نص الخطبة
قال الله تعالى: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
ويقول تعالى : ( إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلأرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً ).
اكد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة إلى أن هذا اليوم هو اليوم الأول من السنة الهجرية سنة 1439 وهذا التاريخ مرتبط بهجرة النبي من مكة الى المدينة بعد ثلاثة عشر سنة قضاها النبي بعد مبعثه في مكة. يدعو إلى الله سبحانه وتعالى ويواجه تحديات المشركين.
وقد عانى النبي(ص) من قومه في هذه السنين أشد المعاناة وتحمل الأذى والأساءة الشخصية والمقاطعة والحصار والضغوط .
وبالتأكيد لم تكن هذه الهجرة ردّ فعل لاضطهاد قريش وآذاها، أو للتخلص من التعذيب والقهر والقتل، الذي كانوا يتعرضون له من المشركين ومن قريش فقط، وإنما كانت الهجرة إلى المدينة فعلاً تأسيسيا خطط له النبي (ص) وقام به لضمان مستقبل الإسلام، واستنادا لإرادته وقناعته.
ويمكن تلخيص أسباب هذه الهجرة بثلاثة اسباب:
* أولا : إن مكة المكرمة لم تعد مكاناً صالحاً للدعوة الإسلامية، فلقد حصل النبي (ص) منها على أقصى ما يمكن الحصول عليه، خلال ثلاثة عشر سنة، فقد أسلم من أسلم وعاند من عاند، ولم يبق فيها بعد أي أمل في ظهور جماعات أو جهات جديدة يمكن العمل عليها في المستقبل القريب على الأقل. خصوصا أن قريشا حشدت كل طاقاتها لمواجهة الإسلام. فكان لا بد من الهجرة إلى مكان آخر يكون صالحا لنشر الإسلام فكانت الهجرة الى المدينة، لأن النبي (ص) شعر أن المدينة يمكن أن تكون مركزاً قوياً صلباً للدعوة الإسلامية، خاصة بعدما أسلم أهلها وبايعوا النبي (ص) على الطاعة والنصرة.
* ثانيا : إن الإسلام كما نعلم ليس مجرد عبادات، من صوم وصلاة وحج وغيرها، إنما هو دين شامل ونظام يستوعب بأحكامه وتشريعاته وتعاليمه جميع مجالات الحياة، الاجتماعية والاخلاقية والاقتصادية والسياسية وغيرها. فهو يدعو، إضافة إلى عقيدة التوحيد وبناء الروح، إلى بناء مجتمع إنساني سياسي تطبق فيه أحكام الله سبحانه وتشريعاته في السلوك والمعاملات والأخلاق والسياسة وفي كل ميدان. وتجربة النبي في مكة بعد ثلاثة عشر سنة، وكل التحديات التي كانت تواجهه لا تمكّنه من بناء المجتمع الإسلامي الذي يرغب فيه، والقادر على استلام السلطة وتطبيق الشريعة الإسلامية، كنظام اجتماعي وسياسي. لأجل ذلك كان لا بد من الانتقال إلى ساحة يستطيع النبي (ص) فيها بناء مثل هذا المجتمع والدولة.
* ثالثا : هو استمرار المشركين في الضغط بكل الوسائل على المسلمين، بالتعذيب والتهجير والحصار والمقاطعة، لإجبارهم على التراجع عن دينهم وعقيدتهم، ولم يكن باستطاعة النبي (ص) توفير الحماية لهم من قريش وغيرها، فكان لا بد من إيجاد حلّ مناسب لهؤلاء المعذبين والمضطهدين، يأمنون من خلاله على أنفسهم وحياتهم وأعراضهم. فكانت الهجرة إلى المدينة هي الحل. ولذلك نجد أن الرسول (ص) حين أمر المسلمين بالهجرة قال لهم :”إن الله عزّوجل قد جعل لكم إخواناً وداراً تأمنون بها”. أي داراً تعيشون فيها الأمن والهدوء والاستقرار بعيداً عن اضطهاد قريش وملاحقاتها لهم ولأسرهم.
والخلاصة: إنه كان لا بد للنبي (ص) ولمن معه من المسلمين، من الخروج من مكة المكرمة إلى مكان يبعدهم عن الضغوط والاضطهاد ويملكون فيه حرية العبادة يعلنون فيه عن إسلامهم ويمارسون شعائرهم الدينية بالعلن، إلى جانب حرية التخطيط لبناء مجتمع ودولة إسلامية ويكون فيه النبي (ص) قادراً على القيام بهذه المهمة العظمى. فكانت الهجرة إلى المدينة المنورة من أجل كل هذه الأهداف.
