أكّد نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش أنّ “الانتصار في 25 أيار/مايو عام 2000 أثبت أنّه بالإمكان إلحاق الهزيمة بالعدو، واستعادة الأرض والحقوق بالمقاومة، وأننا يمكن أن ننتصر بالمقاومة، وقد انتصرنا في أكثر من موقع وفي أكثر من مواجهة”، مضيفًا أن “العدو ـ مهما كان جبارًا ومقتدرًا، ويملك أقوى الأسلحة وأقوى الجيوش ـ يُمكن أن يُهزم أمام إرادتنا وعزمنا وتصميمنا وثباتنا وصبرنا ومقاومتنا، وقد هُزم في أكثر من موقعة وفي أكثر من مواجهة في أعوام 1993 و1996 و2000 و2006.”
وخلال خطبة الجمعة التي ألقاها في مجمع السيدة زينب (ع) في الضاحية الجنوبية لبيروت، قال سماحته: “اليوم، في عيد المقاومة والتحرير وذكرى الانتصار، تبقى هذه التجربة بمثابة الأمل الذي يُعطينا القوة لمواصلة المقاومة حتى التحرير الكامل واستعادة الحقوق”، لافتًا الى أنّ “هذا الأمل يتجدّد اليوم في فلسطين ومع طوفان الأقصى الذي زلزل الكيان الصهيوني وأذله وهشّم صورته وأدخله في معركة استنزاف حقيقية وفي مأزق كبير”.
وتابع: “اليوم بعد ثمانية أشهر من العدوان على غزة بات العديد من الصهاينة من سياسيين وعسكريين وإعلاميين يتحدّثون عن أنّ “إسرائيل” في مأزق حقيقي، وأن تحقيق الأهداف المُعلنة للحرب مطلب غير واقعي، وأن إصرار رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب يجرنا إلى الهاوية”.
وشدد الشيخ دعموش على أنّ “فشل العدو في تحقيق أي مكسب استراتيجي أصبح واضحًا للداخل الإسرائيلي وللعالم، وإعلام العدو يتحدّث عن أنّ هذا الفشل يزداد يومًا بعد يوم، ومع ذلك فإن نتنياهو يُكابر ويُصر على مواصلة الحرب، وهو يكذب عندما يقول بأنه على بُعد خطوة من النصر، فيما يستهزأ العديد من العسكريين الإسرائيليين السابقين بكلامه ويقولون “إن استمرار الحرب بات يشكل خطرًا على الكيان وهم يشعرون بالخيبة من نتائج الحرب”.
وأضاف أن “الدخول إلى رفح لن يُغيّر شيئًا من مشهد العجز الإسرائيلي، ولن يجني منه نتنياهو سوى المزيد من الخسائر وتعميق المأزق الذي يتخبّط فيه، وليس أمامه سوى الاعتراف بالعجز والرضوخ للأمر الواقع والذهاب نحو الحل السياسي والعودة إلى ورقة الاتفاق التي وافقت عليها حماس ومعها كل فصائل المقاومة”.
وختم سماحته بالقول إن “المقاومة لا زالت حاضرة ومتماسكة وقوية وثابتة في غزة وفي لبنان، وهي تُطوّر عملياتها كمًّا ونوعًا وتصنع المُعادلات، وتحقّق إنجازات وتُواجه العدو بكل شجاعة وصلابة تُعمّق من مأزقه وتستنزفه وتُلحق به خسائر كبيرة، وليس هناك من حل إلا بوقف العدوان”.
نص الخطبة
يقول الله تعالى وهو يحدثنا عن اليهود واتباعهم: (وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍۢ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ)
هناك العديد من الآيات التي دعانا الله فيها الى العفو والصفح والتسامح منها ما تلوناه ومنها: قوله تعالى: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
وقوله تعالى: (إِن تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا).
ومنها قوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّـهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ).
وفي آية اخرى: ﴿يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَجِكُمْ وَأَوْلَـدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
الاسلام اراد ان يتحلى الانسان المؤمن بالرحمة والعفو والتسامح والاخلاق العالية، وان تكون هذه العناوين جزءا من وشخصيته وماهيته وذاته ، وان تكون ملازمة له في جميع حالاته واوضاعه وظروفه، وفي مختلف المجالات، في حالات الشدة والازمات، وفي حالات الرخاء، في حالات السلم وفي حالة الحرب، واتجاه مختلف شرائح الناس، الكبار والصغار، الاقرباء والابعاد، الجيران والاصدقاء، وحتى الخصوم والاعداء .
