الحوار أو المواجهة، التعاون أو الخلاف، هي الخيارات التي وضعتها الصين أمام وزير خارجية الولايات المتحدة انتوني بلينكين، خلال زيارته إلى العاصمة بكين والتي تختتم اليوم. الأجواء الصادرة عن الزيارة (هي الأولى من نوعها لوزير خارجية أميركي منذ تشرين الأول/أكتوبر 2018)، ليست ايجابية جداً، إذ أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حاسم حول نقاط الخلاف الأساسية: تايوان، العقوبات المفروضة على شركات صينية عملاقة في المجال الرقمي، حقوق الإنسان، التجارة، والمطالب الصينية في ما يتعلق ببحر الصين الجنوبي.
موقف بكين الحاسم من هذه الملفات، عكسه كبير مسؤولي الشؤون الخارجية الصيني وانغ يي لوزير الخارجية الأميركية، خلال اجتماع استمر نحو ثلاث ساعات اليوم الاثنين في قصر دياويوتاى للضيافة في بكين.
بلينكين للرئيس الصيني: لا ندعم استقلال تايوان… لا نسعى لتغيير نظامكم
اجتماع الساعات الثلاث تلاه اجتماع بين بلينكين والرئيس الصيني شي جين بينغ في اليوم الثاني والأخير من الزيارة التي قيل إنها تهدف إلى تحسين العلاقات المتوترة بين البلدين.
Chinese President #XiJinping met with visiting U.S. Secretary of State Antony Blinken in Beijing on Monday afternoon. pic.twitter.com/AMHEuKDC4A
— CGTN (@CGTNOfficial) June 19, 2023
وفي السياق، صرّح بلينكن، خلال لقائه الزعيم الصيني في قاعة الشعب الكبرى في بكين، أن “الولايات المتحدة الأمريكية لا تدعم استقلال تايوان، ولا تسعى لحرب باردة جديدة، أو لتغيير النظام في الصين”، على حد تعبيره.
وتابع بلينكن أن الولايات المتحدة تلتزم “بالعودة إلى جدول الأعمال الذي وضعه زعماء البلدين في قمة عام 2022 لمجموعة الدول العشرين في بالي”.
من جهته، الرئيس الصيني أعلن أن “الجانب الصيني أعلن موقفه، واتفق الجانبان على التنفيذ المشترك للإجماع الذي توصلت إليه أنا والرئيس الأمريكي جو بايدن في بالي (على هامش قمة مجموعة العشرين عام 2022). كما أحرز الطرفان تقدما وتوصلا إلى اتفاقيات في بعض القضايا المحددة، وتلك أمور جيدة للغاية”.
وأشارت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ من خلال تغريدة لها على موقع “تويتر”، إلى أن الرئيس شي جين بينغ صرّح بأن “التفاعل بين الدول يجب أن يقوم دوما على أساس الاحترام المتبادل والصدق”، آملا في أن “تسهم زيارة وزير الخارجية بلينكن مساهمة إيجابية في الاستقرار”.
وفي السياق، أفاد مسؤولون أميركيون أنّهم لا يتوقعون حصول تقدم كبير خلال زيارة بلينكن، باستثناء الإبقاء على قنوات التواصل لتجنب أيّ نزاع كبير.
وأعلن البلدان، أمس الأحد، أنّ وزير الخارجية الصيني وافق على زيارة واشنطن في وقتٍ لاحق.
لقاء الست ساعات
سقف التوقعات المنخفض من نتائج الزيارة، أكده اليوم الأول منها، والذي تخلله لقاء بين بلينكين ونظيره الصيني تشين غانغ، الذي أسف أمام نظيره الأميركي لكون العلاقات بين بكين وواشنطن “في أدنى مستوياتها منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1979″، على ما جاء في محضر الاجتماع الذي نشرته الدبلوماسية الصينية.
وأضاف أنّ “ذلك لا يتماشى مع المصالح الأساسية للشعبين، ولا يلبي التوقعات المشتركة للمجتمع الدولي”.
وشدد الوزير الصيني مجدّداً على موقف بلاده حول ملف تايوان وحيال ما تعتبره بكين تقارباً متواصلاً في السنوات الأخيرة بين واشنطن والسلطات التايوانية المنبثقة عن حزب مؤيد لانفصال هذه الجزيرة.
