قد نشعر بالانزعاج عندما تطير حشرة بالقرب من وجوهنا أو بالقرب من وعاء السكر على مائدتنا. لكن سواء وافقنا أو سجلنا اعتراضنا أو شجبنا فإن الحشرات تحاصرنا، فهناك عشرة كوينتيليون حشرة على وجه الأرض من بينها عشرة كوادريليون نملة.
وتقول كاتي بروديك، المتخصصة في علم الحشرات في جامعة اريزونا، في تحقيق بثه موقع “ناشيونال جيوغرافيك”، إن تطور الحشرات بدأ منذ نحو 400 مليون سنة مضت، حيث كانت بين أوائل الحيوانات التي “زحفت للخروج من البحر، ونفضت عن نفسها الطين، ثم صارت لديها أجنحة، وأضافت أن تقلص حجم الحشرات تواكب مع تراجع مستويات الأوكسجين على سطح الأرض وهو التحول الذي أتاح لها القدرة على التنفس إضافة إلى قدرة أفضل فى سرعة الهرب من مطاردات الحيوانات المفترسة.
وتعزي بروديك نجاة الحشرات من العديد من موجات الانقراض الجماعي إلى تطوير قوتها بشكل ملفت للغاية وقابليتها على التكيف مع البيئة. ولعل الاستثناء الوحيد هو ما حدث بالعصر “البرمي- الثلاثي”، قبل حوالي 252,2 مليون سنة والذي شهد تسرب كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي على مدى آلاف السنين.
وللإجابة عن ذلك السؤال المحير: كيفية تمكنت هذه المخلوقات الصغيرة من السيطرة على العالم؟ فهناك على الأقل 850,000 نوع من أنواع الحشرات المعروفة بجميع أرجاء العالم بما في ذلك الذبابة الصغيرة بالقارة القطبية الجنوبية، ولابد أن نعرف ما يلي:
بادئ ذي بدء، فإن سيطرة الحشرات على العالم تتلخص في عدد من النقاط منها أنها تتكاثر بأرقام مذهلة ولا تحتاج لبذل أي جهد أو عناء للعناية بذريتها.
فعلى سبيل المثال، يضع النمل الخارق الإفريقي ما بين 3 إلى 4 ملايين بيضة كل 28 يوما، فيما يعد رقما قياسيا بالنسبة لفصيلة ذات تنظيم اجتماعي متطور.
وتتمتع الحشرات بقدرات دفاعية هائلة تتنوع ما بين الهيكل الخارجي البالغ الصلابة للخنفساء “المنيعة”، مرورا بالأشواك السامة لفراشة اليسروع “كاتربلر”، ووصولا إلى الرائحة المقززة التي تطلقها حشرة أبومقص، وأضافت بروديك أن هناك أيضا الخنفساء القاذفة التي تطلق قنبلة صغيرة في فم أي كائن يحاول التهامها. وهذه القنبلة هي عبارة عن دفقة من حمض الكبريت المائي.
ومن المثير أن هناك حشرات تتمتع بمهارة فائقة في التنكر لتتجنب أن تصبح فريسة لأي مهاجم كما هو الحال عند اصطياد ضحاياها. فحشرة فرس النبي على سبيل المثال تستطيع التخفي بشكل زهرة الأوركيد لخداع الضحية المستهدفة، وتتأرجح حشرة فرس النبي وكأنها ورقة نبات حقيقية تتطاير في مهب الريح مع التحول لألوان تشبه الأشجار التي تتحصن بين أفرعها وأوراقها.
وتشن الحشرات هجمات في إطار دفاعها عن النفس، ويمتاز البعض منها بلسعات مؤلمة للغاية التي من شأنها ردع الحيوانات المهاجمة عن محاولة العودة لمهاجمتها مرة أخرى.
وتقدم اللافقاريات الصغيرة أيضا خدمات عظيمة للحفاظ على الزراعة والبيئة، حيث تسهم في إثراء وتهوية التربة كما تقوم بنثر البذور وتلقح نحو ثلث الغذاء المنتج حول العالم، بحسب ما أوردته بروديك في ملاحظاتها.
وأضافت أن هناك عمالا للنظافة، مثل الخنافس آكلة الجيف، التي تخلص الأرض من الجثث المتعفنة عن طريق سحبها للخارج لتضع البيض فيها، ثم تتغذى يرقات الخنافس آكلة الجيف على تلك الجثث.
وتعد خنافس الروث هي أفضل انظمة “إعادة التدوير” على الإطلاق، “فهي تنوب عن الإنسان في مهمات النظافة للتخلص من روث الحيوانات حيث إنها تلتهم فضلاتهم، حسبما ذكرت آن إستس، بكلية الطب في جامعة ميريلاند في رسالة عبر البريد الإلكتروني.
وتتولى خنافس الروث أيضا مهمة نقل تلك المواد الغذائية المشتقة من الروث إلى التربة ومن الجداول والأنهار، والبحيرات، حيث إنها يمكن أن تلحق ضررا للماشية، بحسب قول إستيس. وكما أنه من الجميل أن يستمتع الإنسان ببيئة خالية من الروث، فإن البعض يسعد بمتابعة خنفساء الروث ذات ألوان قوس قزح، في مشهد رائع وهي تقوم بحماية البيئة.
المصدر: مواقع