من الطبيعي ان يتعامل الانسان باخلاق حسنة، وان يكون لين الجانب، ورحيما بالضعفاء ومتسامحا مع الجار والقريب في أوقات السلم، ان يكون متسامحا مع زوجته واولاده وان يعفو عنهم ويعاملهم بالرحمة، مهما صدرت منهم من هفوات واخطاء واساءات، على اعتبار ان اخطاءهم قد تكون هفوة ومن غير قصد، من الطبيعي ان يتسامح الانسان مع الاصدقاء وان يحسن معاملتهم ، ولكن ان يتسامح مع الاعداء وان يحسن معاملتهم في الحرب والمواجهات؟!. وان يكون لين الجانب مع الأعداء، يرحمهم ويصفح عنهم، بعد ان ينتصر عليهم ويتمكن من معاقبتهم على ما اقترفوه من ظلم وجرائم؟ ، فهذا السلوك لا يستطيع كل أحد أن يمارسه ، ولا يستطيع كل قائد عسكري أن يتقيد به؛ إن رؤية الدم تثير الدم، والعداء يؤجج نيران الحقد والغضب، ونشوة النصر قد تسكر المنتصرين؛ فتوقعهم في التشفي والانتقام، فان يقف الانسان ليتسامح ويعفو عمن قتله وقتل اهله فتلك اخلاق سامية وعظيمة، وليس كل احد يستطيع ان يتحلى بها، لكن الله عزوجل امرنا ان نتحلى بها، لانها اخلاق الاسلام واخلاق نبينا الاعظم محمد بن عبد الله (ص) واخلاق ائمة اهل البيت(ع).
هؤلاء القادة والعظماء انفردوا من بين كل زعماء وعظماء العالم والحضارات بالإنسانية، وبالاخلاق الرحيمة العادلة في أشد المعارك احتداما، وفي أقسى الظروف وأحلك الأوقات التي تدفع الانسان نحو الانتقام والثأر وسفك الدماء.
ومن عظيم عفو النبي(ص) ما تجلى يومَ فتح مكة، فبرغم القسوة والوحشيةِ والاذى والاساءة التي تعرض لها النبي(ص) من المشركين واليهود والذين وقفوا في مواجهة رسالته ودعوته، لم يلجأ النبي(ص) إلى الانتقام من الذين آذوه بعد ان وقعوا في قبضته وكان يستطيع معاقبتَه والاقتصاصَ منهم. فقد عفا (ص) عن أهل مكة يومَ الفتح ووقفَ منهم موقفاً رحيماً على الرغم من كل العذاب والإرهاب والمعاناة والآلام والأذى الذي صبته قريشٌ عليه وعلى المسلمين في مكةَ قبل الهجرة وبعدها، وعلى الرغم من مؤامراتها وحروبها وإرهابها فإنه (ص) وقف على باب الكعبة يوم الفتح مخاطباً أهل مكة: ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخٌ كريم وابنُ أخ كريم. قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، يغفرُ الله لكم وهو أرحم الراحمين، إذهبوا فأنتم الطلقاء.
وعندما قال أحد أصحابه: اليومَ يومُ الملحمة اليومَ تُسبى الحرمة. قال (ص): اليومَ يومُ المرحمة، اليومَ تراعى الحرمة.
ويروي الإمام الباقر (ع) فيقول: إن ثُمامَةَ بنَ أَثالْ وهو سيد من سادة المشركين أَسرتْه خيلُ المسلمين وقد كان رسول الله (ص) قد قال: اللهم أمكني من ثُمامة، فجيء به الى النبي(ص) فقال له رسول الله (ص): إني مخيرك واحدةً من ثلاث: أقتُلُك؟ قال: إذاً تقتل عظيماً، أو أُفادِيكَ؟ قال: إذاً تجدُني غالياً. أو أَمُنُّ عليك أي أعفو عنك؟ قال: إذاً تجدني شاكراً. فقال النبي (ص): فإني قد مننتُ عليك.
