مصطلح جديد بدأ يظهر في بعض الادبيات الاسرائيلية وهو المأزق الاستراتيجي لجبهة لبنان بما يلخص الضغط الكبير على المستوطنين والجيش والقيادة السياسية خاصة وان خيارات العدو البديلة هي محددة ومكلفة.
وقد توالت المواقف والتقارير التي تشير إلى أن جبهة لبنان تتجه نحو محطة جديدة، وأبرز هذه المواقف هي ما صدر على لسان عضو مجلس الحرب، الوزير بني غانتس الذي وصف جبهة لبنان بأنها التحدي الأكبر والأكثر إلحاحا، وأنه حتى الاول من ايلول ينبغي عودة المستوطنين.
كما أعلن وزير الحرب يوآف غالانت أن الهدف هو عودة المستوطنين وبأن الفترة القادمة ستكون حاسمة على جبهة لبنان.
لا تعتبر هذه التهديدات جديدة فهي بدأت مع بداية طوفان الاقصى على السنة كبار المسؤولين الصهاينة الا ان سياقاتها تغيرت مع المتغيرات التي شهدتها جبهتا غزة ولبنان وتستوجب التوقف عندها.
جبهة لبنان مأزق إستراتيجي
ان توصيف جبهة لبنان بالمأزق الاستراتيجي لم يأت الا بعد فشل محاولات ردع حزب الله بهدف دفعه إلى فك الارتباط بجبهة غزة وبسبب طول فترة العمليات التي أدّت إلى تفاقم الخسائر والاستنزاف السياسي والأمني، ورفعت منسوب الضغوط على الواقع الداخلي الاسرائيلي. ونتج عن ذلك، تحول جبهة لبنان إلى كونها التحدي الأكبر والاكثر إلحاحا بالنسبة لمؤسسة القرار السياسي والأمني.
وفي مواجهة هذا الواقع يجد العدو نفسه امام خيارات محددة ولكنها غاية في الخطورة مما يجعله يتجنب خيار الحرب الواسعة لاسباب كثيرة ابرزها ان الجيش الذي لم يستطع اخضاع المقاومة المحاصرة في غزة خلال اكثر من 7 أشهر سيكون امام تحد كبير في مقابل حزب الله الذي تعاظمت قوته على المستوى البشري وعلى مستوى صنوف الاسلحة البرية والجوية و البحرية بالاضافة للجغرافيا المختلفة عن غزة واقعا واتساعا.
وفي ضوء ذلك، يحاول الاستفادة من الفرص التكتيكية التي يوفرها هذا الواقع إلى الحد الأقصى الممكن. إلإ أن ذلك لا يُغيّر من الآلام والضغوط التي يتسبب استمرار الوضع الأمني والاجتماعي الذي تشكّل بالقرب من حدود لبنان.
جبهة غزة من حرب الى اعمال قتالية
في غزة عمليا لم يعد هناك حرب بالمعنى الدقيق وانما عمليات قتالية هنا وهناك بالاضافة لمواصلة ارتكاب المجازرر في محاولة للضغط على المقاومة التي افشلت كل مخططات العدو واستمرت بالصمود والقتال.
في ضوء ذلك، بادرت قيادة العدو إلى سحب أغلب قوات جيش العدو من القطاع. وبقيت رفح الساحة الرئيسية التي يتم التلويح بها كجزء من الضغوط على حركة حماس. والتي اعتبر نتنياهو أن عدم الدخول إليها خسارة للحرب.
تبيّن للعدو أن حزب الله لم يتّخذ من تراجع وتيرة الحرب في القطاع، ذريعة للتوقف عن العمليات كإسناد للمقاومة في غزة. هذا بالاضافة إلى رفضه عروض الإغراء والصمود بوجه التهويل والضغط الميداني في هذا الاتجاه.
لا يخفى أن كل من هذه المحطات حمل من الرسائل التي يُفترض أنها حضرت في واشنطن وتل أبيب أن حزب الله ليس في وارد التراجع عن ربط جبهة لبنان مع جبهة غزة.
رفح بين الحرب والتهدئة
يلاحظ أن التلويح بخيار الهجوم على رفح، تزامن في أكثر من محطة مع تحريك قضية المفاوضات من أجل تبادل الأسرى والهدنة. وكما هو واضح، فإن الهدف من ذلك هو الضغط على حركة حماس من أجل التنازل عن مجموعة ثوابت. وفي المقابل، حدَّد نتنياهو مفهوم النصر المطلق بالدخول إلى رفح. وأراد بذلك التأكيد على أن خيار السيطرة عليها لا رجوع عنه.
كما يمكن القول أنه في حال استنفاذ الرهانات على التوصل إلى اتفاق تبادل وهدنة، سيكون من الصعب جداً على نتنياهو عدم اقتحام رفح. أما في حال، التوصل إلى اتفاق سيكون تبرير عدم اقتحامها على أنه كان من أجل تحرير الاسرى، أضف إلى ان هذا الاتفاق مؤقت وليس نهائي. وبالتالي لا يزال هذا الخيار بيد إسرائيل لاحقاً.
فيما يتعلق بمواقف وزراء الصهيونية الدينية، الذين يتشددون في مواقفهم إزاء المفاوضات. فإنهم يُعبرون فعلياً عن حقيقة مواقفهم. ولكنهم يخدمون ايضا نتنياهو أمام أي ضغوط أميركية عبر القول أنهم يمكن أن يُسقطوا الحكومة. بهدف توجيه الضغوط نحو الوسيطين القطري والمصري من أجل الضغط على حماس.
في الخلاصة يمكن الاشارة الى إن رفع منسوب التهديد في هذه المرحلة، له مبرراته، فضلا عن كونه جزء من سياسة التهويل المعتمدة. ومن أهم ما يُميّزه في هذه المرحلة، أنه أتى بعد استنفاذ خيارات ورهانات ميدانية وسياسية كما إن استمرار الوضع الميداني الحالي، ليس خياراً بالنسبة للعدو ولكن ما يكبح التصعيد الواسع حتى الآن، أن خيارات العدو ضيّقة ومكلفة.
المصدر: موقع المنار