لفت سماحة الشيخ علي دعموش في خطبة الجمعة: الى أن مجتمعاتنا بحاجة إلى روح النظام وأخلاقية الالتزام، لنحفظ مصالحنا العامة، ولنرتقي إلى مستوى تعاليم ديننا، وحتى لا نكون مجتمعات متخلفة تدب فيها الفوضى وتضيع فيها الحقوق.
وقال: اليوم هناك شعوب تقمع وتقتل لمجرد أنها تطالب بحقوقها كالشعب البحريني والشعب اليمني وغيرهما من شعوب المنطقة المظلومة والمضطهدة. مشيراً: الى الجريمة الجديدة التي أضيفت الى سجل جرائم نظامي آل سعود وآل خليفة والتي تمثلت بإعدام السلطات البحرينية ثلاثة شبان من المعتقلين ظلما ً لديها.
واعتبر: أن هذه الجريمة ما كانت لتحصل لولا تحريض آل سعود المستمر للسلطة في البحرين ضد الحراك السلمي المستمر منذ أكثر من خمس سنوات وضد رموزه وعلمائه وشخصياته الكبيرة.
وندد: بسكوت المجتمع الدولي على مثل هذه الجرائم الذي شجع ويشجع آل خليفة على التمادي في قمعهم لهذا الشعب وحراكه السلمي ورفضهم لأي تسوية مع المعارضة.
مؤكداً: أن إصرار نظامي آل سعود وآل خليفة على القمع والقتل والتعنت والرفض للحوار والحل لا يترك للبحرينيين من خيار سوى مواصلة حراكهم والضغط بكل الوسائل السياسية والسلمية المتاحة لإجبار النظام على الإستجابة للمطالب العادلة لهذا الشعب المظلوم.
نص الخطبة
قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾.
النظام والقوانين والاجراءات التي تنظم حياة المجتمع، وتضبط العلاقة بين أفراده ضرورة انسانية واجتماعية يحتاجها كل كيان ومجتمع انساني لتحقيق استقراره ومصالحه والوصول الى غاياته وأهدافه, اذ لا يمكن أن يستقر مجتمع وتنتظم أموره وعلاقاته الداخلية من دون وجود نظام وقوانين تضبط سلوك الناس وتحكم علاقاتهم وتنظم حياتهم.
والبديل عن النظام هو الفوضى والقلق والاضطراب وسيادة شريعة الغاب, ومهما كانت نسبة الخطأ والانحراف في النظام إلا أن ذلك أفضل من عدم النظام الذي يعني الفوضى .
أمير المؤمنين(ع) يقول: لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِير بَرّ أَوْ فَاجِر، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكَافِرُ، وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الاَْجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِر.
إذن: فالقانون لازم لتنظيم شؤون المجتمع، وبدون نظام لا يمكن أن تستقر حياة المجتمع, لان رغبات الناس ومصالحهم وتوجهاتهم مختلفة و متعارضة ومتضاربة، فإذا ترك الأمر للاقوياء والنافذين، فإن حياة المجتمع ستحكمها شريعة الغاب. والالتزام بالانظمة والقوانين هو أمر مطلوب من كافة شرائح المجتمع, حتى القوانين الوضعية في الدول غير الاسلامية اذا كانت غير مخالفة للشرع, وكانت مخالفتها تسبب تجاوز الحقوق ، وتعطيل المصالح، ووقوع الأضرار والحوادث فإن الالتزام بها واجب شرعاً.
كل القوانين التي تنظم حياة الناس سواء كانت قوانين متعلقة بالحياة الاجتماعية او الاقتصادية او التجارية او الصحية او القوانين المتعلقة بالموارد الطبيعية والبيئة وقوانين السير والطرقات وما شاكل ذلك, كلها قوانين ملزمة ويجب على الجميع ان يتقيد بها وان كانت صادرة عن سلطة غير اسلامية, لان انتظام حياة الناس والحفاظ على مصالحهم واستقرار اوضاعهم يتوقف على ذلك.