فقال ثُمامة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسولُ الله، وقد والله علمتُ أنك رسولُ الله حيثُ رأيتُك، وما كنت لأشهد بها وأنا في الوَثَاق.
بهذه النفس الرحيمة، وبهذا الخلق الإسلامي الرفيع والسلوكِ الإنساني الحضاري الذي لم يعرف التاريخُ له نظيراً، يعاملُ رسولُ الله (ص) أشدَّ الناس عداوةً له، بعد أن تمكن منهم ومن رقابهم إنه الخُلُقُ النبويُ المحمديُ الأصيل.
الاسلام الذي شرع الجهاد ومقاومة الاعداء لم يترك الحرب هكذا من دون قيود أو قوانين، وإنما وضع لها ضوابط وجعل الحروب مضبوطة بالأخلاق ولا تسيرها الغرائز والاحقاد وروح التشفي والانتقام والشهوات.
و أبرز القيود الأخلاقية التي وضعها الاسلام هي ما اشارت اليه الاحاديث الواردة عن رسول الله (ص).
فقد روي: كان رسول الله (ص)إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، وكان مما يقوله: “..ولا تقتلوا وليدا ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا، ولا صغيرا، ولا امرأة..”.
وفي حديث عن ابن عباس قال: كانَ رسولُ اللَّهِ (ص)إذا بَعثَ جيوشَهُ قالَ : “اخرُجوا باسمِ اللَّهِ قاتِلوا في سبيلِ اللَّهِ من كفرَ باللَّهِ ، ولا تعتَدوا ، ولا تغلُّوا ، ولا تُمَثِّلوا ، ولا تقتُلوا الوِلدانَ ، ولا أصحابَ الصَّوامعِ.
وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: “إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا بعث أميراً له على سرية أمره بتقوى الله عزّ وجل في خاصّة نفسه، ثمّ في أصحابه عامّة ثم يقول:… ولا تُمثِّلوا… ولا تحرقوا النخل، ولا تُغرِقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تُحرِقوا زرعاً.
وقد تقيد كل القادة العسكريين بهذا السلوك وبهذه الاخلاق ولم يرِدْ في تاريخ رسول الله (ص) حادثةٌ واحدة تقول بأن المسلمين مثَّلوا بأَحَدٍ من أعدائهم.
هذه هي أخلاق الحروب عند المسلمين.. تلك التي لا تُلْغِي الشرف في الخصومة، أو العدل في المعاملة، ولا الإنسانية في القتال أو ما بعد القتال.
وقد تقيد مجاهدون في المقاومة الاسلامية في لبنان بهذه التعاليم وبهذه الاخلاق المحمدية الاصيلة في كل المواجهات التي خاضوها سواء مع المحتلين الصهاينة في لبنان او مع التكفيريين في سوريا، وتحلوا بهذه الاخلاق العظيمة في مثل هذه الايام من العام 2000 عندما هزمت اسرائيل وتركت عملائها ورائها، وانتصرت المقاومة وتمكنت من العملاء الذين كانوا ادوات بيد العدو الاسرائيلي، حيث تصرفت المقاومة والمقاومون بكل حكمة واخلاق مع جنود جيش لحد الذين استسلموا ووقعوا في الأسر، وحتى مع الهاربين الذين تجمعوا مع عائلاتهم على الحدود، تصرفوا بوعي وباخلاق الاسلام مع أولئك الذين ارتكبوا مجازر مهولة بحق أهل القرى والبلدات الحدودية، كان بامكان المقاومة ان تتصرف معهم بقسوة او تطلق النار عليهم تحت عنوان انهم عملاء فارّون، ولكنها لم تفعل ذلك ولم يُطلق احد النار عليهم، وتم تسليم العملاء الاسرى للدولة وترك المقاومون الفارين من جيش لحد من دون التعرض لهم مع انه كان بالامكان اعتقالهم او قتلهم عندما كانوا مجمعين على الحدود، بعدما أغلق العدوالأبواب عليهم ولم يفتحها امامهم الا بعد إذلال طويل.
