون في خزائنهم تتراوح ما بين 1,5 وملياري دولار، نتيجة للمخاوف المتزايدة ولسير الإصلاحات. وختم بحكمة صينية غامزا من قناة سلامة: «من يصنع الأزمات غالباً ما يكون ضحيتها».
الراعي استبق لقاء عون وسلامة ب
فرض غطاء حماية طائفي على
حاكم «المركزي»
وكان لافتاً أمس تدخل البطريرك الماروني بشارة الراعي مدافعاً عن سلامة ومستبقاً لقاء الأخير ورئيس الجمهورية بفرض غطاء حماية طائفي على حاكم «المركزي»، وعدم تحويله «كبش محرقة» للأزمة الحالية.
أما في ما خص الخلاف الذي نشب الأسبوع الماضي بين نواب التيار الوطني الحر ورئيس الحكومة حول وقف الاعتمادات للمشاريع الانمائية في جبل لبنان، فليست نتيجة قرار سياسي وفقا لمصادر التيار الوطني الحر، بل ربطا بمشاريع تهم النواب في هذه المناطق. وتؤكد المصادر تمسكها بمداخلة النائب سيزار أبي خليل حول عدم صلاحية رئيس الحكومة لسحب هذه المشاريع. لكن «ينتظر النواب عودة وزير الخارجية لحل هذه المشكلة علما أن الاتصال مع الحريري لم ينقطع انما لم يكن ايجابيا في هذا الملف… فيما كان ايجابياً في ما خص الاستجابة لطلب رئيس التيار عدم التفرد بقرار اقالة مدير عام شركة ألفا». ويفسّر العونيون سلوك الحريري السياسي بوقف مشاريعهم على أنه محاولة «ليتغداهم قبل أن يتعشوه في المجلس النيابي مع تحويل الموازنة اليه». كل ذلك لا يعني أن العلاقة بين الحريري وباسيل ليست على ما يرام. فالرجلان متفقان مسبقا على مجموعة نشاطات في الأشهر الثلاثة المقبلة يبدأها باسيل فور عودته باجتماع مع طلاب تيار المستقبل. لتلحقها اجتماعات أخرى تصالح رئيس التيار الوطني الحر مع الجمهور الأزرق.
ملل الإعادة
ابراهيم الأمين
ها نحن نعيد الكرة، ونعيد لفّ البَكَرة، ونعيد المشاهد ذاتها. ونعيد الضحك والبكاء والعويل. وها نحن نستعدّ لجولة جديدة من لوم بعضنا للبعض الآخر، قبل أن ينهش بعضنا في أجساد البعض الآخر، بحثاً عن أمل مفقود في هذه الجمهورية اللعينة، التي يسرّ بعض أبنائها بأنها مقبلة على احتفال «مئوية لبنان الكبير»… إيه كتير كبير!
ثمة طفل مشاغب، قليل الفهم ومتشاطر يسكن كل واحد فينا. يستمع مرغماً الى تأديب. لكنه ينظر بعين الريبة الى أهل لم يفعل هو أكثر مما فعلوه. ثمّة عاطل عن العمل ولو معه ألف شهادة مدقَّق أو غير مدقَّق فيها. ثمة متطلّب فوق حاجته لا فوق قدرته أصلاً. وثمة مدّعٍ منفوخ الرأس، يعتقد أن الله اعتزل الخلق يوم ولد. ثمة طامح بالأحلام حصراً، غير مستعد للنظر من حوله، وغير راغب بمساءلة نفسه قبل الآخرين. ثمة متشاوف يعتقد أن أزماته ناجمة عن ضرر مقصود تقوم به شعوب العالم غيرة وحسداً. وثمة أنانيّ لا يرى في غير نفسه من تناسبه الحياة الجيدة. ثمة جاهل يعرف بأحوال الدنيا أكثر من أي عالم أو مجتهد أو صاحب اختصاص. وفي نهاية المطاف، ينظر هذا اللبناني الى اللبناني الآخر الواقف الى جانبه، ثم ينظران الى اللبناني الثالث والرابع والخامس الذين يسيرون بالقرب منهما. ولا ينتبه كل هؤلاء اللبنانيين الى أنهم في حقيقة الأمر ليسوا سوى قطيع يسير مطأطأ الرأس، عارفاً أنه في طريقه نحو المسلخ، ينتظره الجزّار نفسه أو من خلفه في قيادة القبيلة.
ها نحن اليوم نراهن على أن فرادتنا سوف تنقذنا. ان العالم لا يقدر أن يعيش من دوننا. ان القوى الكبرى والصغرى والمتوسطة لا يمكنها ان تنام وأصوات اللبنانيين مرتفعة احتجاجاً. ونحن ننتظر، من دون أدنى شك، أن تمطر السماء دولارات فيغرق ديننا العام، دولة وأفراداً. ومن ثم نقلب الصفحة لنبدأ رحلة جديدة من الدجل!
اللبناني الفهلوي، لا تهمّه الذاكرة أبداً. واليوم، يصعب ان تجد أحداً يعيد فلفشة صحف وخطابات العقود العشرة الماضية. الإنكار عند اللبناني يجعله رافضاً التعلم من الدروس. يرفض تحميل نفسه أي جزء من مسؤولية الفشل. والأسهل عنده هو اتهام الآخرين، أيّ آخرين، بأنهم حالوا بيننا وبين النعيم. لا أحد يريد التأكد من أنها السيرة نفسها لشعب بائس وكاره لذاته ولو ظن أنه محبّ لها وللحياة. لا أحد يريد ان يذكره أحد آخر، بنفس صور الطوابير على البنزين والغاز والخبز والمعابر وأبواب السفارات أيضاً. لا أحد يريد مسطرة علمية لقياس عناصر الفشل والنجاح. لا أحد يريد إعطاء علامة جيدة لمن حاول واستطاع، أو منح علامة سيئة لمن جرّب فينا وفشل. لا أحد يريد مغادرة المربعات النفسية والجسدية للحروب الطائفية والمذهبية الآخذة بالتجذر جيلاً بعد جيل.
وسط هذا الجنون يلجأ أشخاص الى زواياهم الخاصة
ليس أملاً في تغيير قريب
بل هرباً من الملل
حتى الذين قرروا أنهم خارج هذا النادي، فمن منهم يطلق موقفاً من مسألة وطنية أو تربوية أو اقتصادية، صار عرضة للتصنيف بأنه طائفي لكنه يكتم حقده. لا يقبل هذا اللبناني شفاء لبناني آخر من أمراض هذا الشعب العجيب. ولأن العدوى تنتشر مع المرض لا مع الصحة، فسيكون على الطامحين الى التغيير ان يتكيفوا مع وقائع القهر، ويعودوا الى زواياهم الضيقة، وانتظار إشارة الانطلاق من شيخ طريقتهم. وليس بين هؤلاء الشيوخ من هو مستعد للتغيير، ولو كلفه الأمر حياته. وكل ما يمكن ان يحظى به اللبناني هو استبدال الشيخ بشيخ آخر، لكن حذار المسّ بالطريقة.
لم يتغيّر شيء في طبيعة هذا اللبناني. كل ما حصل هو انه دمر ما تبقى من طبيعة وجغرافيا ليس له أي فضل في وجودها أصلاً. وكل ما سوف يحصل الآن وغداً وبعد غد ليس سوى فتح الساحات أمام سجالات ومناحرات، سرعان ما تركب على سكة الطوائف الفالتة من عقالها. تحرق الأخضر واليابس، باعتبارها العادة المفضّلة، والأحب الى قلوب اللبنانيين. ومع جولة العنف الجديدة، سيهرب نصف اللبنانيين الى بلاد الله الواسعة، وحيث يمكن استقبالهم. ومن يبقى، يعيد اللعبة ذاتها، بانتظار أن يأتي منقذ لهذا اللبنان، فيعيده الى قطعة من بلاد الشام، ولن يكون هناك حل غير ذلك. ولو جرّب اللبنانيون حظهم في طوائفهم لمئة عام أخرى.
وسط هذا الجنون، يهرب أشخاص الى زواياهم الخاصة. يمارسون عادات الغيبات الكبرى والصغرى، ليس أملاً في تغيير قريب، بل هرباً من الملل. لم تبق لديهم قدرة على تحمّل هذه الإعادات المستمرة لفيلم رديء…
مرة جديدة: تباً لنا!
بواخر الكهرباء على الأبواب!
كل الطرق تؤدي إلى البواخر التركية لشراء الطاقة الكهربائية، إن لم يكن بتفصيل دفتر الشروط على قياسها فبالأمر الواقع. تلك البواخر هي «الأرخص» والأسرع لتأمين كميات إضافية من الطاقة، بحسب أكثر من مصدر معنيّ. مع ذلك يدور النقاش حالياً حول إعداد دفتر شروط لمناقصة المعامل، يضمن المنافسة العادلة بين خيارَي البر والبحر، ويؤدي إلى تجنّب رسوّ هذه البواخر على الساحل اللبناني لسنوات طويلة
خرجت الخلافات بين أعضاء اللجنة الوزارية المعنيّة بدرس دفتر شروط مناقصة إنتاج الكهرباء إلى العلن. قبل أن يدخل إلى الاجتماع الأخير للجنة (الجمعة)، قال وزير الصناعة وائل أبو فاعور: «سنصوّت ضدّ البواخر وسنُطالب بإحالة الموضوع على إدارة المناقصات». تلك بدت إشارة واضحة إلى التوتر الذي يخبو حيناً ويطفو على السطح حيناً آخر. مع ذلك، فإن النقاش المستمر، والذي يوصف دائماً بـ«الهادئ» لم يصل إلى قرارات حاسمة بعد.
مسألة البواخر قضية إشكالية منذ سنوات. التيار الوطني الحر، مدعوماً من تيار المستقبل، صار يوصف بأبي البواخر، نظراً إلى حماسته الدائمة لهذا الخيار. وهو لذلك، سبق أن اتّهم بتفصيل دفاتر الشروط على قياس البواخر التركية. في مناقصة شراء الطاقة بصفة مستعجلة التي أُلغيت لاحقاً، خلصت إدارة المناقصات إلى أن دفتر الشروط لا يؤمّن عدالة المنافسة.