وقال غانغ على ما أفادت وزارته “مسألة تايوان هي في صلب مصالح الصين الجوهرية والمسألة الأهم في العلاقات الصينية الأميركية والخطر الأكبر”.
اللقاء لم يصدر عنه تصريحات حاسمة أو اتفاقات فعلية حول النقاط الخلافية. اكتفى المسؤولان بوصف محادثاتهما بـ “الصريحة والبناءة”، كما تمكّن بلينكن من التوصّل إلى اتفاق مع تشين على أن يزور هذا الأخير واشنطن لاستكمال المحادثات في وقت يناسب الطرفين”.
اليوم الأول
هذا وتم التوصل ايضاً، خلال اللقاء الذي جمع وزيري الخارجية الأميركي والصيني، إلى اتفاقات على أربع نقاط: الحفاظ على الاتصالات رفيعة المستوى، والنهوض بفريق العمل المشترك بين الصين والولايات المتحدة لمعالجة عدد من القضايا، وتعزيز تبادلات الأفراد بين البلدين، جنباً إلى جنب التبادلات التعليمية، بحسب صحيفة “غوبال تايمز” الصينية.
كما شدّد تشين مجدداً على أهمية مراعاة مخاوف الصين ومصالحها الأساسية، بما في ذلك قضية تايوان، التي تشكّل “القضية الأهم لبكين”. من جهته، كرّر بلينكين التنبيه إلى ضرورة أن يقلّل البلدان من احتمالية حصول أي “سوء فهم أو سوء تقدير”، وإلى “رغبة إدارة بايدن في استكشاف سبل التعاون حول القضايا المشتركة، حيثما أمكن ذلك”.
السباق التكنولوجي… وتمهيد الطريق إلى سان فرانسيسكو
وبالرغم من أنّه لم يتم الإعلان عن ذلك رسمياً من قبل الدولتين، يرى عدد من المراقبين أنّ السباق التكنولوجي هو “في صلب” هذه الزيارة. وفي هذا السياق، أشار تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إلى أنّ الصين، وعلى الرغم من أنّها عمدت لأشهر إلى تجميد اللقاءات الديبلوماسية مع واشنطن، فهي ترى في هذا اللقاء فرصة لتوجيه رسالة معينة إلى حلفاء الولايات المتّحدة في آسيا وأوروبا.
في وقت تكثف فيه بكين جهودها لمنع هذه الدول من الانخراط مع واشنطن في معاقبة الشركات الصينية. كما نقلت الصحيفة عن ديفيد دولار، من “معهد بروكينغز” والممثل السابق للبنك الدولي في بكين، قوله إنّ “الصينيين يتوقعون أن تكون هناك عقوبات تكنولوجية أميركية أخرى”، معتبراً أنّ استعداد الصين للقاء بلينكن، وإعادة فتح خطوط الاتصال يمكن أن “يعزز الإحجام الأوروبي عن الانخراط الكامل مع الولايات المتحدة في المنافسة التكنولوجية مع الصين”.
يأتي هذا بعدما سعت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى إقناع دول مثل هولندا واليابان وكوريا الجنوبية بالانضمام إلى الولايات المتحدة في الحد من الصادرات المتعلقة بالرقائق إلى الصين، تزامناً مع عملها على حشد دعم شركائها الأوروبيين والآسيويين لتقييد الاستثمارات في التقنيات الحساسة في الصين.
إلا أنّ هذه الدول لم ترضخ كلّها للطلبات الأميركية، مدفوعةً بالرغبة في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ما جعلها ترفض القيود المتزايدة على ممارسة الأعمال التجارية في الصين، وزاد مخاوفها من حصول مزيد من التدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وبحسب الصحيفة، فقد كانت هذه المخاوف بمثابة نافذة لبكين، لخلق مساحة بين تلك الدول والولايات المتّحدة.
بالإضافة إلى مسألة التكنولوجيا، قال مسؤولون صينيون إن أولوية بكين، هذا العام، تتمثل في تمهيد الطريق للرئيس شي جين بينغ لحضور القمة السنوية لقادة آسيا والمحيط الهادئ، والتي ستعقد في سان فرانسيسكو في تشرين الثاني، وقد تتضمن اجتماعاً منفصلاً مع الرئيس الأميركي.
المصدر: مواقع إخبارية