ليست حرباً ضد الإرهاب فحسب، بل حرب سياسية دعائية، بحثت الإدارات الأميركية المتعاقبة ردحاً من الزمن، لكيفية الإستفادة منها، داخلياً وخارجياً. منذ العام 2003 ، لحظة الغزو الأميركي والبريطاني إلى العراق، كانت النظرية السائدة في حينها، هي الدومينو، وكان صناع القرار في البيت الأبيض في ذاك الزمن، ينظرون إلى العراق كبوابة خلفية للوطن العربي، وسقوط البلد، سيجر حكماً سقوط أنظمة أخرى، والعين كانت على سوريا.
حل الحاكم الأميركي بول بريمر الجيش العراقي، وشتت عناصره، وبالمقابل، استفاد تنظيم القاعدة من عدم استقرار الأوضاع الأمنية في تلك الفترة، وبدأت طلائعه بالوصول إلى العراق من أفغانستان، ودفع الإحتلال بالعديد من قادة الجيش السابق إلى التعاون مع الوافدين الجديد، ما انتج ولادة ما سمي “مجلس شورى المجاهدين” ومن ثم جماعة “التوحيد والجهاد”، تحت راية أبو مصعب الزرقاوي، الأب “الشرعي” لتنظيم داعش.
وتحت العين الأميركية أيضاً، تطور تنظيم قاعدة العراق وتحول إلى “خلافة”، وأضيف إليها بعد العام 2011، لاعبون جدد، ابرزهم تركيا وقطر والسعودية، فالأولى فتحت الحدود واشترت النفط المنهوب، والثانية والثالثة، سخرت إعلامها ومالها لدعم “التنظيمات الجهادية”، ودخلت المنطقة في مرحلة جديدة.
مؤتمرات دولية عديدة، احتضنتها دول إقليمية وغربية، هي الدول الراعية للإرهاب، لتأمين الغطاء السياسي الدولي للجماعات المسلحة وبطبيعة الحال داعش، وكان للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما دور محوري في صناعة ودعم هذا تنظيم.
اتهام ساقه إلى رأس البيت الأبيض الرئيس الجديد والمرشح في حينها دونالد ترامب، وهو أمر لم ينفه اوباما، بل حاولت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون والمرشحة أيضاً إلى رئاسة البلاد تصويبه، فأقرت أن بلادها أمرت الدول الخليجية بدعم التنظيم الوليد.
حديث ترامب وكلينتون، ليس مجرد اتهامات، بل معطيات قدماها للرأي العام الأميركي، في سباقهما نحو الرئاسة، فاستغلا داعش خارجياً في محاولتهما منع بناء الدولة العراقية من جديد، وإسقاط سوريا بعدها، وداخلياً لتسجيل النقاط وحصد أصوات الأميركيين.
وكان لمدير المخابرات الأميركية السابق مايكل فلين كلام واضح حول علاقة إدارة باراك أوباما في تأسيس ودعم وتوجيه تنظيم داعش، فأكد في مقابلة مع قناة الجزيرة الإنكليزية عام 2015، أن واشنطن كانت تعتبر دولة داعش خيارا استراتيجياً. وكشف فلين أن فكرة إنشاء الخلافة تعود إلى العام 2012، أي قبل عامين من إعلانها، والهدف إسقاط الرئيس بشار الأسد، وتطويق ايران.
كيف استغلت الدوائر الغربية فكرة “الخلافة” ؟
وجاء العام 2014، وأعلن أبو محمد العدناني قيام “الخلافة” بالدم، على أراض واسعة من سوريا والعراق. إعلان شكل صدمة لدى الأوساط المتطرفة التي تسمي نفسها الجهادية، المحلية منها والعالمية، ولاقى رفضاً واسعاً. أبرز رافضي إعلان الخلافة كان أبو محمد المقدسي، معلم داعش الأول، بحسب ما وصف نفسه، وكذلك زعيم تنظيم القاعدة الحالي أيمن الظواهري، وأبو قتادة الفلسطيني، وغيرهم العديد، وكذلك فعل الازهر.
ورغم هذا الرفض الواسع، لكن الدوائر الغربية، لم تنفك عن استغلال هذا الأمر في إطار ربط الإسلام بالإرهاب، وقدمت تنظيم داعش كما غيره من الجماعات التي ادعت الإسلام، المادة الأساسية لمثل هكذا استغلال.
ففي الخطاب الرسمي الغربي والأميركي على وجه الخصوص، كان هناك إصرار على تسمية داعش بالدولة الإسلامية، وفي إعلامهم بـ “الخلافة”، سعياً منهم إلى تحطيم صورة الإسلام المشرقة على مرة الأزمنة، تأكيداً على النظريات التي طرحها جورج بوش الأبن، في محاربة بلاده لما سماه “الإرهاب الإسلامي”. وأرادت الولايات المتحدة الإيحاء من خلال القضاء على داعش، تركيز فكرة أنها أنهت”الخلافة”، وقضت على الإسلام.
ولعب الإعلام الأميركي دوراً أساسياً في الترويج لفكرة داعش القائمة على القتل والإرهاب، بهدف رسم صورة نمطية عن المسلم، على أنه قاتل، وبالتالي تقديم صورة نمطية عن الإسلام. وساهمت أيضاً السينما الأميركية في تعزيز هذه الصورة، بسلسلة لا تنتهي من الأفلام، منذ غزو أفغانستان عام الفين واحدى عشر إلى الوقت الحاضر.
