21 سبتمبر 2014 يوم وصل “أنصار الله” والقوى المتحالفة معها إلى صنعاء، ليأخذ هذا اليوم حيّزاً له في تاريخ اليمن، ويشكل تحولاً مهماً في اليمن. وليس تاريخ 21 سبتمبر وليد لحظته السياسية، بل هو نتيجة صراع طويل ممتد إلى زمن الصرخة الأولى التي أطلقها الشهيد حسين الحوثي من مران: أن مشاريع الهيمنة على اليمن ليس لها إلا الموت. ولا تتمايز 21 سبتمبر عن مجمل مشروع أنصار الله، فالثورة هي نتاج تاريخ الحركة، وخلاصة مشروعها للانطلاق باليمن وغيره إلى تحرير اليمن الهيمنة.
يصف أنصار الله يوم 21 سبتمبر “الثورة المجيدة التي أعادت الاعتبار والكرامة للشعب اليمني”، بالمقابل يرى الخصوم في التاريخ ذكرى تعيسة لإنقلاب قاد البلاد إلى الإنفجار. فلماذا أتت “ثورة 21 سبتمبر”؟ وكيف سارت بالبلاد إلى لحظة الانفجار في 26 آذار/مارس 2015؟
لا يمكن فصل ما جرى في أيلول/سبتمبر 2014، عن السياق السياسي الذي عاشته اليمن في مرحلة ما بعد 1962. عمليات اقصاء وتهميش شريحة كبيرة من الشعب اليمني بإسم “ثورة 1962″، والحرمان الذي فُرض على مناطق معينة باسم الثورة. ولا يمكن إبعاد الأحداث عن واقع استعداء المكونات في الداخل التي مارسها النظام السياسي بعد مرحلة “الوحدة اليمنية”، وبعد حروب صعدة (2004-2010)، ولا فصل بين الحدث وبين الخيبة التي مُني بها اليمنيون في مرحلة ما بعد شباط/فبراير 2011. “21 سبتمبر 2014” كانت نتيجة كل هذا السياق، وثمرة خطاب أنصار الله الذي دعا منذ لحظاته الأولى إلى الانتفاض ضد الهيمنة وإسقاطها لاستعادة الكرامة اليمنية.
باختصار يمكن الركون إلى ما يذكره الكاتب والباحث اليمني أنس القاضي في مقال له بعنوان: “ثورة 21 سبتمبر… عواملها الاجتماعية وأبعادها الديمقراطية”. يقول القاضي إن باعث الثورة الشعبية في 21 سبتمبر، كان “القهر الاجتماعي المتراكم منذ عقود الاستغلال والحرمان والفساد وسياسات السلطة المرتهنة للوصاية الأجنبية التي انعكست إفقاراً وديوناً وديكتاتورية”.
بالعودة إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014، شكّل قرار الحكومة اليمنية برفع الدعم عن المشتقات النفطية موجة غضب واسعة في الشارع اليمني، الذي رأى في القرار استكمالاً لسياسة التجويع والإفقار كعقاب جماعي. وعلى إثرها خرجت التظاهرات إلى صنعاء للمطالبة بإلغاء ما عرف يومها بقرار “الجرعة” وإعفاء الحكومة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار. كان قرار الجرعة الشرارة الأخيرة والمباشرة لانطلاق الثورة.
إلا أن هناك جملة محطات شهدها اليمن بين عامي 2011-2014 ساهمت في إنضاج ثورة 21 سبتمبر، بعد فشلها في تطويع الشعب اليمني لمشاريع استعادة الهيمنة.
المبادرة الخليجية واستيعاب “ثورة فبراير”
السفير الأميركي السابق في اليمن جيرالد فايرستاين( بين عامي 2010 – 2013)، والذي يعمل في مدير مركز شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، الذي تموله الإمارات، ظل إلى الأمس القريب، في مقابلته مع قناة الجزيرة القطرية، يؤكد أن لا حل في اليمن لوقف الحرب خارج إطار المبادرة الخليجية. وهي المبادرة التي شكلت أول رد فعل خارجي، بالتظافر مع قوى يمنية محلية، لإجهاض ثورة فبراير 2011، التي لم تكن ضد شخص علي عبدالله صالح، بقدر ما كانت ضد منهج شامل للنظام الذي أداره صالح وحلفاؤه قبل ما عُرف بـ “الربيع العربي”. وهي عبارة عن مشروع سياسي أعلنته دول الخليج في 3 نيسان/أبريل 2011 لاستيعاب “ثورة الشباب اليمنية”، ورعاه كل من: مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. عملت المبادرة على نقل السلطة من شخص علي عبدالله صالح إلى عبدربه منصور هادي، بعد تعليق العمل بالدستور.
في اليمن يُنظر إلى المبادرة على أنها أتت لاحتواء العمل الثوري، وعرقلة التحولات التي كانت تنشدها”الثورة”، خصوصاً ان المبادرة أتت من الدول التي تحمل مشروع الهيمنة على اليمن، والتي كانت حليفة نظام علي عبدالله صالح. ويقول اليمنيون إن المبادرة كان هدفها التحايل على تطلعات الشعب، من خلال توفيق مصالح الأقطاب السياسية، وتحقيق محاصصة عمادها عملية تقسيم اليمن، على حساب مطالب الشراكة الوطنية والتنمية المتوازنة، وسعت المبادرة إلى الحفاظ على الهيمنة الخليجية-الأميركية على القرار اليمني.
