“لقد تمّ إفشال المخطط الإيراني الذي سعى إلى نصب مئات الصواريخ في سوريا ومرابطة عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات فيها، وإنشاء تنظيم يشبه (حزب الله) في هضبة الجولان.. تم إجهاض المخطط الذي دبره قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، لكن هذا المخطط لم يختف بالكامل، ولدينا المزيد مما يجب فعله في هذا المضمار”.
تختصر هذه الكلمات من رئيس الأركان الإسرائيلي، أفيف كوخافي، أمام معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، في كانون الأول 2022، الهاجس الإسرائيلي من تأثير العلاقات السورية الإيرانية على الكيان المؤقّت. وقد حدّدت هذه العلاقات بتداعياتها على الكيان المؤقّت ملامح طبيعة المعركة التي انتهجها العدو الإسرائيلي، معركة ما بين الحروب، في سوريا نتيجة العجز عن خوض حرب شاملة غير محسومة النتائج بعد فشل الحرب الإرهابية على سوريا من إخراجها من معادلة الصراع ضد العدو الإسرائيلي.
الحرب السورية ثمن القضية الفلسطينية والعداء للكيان المؤقّت
منذ احتلال أرض فلسطين عام 1948، أعلنت سوريا موقفها المقاوم من الاحتلال الإسرائيلي، ودخلت في حروب 3 ضد الكيان المؤقّت: الحرب العربية الإسرائيلية 1948؛ حرب الأيام الستة 1967؛ وحرب تشرين 1973. كما دعمت لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي 1982. ويشكّل الجولان المحتلّ منذ حرب الأيام الستة عنوان الممانعة السورية والتفاوض لاسترجاع الأرض دون أي تسوية أو تنازل؛ فكان الموقف السوري الدائم هو المطالبة بانسحاب الكيان الإسرائيلي من هضبة الجولان قبل أي نوع من التفاوض أو مباحثات السلام.
هذا التاريخ المقاوم العريق لسوريا يعمل العدو الإسرائيلي على تشويه صورته ونموذجه من خلال الفصل في خيارات النظام السوري والوجود الإيراني في سوريا، وتحديدًا في الجولان؛ في إطار بروباغندا التوهين من دور سوريا القوي في الممانعة ورفض التطبيع مع الكيان، وتوليد الضغط على الدولة السورية بغية تفكيك علاقتها بالحليف الإيراني.
على الصعيد السياسي، تدرك أمريكا ومن خلفها الكيان المؤقت جيدًا صلابة الموقف السوري من الاحتلال الإسرائيلي؛ الموقف الذي كان يهدد مسار التطبيع في العالم العربي لما كانت تمثّله سوريا من موقع قوة في المحيط العربي؛ فكان تدمير سوريا وإضعافها ضرورة جوهرية لتمرير المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة. وعلى الصعيد العسكري، وبعد عقد من الحرب، بقيت سوريا في قلب الصراع العربي الصهيوني، كما كانت دائمًا، وصمدت في خندق الدفاع عن ظهر المقاومة.
وهكذا، أفشلت خيارات سوريا في الصمود والثبات والمقاومة أهداف المخطط الأمريكي- الصهيوني التي تدرّجت في خط تنازلي من القضاء على سوريا أو الإطاحة بالنظام أو تغيير سلوكه. وعلى الرغم من نتائج الحرب العسكرية المهولة على سوريا، وما تلاها من حرب اقتصادية عنوانها قانون قيصر، إلا أن القيادة السورية برئاسة الرئيس بشار الأسد حافظت على القضية الفلسطينية بوصلة في رسم السياسات الخارجية السورية، فجاء خطاب القسم الرئاسي في 17 تموز العام 2021 مؤكّدًا على تمحور الدولة السورية حول قضية فلسطين، وفي ذلك قوله: ”نخسر عندما نصدق أن النأي بالنفس هو سياسة وأنه يقينا من شظايا الاضطراب في محيطنا وعندما نعتقد أن القضايا المحيطة بنا منعزلة عن قضيتنا ونربح عندما نفهم في العمق أن أقرب تلك القضايا إلينا هي قضية فلسطين“.
تأثير العلاقة السورية الإيرانية على الكيان المؤقّت
يتمحور تأثير العلاقة السورية الإيرانية حول موقعية دور سوريا في الصراع العربي الصهيوني، وإجهاض هذه العلاقة للأهداف الأمريكية – الإسرائيلية الاستراتيجية من الحرب على سوريا وتأمين حماية أمن الكيان المؤقت. فالمعادلة السورية الإيرانية من التقارب تعني تصاعد التهديد على الكيان المؤقّت.
ولعل أبرز التاثيرات العلاقة بين طهران ودمشق، هو القضاء على أوهام الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بإخراج سوريا من معادلة الردع في صراع المحور ضد الكيان المؤقت، بفعل قوة وصلاة الموقف السوري، والتحالف الإستراتيجي مع الجمهورية الإسلامية. ويعمل محور المقاومة على تضييق هامش حرية الحركة الجوية الإسرائيلية في سوريا والمزيد من تآكل الردع الإسرائيلي، ويقابله نمو الردع السوري بما يخفض معه سقف الضربات وفق ردع مقبول التكلفة.
هذه العلاقة الإستراتيجية، تدفع بصناع القرار في الكيان، إلى التخبط بطريقة غير مسبوقة مع تصاعد عملية بناء الردع السوري وتعزيز وحدة محور المقاومة وإظهار الاستعداد في خوض معركة مع العدو بما يعيد خلط أوراق الحسابات لدى الكيان المؤقت سياسيًّا وأمنيًّا وصولاً لتآكل الردع بشكل كبير.
وبمقابل تآكل قوة الدرع الصهيونية، تنمو معادلة الأمن المشترك لمحور المقاومة، مع عدم السماح للعدو بتحييد الساحات مع الدور السوري القوي في تعديل موازين المعركة بين الحروب بالنسبة لكل المحور، ورفع نسبة تهديد الحرب الشاملة، بالإضافة إلى تقويض عملية استثمار الكيان المؤقت لأزمات الجنوب السوري ومخرجات العلاقة مع دروز الجولان، وكبح مطامع العدو في الجنوب السوري.
وأفشل تطور العلاقات الإيرانية السورية، حملة ما سمي “المعارك ما بين الحروب” التي انتهجها الكيان المؤقت على مدى العقد الماضي في محاولة لتحقيق أهدافه دون كلفة مرتفعة والدخول في حرب، في حين ترتفع نسبة التهديدات على الأمن القومي الإسرائيلي، وتحديدًا من الجنوب السوري واحتمال تغيير خارطة الجولان المحتل لغير صالح العدو الإسرائيلي.
ورغم سنين الأزمة، تستعيد سوريا تدريجياً بناء منظومتها الدفاعية وقدراتها الجوية والصاروخية، وتأسيس معادلة ردع جديدة وتغيير معادلة الاشتباك في سوريا، وصولًا إلى الحرب التي يحاول الإسرائيلي تجنبها طوال العشر سنوات الماضية، في الوقت الذي شكل عودة العلاقات السورية مع الفصائل الفلسطينية، ضربة للكيان، لجهة تداعياتها على اختراق مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي من جهة، وزيادة الهواجس الإسرائيلية والقلق الأمني والعسكري، من جهة أخرى.
المصدر: موقع المنار