صدمت السعودية الوسط اللبناني بقرار مفاجىء أعلنته عبر بيان ٍ لسفارتها في بيروت. دعت خلاله “المواطنين السعوديين إلى مغادرة لبنان فوراً”، ومحذرةً إياهم من “التواجد والاقتراب من المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة”، وداعيةً إلى “التقيد بقرار منع سفر السعوديين إلى لبنان”. هذه الخطوة أخذت حيزًا من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي وانطلق التحليل والتهويل معاً. لكن التساؤل المشترك الذي تقاطعت عنده جميع الآراء، لماذا الآن؟
يمكن حصر القرار السعودي ضمن إطارين كبيرين، الإطار الأمني والإطار السياسي.
ففي الإطار الأمني هناك احتمالان أساسيان، الاحتمال الأول، أن تكون الخطوة السعودية تمهيداً لعدوان “إسرائيلي” على لبنان، وهذا الاحتمال ينبع من تأزم الوضع داخل الكيان المؤقت ويمكن أن يكون الحل بشن عدوان على لبنان لفك عزلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وإعادة اللحمة الى المجتمع الإسرائيلي. لكن هذا الاحتمال ليس بالأمر البسيط لأن أي عدوان على لبنان سيجر المنطقة برمّتها إلى حرب كيرى يمكن أن تسفر عن زوال الكيان المؤقت.
الاحتمال الثاني، أن تكون الخطوة مقدمة لانفجار الوضع الأمني داخل لبنان على نحو ما حصل في مخيم عين الحلوة مؤخراً. وينطلق هذا الاحتمال من ترويج وسائل الإعلام السعودية ومن يدور في فلكهم في لبنان الى “تورط حزب الله في الصراع في المخيم، والدعوة إلى نزع السلاح غير الشرعي” بحسب تعبيرهم. وهذا الاحتمال دونه محاذير كثيرة منها توجس الدول الغربية من تداعيات هكذا انفجار على دولها ومجتمعاتها.
ومن هنا من المستبعد أن يكون للقرار السعودي بعدًا أمنيًا، كون أنه لم تعلن أي دولة أخرى، لحين كتابة هذه السطور، إلى مغادرة رعاياها للبنان فورًا، ولما لها من تبعات كبيرة إن حصلت على المنطقة. والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ليسو بوارد فتح ساحة صراع جديدة بوجود ساحة كبيرة في أوكرانيا.
أما في الإطار السياسي لقرار المملكة يمكن حصر هذه الخطوة بأمرين أساسيين، الأول استخدام الساحة اللبنانية للضغط على إيران للتدخل مع اليمنيين لتليين شروطهم للتفاوض بعد ادراكها بعدم قدرتها على فرض الشروط التي تريدها. وهذا الاحتمال يستند على أن السعودية تريد أن توصل رسالة إلى إيران بأن لديها القدرة الكبيرة على التأثير في الساحة اللبنانية والليونة التي أبدتها حيال انتخاب المرشح المدعوم من حزب الله سليمان فرنجية يمكن أن تتخلى عنها بأي وقت وتعرقل الانتخابات والنهوض الاقتصادي في هذا البلد. فيسارع الجانب الإيراني إلى الضغط على اليمنيين لخفض مستوى مطالبهم.
أما الاحتمال الثاني للقرار السعودي وهو ممارسة الضغوطات القصوى على الأطراف اللبنانية من قبل دول الخماسية الدولية من أجل التقدم في مسار انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا الاحتمال سيؤكده صدور بيانات مشابهة للبيان السعودي ستصدر من دول الخماسية الدولية تباعًا. وأيضًا ليس مستبعدًا أن تدخل دول أخرى على خط الضغوط مثلما فعلت اليوم الكويت وألمانيا.
خلاصة القول، لا داعي للهلع والتهويل على اللبنانيين من حدوث تطورات أمنية لأن لها حسابات معقدة ودقيقة جدًا. ومن المرجح بأن للخطوة أهدافًا محصورة في السياسية ، إما من أجل الضغط في ملف المفاوضات اليمنية وإما من أجل الضغط لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، وإما الإثنين معًا، وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
المصدر: بريد الموقع