الأرض مجاناً
في المناقصة الحالية، لا تزال التهمة نفسها موجّهة إلى العونيين. طلب تأمين الكهرباء بصورة «عاجلة نسبياً» في «المرحلة المؤقتة» (أي المرحلة السابقة لإقامة معامل «دائمة») يُعطي الأفضلية للبواخر، لأن دفتر الشروط يفرض كلفة إضافية (بدل إيجار أو شراء الأرض) على من يطرح خيار تأمين الكهرباء «المؤقتة» على البر (دفع كلفة إيجار الأرض)، مقابل عدم وجود أي شرط من هذا النوع لخيار البواخر. مجرّد الحديث عن المعامل العائمة، يعني تلقائياً إعطاء الأفضلية للبواخر التركية، أولاً لأن تركيا رائدة في مجال المعامل العائمة (شركة «كارادينيز» تحديداً)، وثانياً لأنها الوحيدة القادرة على توفير البواخر خلال أشهر قليلة، وثالثاً لأنها صارت عالمة بالزواريب اللبنانية.
لهذا كله، جرى التأكيد في اللجنة على ضرورة إزالة نقطة التمايز هذه، من خلال تأمين الدولة الأرض مجاناً (حرم معمل الزهراني على سبيل المثال) لأي عارض يقدّم حلولاً مؤقتة على البر. لكن مع ذلك، تتوقع مصادر مطّلعة أن لا يؤدي أي إجراء إلى إبعاد البواخر، لأن هذا الخيار هو الأقل كلفة، والأكثر فاعلية، تمهيداً لزيادة الإنتاج ورفع التعرفة. هذا لا يعني أن التوجّه إلى البحر محسوم. قبل الانتخابات النيابية، سرت أخبار عديدة عن شركات مستعدة لتأمين الطاقة عبر مولّدات متوسطة الحجم على البر خلال فترة ستة أشهر. بعد فترة وجيزة، سيتم التأكد مما إذا كانت هذه الخيارات واقعية أم كانت جزءاً من حملة سياسية استهدفت حينها القيّمين على وزارة الطاقة، على ما تعتبر مصادرها.
«المناقصات»
خرج الخلاف بشأن البواخر إلى العلن، قبل أن يتم الاتفاق على الإجراءات الإدارية المتعلقة بهذه المناقصة. وبعد أن تجنبت وزارة الطاقة تحويل دفتر الشروط مباشرة إلى إدارة المناقصات لوضع ملاحظاتها عليه، يبدو مسلّماً به من قبل وزراء في اللجنة أن بدءها بدراسة الدفتر لن يعني أن الإدارة لن تضع ملاحظاتها. يشير أحدهم إلى أنه خلافاً لرأي وزيرة الطاقة بوجوب إقرار الدفتر في مجلس الوزراء قبل تحويله إلى إدارة المناقصات، فإن المطلوب أن ينتقل الملف إلى المناقصات ما إن تنتهي اللجنة من دراسته. وعندها، سيكون هنالك خياران، إما أن يتم الاتفاق بين «الطاقة» و«المناقصات» على الملاحظات، خاصة إذا لم تكن جوهرية، وإما أن ترفض الوزارة السير بالملاحظات، فيكون عليها أن تضع ملاحظاتها على ملاحظات إدارة المناقصات، ثم تحويلها إلى مجلس الوزراء للبتّ فيها.
غرامات تأخير المعامل
لم تحسم اللجنة الإشكالية المتعلّقة بجدوى التصنيف الذي تجريه وزارة الطاقة للشركات، وبناءً عليه تسمح لتلك الشركات بالمشاركة في المناقصة أو تمنعها. ثمّة من يعتبر أنه مخالف للقانون وقابل للطعن.
النقاش يشمل أيضاً مسألة أساسية تتعلّق بتوحيد سعر الطاقة في المرحلتين المؤقتة والدائمة. وإذا كانت هذه الخطوة قد اعتُبرت إنجازاً عند إقرار خطة الكهرباء في أيار الماضي، لكونها تدفع المتعهد إلى الإسراع في إنجاز المرحلة الدائمة توفيراً لأكلافه، فقد أبلغت وزارة الطاقة زملاءها في اللجنة أن ذلك لن يكون ممكناً، لأنه يعيق عملية تمويل المعامل.
استشاري معامل الكهرباء متّهم بقضايا فساد
التعديل جعل البعض يدعو إلى إلغاء المرحلة المؤقتة برمّتها والتركيز على إنجاز المعامل الدائمة، لكن مشكلة هذا الطرح أنه يؤخر احتمال رفع التعرفة قريباً، مع ما يعنيه ذلك من مخالفة للتوجيهات الدولية التي تضغط باتجاه الإسراع في إلغاء دعم أسعار الكهرباء. لذلك، كان لا بد من البحث عن بديل للتعرفة الموحّدة، بما يضمن عدم تأخير الخيار الدائم، ويقطع الطريق على تمديد المرحلة المؤقتة إلى ما لا نهاية. حتى الآن الحل يقضي بفرض غرامات تأخير عالية، تتراوح ما بين 100 مليون و150 مليون دولار على المتعهّد الذي يتأخر في إنجاز المعامل الدائمة.
سلعاتا أم حنّوش
بقيت مسألة معمل سلعاتا الذي نشأ خلاف بشأن الأرض التي سيُبنى عليها، والتي لم تُحسم بعد. بدأت المشكلة مع انتشار مسودة دفتر شروط مناقصة معمل سلعاتا. فقد تبين أن الوزارة غيّرت مكان المعمل، بناء على دراسة أعدّها الاستشاري «فيشتنر»، كانت نتيجتها مخالفة الدراسة التي سبق أن أعدّها الاستشاري «موت ماكدونالد». فالأخير كان قد اعتبر أن أفضل مكان لبناء المعمل هو في الأرض التي تملكها مؤسسة كهرباء لبنان في منطقة حنّوش التابعة لبلدية حامات (تبعد نحو ثلاثة كيلومترات شمال بلدة سلعاتا). وهو الخيار الذي تبنّاه وزير الطاقة السابق سيزار بو خليل، بوصفه أرخص الخيارات وأفضلها. لكن وزيرة الطاقة الحالية ارتأت أن يُبنى المعمل على أرض تعود ملكيتها إلى أصحاب مصنع لإنتاج الزيوت. وقد أدى ذلك إلى اعتراضات عديدة وشديدة اللهجة من أصحاب المعمل وبلدية سلعاتا وصولاً إلى وزير الصناعة وائل أبو فاعور، الذي بدأ تحرّكه على خلفية حماية الصناعة الوطنية.
فأصحاب المعمل راسلوا وزارة الطاقة طالبين الرجوع عن القرار «لعدم قانونيته»، محذّرين من أنهم سيقدّمون مراجعة إبطال لأي مرسوم قد يصدر باستملاك العقارات التابعة لهم. كما اعتبروا أن إنشاءه سيؤدي إلى إغلاق معملين يوظفان 800 شخص، لأنه سيساهم في إغلاق المرفأ الذي شيّدته وتستثمره الشركة المالكة له، بما يسمح برسو البواخر الكبيرة التي تؤمّن المواد الأولية للمعمل.
لماذا غيّرت وزارة الطاقة
مكان بناء معمل
سلعاتا؟
كذلك أكدت البلدية عدم موافقتها «بشكل قاطع» على إنشاء محطة إنتاج الكهرباء، نظراً إلى قربها من السكان، ولأن الموقع المختار سيشمل موضع المسبح الشعبي، كما سيؤدي إلى إغلاق المرفأ. كذلك تشير البلدية إلى أن سعر المتر في سلعاتا هو ضعفَا سعره في حنوش، ما يعني أن استملاك نحو 45 ألف متر مربع في سلعاتا، في الوقت الذي تملك مؤسسة كهرباء لبنان 35 ألف متر مربع في حنوش سيؤدي إلى دفع كلفة هائلة.
لكن وزيرة الطاقة كانت قد أشارت إلى أن الأراضي المستملَكة من كهرباء لبنان هي أملاك متباعدة عن بعضها البعض، بعد أن استرجع عدد من أصحاب الأراضي أملاكهم، لعدم استعمالها خلال عشر سنوات، أضف إلى ذلك حديثها عن وجود كنيسة قديمة، مصنّفة أثرية من قبل وزارة الثقافة، ما يعني وجوب الابتعاد عنها مسافة 150 متراً من كل ناحية. ولذلك، اعتبرت أن تكلفة الاستملاك في سلعاتا، إضافة إلى تكلفة ردم جزء من البحر، ستكون أقل من تكلفة تجهيز واستملاك المزيد من الأراضي في حنوش، علماً أنها نفت أيضاً أن يؤدي المعمل إلى إغلاق المرفأ المجاور.
وفيما لم يُحسم مكان المعمل بعد، فإن أحد الوزراء رأى أنه إذا كانت الوزارة تعتبر أن ردم البحر في سلعاتا يمكن أن يساهم في تخفيف الكلفة، فإن ذلك يمكن أن يجري في منطقة حنوش أيضاً، علماً أن الجرف القاري لا يبعد سوى بضعة أمتار عن الشاطئ الصخري في سلعاتا، والذي نظراً لعمقه يكلف أموالاً طائلة لردمه. الاعتراض يأخذ عند البعض منحىً تشكيكياً. هؤلاء يعودون إلى الأصل، إلى أسباب اختيار الاستشاري «فيشتنر» الذي سبق أن فرض عليه البنك الدولي، في عام 2017، عقوبة الإقصاء عن المشاركة في مشاريع من تمويله، بعد أن ثبت لديه أنه أساء السلوك في أحد مشاريع الطاقة في جمهورية الكونغو. وإذ استمرت عملية الإقصاء حتى نهاية شهر أيلول 2018، فإنه منذ ذلك الحين، أي منذ نحو عام لم يقم الاستشاري بأي مشاريع ضخمة، بل اكتفى بمشاريع صغيرة، إلى أن وصل إلى لبنان.
