شئنا أم أبينا، العالم اليوم يعيش عصر الذكاء الإصطناعي، والتنافس الدولي مشتعل خاصة بين الدول العظمى، على صعيد التقدم والتطور في هذا المجال، ومحاولة الاستئثار بل واحتكار الأجزاء المكوّنة لهذه التقنية، مثلما تحاول فعل ذلك الولايات المتحدة الأمريكية.
لذلك فإن الإشكالية التي يجب أن تُطرح حول هذا المجال، ليست عن الآراء حول هذه التقنية إيجابيةً كانت أم سلبية، أو التنظير حول أهميتها من عدمه، ولا استشراف المستقبل الذي من الممكن أن تؤدي إليه، بل يجب أن تكون في كيفية الاستفادة من هكذا تقنية، من قبل مجتمعاتنا ودول منطقتنا في محور المقاومة في إطار صراعنا مع الهيمنة الأمريكية والكيان المؤقت، وفي مواجهة مختلف التحديات في كافة مجالات الحياة.
خاصةً وأن هناك الكثير من خبراء الغرب يصورون بأن هذه التقنية، ستكون معيار ميزان القوى العالمي، بعدما كانت الأسلحة النووية والقوة الاقتصادية والعسكرية هي المعيار. مؤكدين بأن السؤال المركزي في ثورة الذكاء الاصطناعي هو من الذي سيستفيد: من سيكون قادرًا على الوصول إلى هذه التكنولوجيا الجديدة القوية، ومن سيتخلف عن الركب؟
لذلك كما استطاع محور المقاومة تخطّي كل أشكال التحديّات، وتحقيق الإنجازات والانتصارات طوال العقود الماضية. فإن على دوله وقواه إطلاق ثورة علمية عملية، تعطي لهذا المجال حقّه من الاهتمام والأبحاث والتجارب.
منذ سنوات، خصّ قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي هذا المجال باهتمام لافت، وهو ما يظهر من خلال خطاباته، ومن خلال مسار عملي بدأت تظهر أولى تجلياته في مجال الصناعات العسكرية وخصوصاً الطائرات دون طيار.
وعليه فإن هنالك العديد من الخطابات للإمام الخامنئي، التي ركّز فيها على إيلاء الذكاء الاصطناعي أهمية كبيرة، لافتاً إلى وجوب العمل لكي تكون إيران في مصاف الدّول العشر الأولى حول العالم في هذا المجال.
فخلال لقائه مع النّخب وأصحاب المواهب المتفوّقة، في الـ 17 من تشرين الثاني 2021، دعا الإمام الخامنئي الى ارتقاء الجمهورية الإسلامية رتبة عالمية في هذا المجال قائلاً: “لقد دوّنت [مُلاحظة] عن الذكاء الاصطناعي في ذيل التوجّه المحوريّ المشكلة هذا، وقد تحدث عنه أحد الأصدقاء اليوم. أقترح أن يكون الذكاء الاصطناعي واحداً من القضايا التي يجري التركيز عليها والاهتمام بها والتعمّق فيها، إذ سيكون له دورٌ في التحكّم في مستقبل العالم. علينا أن نعمل بما يجعلنا على الأقلّ في عِداد الدّول العشر الأولى في العالم في قضيّة الذكاء الاصطناعي، فنحن لسنا كذلك اليوم. في الدول التي تعمل أساساً في مجال الذكاء الاصطناعي اليوم وتتصدر القائمة، باستثناء أمريكا والصين وما شابههما، هناك بعض الدول الآسيوية والأوروبية [لكن] نحن لسنا منها. يبدو أن الدول الآسيوية أكثر. ويبدو أن تعداد الدول الآسيوية أكثر في المراكز العشرة الأولى. يجب أن نعمل على نحو يجعلنا على الأقلّ في عِداد الدّول العشر الأولى في العالم في هذه القضيّة”.
ومنذ أيام في الـ 4 من حزيران / يونيو 2023، خلال الذكرى السنويّة الرابعة والثلاثين لرحيل الإمام الخميني (رض): “لا شكّ أنّه في عصر الذكاء الاصطناعيّ والكمّ والإنترنت وأمثال هذا التقدّم العلمي لا يمكن العمل بأساليب الأعوام الأربعين السابقة نفسها، [أي] عصر الهواتف وأجهزة تسجيل الصوت الفلانيّة، لا يُمكن العمل اليوم بتلك الأساليب نفسها. لا بدّ اليوم من أجل تحقيق التقدّم إلى هذا الهدف من اختيار الأدوات التي تتناسب مع الزمان، ولا شكّ في هذا. تتغير الأدوات لكن ما لا يتغير هو الجبهات”.
كما أشار الإمام الخامنئي خلال لقائه مع أعضاء “مجلس الشورى الإسلامي”، في الـ 24 من أيار / مايو من هذا العام، الى امكانية استخدام هذه التقنية في منع تناقض وتراكم القوانين التشريعية حيث قال: ” لا يجب تراكم القوانين… كذلك وصل إلى يدي تقرير مفاده أن القوانين تُنقَّح بالذكاء الاصطناعي، فلتُزالْ هذه التناقضات”.
تحدي الذكاء الإصطناعي بحاجة الى جهود الجميع
وبما أن الكثير من الخبراء يجمعون بأنه كلما كان نموذج الذكاء الاصطناعي أكبر – كلما زادت البيانات والكومبيوترات المعالجة التي يتضمنها – كان أداؤه أفضل وكلما كان قادرًا على محاكاة الذكاء أو تحقيقه، بصرف النظر عما إذا كان يولد مسودة لخطاب أو كتابة برامج الكمبيوتر أو تصميم أسلحة جديدة أو تعليم الرياضيات للأطفال، أو حل تحديات علمية عمرها عقود مثل طي البروتين، وتسريع الاكتشاف العلمي، وتسريع تطوير الأدوية ذات الجزيئات الصغيرة.
لذلك فمن أجل أن يستطيع محور المقاومة تحقيق ثورة في هذا مجال، فإن ذلك يتطلب من جميع أطرافه (خاصةً النخب العلمية)، توحيد جهودهم ضمن إطار معيّن، يتناسب مع كل قطاع من القطاعات: طبي، إقتصادي، عسكري، وإعلامي.
المصدر: صحف