ما سنسرده ليس كل شيء عنهم. شهداء فجر التاسع من أيار/مايو، كما رفاقهم في كل فصائل المقاومة الفلسطينية وغيرهم على امتداد محور الرفض للاحتلال والظلم والتطبيع، مجهولون بذواتهم، لا يخرج إلى الضوء سوى نتاجهم، بعضٌ منه.
لا أحد ينسى يا طارق
لم يبتعد الشهيد طارق عزالدين يوماً عن بلدته عرابة في محافظة جنين، حيث ولد في 14 أيلول/سبتمبر عام 1974.
شاكس إرادة المحتل الذي قرر عقب تحرره من الأسر في صفقة “وفاء الأحرار” عام 2011، إبعاده جسدياً عن أرضه، اغتيال ذاكرته، علّه ينسى، علّه يستسلم. هي سياسة الاحتلال منذ عام 1948، الحبل الذي يلتف حوله لأن أحداً لم ينسَ رغم وحشية آلة القتل الماضية دون رادع، فكيف لوجود بني عليها أن لا يكون مؤقتاً؟
إلى غزة رُحّل المقاوم عزالدين، بدأ هناك فصلاً جديداً من ثورته التي انطلق بها باكراً في صفوف حركة الجهاد الإسلامي، حيث شارك في فعاليات انتفاضة الحجارة عام 1987، مؤسساً للخلايا العسكرية ومهندساً لاشتباكاتها، ليعتقل بعدها.
عام 2002 عاد نتاجه إلى الضوء، مساهماً في إدارة معركة مخيم جنين عام 2002، اعتقل على إثرها وحكم عليه بالسجن المؤبد “لدوره في توجيه عملية الخضيرة الاستشهادية 2001”.
خارج المعتقل “ذاكرة متجددة”، لا أحد ينسى، تتعاظم المقاومة، تأسر، تفاوض، وتخرج أسراها. كسر عزالدين “مؤبد” المحتل، بعد أن استغل فترة أسره لاستكمال دراسته الجامعية، فحصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية ولاحقاً شهادة الماجستير.
إلى غزة رحل طارق عزالدين، مقاوماً ممتلئاً بالتجربة. ربما سأل نفسه كثيراً، هل ظنوا حقاً أنني غادرت الضفة؟ وقد تحول السؤال إلى نكتة جميلة مع كل انجاز هناك هندسه من “منفاه”. في اللحظة الأخيرة، ربما سأل طارق نفسه: هل ظنوا حقاً أنني غادرت فلسطين؟ لا أحد ينسى أيها البطل، الذاكرة لا يقتلها الرصاص.
الروح التي تقاتل
في كانون الأول/ديسمبر 2020، رمى خليل صلاح البهتيني، بصاروخ أفشل اجتماعاً لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو. ربما أدرك العدو وقتها أن أنامل ابن حي التفاح في غزة، ضالعة في ما جرى، وفي الكثير الكثير ايضاً، وهذا ما يفسر محاولاته المتكررة لاغتياله، بعد اعتقاله في سن مبكرة. فما هذا الكثير الكثير؟
لم يبخل البهتيني على عدوه بشيء. هو “رجل الظل”، بحسب الاسرائيليين، الذي خطط للعديد من العمليات الميدانية وعمليات إطلاق الصواريخ.
استغل ذكاءه الوقاد لتطوير كل ما أمكن من أساليب القتال، فبرع في الشأنين الأمني والعسكري، وكذلك الفني والإعلامي ضمن حركة الجهاد الإسلامي، التي تولى فيها بحكم ذلك مسؤوليات عديدة ومتنوعة من مؤسس لجهاز أمن السرايا، إلى قائد للوحدة الدعوية، والإعلام الحربي، وأخيراً قائداً للمنطقة الشمالية في القطاع خلفاً لزميله في الجهاد القائد تيسير الجعبري (استشهد في آب/اغسطس الماضي خلال معركة “وحدة الساحات”).
عقب استشهاد الأسير خضر عدنان، أدار البهتيني المواجهة مع العدو. اغتيل جسده بعد أسبوع تقريباً. الأجساد يقتلها الرصاص، “لكن الروح هي من تقاتل”، قالها القائد العسكري لحزب الله في لبنان الشهيد عماد مغنية، وتلك لا يقتلها الرصاص.
“أبو محمد” الذي لم يهدأ
جهاد شاكر الغنام “أبو محمد”، ثلاثون عاماً وهم يبحثون عنك.
أبعدت عن فلسطين وعن رفح، خمس محاولات لاغتيالك، استشهد في احداها أغلب أفراد عائلتك المجاهدة، خسرت أجزاءً من جسدك، ولم تهدأ.
ألهمك الشهيد القائد فتحي الشقاقي الذي التقيته في الثمانينيات، فانتسبت إلى حركته المجاهدة ومضيت مجاهداً مبدعاً عابراً للحدود، من بيروت إلى السودان، حيث كنت حاضراً ومساهماً في زرع نواة المقاومة وصقل قدراتها.
عدت إلى فلسطين، لتتابع مسيرتك مدرباً للمقاومين، ومشرفاً على عمليات استشهادية آلمت العدو. دورك الأبرز كان في التخطيط والإشراف على إمداد المقاومة بالسلاح النوعي في قطاع غزة، هذا السلاح الذي شكّل ولا يزال هاجس عدوك الأكبر الذي مع كل عدوان يصيب أهدافه في الصميم ويؤكد فشله.
كل ذلك ولم تهدأ. كان لا بد من القول إن هدف العدو بمحاصرة المقاومة في غزة ومنع تمددها لم يتحقق. فكان عاما 2022 و2023 شاهدين على انجازك وانجاز رفاقك المتمثل بتجنيد خلايا عسكرية في الضفة المحتلة، أرهقت العدو وضربت منظومة ردعه ومنظومته الأمنية.
“أبو محمد”، قائد المنطقة الجنوبية للقطاع خلفاً لرفيقك خالد منصور، الذي لم يمض عامٌ على استشهاده، وأمين سر المجلس العسكري للسرايا، وجدوك في التاسع من أيار/مايو، فعلوا أقصى ما يمكن فعله، لكنك لن تهدأ.
المصدر: موقع المنار