ما فعله المقاومون مع العملاء ايام التحرير هو إنجاز أخلاقي حققته المقاومة يضاف الى الانجاز العسكري والامني والسياسي والوطني الذي حققته المقاومة في 25 ايار العام 2000 .المقاومة بهذا السلوك الاخلاقي عبّرت عن حقيقتها، وعن هويّتها، مواهيتها، وجوهرها هي لم تكن تتصنّع ذلك، هي مارست ما هو كامن فيها من قيم وأخلاق، وهناك جانب آخر من الانجاز الأخلاقي، أن هذه المقاومة عندما انتصرت لم تحتكر الانتصار لنفسها ولم تنسب الانتصار لنفسها ، بل وجهت الشكر للجميع، وسماحة الامين العام حفظه الله في خطابه الشهير في بنت جبيل الذي عُرف عند الاسرائيلي بخطاب (بيت العنكبوت)، وقف وشكر الجميع واعترف بفضل كل من له فضل في هذه المقاومة وقال : كان هناك قوى أساسية قاتلت وقاومت وبذلت جهوداً وقدمت شهداء وجرحى وكان منها أسرى، وهذا كله نحن نعترف به ونحترمه ونقدره ونفتخر به، ونفتخر بأن المقاومة كان لها هذا التاريخ .
الانتصار في 25 أيار أثبت أن بالإمكان الحاق الهزيمة بالعدو واستعادة الارض والحقوق بالمقاومة، وأننا يمكن أن ننتصر بالمقاومة، وقد انتصرنا في أكثر من موقعة وفي اكثر من مواجهة، وأن العدو ـ مهما كان جباراً ومقتدراً ويملك أقوى الأسلحة وأقوى الجيوش ـ يمكن أن يُهزم أمام إرادتنا وعزمنا وتصميمنا وثباتنا وصبرنا ومقاومتنا ، وقد هُزم في أكثر من موقعة وفي اكثر من مواجهة في 93 و96 و2000 و2006.
اليوم، في عيد المقاومة والتحرير وذكرى الإنتصار تبقى هذه التجربة بمثابة الأمل الذي يعطينا القوة لمواصلة المقاومة حتى التحرير الكامل واستعادت الحقوق.
هذا الأمل يتجدد اليوم في فلسطين يتجدد مع طوفان الاقصى الذي زلزل الكيان الصهيوني واذله وهشم صورته وادخله في معركة استنزاف حقيقية وفي مأزق كبير.
اليوم بعد ثمانية اشهر من العدوان على غزة بات العديد من الاسرائيليين من سياسيين وعسكريين واعلاميين يتحدثون عن ان اسرائيل في مأزق حقيقي، وان تحقيق الاهداف المعلنة للحرب مطلب غير واقعي، وان اصرار نتنياهو على مواصلة الحرب يجرنا إلى الهاوية.
فشل العدو في تحقيق أي مكسب استراتيجي اصبح واضحا للداخل الاسرائيلي وللعالم، وإعلام العدو يتحدث عن أن هذا الفشل يزداد يوما بعد يوم، ومع ذلك فان نتنياهو يكابر ويصر على مواصلة الحرب، وهو يكذب عندما يقول بانه على بعد خطوة من النصر، والعديد من العسكريين الاسرائيليين السابقين يهزؤون بكلامه ويقولون إن استمرار الحرب بات يشكل خطرا على الكيان وهم يشعرون بالخيبة من نتائج الحرب.
واليوم الدخول الى رفح لن يُغيّر شيئًا من مشهد العجز الإسرائيلي شيئا ، ولن يجني منه نتنياهو سوى المزيد من الخسائر وتعميق المأزق الذي يتخبط فيه، وليس امامه سوى الاعتراف بالعجز والرضوخ للامر الواقع والذهاب نحو الحل السياسي، والعودة الى ورقة الاتفاق التي وافقت عليها حماس ومعها كل فصائل المقاومة في غزة.
المقاومة لا زالت حاضرة ومتماسكة وقوية وثابتة في غزة وفي لبنان وهي تُطوّر عملياتها كمًّا ونوعًا وتصنع المُعادلات وتحقق انجازات وتواجه العدو بكل شجاعة وصلابة تعمق من مأزقه وتستنزفه بشكل يومي وتلحق به خسائر كبيرة، وليس هناك من حل الا بوقف العدوان.
المصدر: بريد الموقع