فمثلاً مخالفة قوانين السير والسير بعكس الاتجاه وتجاوز الاشارات عمل غير جائز اينما كان, وهو يؤدي في كثير من الاحيان إلى حوادث مروعة يؤدي احيانا الى قتل الارواح، وحصول الإعاقات، وخسارة الأموال.
وكذلك مخالفة قوانين التجارة تؤدي الى تفويت المصالح وضياع الحقوق, وكذلك مخالفة أنظمة الصحة تسبب انتشار الأمراض، وتهدد حياة الناس، وهكذا الحال في سائر المجالات والجوانب.
كما أن مخالفة القوانين تعني ضياع هيبة النظام وسيادة الانفلات والفوضى.
لذلك لابد من وجود شعور واندفاع عند جميع أبناء المجتمع بالتزام القوانين ورعاية الأنظمة، حفظاً لمصالح الجميع.
البعض من الناس يحترم القانون حين يكون في مصلحته، ويتجاوزه حين يكون في صالح غيره، أو حين لا يجد مصلحة له في التزامه، وهذا خطأ كبير، لأن سيادة القانون مصلحة عامة تنعكس فائدتها على الجميع.
وهناك من يحترم النظام إذا خاف العقوبة أما عند الأمن من العقاب أو عندما يتمكّن من الهروب من العقوبة، فإنه يتجرأ على المخالفة والتمرّد، وهذا يكشف عن خلل في النفسية والوعي.
وقد تكون للبعض اعتراضات على بعض الأنظمة والقوانين، أو عدم ثقة ورضا بالجهة التي أصدرتها، لكن ذلك لا يصح أن يكون مبرراً للمخالفة، بل يجب العمل على اصلاح القوانين وتصحيحها، بالطرق والأساليب الممكنة المشروعة، وإلى أن يتحقق ذلك لابد من رعاية الأنظمة والقوانين السائدة, كما هو واقع الحال في المجتمعات الديمقراطية حيث تحتج المعارضة على بعض القوانين، وتعترض عليها، وتقدم المشاريع البديلة، وتتحرك إعلامياً وسياسياً لتحقيق ذلك، لكن المعارضين يجدون أنفسهم ملزمين برعاية الأنظمة القائمة، وليس مقبولاً منهم مخالفتها. لذلك لا يصح لفرد أو لجماعة او لحزب او لتيار او لمجموعة مخالفة القوانين والأنظمة لأن لهم موقفاً سلبياً تجاه السلطة أو لديهم ملاحظة على بعض القوانين. وليس الالتزام بالقوانين الموضوعة من قبل السلطات والدول هو المطلوب فقط, بل المطلوب ايضا رعاية وحفظ النظام العام وكل ما يتوقف عليه انتظام المجتمع واستقرار المجتمع وامن المجتمع, سواء شرعت له قوانين أم لا , كحفظ الامن والسلم الاهلي, والحفاظ على الصحة العامة, والحفاظ على الهدوء والآداب العامة والبيئة, والحفاظ على المؤسسات والمرافق العامة والمنشآت العامة الموضوعة لخدمة الناس التي تعود لمختلف الإدارات الحكومية والأهلية، مثل المدارس والمستشفيات والمتاحف وغيرها، والحفاظ على الاملاك العامة كالكهرباء والمياه والموارد الطبيعية وغيرها.
والمحافظة على النظام العامّ تتمّ من خلال التزام كلّ فرد منّا بقرارة نفسه، بعدم فعل كلّ ما يكون موجباً للفوضى أو التعدّي على حقوق الآخرين.
مع الاسف هناك الكثير من المفردات التي يقع فيها الكثير من الناس، وهي نماذج بارزة للإخلال بالنظام العامّ، وقد شاعت حتّى صارت عادةً لدى البعض منهم: -التعديات التي تحصل في الكهرباء والماء بل والاسراف في صرف الكهرباء والماء هو من أبرز مظاهر الاخلال بالنظام العام.
