قراءة في “صهيونية إسرائيل” لكاتب يهودي – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

قراءة في “صهيونية إسرائيل” لكاتب يهودي

المصالح والاعتبارات الشخصية لرئيس وزراء كيان العدو

أمين أبوراشد

في نبذة بسيطة عن مؤلفات أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب “شلومو ساند”، من ضمنها الكتب التالية: “إختراع الشعب اليهودي” عام 2009، و “إختراع أرض إسرائيل” عام 2012، و” كيف لم أعد يهودياً” عام 2014، يبدو للقارئ أن الكتاب الثالث جاء نتاج أبحاث جدية وعميقة للكاتب، لما أسماها الكذبة الصهيونية في اعتبار اليهودية قومية لها وطن، واعتبار فلسطين ذلك الوطن وأرضاً للميعاد.

أهم ما يُذكر في الدراسات الأكاديمية والسياسية عن هذا الكاتب، أنه قارئ علمي دقيق للميثولوجيا اليهودية، ولا يُغفِل مرجعاً دينياً أو تاريخياً موثوقاً، ولا يتبنَّى معلومة افتراضية اجتهد المفكرون الصهاينة في ابتداعها، ويمتلك من جرأة القلم والموقف ما دفعه في نهاية أبحاثه حول الأكاذيب اليهودية الصهيونية، الى إعلان بطلان يهوديته بقرار شخصي عبر كتابه الثالث.

في إحدى إطلالاته التلفزيونية عام 2018، إنتقد “ساند” قانون القومية اليهودية الذي صدر عن حكومة الكيان الصهيوني آنذاك، ووافق عليه الكنيست الإسرائيلي في إحدى الجلسات، التي مزَّق خلالها النواب العرب نسخاً عن القانون وغادروا القاعة.

وقال ساند “اليهودية ديانة كما المسيحية والإسلام، وليس هناك منطق في اعتبارها قومية، ونقطة ضعف الشعب اليهودي، بحثه الدائم عن الحمض النووي اليهودي لإثبات قوميته، وهذا ما لا يفعله أي شعب في العالم سوى يهود إسرائيل ومَن يواليهم، لأن عقدة النقص عن أصولهم القومية موجودة، نعم، يوجد هناك قومية فرنسية مثلاً، لكن هذه القومية تنضوي تحتها كل الديانات التي يتبعها المواطنون الفرنسيون، لكن ليست هناك قومية يهودية، ولا هناك ديمقراطية مع اليهودية، ولو كانت إسرائيل دولة ديمقراطية لما صدر قانون القومية اليهودية، حيث اليهودي مواطن درجة أولى حتى لو لم يولد في “إسرائيل”، ولم يزرها في حياته، فيما العربي حتى لو حمل الجنسية الإسرائيلية هو مواطن درجة ثانية”.

ومن كتاب “اختراع الشعب اليهودي” كقومية، ينتقل ساند في كتاب “اختراع أرض إسرائيل”، ويتناول الكذبة الصهيونية التي راجت عن جبل صهيون في القدس، واعتبار فلسطين أرض الميعاد.

و يقول ساند “حين ضاق ذرع الغرب باليهود، وحين أغلقت أميركا الباب أمام المهاجرين منهم إلى أرضها، كان لا بدّ من أرضٍ يهاجرون إليها، فكان المقترح في أول الأمر إقامة مستعمرة لليهود في أوغندا، وادَّعى اللورد بلفور خلال نقاش برلماني سنة ١٩٠٥ أن المهاجرين اليهود يتزوجون فيما بينهم فقط، وليس هناك احتمال أو أمل باندماجهم في الأمة البريطانية، وبتطور الأحداث في الشرق الأوسط، وقيام الحروب العالمية، وضعف السلطة العثمانية وانهيارها، كل هذه العوامل جعلت بريطانيا تتكفل بتأسيس وطن قومي لليهود في أرض فلسطين، من خلال وعد بلفور سنة ١٩١٧ إلى اللورد روتشيلد، برسالة تتضمن تبليغًا نيابة عن حكومة بريطانيا بهذا الوطن الجديد فوق الأرض الموعودة”.

واضحة كانت رغبة الغرب في التخلص من اليهود، وكانت أرض فلسطين -بنظر بريطانيا والغرب- أكثر مناسبة من غيرها لما لها من تاريخ مرتبط بالإثنية والديانة اليهودية، وهنا يقول ساند “لنفترض أن مجموعات يهودية عاشت يوماً مع المسيحيين والمسلمين على هذه الأرض، فهل هذا يعني أنها باتت أرض الميعاد لهم؟ وهل من حق العرب على سبيل المثال مطالبة إسبانيا بأرض الأندلس اليوم؟!”

ويرى “ساند”، أن اليهود عاشوا في أوروبا مرحلة رهاب عنصري ضدهم، لمدة قرن (من العام 1850 حتى العام 1950) ونقلوا معهم تداعيات هذا الرهاب الى فلسطين، وكل القهر الذي عانوه في أوروبا مارسوه بدورهم على الفلسطينيين، تمييزاً عنصرياً إرهابياً بذريعة أن هذه الدولة الوليدة المسماة “إسرائيل” دولة لليهود، لكنها أشبه بعربتين تنقلان كل التناقضات الفكرية، اليهود العلمانيون في عربة، والمتدينون في أخرى، لكن كلتا العربتين تقودهما الحركة الصهيونية، وبالتالي لا يستطيع العلمانيون الحصول على أي دور في قيادة العربة التي تنقلهم، لإختلاف الرؤى ما بين الاثنين في التطلّعات، وكون السلطة بيد الصهيونية كانت العربة العلمانية مضطرة لإفساح الطريق للعربة الصهيونية المسرعة.

وفي تفسيره كيف أنه لم يعد يُمكن أن يسمي نفسه يهوديًا، مستنكرًا ما تقوم به دولة “إسرائيل” من سياسات قمعية يقول: “كيف يستطيع شخص ليس مؤمنا متدينًا، بل إنسانوياً ديمقراطياُ أو ليبرالياً، يتمتع بحد أدنى من النزاهة، أن يستمر بالتعريف عن نفسه كيهودي؟”.

وإذ يرى شلومو ساند، أن لا إمكانية لإستمرارية دولة ذات “قومية يهودية” في المنطقة، نقرأ كلامه حالياً وكأنه نبوءات توراتية عن مصير هذا الكيان العنصري، الذي يكتب بدايات نهايته، ما بين ساحات المواجهة الميدانية الخائبة مع المقاومة الفلسطينية، وساحات المطارات التي تشهد رحيلاً غير مسبوق لليهود الى حيث يجدون أوطاناً بديلة، وكلمة الوداع هي واحدة من مئات الألوف على باب الطائرة: “إسرائيل” لم تعُد بلداً آمناً لنا.