تتقنُ النباتاتُ خدعة مذهلة، فهي فقط تحتاج إلى غاز ثنائي أكسيد الكربون CO2 من المحيط والغلاف الجوي، وبعض الماء والطاقة من أشعة الشمس، من أجل أن تقوم بعملية ما يسمّى “التركيب الضوئي”، وهي عملية تصنع فيها النباتات ما تحتاج إليه من موادّ. في نفس الوقت، تطلق النباتات غاز الأوكسجين الذي يحتاج إليه الإنسان والحيوان، من أجل التنفّس. بدون عملية “التركيب الضوئي” هذه، لن تكون الحياة على كوكب الأرض ممكنةً، كما أنَّ التفاعل بين الكتلة النباتية الحيوية والكتلة البشرية والحيوانية الحيويَّة، يعتمد بشكل أساسي على هذه العملية. لكنّ الأمور لا تكون مثالية دومًا على هذا النحو.
مركّب أوكسجيني سام: في نحو 20% من الحالات، يحدث خطأ لدى النبات، ولا تسير العملية كما هي دومًا. إذْ ثمّة أنزيم يدعى RuBisCO، هو مسؤول عن جعل النباتات تمتصُّ وتتنفس الأوكسجين بشكل بطيء، بدلاً من غاز ثنائي أوكسيد الكربون، يؤدّي هذا الأمر إلى خلق مركّب سام داخل النبات نفسه. هذا المركّب، تتخلّص منه النباتات بصعوبة بالغة وبشقّ الأنفس عن طريق التنفس الخفيف والمديد، إذْ يتحلّل هذا المركّب بالتنفس المزمن، وهذا يكلفها الكثير من الطاقة.
التبغ… “نبات التجربة”: نجح باحثون أميركيون في جعل عملية التركيب الضوئي، وعمليّة التخلص من المركبات السامّة أكثر سرعة وفعالية وحيويّة، كما ذكر التقرير المنشور في مجلّة “العلوم” العلمية المحكّمة. بداية، قام العلماء بتغيير الجينات في نباتات التبغ، بحيث يصبح التنفس أسرع وأكثر فعالية، ومن ثم تصبح عملية الاستشفاء من السموم أسرع، وأقل تكلفة من جهة الطاقة. استخدم العلماء جينات اليقطين العملاق وأنواع من الطحالب الخضراء. وجدير بالذكر، أنّ العلماء يقومون دومًا باختيار نباتات التبغ لإجراء البحوث الحيوية عليها، لأنّها تنتج الكثير من البذور، وتنمو بسرعة كبيرة.
حجب المورثة المسؤولة: وقام العلماء بحجب المورثة المسؤولة عن تصنيع البروتين المسؤول عن تنفس الأوكسجين الخفيف، الذي يؤدّي إلى تشكيل مركبات سامّة على النبات أن يتخلص منها لاحقاً بصرف الكثير من الطاقة. في غياب هذا البروتين، لا تتنفس النباتات الأوكسجين، ولا تصرف الكثير من الطاقة من أجل التخلص من المركّبات السامّة، فتنمو بشكل أسرع. وبهذه العملية، سيتمكن الباحثون من تحسين التغذية لأكثر من نحو 200 مليون شخص، يعيشون في المناطق التي تعاني نباتاتها وجود هذا البروتين الناقل.
حصاد أفضل وتحسين خيارات التغذية: وللتأكد من نتائج التجربة، قام الباحثون بزراعة التبغ المعدّل جينياً في البيوت المخبرية وفي الحقول أيضاً، ولاحظوا سرعة نموّها مقارنة بالأنماط التي تمتلك البروتين الناقل، والمسؤول عن تنفس الأوكسجين. وقد بدأ الباحثون الآن في استخدام النتائج التي توصلوا إليها، لزيادة محصول العديد من النباتات، كفول الصويا واللوبياء والأرزّ والبطاطا والطماطم والباذنجان، إذْ إنهم يأملون حصاداً أفضل وتحسين خيارات التغذية لدى البشر. ويؤكد الباحثون أن بذور النباتات المعدلة وراثياً ستتاح لاحقاً لصغار المزارعين في مناطق عديدة من العالم مجاناً.
المصدر: العربي الجديد