إنفاق الإدارات الحكومية: هكذا يُهدر المال العام
المُخصّصات والرواتب أبرز مصاريف هيئات بعضُها غير موجود
33 فقط من أصل 140 إدارة عامّة كشفت عن نفقاتها وإيراداتها الفعلية عام 2017، استجابةً لطلب «حق الوصول إلى المعلومات» الذي قدّمته «مبادرة غربال»، ضمن مشروع «الشفافية في الإدارة العامّة اللبنانية». رئاستا الجمهورية والحكومة ومجلس النواب جاءت في طليعة الإدارات العامّة التي امتنعت عن الكشف عن كيفية صرف المال العام فيها، في مخالفة فاضحة للقانون
4,7 ملايين دولار أميركي هو مُجمل نفقات رواتب المُكلّفين بالكشف عن الأضرار في مجلس الجنوب عام 2017، وهو يتجاوز بنحو 14 مرة رواتب كل المُوظّفين في المجلس. المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات (إيدال) أنفقت نحو 37 مليون دولار في العام نفسه، أكثر من 90% منها خُصّص لمشاريع دعم استفاد منها أشخاص «مجهولو الهوية». في الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، تجاوزت أجور المُستشارين الـ 160 ألف دولار، في عام 2017، ما يشكّل 26.7% من مُجمل نفقات الهيئة. مصلحة سكك الحديد والنقل البري استحوذت على أكثر من 65% من نفقات المديرية العامة للنقل البري والبحري، خُصّصت لدفع وأجور رواتب موظّفيها والتي بلغت نحو مليوناً و62 ألف دولار. وأنفقت هيئة إدارة السير والآليات والمركبات نحو 8 ملايين و340 ألف دولار، خُصّص نصفها لتشغيل وصيانة عدّادات الوقوف (باركميتر) التي تتولّى إدارتها شركة خاصّة تستفيد من غالبية إيراداتها!
هذه بعض «النماذج» عن كيفية صرف المال العام في 33 إدارة عامّة، كشفها تقرير «الإدارات العامة اللبنانية – إنفاق عام 2017» الذي أعدّته مبادرة «غربال» في إطار مشروع «الشفافية في الإدارات العامة اللبنانية»، من أصل 140 إدارة عامّة راسلتها «غربال»، استناداً إلى قانون حق الوصول إلى المعلومات، للحصول على قطع حسابها لعام 2017، أي نفقاتها وإيراداتها الفعلية.
33 فقط من أصل 140 إدارة عامّة كشفت
عن نفقاتها وإيراداتها الفعلية
عام 2017
من أصل 140، رفضت ثلاث إدارات (الداخلية والبلديات ومشيخة عقل الطائفة الدرزية وديوان المحاسبة) استلام طلب الحصول على المعلومات، وأحالت 16 إدارة الطلب إلى سلطة الوصاية، ولم تجب 52 إدارة على الطلب، أبرزها رئاستا الجمهورية والحكومة، ومجلس النواب مشرّع قانون حق الوصول إلى المعلومات(!) ووزارة الخارجية والمغتربين والإدارة المركزية للجامعة اللبنانية والإحصاء المركزي وهيئة أوجيرو، فيما قدّمت 33 إدارة بيانات ناقصة، وردّت 6 إدارات أخرى بأنها لا تملك أي موازنات.
ولعلّ ما ورد في بيانات الإدارات المُتجاوبة يُفسّر سبب امتناع بقية الإدارات عن التصريح وكشف الحسابات، نظراً لما تتضمّنه هذه البيانات من نفقات «غير منطقية»، تطرح تساؤلات عدّة حول جدواها. وفي ما يأتي أبرز النماذج التي وردت في التقرير:
مجلس الجنوب: 32 مليون دولار مساعدات لمجهولين!
بلغ الإنفاق الفعلي لمجلس الجنوب، عام 2017، نحو 40 مليون دولار. ورغم استحواذ المشاريع المُنفّذة على أكثر من ثلثي قيمة هذه النفقات (نحو 28 مليون دولار)، إلّا أنها بقيت «غير معروفة»، ولم يُحدّد عدد هذه المشاريع وحجمها. واكتفى كشف الحساب المقدّم بتبويب عام من نوع «مشاريع مائية» و«طرقات مدرسية» و«مُستشفيات» وغيرها.
ومثّل بند الرواتب والأجور (خمسة ملايين دولار) 19.7% من مُجمل النفقات، فيما بلغت قيمة المساعدات نحو 3.9 ملايين دولار (9.5% من الإنفاق)، علماً أن المجلس لم يعلن عن عدد المستفيدين أو أسباب الاستفادة من هذه المساعدات. وشكّل الإنفاق على المصاريف والخدمات الإدارية والتشغيلية 2.8% من قيمة الإنفاق (1,1 مليون دولار).
إلا أن اللافت أن رواتب المُكلّفين بالكشف عن الأضرار، أو ما يُعرف بـ«الاستقصاء»، تشكّل نحو 60% من نفقات بند الرواتب بقيمة 4.7 ملايين دولار، وهي توازي 14 مرة رواتب كل الموظفين (نحو 332 ألف دولار)، وتُشكّل بدلات المُدير وأعضاء مجلس الإدارة (سبعة أشخاص) 3.71% من مُجمل الأجور (نحو 296 ألف دولار)، وهي توازي تقريباً كلفة رواتب كل الموظفين. كما تُشكّل تعويضات الأعمال الإضافية للموظفين أكثر من ضعفي قيمة الرواتب الأساسية (767 ألف دولار)، فيما تشكّل المُكافآت (508 آلاف دولار) مرة ونصف مرة الرواتب الأساسية.
«الأعلى للخصخصة»: 300 ألف دولار لستة موظفين ومستشاريهم!
بلغ الإنفاق الفعلي لـ«المجلس الأعلى للخصخصة والشراكة»، عام 2017، نحو 378 ألف دولار. وشكّلت الرواتب والأجور (295 ألف دولار) 78% من الإنفاق الفعلي، علماً أن عدد العاملين في المجلس هو 6 أشخاص يعاونهم استشاريون غير دائمين.
«إيدال»: ملايين الدولارات لمشاريع «مجهولة»
عام 2017، أنفقت المؤسّسة العامّة لتشجيع الاستثمارات في لبنان (إيدال) 37 مليون دولار، أكثر من 90% منها خُصّصت لمشاريع الدعم التي تقدّمها (33.7 مليون دولار)، ومن دون أن يظهر في المستندات عدد المستفيدين من برامج الدعم الممنوحة وهوياتهم. وأنفقت 9.6% من مُجمل إنفاقها على موازنتها الإدارية (نحو 3.6 ملايين دولار). واستحوذ بندا الرواتب والأجور وملحقاتهما على 31.7% من مُجمل نفقات الموازنة الإدارية، وهو ما يوازي نحو مليون دولار. واللافت أن تعويضات ومخصّصات مجلس الإدارة تعادل ثلث رواتب المستخدمين، إذ بلغت نحو 191 ألف دولار في حين أن رواتب كل المُستخدمين بلغت نحو 525 ألف دولار.
هيئة شؤون المرأة: 160 ألف دولار للمستشارين!
وفقاً لقطع حساب عام 2017 الذي قدّمته «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية»، يتبيّن أن الأموال التي حُوّلت لها من الخزينة العامّة بلغت نحو 600 ألف دولار. وقد استحوذت الرواتب والأجور وملحقاتهما (327 ألف دولار) على 54.5% من هذه النفقات. علماً أن أكثر من 160 ألف دولار منها خُصّصت لأجور المستشارين، وتتجاوز قيمتها مجموع أجور الموظّفين الدائمين في الهيئة (نحو 128 ألف دولار).
ولفت التقرير إلى إنفاق الهيئة نحو 160 ألفاً و689 دولاراً على مشاريع قد تُعقد مستقبلاً، ما يطرح تساؤلاً حول كيفية إنفاق أموال عامة على مشاريع لم تُعقد بعد، وفي حال لم تُنفق لماذا أُدرجت ضمن الإنفاق الفعلي، على عكس ما تفرضه أصول المحاسبة العمومية بإدراج هذه النفقات ضمن الإنفاق الفعلي للعام الذي ستُنفق فيه؟.
وزارة العمل: توفير أم ديون لصالح الضمان؟
خصّصت موازنة العام 2017 نحو 276 مليون دولار لوزارة العمل. لكن، وفقاً لقطع الحساب الذي قدّمته الوزارة، بلغت قيمة الإنفاق الفعلي نحو 10 ملايين و797 ألف دولار، ما يعني أن «العمل» أنفقت فقط 3.9% من الاعتمادات المرصودة لها. لماذا؟ يُشير مُعدّو التقرير إلى أن السبب يعود بشكل رئيس إلى عدم تحويل الوزارة مستحقّات الضمان الاجتماعي التي تشكّل 97% من مُجمل الاعتمادات المرصودة. ما يعني، عملياً، أن الدولة لم تُسدّد للضمان مُستحقاته خلال هذا العام والتي تبلغ نحو 266 مليون دولار، وهي تضاف الى مُجمل الديون المتراكمة على الدولة لمصلحة الصندوق. واللافت أنه من بين الـ10 ملايين دولار التي أنفقتها الوزارة، هناك 3 ملايين و85 ألف دولار (28.6%) حُوّلت إلى جمعيات ومؤسسات لا تبغي الربح.
الهيئة الناظمة للاتصالات: 3 ملايين دولار لهيئة غير قائمة!
أُسست الهيئة الناظمة للاتصالات عام 2002، بموجب قانون الاتصالات رقم 431، بوصفها وكالة حكومية مستقلّة مهمّتها تحرير وتنظيم وتطوير قطاع الاتصالات في لبنان. ورغم أن القانون لم يصبح نافذاً حتى اليوم، ولم يُحرّر القطاع لتقوم الهيئة بمَهامها، فإن الهيئة قائمة وتُخصص لها اعتمادات سنوية، بلغت عام 2017 نحو 6 ملايين و108 آلاف دولار. ووفقاً لقطع حساب عام 2017 الذي قدّمته الهيئة، فقد تم إنفاق 3 ملايين و474 ألف دولار، أي 56.9% من مُجمل الاعتمادات المرصودة لها. علماً أن أكثر من 81% من مُجمل الإنفاق الفعلي كان لتسديد رواتب وأجور العاملين في الهيئة المُنظّمة للاتصالات وملحقاتهما (مليونان و832 ألف دولار).
الضمان الاجتماعي: 3 آلاف دولار متوسّط راتب الموظّف
بلغ مجموع الإنفاق الفعلي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عام 2017 نحو 68 مليوناً و797 ألف دولار. اللافت أن نفقات تعويضات حضور جلسات مجلس الإدارة المؤلّف من 26 عضواً، والتعويض المقطوع لرئيسه، فضلاً عن تعويضات حضور جلسات هيئة المكتب المؤلّف من 13 عضواً بلغت نحو 171 ألف دولار، وشكّلت نحو 0.25% من مُجمل الإنفاق. وبلغت قيمة رواتب المستخدمين الدائمين والمتعاقدين والمُياومين وأجورهم وملحقاتها نحو 39 مليون دولار تشكّل 56.87% من مُجمل الإنفاق، «علماً أن عدد موظّفي الضمان يبلغ 1102 وفقاً لتقرير اللجنة الفنية في الصندوق، ما يعني أن المعدّل الوسطي لراتب كلّ موظّف يبلغ 2.959 دولاراً، إذا افترضنا أن كلّ الموظّفين وفي كل المراتب يتقاضون الراتب نفسه».