– وضع العوائق في الطرقات بما يؤدي الى الاضرار بالاخرين
ـ إلقاء الزجاجات الفارغة، والأوراق، والنفايات، وبقايا الطعام في الطرقات العامة وامام المباني السكنية بطريقة عشوائية.
– السير بطريق عشوائية لا سيما من قبل الدرجات النارية بطريقة تعرّض االناس للخطر. ـ تعدي اصحاب المحلات على الطرق والأرصفة ووضع البضائع والاشياء خارج المحل. ـ الجلوس على الأرصفة وفي أماكن مرور الناس كمداخل العمارات او ركن السيارات فيها.
– تلويث البيئة او الاضرار بها بما في ذلك قلع الأشجار، والأغصان دون غرض مفيد ومهمّ.
– إيجاد أسباب التلّوث بشتى أنواعه من خلال مثلاً انشاء المعامل والمصانع في الاماكن السكنية المؤهولة.
– الضوضاء والضجيج والأصوات العالية التي تؤذي السمع وتقلق الراحة وتتلف الأعصاب، وخصوصاً المرضى والأطفال .
كل هذه المظاهر وهذا السلوك موجود في مجتمعنا والمحرّك لهذه الأمور كلّها هو الإنسان، فهو المسؤول عمّا يعانيه هو نفسه، والسبب في كلّ هذا السلوك المشين
وغير اللائق: هو الغفلة عن نتائج تصرّفاتنا تجاه الآخرين، والاستهتار بمشاعرهم وحريّاتهم، والانانية الفردية والانغماس في محبّة الذات وما يرضيها، لذا تجد في الأحاديث والروايات ما يحثّ الفرد المسلم على الإحساس بالآخرين حتّى يتخلّى عن النوازع الذاتيّة والعوامل الفرديّة.
يقول الامام علي(ع) “:اجعل نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك، فأحبّ لغيرك ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لها”
الإخلال بالنظام العامّ وشيوع الفوضى في مجتمعنا يعكس صورة سيئة عن الإسلام والمسلمين، وقد يكون ذلك سبباً للنفور من الدين.
بينما المطلوب من المسلمين والمؤمنين بحسب وصايا الدين بشكل عامّ، والأئمّة من أهل البيت عليهم السلام بشكل خاصّ أن يتجنّبوا كلّ ما يكون سبباً لتشنيع الأعداء عليهم، وبابُ التشنيع هذا يفتحه أتباع الأئمّة عليهم السلام من خلال سلوكهم، ما يكون موجباً لنفور الناس منهم، ففي الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام: “عليكم بتقوى الله والورع والاجتهاد وأداء الأمانة وصدق الحديث، وحُسن الجوار، فبهذا جاء محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، صِلوا في عشائركم، وصِلوا أرحامكم، وعودوا مرضاكم، واحضروا جنائزكم، كونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، حبّبونا إلى الناس، ولا تبغّضونا، جرّوا إلينا كلَّ مودة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح، وما قيل فينا من خير فنحن أهله، وما قيل فينا من شرّ فما نحن كذلك.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام: “كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا، حتّى يقولوا: رحم الله جعفر بن محمّد فلقد أدّب أصحابه”.
الفقهاء والمراجع افتوا بوجوب رعاية الأنظمة والقوانين حفظاً لنظام حياة المجتمع، وحماية للمصلحة العامة، واحتراماً للحقوق المتبادلة بين الناس.
ولا يختص وجوب الالتزام بالقوانين وحرمة مخالفتها بالبلاد الإسلامية، بل إن المسلم مكلف بذلك حتى في البلاد غير الإسلامية،
يقول الامام الخامنئي : لا تجوز الاستفادة بطرق غير مشروعة وغير مرخصة من المياه والكهرباء والغاز والهاتف التابعة لمؤسسات الدولة، وهذا العمل موجب للضمان حتى ولو كانت الدولة غير اسلامية.