واستنادا الى هذه الهجرة التي تعتبر حدثا هاما وكبيرا ومفصليا في تاريخ الاسلام تأسس التاريخ الاسلامي وتم اعتماد التاريخ الهجري كتاريخ اسلامي.
والنبي(صلى الله عليه وآله) هو أوّل من أرّخ بالهجرة، واعتمد هذا الحدث الكبير تاريخا للمسلمين، استنادا الى ما رواه الزهري والحاكم النيشابوري وابن عساكر وغيرهم من المحدثين والمؤرخين.
وهناك من يقول بأن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي وضع التأريخ في أيام خلافته ويقولون: إن السبب الذي دفع عمر الى ذلك هو أنّه رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين، يحلّ عليه في شعبان؟ ولم يعرفوا أيحل عليه في شعبان من هذه السنة، أم من التي قبلها، أم التي بعدها؟ فجمع الناس ولا سيما أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) وقال لهم: ضعوا للناس شيئاً يعرفون به حلول ديونهم، فاختلفوا؟، فأشار بعضهم أن يؤرخوا بتاريخ الفرس أو الروم، وأشار آخرون: الى أن يأرّخوا من مولد رسول الله(صلى الله عليه وآله) او من مبعثه، وأشار علي بن أبي طالب(عليه السلام) وآخرون: أن يؤرّخ من هجرته إلى المدينة لظهوره لكل أحد، فإنّه أظهر من المولد، والمبعث ، فاستحسن عمر والصحابة ذلك، فأمر عمر: أن يؤرّخ من هجرة رسول الله(صلى الله عليه وآله).
لكن الصحيح هو ما قلناه: من أن التأريخ الهجري قد وضع من زمن النبي(صلى الله عليه وآله)، وهو الذي اعتمد الهجرة مبدأ وأساسا للتاريخ الاسلامي وليس عمر، وقد كان في اوّل شهر ربيع الأول، أي في اليوم الذي هاجر به النبي(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة.. وما حدث في زمن عمر هو فقط: أنه جعل مبدأ السنة شهر محرم بدلاً من ربيع الأوّل، فأرخ من المحرم بدلاً من ربيع الاول .
ويفهم من كلام بعض المؤرخين ان عمر إنما ارتأى جعل محرّم أوّل السنة، لتكون الأشهر الحرم في سنة واحدة.
والخلاصة: ان النبي (صلى الله عليه واله) هو اول من ارخ بالهجرة وكان التاريخ يبدأ من ربيع الاول لأن الهجرة كانت فيه، ولكن عمر غيره في عهده من ربيع الاول الى محرم لكي تكون الاشهر الحرم في سنة واحدة، وجرى الناس على هذا الامر وشاع وأصبح عرفا وقد التزم به الناس كبداية للتاريخ الهجري.. وقوة السلطة أحيانا تفرض أشياءا معينة فتصبح أمرا واقعا وثابتا على مر الزمن وهو ما ربما حصل بالنسبة لبداية السنة الهجرية.
وفي كل الاحوال فان بداية السنة هي مناسبة للمحاسبة والمراجعة والتأمل وتصحيح الأعمال والسلوك والأخلاق والمواقف والعلاقات .
والهجرة هي درس للإنتقال ليس من مكان الى مكان، بل للإنتقال من حالة الى حالة، ومن وضعية الى وضعية أخرى.. الإنتقال من حالة العصيان والتمرد على الله الى حالة الإيمان والإلتزام بالقيم والأخلاق.. الإنتقال من وضعية التلبس والإنغماس والإستغراق في المعاصي والسيئات الى وضعية هجر المحرمات والإبتعاد عنها والتمسك بدل ذلك بما أحله الله، فان ما أحله الله للناس في الحياة الدنيا يفوق بأضعاف مما حرمه عليهم فيها فلماذا يلجأ الإنسان الى الحرام ويترك الحلال وفي الحلال ما يغنيه عن الحرام؟
ففي الحديث عن النبي(ص): “المهاجر من هجر السيئات”.
وعنه(ص): المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه “.
ومن معاني الهجرة أيضاً: أن الله حفظ رسوله والمؤمنين وأنقذهم ونصرهم وأعلا شأنهم وشأن دينهم بعد أن كانوا مضطهدين ومعذبين جراء محاولات المشركين للقضاء على دينه .
المصدر: موقع المنار