مليون دولار لموظّفي سكك الحديد
بلغت قيمة الإنفاق الفعلي للمديرية العامة للنقل البري والبحري عام 2017 نحو 3 ملايين و161 ألف دولار، 65.2% منها (مليون و62 ألف دولار) ذهبت الى مصلحة سكك الحديد والنقل البري. واستحوذت «الإنشاءات قيد التنفيذ»= (864 ألف دولار) على 27.3% من إنفاق المديرية، وبلغ الإنفاق على الصيانة 0.3% (7 آلاف و900 دولار)، وعلى الاستشارات والخدمات والمراقبة 1.6% (49 ألف دولار)، والنفقات المختلفة نحو 0.01% أي ما يساوي 340 دولاراً.
«الشباب والرياضة»: 61% من الاعتمادات مُساعدات
خُصّصت لوزارة الشباب والرياضة اعتمادات بقيمة 10 ملايين و290 ألف دولار ضمن موازنة عام 2017، «إلّا أن الوزارة لم تستجب لطلب مبادرة غربال بالحصول على إنفاقها الفعلي في هذا العام، مشيرة إلى أن ما تمّ تنفيذه من موازنة عام 2017 نُشر على الموقع الرسمي للوزارة ضمن التقرير السنوي»، وفق التقرير. وبالاطلاع على ما تنشره الوزارة على موقعها الرسمي تبيّن أنه «بيان مقتضب يعدّد الجهات الرياضية والشبابية التي تمّت مساعدتها من موازنة الوزارة وقيمة المبالغ التي أُنفقت عليها، وبالتالي لا تظهر على الموقع الرسمي للوزارة المبالغ المصروفة على النفقات الجارية والتشغيلية للوزارة».
المقارنة بين ما هو وارد على الموقع وبين اعتمادات الموازنة المُخصصة للوزارة، تُظهر أن هذه المساعدات شكّلت 61% من مُجمل الاعتمادات (6 ملايين و300 ألف دولار)، توزّعت وفقاً للتصنيف التالي، من دون تحديد الجهات المستفيدة منها والمبالغ التي حصلت عليها كلّ جهة:
– 13 اتحاداً رياضياً استفادت بقيمة 1.439.469 دولاراً، بمعدّل وسطي بقيمة 110.728 دولاراً لكل اتحاد.
– 121 نادياً رياضياً استفادت بقيمة 1.691.542 دولاراً، بمعدّل وسطي بقيمة 13.980 دولاراً لكل ناد.
– 13 فرداً استفادوا بقيمة 58.043 دولاراً، بمعدّل وسطي يبلغ 4.465 دولاراً لكل شخص.
– 45 بلدية حصلت على 2.653.340 دولاراً، بمعدّل 58.963 دولاراً لكل بلدية.
– 26 جمعية كشفية وشبابية استفادت بقيمة 459.702 دولار، بمعدّل وسطي 17.681 دولاراً لكل جمعية.
أموال الناس في خدمة الباركميتر!
رُصدت ضمن موازنة عام 2017 اعتمادات بنحو 29 مليوناً و90 ألف دولار لصالح هيئة إدارة السير والآليات والمركبات، إلّا أن الهيئة لم تنفق سوى 28.7% من مُجمل هذه الاعتمادات. إذ بلغ إنفاقها الفعلي نحو 8 ملايين و340 ألف دولار. واللافت أن 49.9% من مُجمل هذه النفقات ذهبت لتشغيل وصيانة عدّادات الوقوف التي تديرها شركة خاصّة وتستفيد من غالبية الإيرادات الناجمة عنها.
يشار إلى أن الهيئة حقّقت إيرادات بقيمة 31 مليوناً و854 ألف دولار من إصدار رخص السوق والسير واللاصقات ولوحات التسجيل، ما يشكّل نحو أربع مرّات قيمة نفقاتها.
اليمن يقلب المعادلات: زلزال نجران
سنة 1975 سقطت سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية. ما كانت تلك الهزيمة للولايات المتحدة وجماعاتها سوى نتاج صمود أسطوري للشماليين لسنين مديدة، انهارت إثره جبهة العدو وحلفائه قالبةً المعادلات. أما معادلة اليوم في اليمن: أتت السعودية لتغزو صنعاء وصعدة والحديدة زاعمة مساندة «الرئيس الشرعي»، فانجلى الغبار عن وقوفها موقف المدافع المحتاج إلى مساندة لحماية ثرواتها ومدنها، نجران وما بعدها وما غربها، ولا أحد يدري ما التالي! لم تكد الرياض تستعيد أنفاسها إثر زلزال عملية «أرامكو» حتى خرج فصل جديد من مسار التحول في المعركة، آخذاً بالجملة ما كانت تقدمه العمليات العسكرية والأمنية في السنوات الماضية بالمفرّق. مشهدٌ لا يتكرر ببساطة في الحروب المعاصرة، وقد أصاب السعودية المنهكة في مقتل. ما تبقى من هيبة وتماسك أمام اليمن جرفته صور عملية نجران التي أفرجت عنها القوات اليمنية أمس. مئات الكيلومترات المربعة هي المرحلة الأولى التي ابتلعها اليمنيون في الهجوم الأوسع على الإطلاق، ومعها ألوية تنشط تحت إمرة الرياض المباشرة، وتعمل داخل أراضيها، بمشاركة قوات سعودية عادة ما تكون الأقل عدداً تجنّباً للخسائر. لم تجد المملكة فرصة كاتهام إيران لإنقاذ الموقف، فاختارت أن تلوذ بالصمت الذي لم يشفع لصاحب القرار السعودي في تغطية المشهد أمام الجمهور والعالم. والأخير تلمّس حجم الورطة وفداحة الانكشاف والضعف وهو يرى الصيد اليمني في مشاهد استثنائية تفاعل معها الإعلام العالمي. فبعد جولات الصراع الأمني والعمليات التكتيكية والصاروخية والجوية، انحازت الأرض إلى أصحابها، ليمنح النزال في الميدان، بفروسية تتقلّص فيها جدوى تفوّق السلاح الأميركي، أفضلية للمقاتل اليمني الذي باتت الطريق أمامه معبّدة لجولات يصعب على حكام الرياض حتى تخيلها، في حال قررت صنعاء التمدد أكثر شمالاً. يتردّد اليوم في اليمن أن درس نجران تلقّفته القوى اليمنية المنحازة إلى «تحالف العدوان»، فهل تفهم السعودية، التي عمدت إلى قتل مرتزقتها بالغارات، الدرس أو ستنتظر فاجعة لا قيامة بعدها تشبه سقوط سايغون؟
زلزال نجران: اليمن يقـلب المعادلات
ثلاثة ألوية، بعديدها وعتادها الحديث، سقطت. العشرات من الضباط والجنود السعوديين والمئات من اليمنيين المقاتلين تحت إمرتهم في محور نجران أسروا، في أوسع عملية برية تنفذها القوات اليمنية المشتركة. العملية، التي لا تزال في مراحلها الأولى بمكاسب كبيرة على الأرض، كانت «الأخبار» قد كشفت جانباً منها. وقد بدأ تنفيذها فعلياً منذ شهرين بالاستطلاع لمعرفة حجم القوات المستهدفة ووضع الترتيبات اللازمة لمواجهة تلك القوات ووضع الكمائن المحكمة. ونفّذت وفق تكتيك عسكري حديث، عكس تطور القدرات العسكرية البرية اليمنية، إذ اعتمد عنصر المفاجأة والمباغتة، بعد أن أوهم المستهدفون بالانسحاب من مناطق واسعة قبالة نجران لتستدرج تلك القوات إلى فخ كبير، فيتم الانتقال من التخطيط للعملية إلى تنفيذها في الـ25 من آب أغسطس الماضي، حين انتهى حلم الرياض، التي دفعت بالمئات من المدرعات والآلاف من الجنود إلى مديريات كتاف شرقي صعدة، في غضون 72 ساعة فقط.
القوات المسلحة اليمنية، وبعد الانتهاء من تأمين مسرح العمليات ونقل وتأمين الأسرى ونقل الغنائم العسكرية الكبيرة من مختلف الأسلحة، وهو أمر استغرق أكثر من شهر، أزاحت الستار في بيان عسكري صادر عنها السبت، عن العملية، مؤكدة سقوط ثلاثة ألوية عسكرية بكامل عتادها العسكري ومعظم أفرادها وقادتها. وكشف البيان العسكري عن أسر فصيل عسكري سعودي، بكامل ضباطه وأفراده، في العملية. عملية أطلق عليها اسم «عملية نصر من الله» ووصفها البيان بـ«أكبر عملية استدراج لقوات العدو منذ بدء تحالف العدوان على اليمن»، شاركت فيها عدة وحدات متخصصة من قوات الجيش و«اللجان»، البرية بوحداتها المختلفة، إضافة إلى القوة الصاروخية وسلاح الجو المسيّر وقوات الدفاع الجوي. وتم تنفيذها بإدارة مباشرة من قبل وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ الوطني، وكذلك، وفق المعلومات، بإشراف مباشر من زعيم حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي.