وعزز هذه النظريات قيام داعش بالعديد من الهجمات في الغرب، راح ضحيتها أبرياء عزل في الشوارع والأسواق، فتعززت قناعات الغرب بهذه الصورة النمطية، وكان التوظيف الغربي لداعش في هذا السياق. واستفادت جهات عدة من عمليات داعش في الداخل الغربي، لجهة صعود اليمين، وفق طروحات معادية للمسلمين، وبالتالي التأكيد على ربط الإرهاب بالإسلام.
ربط أكد الساسة الأميركيون عليه في الإدارات المتعاقبة منذ 2001، وكان بارزاً ما تحدث عنه وزير خارجية واشنطن مؤخراً من القاهرة عام 2018، الذي اعتبر أن بلاده تتصدى لما وصفها بـ “الحقيقة البشعة للإسلام الراديكالي”، وبات الوزير الأميركي في القاهرة محاضراً في مبادئ الحكم والعبادات في الإسلام.
هذا الخطاب الذي يستهدف ربط الاسلام بمختلف الصور السلبية، يسعى بالمقابل إلى تقديم الأفكار الأميركية في عيون المسلمين وباقي شعوب العالم على أنها النموذج اللامع.
ومن خلال تعويم دولة الخلافة، كانت تريد الولايات المتحدة إقامة دويلات طائفية في المنطقة، تقف حاجزاً أمام توحد الشعوب العربية والإسلامية، والتالي تأمين الغطاء القانوني لقيام دولة يهودية في فلسطين المحتلة، وهذا ما عبر عنه الرئيس دونالد ترامب بصفقة القرن.
وبالإستناد إلى الدور الأميركي المؤسس والموجد لتنظيم داعش، باتت الربط واضحاً، خلق كيان إرهابي لتفتيت الدول العربية والإسلامية في المدى المنظور، واستغلاله لتشويه صورة الإسلام على المدى البعيد، وإعطاء المشروعية لقيام دولة يهودية على أرض فلسطين.
2017 عام القضاء الفعلي على داعش
من منطقة جرف الصخر بمحافظة بابل بدأت سبحة الإنتصارات عام 2014، لتتوالى هزائم التنظيم، وليخسر مدينتي تكريت والرمادي في العام 2015، بهمة الحشد الشعبي والجيش العراقي. هنا عند معبر تل صفوك، كسر تنظيم داعش الحدود بين العراق وسوريا عام 2014، بعد إعلان دولته المزعومة، لكن للحديث تتمة. وفي حزيران من العام 2017، أعادت القوات العراقية السيطرة على هذا المعبر، لتعلن بذلك بداية النهاية للتنظيم الإرهابي، وذلك بعد أن طردت التنظيم من مدينة الموصل في حزيران من العام نفسه.
معارك عدة خاضتها القوات العراقية بمختلف تشكيلاتها، في محافظة الأنبار، لتتوج بالسيطرة على مدينتي القائم وراوه. وبعد السيطرة على تلعفر شمال البلاد، أصبح كامل محافظة نينوى خاليا من الإرهابيين.
واستكملت القوات العراقية طريق النصر، وسيطرت على الحويجة، ومناطق واسعة من الجزيرة الفراتية الواقعة بين محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار، ليعلن النصر الفعلي على التنظيم في العراق في التاسع من كانون الأول/ديسمبر العام 2017.
وبالتزامن مع الإنتصارات في العراق، كان الجيش السوري والحلفاء يطردون داعش من كامل المنطقة الممتدة من محيط مطار كويرس العسكري، وصولا إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة. وفي الثلاثين من حزيران / يونيو، كانت القوات السورية تسيطر على كامل المنطقة الممتدة من الرصافة في ريف الرقة الجنوبي حتى بلدة أثريا في ريف حماة الشرقي في 30 حزيران/يونيو. كما خاضت القوات السورية مواجهات عنيفة مع داعش في تدمر والسخنة، وتابعت التقدم لتطرد إرهابيي داعش من مدينة دير الزور، بعد ثلاث سنوات من الحصار.
وفي البادية السورية، دارت مواجهات عنيفة، سيطرت بعدها القوات السورية على آلاف الكيلومترات ممتدة من ريف حمص الشمالي، وصولاً إلى الحدود مع العراق. ومع حلول تاريخ الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفومبر، كانت مدينتي الميادين والبوكمال، تحت سيطرة الجيش السوري، آخر المدن التي كانت تحت سيطرة التنظيم.
الولايات المتحدة حمت فلول داعش لتسجيل الطلقة الأخيرة على التنظيم
قام التحالف الأميركي بمحاولة عرقلة تقدم الجيش والحلفاء خصوصاً شرق البلاد، عبر استهداف القوات المتقدمة بغارات جوية، استشهد فيها عدد من الجنود، كما امن غطاء جوياً لإرهابيي داعش خلال فرارهم من دير الزور، وأجلت مروحياتُه قادة من التنظيم الإرهابي، من الميادين قبل سيطرة الجيش والحلفاء عليها.
وفي العراق، سمحت الطائرات الأميركية لمسلحين من داعش قدر عددهم بألف تقريباً من الفرار من أمام الجيش العراقي في أكثر من منطقة، إلى مناطق سيطرة الأكراد، ليعاد توزيعهم للقتال في مناطق أخرى.
واستناداً إلى هذه المعطيات، فإن العام 2017، هو العام الفعلي للقضاء عسكرياً على داعش في سوريا والعراق، لكن إدارة ترامب أبقت التنظيم يترنح حتى سيطرتها على الباغوز في ريف دير الزور، بهدف قطف ثمار الإنتصار بالسياسة، بعد فشل مشروعها في الميدان.
المصدر: موقع المنار