وسعت المبادرة إلى الإبقاء على هيكل النظام الرسمي اليمني قبل 2011، لتظهر الأزمة السياسية في اليمن على أنها مرتبطة فقط بشخص علي عبدالله صالح.
مؤتمر الحوار الوطني والتقسيم
حاولت الأطراف الراعية للمبادرة الخليجية، تنفيذ ما عجزت عن تكريسه من خلال إطلاق الحوار الذي ضمت إليه الحراك الجنوبي وحركة أنصارالله. وعملت هذه الأطراف على توجيه مؤتمر الحوار قبل أن تصل إلى إعاقته في النهاية. وتم اغتيال كوادر أنصارالله في الحوار كالبرلماني “عبدالكريم جدبان” (22 نوفمبر 2013)، وعضو مؤتمر الحوار الوطني أحمد شرف الدين (21 يناير 2014). ومن جهة الحراك الجنوبي، استقالت بعض قياداته من الحراك وقالت إن هناك مؤامرة على قضية الجنوب، واكدت في وقتها أن وقائع الحواؤ تسير لإنتاج منظومة الحكم السابقة، وإلى فرض تقسيم الجنوب لأكثر من إقليم. وانتهى مؤتمر الحوار بفرض الرئيس هادي إقرار تقسيم اليمن إلى بلد إتحادي من 6 أقاليم.
وفي وقت كانت جلسات الحوار الوطني تشهد اضطرابات تتعلق بالتمثيل غير العادل في اللجنة الوطنية لمتابعة مخرجات الحوار، وفي لجنة صياغة الدستور، كانت اتهامات الفساد تلاحق ما كان يُعرف بحكومة الوفاق.
قتال التكفيريين في الشمال
في مقال بعنوان ” ثورة 21 سبتمبر: تاريخ أوصل «أنصار الله» إلى صنعاء” نُشر العام الماضي، يقول الكاتب اليمني علي جاحز: “ثمة من يقرأ ما جرى قبل سنتين، على أنه حرب بدأت من منطقتي دماج وكتاف وانتهت بسقوط صنعاء، وهو ما يستدعي الإشارة إلى أن معارك تلك المناطق، التي تلت «انتفاضة فبراير»، كانت أقرب إلى محاولات سعودية وأميركية لاحتواء حركة «أنصار الله»، لكن نستطيع أن نقول إن الحرب التي بدأت من دماج فتحت للتغيير باباً واسعاً لمواجهة النظام ومحاربة أدواته التكفيرية لا بل اقتلاعها، بعدما زرعها من صعدة حتى البيضاء وسط البلاد.”
عام 2012 بدأت حرب دماج الأولى لتخفت وتنفجر مجدداً عام 2013. وكانت دماج بمثابة “محمية” تكفيرية وهابية وسط صعدة، أوجد هذه المحمية خريجو الجامعات السعودية على رأسهم مقبل الوادعي، وكبرت بتمويل من المملكة كان هدفه نشر الوهابية في اليمن، وتحويل الزيديين والشوافع إلى وهابيين يدينون بالولاء الديني والسياسي إلى السعودية، بما يتيح للأخيرة تكريس هيمنتها على اليمن. في حرب دماج التي افتتحها التكفيريون إنضم مقاتلو حزب الإصلاح السلفي، وكانت السعودية تدعم المقاتلين مالياً وإعلامياً. سقطت كتاف وبذلك استعاد أنصار الله كل منطقة دماج، وبعدها عمران وهرب التكفيريون وأولهم آل الأحمر (زعماء الإصلاح) الذين كانوا قد استعانوا بمقاتلين من تنظيم القاعدة ضد أنصار الله، وفق ما يذكر جاحز.
وبحسب الكاتب اليمني فإن حربي دماج وعمران فُرضتا ضد أنصارالله، إلا أن نتائجهما أتت مخيبة لكل الآلة التي خططت وموّلت مشاريع إسقاط ومحاصرة أنصارالله.
وبالنظر إلى كل ما تم استعراضه، يمكن القول إن “ثورة 21 سبتمبر 2014” أتت كمسار تصحيحي، للتحولات التي طمح إليها الشعب اليمني قبل أن تتم مصادرتها وعلى رأسها ثورة الشباب في فبراير 2011. كما أنها أتت لتسقط كل مشاريع الهيمنة وتسد الأبواب التي كانت تفتح لتكريس الوصاية على القرار اليمني، ولإفشال مشروع تقسيم اليمن إلى أقاليم متناحرة.
ولأن جشع الطامحين إلى الهيمنة لا حدود له، كان لا بد من مواجهة “ثورة 21 سبتمبر” وجهاً لوجه. فشل المبادرة الخليجية، ومؤتمر الحوار الوطني كأن لم يكن، وفي وقت كان الغضب الشعبي يتزايد ضد الحكومة التي استُثني منها أنصار الله، فشل تكفيريو دماج في تحقيق هدف مموليهم، ولم يتمكن آل الأحمر وحزب الإصلاح من إرضاء رعاتهم في الخارج، حتى أن استقدام القاعدة فشل في التضييق على أنصار الله… لهذا كان إعلان العدوان في 26 آذار/مارس 2015. وبما أن وكلاء الهيمنة الخارجية فشلوا في اليمن، كان لابد للسعودية ومن ورائها الولايات المتحدة أن يظهرا في الواجهة مباشرة في الحرب، لحسم حرب الهيمنة، وليضيفا هزيمة مُرة على هزائمهم التي راكمها ثبات وعزيمة أنصارالله في ساحاتهم.
المصدر: موقع المنار