تم تنفيذ العملية بإدارة وزير الدفاع
وإشراف مباشر من زعيم
«أنصار الله» عبد الملك
الحوثي
ومساء أمس، كشف المتحدث باسم القوات المسلحة، العميد يحيى سريع، بالصوت والصورة في مؤتمر صحافي عقد في صنعاء، تفاصيل مرحلة من الهجوم، استغرق تنفيذها 72 ساعة وبدأت فجر 25 آب، ومرّت بمرحلة إعداد وتخطيط كان للرصد والاستطلاع الحربي والاستخباري دور حيوي فيها، قبل العملية وأثناءها وبعدها. وأكد أن العملية التي نفذتها وحدات متخصصة من القوات البرية المتقدمة في محور نجران، بدأت بتطويق مجاميع كبيرة من قوات العدو، بعد تقدمها، وبأعداد كبيرة، إلى الكمائن والمصائد، بحسب الخطة. كما سمحت القوات بدخول تعزيزات جديدة لقوات العدو إلى مسرح العميات، ليتم بعد ذلك قطع خطوط الإمداد (الخطوط الخلفية) لقوات العدو من مسارين مختلفين، ومن ثم أحكمت القوات اليمنية الحصار على تلك القوات من الجهات الأربع، لتبدأ وحدات من المشاة والدروع والهندسة والمدفعية من قلب الجبهة بشن عملية هجومية واسعة. وأشار العميد سريع إلى أن من أبرز نتائج العملية خلال ساعاتها الأولى محاصرة مجاميع مختلفة من قوات العدو ومهاجمة مواقع عسكرية محصنة. كما أدت العملية خلال يومها الأول إلى وقوع خسائر كبيرة في صفوف قوات العدو، وكذلك اغتنام أسلحة إضافة إلى استسلام المئات من المخدوعين.
وحول نتائج العملية أكد العميد سريع أن قوات الجيش و«اللجان» نجحت في تحرير مساحة جغرافية تقدر بأكثر من 350 كلم مربع، إضافة إلى «السيطرة على كافة المواقع العسكرية والمعسكرات المستحدثة للعدو ضمن المساحة الجغرافية المحررة، وسقوط ثلاثة ألوية عسكرية تابعة للعدو كانت في المساحة الجغرافية المحررة أثناء تنفيذ العملية، كما عززت العملية الواسعة والنوعية من مواقع قواتنا المتقدمة والمطلة على مدينة نجران».
وحول خسائر تلك القوات، أفاد بأن إجمالي الخسائر البشرية لميليشيات السعودية يتجاوز الـ500 ما بين قتيل ومصاب، وأكثر من 200 قتيل بغارات الطائرات السعودية التي تعمّدت قصف مرتزقته بعشرات الغارات، وهناك من قتل أثناء الفرار، وآخرون أثناء عملية الاستسلام. وأفاد العميد سريع بأن قوات الجيش و«اللجان» حاولت تقديم الإسعافات الأولية لمصابي العدو جراء الغارات الجوية، إلا أن استمرار التحليق المكثف وشنّ غارات إضافية أدّيا إلى وقوع المزيد من الخسائر، وهو ما أوضحته الصور. واعتبر ما حدث «إبادة جماعية متعمّدة بهدف منع المخدوعين من الفرار وعدم تسليم أنفسهم… فكانت مهمة تأمين الأسرى كبيرة بعد أن تبين أنهم هدف لطائرات العدوان». وفي النتيجة، أوضح أن عدد الأسرى بلغ 2400 أسير سلموا أنفسهم طواعية بعد حصارهم من الاتجاهات كافة وتعرضهم للغارات.
نتائج العملية: 500 قتيل ومصاب، وأكثر من 200 قتيل بغارات طائرات التحالف، و2400 أسير
وأكد أن الغارات التي شنّتها القوات السعودية أثناء تنفيذ العملية بلغت أكثر من 100 غارة جوية، كما شنّت أكثر من 300 غارة بعد العملية. وفي الأرقام أيضاً، وأوضح أن القوة الصاروخية تمكنت من تنفيذ ضربات مزدوجة استهدفت مقار وقواعد عسكرية للعدو، منها مطارات تقلع منها الطائرات الحربية وتجمعات وتحركات للقوات السعودية وميليشياتها في محاور نجران وعسير وجيزان. وبدا لافتاً أن سريع أفاد بأن العملية اشتملت على عدد من الهجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ، بلغت في المرحلة الأولى من الهجوم تسع عمليات، منها ضرب مطار جيزان بـ10 صواريخ بالستية، وأكثر من 21 عملية لسلاح المسيّرات، «منها عملية استهدفت هدفاً عسكرياً حساساً في الرياض»، لم يوضح تفاصيله، كما لم يشرح العلاقة بين العملية الكبرى وهذه الهجمات.
الكشف عن العملية أثار موجة جدل في أوساط الأطراف السياسيين الموالين للتحالف السعودي، فحاولوا التشكيك في صدقية الإعلان أولاً، ووجهوا وسائل إعلامهم بالتشويش، وذلك بعد أن وصفها المئات من الناشطين الموالين لهم بالفضيحة والسقوط الذريع للتحالف بعد قرابة خمس سنوات من الحرب. ودفع الإعلان الكثير من الناشطين الموالين للرياض إلى الاعتراف بتعاظم قوات صنعاء مقابل تراجع القوات الموالية للتحالف، التي تمتلك أحدث الأسلحة، بدليل «نكسة أغسطس»، كما أطلق عليها البعض، التي أفقدت ثقتهم بالتحالف.
وأمس، رأى الناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، أن «السعودية تحاول عبثاً أن تتستر على مثل هذه الهزيمة المدوية التي مُنيت بها أمام المقاتل اليمني». ومن المتوقع أن تكشف صنعاء عن تفاصيل ومشاهد أخرى للعملية، بينها ما يتعلق بالأسرى، في موازاة مبادرة لحل هذا الملف. في هذا الإطار، أكد رئيس لجنة شؤون الأسرى عبد القادر المرتضى، أن المئات من جثث مسلحي العدوان والجنود السعوديين لا تزال مرمية في الشعاب والأودية في محور نجران منذ ما بعد العملية «ولم تسمح قوى العدوان للجنة الصليب الأحمر بانتشالها»، معلناً انفتاح صنعاء على إنهاء معاناة الأسرى بصفقة تبادل مع الأطراف كافة.
واشنطن تخشى من «لبننة» اليمن
يركّز الغرب، على رأسه الإدارة الأميركية، في الاتصالات التي تجرى حول حركة «أنصار الله» والحرب على اليمن هذه الأيام، على عمق ارتباط الحركة بمحور الممانعة بأركانه كافة، وأسباب هذا الارتباط وأهدافه. وكعادته في كل ملفات المنطقة، يبدي الغرب انزعاجه وقلقه من قوة ومتانة العلاقة (اليمن مع بقية أركان المحور) وتأثيرها في مصالحه ومشاريع الهيمنة والوصاية. ومقابل ذلك، يقدّم عروضاً بديلة أو إغراءات مقابل فك الارتباط، غير أن الجانب اليمني ينظر إلى تلك العروض على أنها مناورات خادعة مكشوفة الغايات والمقاصد.
لا تبدي واشنطن، ومعها لندن، ممانعة على حجم الحركة ومساحة انتشارها الجغرافي أو فائض القوة لديها على المستوى المحلي والصراعات الداخلية مع الأحزاب والقبائل اليمنية. يقتصر الاهتمام الأميركي والغربي على الدور الإقليمي لـ«أنصار الله» في المستقبل. تبني واشنطن، ومعها التحالف العربي بقيادة النظام السعودي، دعايتها على تشويه سمعة اليمن بربطه بالتبعية لإيران. لكن الحقائق على الأرض، والسياسات المستقلة للقيادة اليمنية في إدارة الدفاع عن البلد، والدور الذي يضطلع به الإعلام اليمني، تدحض كل محاولات التزوير وتحريف الحقائق، فضلاً عن أن المطلعين على حقائق الأمور يعرفون جيداً أن علاقات أطراف محور المقاومة قائمة على الاحترام والندية في العلاقة ومراعاة الظروف الخاصة في كل بلد، بالإضافة إلى أن كل طرف في المحور تتصدر الإدارة الأميركية كبحه عن تحقيق أهدافه الوطنية، الأمر الذي يلزم أطرافه مجتمعة التعاضد في مواجهة مشاريع الهيمنة الأميركية.
ازداد قلق الإدارة الأميركية في الشهور الماضية من نمو علاقة «أنصار الله» بالجمهورية الإسلامية في إيران. ريبة واشنطن ليست مستجدة، لكن التصعيد الأخير في المنطقة والخطوات اليمنية ــــ الإيرانية، ابتداء من فتح السفارة اليمنية كممثل رسمي عن حكومة الإنقاذ في طهران، واللقاء التاريخي الذي جمع وفداً من قيادة الحركة مع السيد علي خامنئي الشهر الماضي، سلّط الضوء على الأبعاد العميقة لتلك العلاقة، فضلاً عن الروابط العضوية التي بدأت مساراً عملياً واضحاً. تنظر الإدارة الأميركية إلى تطور العلاقة ببالغ الخطورة، باعتبارها تهديداً كبيراً على حلفائها في المنطقة. وقد وضعت علاقة اليمن وإيران في إطار المتابعة الدقيقة للمبعوث الأميركي الخاص بإيران، براين هوك. تظهر مواقف الأخير اهتماماً بالتفاصيل والأبعاد كافة لتلك العلاقة. فهو يصوّب دائماً، في المتابعات اليومية لملف العقوبات على إيران، باتجاه علاقة طهران باليمن، بدعوى أنها تشكّل تهديداً للمصالح الأميركية.
لا ترفض صنعاء التفاوض مع واشنطن
من حيث هو «تفاوض
مع الأصيل»
دافع القلق الذي تبديه واشنطن هذه المرة هو خشيتها من الارتباط العضوي بين إيران واليمن في ساحة الصراع في المنطقة. النظرة الأميركية هنا ترى أن تحالف إيران الاستراتيجي مع «أنصار الله» يسمح للحركة باستهداف دول الإقليم، ولا سيما بعد توفّر القدرة الصاروخية والطائرات بلا طيار. والأهم، وفق المفهوم نفسه، تأثّرُ بيئات معينة في الداخل السعودي وتشكيل التجربة اليمنية إلهاماً لها في التنظيم والارتباط. في هذا السياق، حذّر هوك قبل أيام من نيّة إيران استنساخ تجربة حزب الله في اليمن عبر «أنصار الله»، وإذا حدث ذلك، فإنّ «الهلال الإيراني سيصبح قمراً كاملاً». أضاف هوك إن إدارة دونالد ترامب تركّز على عكس المكاسب الاستراتيجية لإيران في المنطقة كجزء من حملة «الضغط الأقصى». وفي اليمن، يتطلب هذا «اتفاقاً سياسياً شاملاً يجمع كل الأطراف الشرعية لإنهاء الأزمة الإنسانية ومنع إيران من وضع جذور عميقة». وختم هوك: «إذا فشلت الولايات المتحدة في معالجة استراتيجية إيران الكبرى في اليمن، فسنواجه مخاطر أكبر في المستقبل، بما في ذلك لبننة محتملة للبلاد».