ويقول:تجب مراعاة النظام والقانون وحقوق الآخرين وان كانت متعلقة بغير المسلمين
ويقول في جواب له عن استفتاء حول ماليّة المرافق والمؤسّسات العامّة التي تملكها الدولة :أموال الدولة ولو كانت غير إسلاميّة تعتبر شرعاً ملكاً للدولة، ويتعامل معها معاملة الملك المعلوم مالكه، ويتوقّف جواز التصرّف فيها على إذن المسؤول الذي بيده أمر التصرّف في هذه الأموال.
وسئل المرجع السيد السيستاني: هل يلزم المكلف الحاصل على فيزا الالتزام بقوانين البلد غير الإسلامي، بما في ذلك التقيّد بأمثال إشارات المرور وقوانين العمل وأمثالها؟ فأجاب سماحته: «إذا تعهد لهم ـ ولو ضمناً ـ برعاية قوانين بلدهم، لزمه الوفاء بعهده، فيما لا يكون منافياً للشريعة المقدسة. ومثل إشارات المرور يلزم التقيد بها مطلقاً، إذا كان عدم مراعاتها يؤدي ـ عادة ـ إلى تضرر من يحرم الإضرار به من محترمي النفس والمال»
وعن مثل هذه الموارد سُئل فقهاء آخرون فكانت إجاباتهم وفتاواهم تؤكد على رعاية القانون والنظام في أي بلد ومجتمع.
ثقافة الالتزام بالقانون والتربية على رعاية وحفظ النظام العام يجب أن تبدأ من المحيط العائلي، فالأهل يجب أن يربوا أولادهم على رعاية النظام, ومناهج التعليم في المدارس يجب أن تعطي عناية خاصة لهذا الجانب, فالتربية المدنية لها دور كبير في توجيه المواطنين لاحترام النظام، كما أن وسائل الإعلام تتحمل جزءاً هاماً من مسؤولية التوجيه لرعاية النظام واحترام القانون.
وكما يلتزم المسلم بأحكام صلاته عليه أن يلتزم بأنظمة المرور، وكما يحرم الإخلال بأحكام الصوم يحرم تجاوز القوانين التي تنظم شؤون المواطنين.
إن مجتمعاتنا بحاجة إلى روح النظام وأخلاقية الالتزام، لنحفظ مصالحنا العامة، ولنرتقي إلى مستوى تعاليم ديننا الحنيف، وحتى لا نكون مجتمعات متخلفة تدب فيها الفوضى وتضيع فيها الحقوق.
اليوم هناك شعوب تقمع وتقتل لمجرد أنها تطالب بحقوقها كالشعب البحريني والشعب اليمني وغيرهما من شعوب المنطقة المظلومة والمضطهدة.
وبالأمس أضيفت جريمة جديدة الى سجل جرائم نظام آل سعود ونظام آل خليفة تمثلت بإعدام السلطات البحرينية ثلاثة شبان من المعتقلين ظلما ً لديها.
هذه الجريمة ما كانت لتحصل لولا تحريض آل سعود المستمر للسلطة في البحرين ضد الحراك السلمي المستمر منذ أكثر من خمس سنوات وضد رموزه وعلمائه وشخصياته الكبيرة.
وسكوت المجتمع الدولي على مثل هذه الجرائم شجع ويشجع آل خليفة على التمادي في قمعهم لهذا الشعب وحراكه السلمي ورفضهم لأي تسوية مع المعارضة.
هذا الإصرار على القمع والقتل والتعنت والرفض للحوار والحل من قبل نظامي آل سعود وآل خليفة لا يترك للبحرينيين من خيار سوى مواصلة حراكهم والضغط بكل الوسائل السياسية والسلمية المتاحة لإجبار النظام على الإستجابة للمطالب العادلة لهذا الشعب المظلوم.
المصدر: خاص