تتعايش أجسامنا مع العديد من أنواع البكتيريا التي أصبحت تلقى اهتماما متزايدا لدى الباحثين، خاصة أنه أصبح من المعلوم الآن أنه تعيش في جسم الإنسان العديد من البكتيريا والفطريات والفيروسات التي تفيده أكثر مما تضره.
وتقول صحيفة لوفيغارو الفرنسية إن الإنسان مهما كان مستوى عنايته بالنظافة، فهو في النهاية مجموعة من الجراثيم، حيث تتكاثر الكائنات المجهرية ” microbiote” وتنتشر داخل الأمعاء وعلى الجلد وفي الجهاز التنفسي والبولي والتناسلي، وفي العديد من ثنايا أجسامنا.
ولكن هذه الكائنات -التي تستعمر أجسامنا والتي تتأسس عليها ثورة طبية جديدة- لا تلحق بنا الضرر على عكس نظرائها من الميكروبات المسببة للأمراض، بل إنها توفر لنا خدمات مهمة.
ففي الجهاز الهضمي، تحلل البكتيريا المتطفلة العناصر الغذائية التي يوفرها طعامنا وتتحلل النفايات، وتصنع مختلف المواد الكيميائية التي يحتاجها جسمنا، إلى غير ذلك، وحيثما كانت هذه الكائنات، فإنها تقتل مسببات الأمراض، لا من خلال احتلال الجسم وإنتاج المواد التي تقتل هؤلاء المنافسين غير المرغوب فيهم، ولكن أيضا من خلال “تعليم” جهاز المناعة لدينا.
ويقول الباحث جويل دوريه في معهد إنرا -الذي عمل 35 سنة على البكتيريا- إن نقطة التحول حدثت مع ظهور تقنيات التحليل الجزيئي، حيث كان تحديد هذه الكائنات الحية الدقيقة في السابق يعتمد على زراعة البكتيريا في المختبر، وهي طريقة مملة وغير متوافقة بشكل خاص مع البكتيريا المعوية التي تنمو فقط في البيئة اللاهوائية حيث لا أكسجين، وبفضل هذه التقنية الجديدة (التحليل الجزيئي) أصبح من الممكن وصف البكتيريا بدقة فائقة بفضل الحمض النووي الخاص بها، مما جعل المعرفة بالميكروبات تحقق قفزة إلى الأمام.
ويقول دوريه “الأمر كان في ذلك الوقت مثيرا للاهتمام للعالم الطبي لأمراض الجهاز الهضمي، ولكن دون وجود مهتمين آخرين كثر، ومع ذلك تجاوز البحث عن الروابط بين الأحياء المجهرية والأمراض عالم الأمعاء” خاصة أن معدل الإصابة بالأمراض المزمنة ارتفع منذ خمسينيات القرن الماضي بصورة سريعة لا تقبل أن يكون الجينوم البشري هو المتهم الوحيد.
وبالتالي، فإن البيئة وتأثيرها على الكائنات الحية الدقيقة التي نتكون منها هي المشتبه به الحقيقي، نظرا لأننا نسيء معاملة هؤلاء الأصدقاء الذين يريدون لنا الخير، وذلك باستعمال الإضافات الغذائية والمواد المحولة “المرهقة للعلاقة بين الإنسان والميكروبيوت، حتى لو لم نكن نعرف السبب” كما يقول دوري.
وفي الآونة الأخيرة، أظهر فريق علمي أميركي كيف أن البكتيريا المعوية تعدل عملية الأيض لعقار يستخدم على نطاق واسع في مرض باركنسون، كما شرح باحثون آخرون من جامعة كولومبيا البريطانية في مجلة علم الأحياء الدقيقة كيف نجحوا في تحويل الدم من النوع “إي” A إلى “أو” O بفضل الإنزيمات المستمدة من الميكروبيوت البشري.
المصدر: لوفيغارو