بعد عمليتَي «أرامكو» في ابقيق وخريص، منتصف الشهر الجاري، بدأت واشنطن تتجه صوب اتخاذ مسارات سياسية عملية عبر تقديم طروحات/ إغراءات لفصل الترابط بين صنعاء وطهران، في مهمّة الأصل فيها حرمان العاصمتين قوة الربط بينهما. واشنطن التي تعرف هشاشة النظام السعودي وتآكل قوته في مواجهة اليمن، أكثر من غيرها، تعمل على الدفع لتفعيل المسار السياسي، أو على الأقل السماح للأمم المتحدة بالعمل على تخفيض التصعيد. وهناك مساعٍ غربية جدية لفرض هدنة تسمح للرياض باستعادة التقاط أنفاسها وترتيب أوراقها تمهيداً للمرحلة المقبلة.
تعمل واشنطن على إحياء المسار السياسي عبر التفاوض، وليس لديها إشكال في الاتصال المباشر مع صنعاء، بل هي ترغب في ذلك، وهذا ما أكده مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شنكر، بالقول إن بلاده تتحدث مع جميع الأطراف في اليمن «بمن فيهم الحوثيون» الذين اعتبرهم «جزءاً من المشكلة والحل» في الوقت عينه. وأضاف شنكر: «لم نتحدث مع الحوثيين لغاية الآن، لكننا نتواصل معهم من أجل المفاوضات وسنستمر في ذلك» (معظم الاتصالات تجرى عبر الوسيط العماني). في المقابل، لا ترفض صنعاء التفاوض مع واشنطن، بل تعدّه نزولاً عند رغبتها بالتفاوض مع الأصيل بدلاً من الوكيل (السعودي). لكن اليمن يطالب بضمانات حول جدية التفاوض. بمعنى آخر: لا تريد صنعاء التفاوض من أجل التفاوض، أي الاتصال لغاية الاتصال.
وأخيراً، جاءت ضربة «أرامكو» لتكشف عن اهتراء بنيوي في النظام السعودي على أكثر من صعيد، الأمر الذي عزّز الرغبة الأميركية في إيجاد مسكّنات تبرّد الجرح النازف للحليف الجريح (السعودية)، على أن واشنطن غير راغبة حتى الآن في حل جذري ينهي الحرب على اليمن.
* اللواء
«ثورة الرغيف» بوجه الفساد والمديونية.. والطبقة السياسية تنقسم!
الراعي يدافع عن سلامة.. وبعبدا تتساءل لماذاً التصويب على الرئيس دون سواه؟
وفقاً لما اشارت إليه «اللواء» في عددها السبت الماضي، صرخة معبرة عن عمق معاناة فقراء لبنان، وحتى ميسوريه، العاطلين عن العمل، أو الذين فقدوا أعمالهم.. من جرّاء السياسات الخاطئة أو المتهورة، والمعالجات الاقتصادية، التي ادخلت حتى رغيف الخبز، في بازار التسابق على نهب الثروة الوطنية وتقاسمها، في تجربة لم يعتد عليها اللبنانيون، في أسوأ ظروف الحرب الكبيرة منها والصغيرة..
وبدل ان تلتفت الطبقة السياسية إلى صرخة النّاس، التي سمّاها أصحابها «بثورة الرغيف» راحت تسوق الاتهامات ذات اليمين وذات الشمال، تارة بكلام عن «متطفلين» أو مشاغبين أو مندسين أو طابور خامس، وتارة تصوير ما يجري بأنه استهداف للعهد..
وبصرف النظر عن دروع فهود قوى الأمن وهراواتهم، وإصابة متظاهرين، وضابط وعناصر آخرين، فإن المراقبين الدبلوماسيين والاعلاميين الأجانب، يصفون ما جرى من قطع طرقات واشعال اطارات بأنه «قمة جبل الجليد» رفضاً للقهر والكبت والقلق، بتعبير وكالة «رويترز».
وبانتظار انكشاف الأبعاد لما جرى من تحركات، مرشحة للإستمرار، اعتبرت دوائر العهد أن التحرّك موجّه ضده وضد تياره، في وقت توجه فيه الرئيس سعد الحريري إلى باريس لتمثيل لبنان في وداع الرئيس جاك شيراك، على ان ينقل إلى الرئيس ايمانويل ماكرون تعازي اللبنانيين باسم الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي والحكومة اللبنانية.
الأزمة تحت ضغط الشارع
مثلما كان متوقعاً، انفجرت الأزمة الاقتصادية- المعيشية في الشارع، بسبب استفحال المشكلات اليومية، واخرها شح الدولار والمضاربات على الليرة في السوق السوداء، ما انعكس خوفاً من فقدان بعض السلع الأساسية كالمحروقات والطحين والدواء، عدا عن ارتفاع الأسعار، من دون إجراءات سريعة كان يفترض اتخاذها من قبل المصرف المركزي ووزارة المال وجمعية المصارف والجهات الرسمية المعنية، وليس الانتظار حتى يوم غد الثلاثاء للمعالجة، وهي بحسب مصادر متابعة لن تكون إجراءات جذرية، بل ترقيع بينما يستمر فلتان الدولار، بانتظار ما سيصدر اليوم عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من مواقف بالنسبة لأزمة النقد، في ضوء الاجتماع الذي سيتم صباحاً مع رئيس الجمهورية ميشال عون في بعبدا.
وفيما أرجئت جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة اليوم إلى عصر غد الثلاثاء، بسبب سفر الحريري إلى باريس، كان لافتاً للانتباه دخول رأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي على خط دعم الحاكم سلامة في وجه محاولات تحميله وزر أزمة شح الدولار، وفلتان سعره في السوق الموازية، كما كان لافتاً تجاهل المسؤولين للتحذيرات التي أطلقتها الهيئات الاقتصادية والنقابية والمجتمع المدني بضرورة الاستعجال بدل التلكؤ في معالجة الأزمة الأخيرة، على رغم تأكيد الجميع انها جزء من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي لم تجد حلولاً بالرغم من انها موجودة، سواء عبر قرارات مؤتمر «سيدر» أو خطة «ماكينزي» أو حتى في ورقة بعبدا الاقتصادية.
وبحسب وزير الشباب والرياضة محمّد فنيش، فإن ما حصل في الشارع وقبله مسألة شح الدولار، والارباك في سوق النقد والمحروقات هي نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعانيها البلد منذ أعوام.
وأضاف لـ «اللواء»: ان التظاهر والاعتصام والاحتجاج حق مكفول للناس، لكن شرط عدم تخريب المنشآت العامة.
وقال: «هذه الأزمة المستجدة هي قيد المعالجة، لكن الحل ليس بكبسة زر نتيجة التراكمات الكبيرة والقديمة»، مشيراً إلى ان «الجهات المعنية بدأت بالمعالجة ويجب ان ننتظر النتائج».
الراعي يدعم سلامة
وكان البطريرك الراعي، قد دعا السياسيين في عظة الأحد، إلى الكف عن التراشق بالتهم، والعمل بروح المسؤولية على إيجاد السبل السريعة والناجحة للخروج من الأزمات الاقتصادية والمالية والمعيشية، مشيرا إلى ان المقلق في هذه الأزمة هو محاولة التنصل من المسؤولية ورميها على رجل واحد أو مؤسسة واحدة، فيما الدولة بكل اركانها ومؤسساتها هي المسؤولة، ولم تقم بأي خطوة إصلاحية أو مبادرة عملية لالتزامها بوقف الهدر والفساد أو حتى لمجرد التقشف في المظاهر».
وفي جريمة دعم قوية، قال البطريرك الراعي: «ليس من المقبول التصويب على مصرف لبنان برئاسة حاكمه الذي حاز على التقدير الدولي، ونجح في الحفاظ على الاستقرار النقدي في هذه الظروف الضاغطة اليوم كما الامس»، لافتاً إلى ان البحث عن كبش محرقة لن يؤدي الا إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والمالي والنقدي، وبدلا من الهروب من المسؤولية ورميها على الغير يجب على السلطة القائمة تحمل مسؤولياتها».
تساؤلات عونية
وعلى خط مواز، فتح الرئيس عون، منذ لحظة عودته إلى بيروت من نيويورك، خطوط الاتصالات بين بعبدا وكل المسؤولين الماليين والاقتصاديين في مقدمهم وزير المال علي حسن خليل والحاكم سلامة للبحث عن مآل الأوضاع وسبل العلاج، خصوصاً بالنسبة إلى أزمة نقص الدولار في الأسواق.
وعلم في هذا السياق، ان الرئيس عون كان يستفسر من المعنيين عن أسباب تفاقم أزمة شح الدولار، بعدما كانت قيد السيطرة قبل سفره، وتساءل عن مصير الدولارات وأين ذهبت، بعدما كانت مكدسة في المصارف؟ كما استفسر عن الحلول السريعة والممكنة قبل تفاهم الأزمة أكثر.
وسألت مصادر مقربة من رئيس الجمهورية عبر لـ«اللواء» عن سبب التصويب على العهد وسيده في حين انه صاحب الحلول الكبرى وأنه تصرف بمسؤولية في مواقف محددة وقدم مقترحات في الورقة الأقتصادية وتعاطى مع القضايا ضمن المصلحة الوطنية ودعم خطة الكهرباء وحمل شعار مكافحة الفساد، في حين قدم تكتل لبنان القوي مشاريع قوانين كرفع السرية المصرفية عن المسؤولين والأموال المنهوبة فضلا عن دعمه مكافحة التهرب الضريبي وعدم اثقال كاهل المواطن؟
وسألت المصادر: نريد أن نعرف من المسؤول عن تأجيل بت كل هذه الأمور ولماذا استغلال عناصر تأزيم الأزمة ولكننا نحن لا ننكر ان هناك شعبا متألما.
وقالت: ان العهد قد يضطر الى تسمية الأمور بأسمائها دون ان يكون الهدف تقاذف الأتهام انما الأتيان بالحلول الى طاولة القرار الأجرائي او التشريعي، مشيرة الى أهمية مواقف عون في نيويورك في الملفات التي تناولتها كلمته واللقاءات التي عقدها وقالت: عاد من هناك ورأى بأم العين الإستغلال لعناصر تأزيم الأزمة بصورة اعتباطية او مفاجئة، لماذا؟
واضافت: هل قيض للرئيس ان تتبع سياسته او مقترحاته او مقترحات تكتل لبنان القوي سواء في الكهرباء والموازنة والأصلاح وظهر ما يسمى بالثورة اليوم؟ لذلك قال الرئيس عون في طريق العودة من نيويورك لا ادري ماذا يحصل في بيروت.
