ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، أشار فيها إلى أنه “رغم كل الغيوم السياسية والمواقف الانتخابية المتوترة والموتورة سنبقى نؤكد، وكلنا يقين، بأن خلاص اللبنانيين، وإنقاذ البلد لن يكون إلا بالشراكة الحقيقية، وبناء دولة المؤسسات، واعتماد الدستور والتزام القوانين التي وحدها تصون الحق العام، وتضمن للبنانيين استقرارهم وأمنهم الاجتماعي، وقوتهم في مواجهة كل التحديات والاستحقاقات، وما خلا ذلك يبقى صراخا في أودية، لا يوصل إلا إلى المزيد من التدهور والتراجع والانهيار. وما نشهده من مسلسلات لا تنتهي من الفساد والفضائح والصفقات، يظهر كم هي الحاجة مسيسة كي نخرج من هذه الذهنية السياسية المتعفنة، ومن هذا الصراع والانقسام الذي يكاد يقضي على ما تبقى من طموح وأمل بأن البلد سيقوم من جديد، وأن الدولة ستعود، والحقوق ستؤمن والمشاكل ستحل، والوحدة ستصان، ولبنان سيكون حاضره ومستقبله بأمان”.
وحذر “من هذه المشهدية السلبية، والصورة السوداوية، حيث المعطيات تؤشر، والأرقام المالية تبين، والمعايير الاقتصادية والاجتماعية والتنموية تنذر بحدوث الكارثة، وأن كل ما يحكى عن محاولات لتحسين الصورة، وتغيير ما نحن فيه، من خلال مؤتمرات الاستجداء والاستعطاء التي تعقد هنا وهناك، ما هو إلا من باب المسكنات والتخدير، وهذا لا يعني أننا ضد هذه المحاولات، بل على العكس، نحن نشجع وندعم ونؤيد، ولكن قبل كل هذا وذاك نقول: عليكم بالتأسيس، وإجراء الإصلاحات المطلوبة، وتأمين الأرضية السياسية الموائمة، التي تثبت أن ما قد يقرر من قروض ميسرة وهبات مالية لن تذهب مرة أخرى إلى جيوب أهل السلطة، وتصبح بالتالي دينا على جيوب الفقراء التي فرغت جراء سياسات الإفقار والهدر والحرمان والفساد بشكل عام”.
ودعا السياسيين “إلى الخوف من الله، لقد صدقناكم كثيرا، وعقدنا الآمال عليكم، وعلى الوعود التي كنتم تطلقونها يمينا وشمالا، ولكن للأسف لقد خذلتم الناس، بالإنماء والاستثمارات والمشاريع وبفرص العمل وبالطرق وبالكهرباء والمياه، وبالزراعات البديلة خاصة في منطقة بعلبك الهرمل وعكار، فلم نجد لديكم سوى الملاحقات ومذكرات التوقيف والقتل، تارة على الحواجز، وطورا أمام المنازل. نعم لقد طفحت مكاييل الناس، وضاقوا ذرعا بكم وبسياساتكم وبشعاراتكم، وبكل عناوينكم التي كانت من أجل مصالحكم ومصالح أتباعكم وأزلامكم، أين أصبح العفو العام؟ وأين الأمن والأمان الاجتماعي؟ وأنتم تتهافتون على الانتخابات، وتترشحون، وتكبرون الصور واللافتات الممهورة بالحكم والجمل المأثورة، وكأن الإنقاذ على أيديكم والمستقبل معلق على صدوركم. ماذا قدمتم حتى تطالبوا بتجديد الوكالة؟ نهر الليطاني الذي هو أطول أنهار لبنان، أصبح نهرا للسموم والأوبئة والأمراض السرطانية، سهل البقاع الذي كان يسمى باهراءات روما أصبح قاحلا بفضل إنجازاتكم ومشاريعكم الإنمائية وساحا للفارين من وجه العدالة الظالمة والسطوة الطاغية”.
وأضاف: “نعم، نحن الشعب نريد إنماء، نريد عملا، نريد مدرسة، نريد طبابة، نريد مصنعا ومعملا، نريد أن نكون منتجين ومبدعين، نريد مهنا وصناعة وزراعة وسياحة، نريد حكومات تنفذ وتكون في خدمة الناس، ونوابا يشرعون ويراقبون ويحاسبون، نريد برامج وخططا ومشاريع تحصن بلدنا في وجه التحديات، وإلا لماذا كل هذا الهرج الانتخابي وكل هذه اللوائح والتحالفات العجيبة والغريبة، وكل هذه القوانين الانتخابية التي قد تخرج القديم من الباب الأكثري لتدخله من الشباك النسبي؟”
ووجه خطابه للبنانيين جميعا بالقول: “اجعلوا من هذا الموسم الانتخابي موسما وطنيا بامتياز، موسم اختيار ومحاسبة، لا تصويت ولا استتباع، ولا مال انتخابي، فالذي يشتريك اليوم يبيعك غدا، وليكن همكم كيف نبني لبنان، ونعيد له صبغته وصيغته، بعيدا عن منطق النعرات والحساسيات الطائفية، ومحررا من كل رهان وارتهان، لأن المطلوب وطنيا واجتماعيا وأخلاقيا الاتيان بسلطة تشعر مع الناس، وتواكبهم في عيشهم وهمهم ووجعهم، وتكون منهم ولهم، لأن السلطة التي لا تعرف ثمن ربطة الخبز وتجهل تسعيرة السيرفيس هي سلطة فاشلة بامتياز”.