لا شك ان الشهيد القائد الجهادي السيد مصطفى بدرالدين هو من أصحاب الطلقات الأولى في المقاومة الاسلامية، ومن القادة اللامعين في مسيرتها العسكرية والامنية، له بصماته الواضحة في تطوير قدراتها في مختلف الميادين حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم، حيث تقارع العدو الاسرائيلي بمعادلات رادعة ولا تتهاون معه تحت أي ظرف من الظروف، وباتت “الضربة بالضربة والتوسعة للحرب تقابل بالتوسعة” هي التي تحكم عمل المقاومين اليومية بمواجهة هذا العدو من خلال جبهة الإسناد لقطاع غزة ومقاومته وشعبه ضد العدوان الصهيوني.
وفي الذكرى السنوية الثامنة لاستشهاد القائد مصطفى بدرالدين (السيد ذوالفقار)، نعود لاستذكار بعضا مما صنعه هذا القائد الكبير في مسيرة المقاومة حتى باتت بهذا الاقتدار والقوة.
فمنذ مواجهات خلدة الشهيرة في العام 1982 وإصابته هناك ونيله لـ”وسام الجريح”، وصولا الى إبداعاته في تسعينات القرن الماضي لا سيما خلال تثبيت معادلات الردع مع العدو الاسرائيلي وبالتحديد خلال عدوان نيسان 1996، حيث كان للسيد بدر الدين الدور الكبير في تمكين المقاومة بفرض معادلاتها لحماية المدنيين من العدوانية الصهيونية ومن ثم التوصل لما عُرف بـ”تفاهم نيسان” الذي وقعته الحكومة اللبنانية برعاية دولية.
واستمرت بطولات المقاومة عبر الانجازات المتتالية بتطور تصاعدي، وبعض هذه الانجازات ارتبط بشكل مباشر باسم الشهيد القائد السيد ذوالفقار ومنها عملية “كمين انصارية” الشهيرة حيث تم تهشيم صورة التفوق الاسرائيلي وأُذلت قوات النخبة الصهيونية عند أعتاب شواطئ جنوب لبنان، فكان لوجود القائد الشهيد الى جانب رفيق دربه القائد الجهادي الكبير الشهيد الحاج عماد مغنية دورا مهما في قيادة وإنجاز هذه العملية وإنجاحها وتأكيدها سقوط صورة الجيش الاسرائيلي امام عدسات الاعلام العالمي، والاعلان ان مقولة “إسرائيل سقطت” لأمين عام حزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي باتت تترجم بصورة عملية وواقعية اكثر بما يقرّب للأذهان هذه الفكرة التي اعتقد البعض في يوم من الايام انها ضرب من الخيال.
وتوالت الانجازات وصولا الى تحرير العام 2000 ومن ثم الانتصار الالهي في العام 2006 وما تلاها من انتصارات على العدو التكفيري في لبنان وسوريا والعراق، ودور المقاومة وقادتها وشبانها وعلى رأسهم السيد مصطفى بدر الدين في ذلك، وقد ترافق كل ذلك مع جهد للشهيد القائد في كشف الكثير من الخلايا الأمنية العميلة للعدو الاسرائيلي او التابعة للجماعات التكفيرية بما حفظ أمن كل لبنان واللبنانيين.
والحقيقة ان تعداد منجزات هذا القائد الجهادي الكبير كثيرة، إذا ما أردنا ذكرها في هذا المقام، خاصة فيما يتعلق بقدرته على إدارة المفاوضات، خصوصا في ملف الاسرى لتحريرهم عبر الوسطاء، وهذا ما تجلى بتحرير أسرى “صفقة الرضوان” بعد حرب تموز، التي أدت الى إطلاق سراح الاسرى اللبنانيين في معتقلات العدو وعلى رأسهم عميد الاسرى الشهيد سمير القنطار ورفاقه المقاومين.
بالاضافة الى إشراف السيد ذوالفقار على الاعلام الحربي وبراعته في خوض الحرب النفسية بمواجهة العدو، كما أنجز الشهيد القائد لحين استشهاده الكثير مما كشف حتى الساعة، والمؤكد ـن ما خفي أعظم، فالكثير الكثير سيبقى طي الكتمان باعتبار ان المقاومة بكل تشيكلاتها هي اليوم في قلب المعركة ضد العدو دفاعا عن لبنان، وردعا للعدوانية الصهيونية ودعما للقضية الفلسطينية ومقاومتها.
أما على المستوى الشخصي فخير من وصف السيد بدر الدين كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته بالذكرى السنوية السادسة لشهادة السيد ذوالفقار حيث عدد بعضا من ميزاته “… شجاعة عالية وشهامة وهمة كبيرة وإرادة وعزم وجدية وغيرة وحماسة، حماس وذكاء وإبداع ، وبيان قوي، عندما يُريد أن يشرح المطلب يجب أن يُبين قدرة خطابية عالية، وقد سمعتم بعض المقاطع، وكان شاعراً أيضاً، يَنظم القصائد للقدس وفلسطين والشعب الفلسطيني والمقاومة ولأحبائه، والرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام)”.
ولا شك ان التجربة قد أثبتت ان استشهاد قادة المقاومة أعطاها المزيد من القوة والدفع والإصرار على مواصلة الطريق والحفاظ عليها وعلى سلاحها وإنتصاراتها التي لا تتحقق إلا بالتضحيات وببذل الدماء وبتقديم الشهداء وعلى رأسهم القادة وأولادهم وعائلاتهم وهذه هي حال المقاومة منذ أيامها الاولى وحتى يومنا هذا، فهذه المقاومة تحقق أعظم الانتصارات لانها تقدّم أغلى التضحيات.
وعن أهمية استشهاد قادة من مستوى السيد بدرالدين في مسيرة المقاومة، من المفيد التذكير بما قاله السيد نصرالله في ذكرى أسبوع الشهيد السيد ذوالفقار في 21-5-2016 “.. السيد مصطفى ليس الشهيد القائد الأول في هذه المسيرة، ولن يكون الشهيد القائد الأخير في هذه المسيرة.. طالما أن مسيرتنا تتحرك إلى الأمام وتتحمل مسؤولياتها الإيمانية والجهادية والتاريخية، وطالما أن قادتنا يصرّون على التواجد في الميدان، سنستقبل المزيد من القادة الشهداء.. إننا من موقع هؤلاء الشهداء وبدماء هؤلاء الشهداء نتقدم وننتصر ونحقق الإنجازات.. ويجب الحفاظ على هذه المقاومة الإسلامية وصيانتها وتطويرها لأن هذه المقاومة هي التي استشهد السيد مصطفى من أجل الدفاع عنها ومن أجل الحفاظ على وجودها وبقائها وبقاء قوتها وقوة محورها. هذا هو ثأرنا الكبير وهذه هي مسؤوليتنا الكبيرة”.
المصدر: موقع المنار