واوضحت انه عندما تحدث عن وزير المال وحاكم مصرف لبنان فكان بسبب توزيع المسؤوليات عليهما وفق اجتماع بعبدا بحيث طلب من الأول تمويل معين والأفراج عن دفعات المستشفيات والمقاولين ومن الثاني اعادة تحريك القروض الأسكانية مثلا.
وقالت: يجب ان نعرف لماذا الأن وسوف نتصدى لهذا السؤال وقد نسمي الأمور بأسمائها والأمر متروك لتقدير الرئيس عون في التوقيت المناسب دون ان يعني الأتهام او تقاذف الأتهامات انما قول الكلام المسؤول ورئيس الجمهورية هو مسؤول عن سلامة الأرض والشعب.
احتجاجات متنقلة
إلى ذلك، كان لافتاً للانتباه، ان تحركات الاحتجاج المنظمة والعفوية، امتدت من بيروت إلى المناطق وشملت كل لبنان، ولو بنسب متفاوتة، وكان ثمة «مايسترو» يقودها، على الرغم من عدم وجود رأس للمتظاهرين، وابتعاد الأحزاب السياسية عن الانخراط بينهم، باستثناء حزب «سبعة» الذي أعلن مشاركته رسمياً رافعاً شعار «استعادة الأموال المنهوبة» واجراء انتخابات نيابية مبكرة». لكن نشطاء هذا الحزب انكفأواعن الاستمرار في التظاهر بعد الاصطدامات التي حلت بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين حاولوا اجتياز الحواجز والأسلاك الشائكة للدخول إلى السراي الحكومي ورشق القوى الأمينة بالزجاجات الفارغة والحجارة، واستمرت هذه المحاولات على فترات طيلة ساعات النهار، قبل ان تنتقل حركات الاحتجاج إلى الخطة «ب» وهي قطع الطرقات وشرايين التواصل إلى وسط العاصمة، من خلال قطع جسر «الرينغ»، وطرقات بشارة الخوري والباشورة، بالاطارات المشتعلة ومستوعبات النفايات، وحتى بالفواصل الاسمنتية ما تسبب بأزمات سير في الشوارع والطرقات الخلفية، وبقيت هذه الشوارع مقفلة لغاية الخامسة عصراً، وهو الوقت نفسه تقريباً، الذي أفادت فيه غرفة التحكم المروري التابعة لقوى الأمن الداخلي، عن إعادة فتح طريق شتورة – بعلبك عند منطقة جلالا من قبل الجيش، وكذلك فتح طريق صوفر – المديرج، وفتح اوتوستراد المتن السريع باتجاه بعبدا، واوتوستراد صيدا – صور عند محلة الزهراني، واوتوستراد طرابلس – بيروت في محلة رأس مسقا، ولكن ما لبثت حركة الاحتجاجات ان تجددت مساءً، بقطع طريق صيدا القديمة – الشويفات وقطع طريق الفرزل – الكرك وكذلك طريق عام كفردجال حبوش – النبطية بالاطارات المشتعلة وطريق بخعون الضنية، فيما افيد عن مسيرة على طريق تعلبايا وسعدنايل باتجاه زحلة، كما عمد شبان إلى إشعال الاطارات عند مفرق بلدة منيارة في عكار تضامناً مع الاعتصامات الاحتجاجية.
وفي طرابلس، وبخلاف صيدا التي نفذ فيها العشرات من أبناء المدينة تظاهرة جابت الشوارع احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية، فقد شهدت اعتصاماً في ساحة عبد الحميد كرامي، عمد خلاله المشاركون إلى إحراق شعارات سياسية كانت رفعت في وقت سابق في الساحة واضرموا النار في عدد من الاطارات، واقدم عدد من المحتجين إلى إزالة صور للرئيس الحريري واحراقها في الساحة، كما تمّ إحراق صورة أخرى للرئيس نجيب ميقاتي، وأفيد عن تظاهرة جابت شوارع طرابلس مطالبة بإسقاط العهد والوزير باسيل.
وفيما ذكرت معلومات ان حركة الاحتجاجات قد تتجدد اليوم، اثنت وزيرة الداخلية ريّا الحسن على أداء القوى الأمنية، والانضباط الذي تميز به عناصرها، مما فوت على المتظاهرين اخذهم إلى مكان آخر، في إشارة إلى المحاولات التي جرت للاصطدام بين المتظاهرين والقوى الأمنية، سواء في ساحة رياض الصلح، أو تحت جسر الرينغ، ما أدى إلى إصابة ضابط و3 عناصر بجروح نتيجة هذه الاشتباكات.
لكن مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل إعلامية بثت مقطعاً من شريط فيديو يظهر اقدام عناصر من قوى الأمن تنهال بالضرب على أحد المواطنين تحت جسر فؤاد شهاب، أثناء التظاهر.
وأوضحت مديرية قوى الأمن في بيان ملابسات هذا الحادث بأن 5 عناصر من قوى الأمن حوصروا تحت الجسر من قِبل مواطنين مقنعين واقدموا على رشقهم بالحجارة والمواد الصلبة، كما جرى نزع الدروع منهم، وتحطيم احداها عليهم، فقام العناصر بردة فعل عنيفة وشديدة وتعرضوا لبعض المهاجمين بالضرب،ولا سيما الشاب الذي ظهر بالفيديو، وقد اصيب أحد العناصر الذين تعرضوا للرشق والضرب ونقل إلى المستشفى.
وكشف البيان، ان العناصر الذين ظهروا في شريط الفيديو أوقفوا فوراً لأنهم لم يحافظوا على رباطة جأشهم، الا ان المديرية اثنت على الانضباطية والالتزام بالقانون وقامت قطعات قوى الأمن بواجباتها في الحفاظ على حرية التعبير ضمن القانون.
* الجمهورية
الأزمة تزداد اشتعالاً.. والشارع يتحرّك.. والسلــطة في كوكب آخر
الإنفجار يوشِك أن يحصل، ووجع الناس مُتزايد، وما يفوق ذلك وَجعهم من السلطة الحاكمة، التي تبدو مهاجرة وتعيش في كوكب آخر، مستقيلة من مسؤولياتها ومن أبسط واجباتها، وتعطي أذنها الطرشاء لصرخات الناس، فلا تسمع سوى ما يُدغدغ مصالحها وجيوبها ويحمي محمياتها، وامّا الناس فليجرفهم الطوفان مع لقمة عيشهم وقوت أبنائهم. ولعل الصورة التي رَسمتها التحركات في الشارع أمس، عبّرت، ولَو بشكل خجول، عمّا يختلج في نفوس اللبنانيين من وجع، وجاءت على شكل إنذار مُبكر على ما قد سيحصل في مواجهة المسبّبين بهذا الوجع، فإنها في دولة تحترم نفسها، يفترض أن تجعل القيّمين عليها والمتنعّمين بملذاتها، يغادرون صالوناتهم الفخمة، وينزلون الى الناس لتَحسّس وجعهم، ولكن ما يدفع الى الاسف انه مع هذه السلطة الحاكمة لا حياة لمَن تنادي.
صورة الداخل تعجّ بالكثير من مسبّبات القلق؛ فالصالونات السياسية غارقة بكلام اتهامي للطاقم الحاكم، وقد وقفت «الجمهورية» من مسؤولين كبار، على عيّنات من هذا الكلام:
– أولاً، «الأمر المُستغرَب، أن يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد عودته من نيويورك، انه ليس عارفاً بما حصل اثناء غيابه، فهل ما حصل كان خافياً عنه قبل السفر؟ ولماذا قال ما قاله ولمَن توجّه بكلامه؟».
– ثانياً، «ما يجري يؤكّد انّ البلد يتعرّض لمؤامرة، لا نقول من الخارج بل مؤامرة من الداخل، تديرها غرف سوداء، بمنطق إلغائي يستعيد بطريقة فظّة خطاباً يستنفِر العصبيات والطوائف، ويجري توظيفه في قلب الازمة الاقتصادية، مقروناً بمحاولة إثارة البلبلة الداخلية:
– تارة عبر محاولة نسف العلاقات بين الرؤساء، وتحديداً بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
– تارة أخرى عبر كلام عابر للقارّات يتحدث عن شراكة أطراف معيّنين في الحكومة في محاولة إحداث فتنة اقتصادية، وقبله كلام آخر عن اتّهام جهات لبنانية بالشراكة مع الاميركيين بفرض عقوبات على «حزب الله»!
– تارة ثالثة عبر ترجمات لطموحات رئاسية، تترافَق بتصويب عبر وسائل التواصل الاجتماعي على بعض الاسماء، كقائد الجيش العماد جوزف عون، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبترويج حديث خطير عن لقاء سلبي، لم يحصل أصلاً، بين بري وسلامة، والمتابعون يعرفون انّ آخر لقاء بينهما كان قبل نحو 20 يوماً.
التصويب على قائد الجيش ينعكس سلباً بالتأكيد على المؤسسة العسكرية وعلى الاستقرار، امّا التصويب على سلامة في هذا الوقت بالذات، فهو، على ما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»: «تصويب خطير ومَشبوه، وهدفه الضغط على الاقتصاد والليرة وافتعال مشكلة كبرى في البلد»، علماً انّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي قد أكد في قداس الاحد، في بكركي أمس، «انه من غير المقبول التصويب على مصرف لبنان، برئاسة حاكمه، ووَصف الحملة التي تَطال الجيش بالمُريبة»، داعياً اللبنانيين المُخلصين «لتجديد ثقتهم المطلقة به، قائداً ومؤسسة وعقيدة وطنية».
– ثالثاً، الأمر المقلق، في موازاة محاولة الارباك السياسي، هو الحديث عن تدريبات عسكرية لبعض القوى السياسية، بالتوازي مع تحركات مماثلة على ما حصل مع العراضة العسكرية التي قام بها الحزب «القومي» في شارع الحمراء في بيروت قبل أيام.
– رابعاً، شركاء الحكم يَتغنّون انّ الاستقرار الاقتصادي يبقى العنصر المانع لأيّ انفجار. وبالتالي، لا مجال لإهدار مزيد من الوقت والفرَص، لكن هذا الكلام لا يقترن مع اي أفعال.
