مع التنامي المستمر لمشكلة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية، وارتفاع معدلات الوفيات المرتبطة بها، لم يكن أمام العلماء إلا بذل قصارى جهدهم لإيجاد حل لتلك المشكلة، أو على الأقل محاولة إيجاد بدائل للمضادات الحيوية، وذلك من خلال اتباع نهج مختلفة.
وكان من بين هذه النهج محاربة البكتيريا بالبكتيريا، وذلك من خلال استغلال البكتيريا المفترسة (Predatory bacteria) ذات القدرة على افتراس أنواع أخرى من البكتيريا، دون إلحاق أي ضرر بخلايا الإنسان. وقد بدأ عدد من الباحثين اختبار البكتيريا المفترسة في النماذج الحيوانية، وكذلك المزارع البكتيرية في المختبرات.
ومن أكثر أنواع البكتيريا المفترسة شهرة بكتيريا (Bdellovibrio bacteriovorus)، التي تقوم بافتراس البكتيريا الضحية، من خلال غرس نفسها بين الأغشية الخلوية الداخلية والخارجية للعائل، ثم تبدأ بالتكاثر.
لم يعرف عن بكتيريا (Bdellovibrio bacteriovorus) تسببها في أمراض البشر، ولكنها ومن الممرضات المعروفة لبكتيريا سالبة جرام، مما يجعل منها خيارا محتملا للتحكم البيولوجي في كثير من مسببات الأمراض البشرية.
ومن إسهامات تلك البكتيريا في مجال التكنولوجيا الحيوية استخدامها في بعض محطات معالجة المياه، للحد من تكاثر بكتيريا سالبة جرام في الماء. أما من الناحية الزراعية، فقد تم استخدامها للحد من انتشار مسببات الأمراض النباتية في بعض المحاصيل.
وتجدر الإشارة إلى أن استخدام بكتيريا (Bdellovibrio bacteriovorus) في الزراعة، يتطلب معرفة واسعة للمحصول وبيئته، وذلك لأنها قد تهاجم بعض أنواع البكتيريا سالبة جرام مثل (rhizobacterias) الضرورية لتعزيز نمو بعض المحاصيل.
من الأنواع الأخرى للبكتيريا المفترسة، هناك (Micavibrio aeruginosavorus)، التي على عكس بكتيريا (Bdellovibrio bacteriovorus)، فإنها لا تغرس نفسها في المساحة الفاصلة بين الأغشية الخلوية الداخلية والخارجية للعائل، بل تقوم بافتراسه من خلال الالتصاق مع سطحه، ثم تسلك سلوك مصاصي الدماء، وتقتله بعد ترشيح سوائله (leaching).
وأظهرت بكتيريا (Micavibrio aeruginosavorus) قدرات فائقة على قتل البكتيريا الموجودة في صورة أغشية خلوية (biofilms)، التي تكون مقاومتها للمضادات الحيوية والمطهرات أكبر بأكثر من ألف مرة من الميكروبات في صورتها المفردة. وإن الخصائص الافتراسية لبكتيريا (Micavibrio aeruginosavorus) أسهمت في أن يتم اعتبارها مضادا حيويا حيا.
البكتيريا المفترسة لها أيضا إسهامات في مكافحة مسببات الأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية (Foodbrone pathogens)، فقد أفادت إحدى الدراسات بأن بكتيريا (Bdellovibrio bacteriovorus) نجحت في مكافحة الإشريكية القولونية O157:H7 (Escherichia coli O157:H7 ) وبعض أنواع السالمونيلا (Salmonella spp) المتواجدة على أسطح الفولاذ المقاوم للصدأ (Stainless steel).
ويشير هذا إلى إمكانية استغلال البكتيريا المفترسة في النظم الآلية لمعالجة وإنتاج الغذاء، خاصة بعد أن أظهرت تلك البكتيريا قدرتها على مهاجمة البكتيريا في صورة الأغشية الخلوية، والمعروفة بصعوبة التخلص منها بالطرق التقليدية.
بالإضافة إلى كونها عاملا مساهما في تفشي الأمراض التي تنتقل عن طريق الأغذية، وذلك من خلال التلوث الخلطي (Cross contamination) الذي عادة ما يحدث عند مرور الطعام عبر الأسطح الملوثة، وتتم غالبا ملاحظة هذا النوع من التلوث في النظم الآلية لمعالجة وإنتاج الغذاء.
المصدر: وكالة الانباء القطرية