– خامساً، «الأمر المستغرب هو ان يسكت الشركاء في الحكومة ولا يقومون بأيّ مبادرة إنقاذية».
– سادساً، المشكلة الراهنة ليست في الاقتصاد فقط، بل في الحكومة. فأين هي؟ هل نسيت اسمها «حكومة الى العمل»؟ أين حالة طوارىء اقتصادية؟ لماذا إهمال خطوات المعالجة التي اتفق عليها في بعبدا؟ ولماذا عودة التَلهّي المُريب في موضوع البواخر؟ هل هنا يكمن الحل ام تكمن السَمسرة والمكاسب؟ وها قد عدنا الى النغمة السابقة، والاستغراب يسود دائرة المناقصات من تحوير دفاتر شروط معامل الطاقة الى اللجنة الوزارية خلافاً لأحكام القانون 129 / 2019، ومحاضره وأسبابه الموجبة وقانون المحاسبة العمومية!
إزاء ذلك، يسأل المسؤول الكبير عبر «الجمهورية»: ماذا تنتظر الحكومة لتتدخّل؟! هل نستورد حكومة من الخارج ونقول لها تفضلي انقذي البلد؟ إذا كان هناك من هو مطمئنّ لوضعه نقول له البلد لا يستطيع ان يُكمل بهذه الطريقة وبهذه العقلية. لا يوجد احد أغلى من البلد، هناك انعدام كامل للثقة بالحكومة وبالسلطة بشكل عام، وعندما تسقط هذه الثقة فهل يبقى شيء»؟.
واقع لا يبشّر
الى ذلك، الواضع الداخلي لا يبشّر؛ سعر الدولار في السوق الرسمية ثابت، لكنه غير متوافر سوى على الورق، في حين أنّ سعره في سوق الصيرفة يواصل الارتفاع، ومن غير الواضح السقف الذي سيبلغه، والمعطيات تشير الى انّ هذه السوق ستصبح سوقاً رديفة دائمة، وسيكون السعر الفعلي للدولار هو السعر القائم في السوق.
النزول الجزئي للمواطنين الى الشارع امس، واللافت فيه عدم المشاركة الحزبية سواء الموالية او المعارضة للحكومة، وشَملَ مناطق في بيروت وتحديداً في ساحتي الشهداء ورياض الصلح في وسط بيروت وبعض الطرقات المؤدية اليها، وايضاً مناطق في البقاع والشمال، وترافقَ مع محاولة قطع طرقات وحرق إطارات.
واذا كان النزول الى الشارع يشكل رداً غاضباً على تَردّي الاوضاع، الّا انّ لغة الشارع هي الأصعب ويمكن ان تَجرّ الى فوضى غير محسوبة، قد تستحيل معها قدرة الامساك بالوضع ومنع انحداره الى منزلقات خطيرة، خصوصاً اذا ما جرى استغلالها من قبل بعض الخبثاء لأخذ الامور في الاتجاه الذي يخدم الفتنة. وبالتالي، تستطيع الناس ان تسمع صوتها، ولكن ليس بالتكسير والتحطيم وإغلاق الطرقات وشَلّ البلد، والسلطة وحدها مسؤولة عن منع الانهيار، الا اذا أصَرّت على ان تبقى مقيمة خارج حدود المسؤولية ومستوطِنة، بإقامة دائمة، في مستعمرة العَجز.
حمادة
وقال النائب مروان حمادة لـ«الجمهورية»: المشهد اليوم هو النتيجة الحتميّة للإدارة التي تحكّمت بالبلاد بفضل تسوية 2016، وأمعنت في الإنحراف نحو الخيارات الخاطئة في السياسة عبر التخلي عن النأي بالنفس، وفي الاقتصاد عبر اللجوء الى فريق فاشل». كل ذلك، تحت شعار «التغيير والإصلاح» والادعاء بأبوّة الجميع.
أضاف: «مَن تظاهَرَ من اللبنانيين؟ إنتفضوا ضدّ العهد، والحكومة التي ادّعى رئيس الجمهورية أنها ستكون حكومة العهد الأولى، وبالمجلس الذي تمخّض عن قانون إنتخابات هجين، وبالسياسات الخارجية الحمقاء، قطع رزق لبنان، وبالتالي أرزاق اللبنانيين. فلهذه الأسباب نزلوا الى الشارع وسيعاودون النزول حتماً، إلّا اذا صَحّح العهد خياراته وممارساته، وأنا أستبعِد ذلك، إنّه تأخّر».
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ «الجمهورية» انّ «انتفاضة الناس متوقّعة لأنّ الواقع الإقتصادي والمالي سيئ للغاية، ومن حقّ الناس أن ترفع الصوت عالياً لتضغط على السلطة للتسريع في معالجة الأزمة المعيشية والحياتية».
واعتبرت المصادر أنه «لا يحقّ لأحد أن يمس بالأمن والاستقرار، الشَغب ممنوع، التظاهر حقّ مكفول بالدستور، التخريب خط أحمر، واذا كان على القوى الأمنية أن تحترم حقّ الناس بالتظاهر فعلى الناس أيضا أن تحترم الاستقرار، وأن لا تسمح لدخول قوى ومنظمات تمسّ بالأمن والاستقرار».
إرباك الأسعار
على أنّ الايام الآتية لا تبدو انها قد تحمل ما يُطمئِن، بل ثمة إجماع لدى الخبراء الاقتصاديين على انّ الصورة قاتمة، ويُخشى ان تحمل ما قد يكون موجعاً أكثر للمواطنين. خصوصاً انّ ارتفاع سعر الدولار سيؤدّي حتماً الى ارتفاعات متتالية في أسعار الاستهلاك. ومن خلال القرار الذي سيتخذه مصرف لبنان غداً، وما قد يقرّره لاحقاً، تشير التقديرات الى انّ المواد التي سيشملها المركزي برعايته (المحروقات والطحين والدواء حتى الآن)، هي المواد التي سيصبح سعرها ثابتاً، في حين انّ كل المواد الاستهلاكية الاخرى سوف ترتفع اسعارها تماهياً مع سعر الدولار في السوق الرديفة، وهذا يعني انّ القدرة الشرائية للمواطن سوف تبدأ بالتآكل، بالنسبة نفسها التي سيرتفع فيها الدولار. وعندها، سيشعر المواطن بثِقل الأزمة، وماذا يعني القول انه سيدفع ثمناً باهظاً لاستمرار الأزمة يفوق بأضعاف الثمن الذي قد يدفعه في حال تمّ اتخاذ اجراءات موجِعة وواكبتها إجراءات إصلاحية لخفض منسوب الفساد.
وزني
الى ذلك، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني مسؤولية الحكومة في معالجة ما بَلغه الوضع المالي والاقتصادي.
وقال لـ»الجمهورية»: الدولار متوافر في المصارف وفي مصرف لبنان لحماية الاستقرار النقدي، ولكن لبنان يواجه أزمة نقص سيولة بالدولار النقدي، وهذه الأزمة تفاقمت بشكل غير طبيعي وأسبابها غير واضحة حتى لا نقول مشكوكاً بأسبابها، منها:
السبب الاول، الارباك الذي حصل الاسبوع الماضي لدى المواطنين وأدّى الى الطلب الكثيف على الدولار النقدي، والذي يقدّر بين مليار و800 مليون دولار وبين ملياري دولار موجودة لدى المواطنين في منازلهم.
السبب الثاني، وهو أساسي، إرتفاع سعر الدولار الاسبوع الماضي هو جرّاء دخول المستوردين الى سوق الصيرفة طلباً للدولار النقدي، وخاصة الذين يستوردون المشتقات النفطية، والذين يحتاجون سنوياً لأكثر من ملياري دولار، ولديهم الاستعداد الكامل لدفع سعر أعلى من اجل الحصول على الدولار.
السبب الثالث، المضاربات التي جرت في سوق الصيرفة، ومحاولة استغلالها والاستفادة منها، وهذه مسألة طبيعية تحصل أينما كان.
السبب الرابع، البعد السياسي الداخلي والخارجي الذي أدّى دوراً كبيراً في الضغوط على سوق الصيرفة، والى زيادة الارباك في الموضوع. ولكن، تجدر الاشارة هنا الى انّ اجمالي العمليات في سوق الصيرفة لا تتجاوز 2 في المئة من إجمالي العمليات المالية، بينما 98 في المئة من العمليات المالية تتم عبر القطاع المصرفي.
ورداً على سؤال عن كيفية العلاج، قال: الخطوة الاساسية هي معالجة السبب الرئيسي الذي ساهَم في البلبلة وارتفاع الاسعار ومسألة استيراد المشتقات النفطية، واجتماع الثلثاء سيركّز على مساهمة مصرف لبنان أو دخوله في تأمين الدولارات للمستوردين. أولاً للمحروقات والمشتقّات النفطية التي تبلغ ملياري دولار تقريباً، وثانياً للطحين الذي تبلغ كلفته مليار دولار تقريباً، وثالثاً من أجل الدواء الذي تبلغ كلفته ملياراً و300 مليون دولار تقريباً. وبالتالي، مصرف لبنان لن يتمكن من تأمين كل هذه الاموال لأنها تستنزف بشكل كبير جداً احتياطاته بالعملات الاجنبية، لكنه سيؤمّن جزءاً منها.
أضاف: من هنا نستطيع ان نقول انّ دور مصرف لبنان لم يعد فقط حماية الاستقرار النقدي، بل الظروف فرضَت عليه ان يؤمّن ايضاً تمويل احتياجات الاقتصاد. وهذا ليس أمراً صحياً لمصرف لبنان، لأنه يستنزف من احتياطاته. لذلك، على الحكومة في هذا الاطار ألّا تتنصّل من مسؤولياتها، وأن تقوم بإجراءات سريعة تُعيد الثقة الى الاقتصاد والى الوضع المالي والنقدي. واستعادة الثقة تبدأ:
اولاً، بالمعالجة الفورية ومن دون تأخير لملف الكهرباء الذي يستنزف لبنان أكثر من ملياري دولار سنوياً.
ثانياً، إقرار موازنة إصلاحية فعلية حقيقية بشكل سريع جداً.
ثالثا، الاستفادة من موضوع «سيدر» الذي يؤمّن تدفقات مالية بالعملة الاجنبية.
رابعاً، الاستفادة من مسألة بدء التنقيب عن النفط والغاز مطلع كانون الاول 2019.
المصدر: صحف