لم يتبق سوى ساعات قليلة، على بدء معركة (بركان الحرية أو الشهادة) التي سيخوضها نحو 2000 أسير، اعتباراً من غد الخميس، الأول من شهر رمضان المبارك. وهذه المعركة ليست الأولى، فقد نفّذ الأسرى على مدار السنوات الماضية أكثر من 20 إضرابًا جماعيًا شملت السجون والمعتقلات “الإسرائيلية” كافة، تمكّن من خلالها الأسرى والأسيرات من انتزاع حقوق أساسية غيرت ظروف حياتهم وفرضت واقعًا يحفظ لهم مكانتهم.
ويلجأ الأسرى إلى خطوة الإضراب عن الطعام، تاريخيًا، بعد نفاذ جميع الخطوات النضالية الأخرى، وعدم الاستجابة لمطالبهم من قبل سلطات الاحتلال.
ففي الثامن عشر من فبراير عام 1969، أضرب الأسرى في سجن الرملة عن الطعام 11 يومًا للمطالبة بتحسين وزيادة كمية الطعام وإدخال القرطاسية ورفض مناداة السجان بكلمة (حاضر سيدي) ورفض منع التجمع لأكثر من أسيرين في الساحة وكذلك زيادة وقت الفورة. كما وأضربت الأسيرات 9 أيام بعد أن تعرضن للضرب والإهانة والتي تمثلت بالعزل في زنازين انفرادية بسجن “ترستا” بتاريخ 28/4/1970. وللمطالبة بتحسين شروط الحياة داخل السجن، أضرب الأسرى لمدة (45يومًا) بتاريخ 11/12/1976، وفيه سمحت إدارة السجن بإدخال القرطاسية وتسلم الأسرى لمكتبة السجن كمراسلة الأهل، وتحسين نوعية وكمية الطعام واستبدال فرشات الأسرى “لجومي “المهترئة. وفي سجن عسقلان أضرب الأسرى لمدة (20 يومًا) بعد تنصل إدارة السجون عن بعض الوعود التي قطعتها للأسرى بتاريخ 24/2/1977.
ولمدة (32 يومًا) أضرب الأسرى عن الطعام في سجن نفحة بتاريخ 14/7/1980، رفضًا لقرارات الاحتلال والتي استهدفت الكادر التنظيمي للحركة الأسيرة، التي تمكنت من بناء نفسها والنهوض بواقع الأسرى. يشار إلى أن الأسرى أضربوا بذلك الوقت بسبب الطعام الفاسد الذي يقدم لهم بالإضافة إلى حرمانهم من أدوات القرطاسية، والمعاملة السيئة. وعام 1984 أضرب الأسرى لمدة (13 عامًا) بعد افتتاح سجن جنيد وإخلاء سجن بئر السبع من الأسرى الفلسطينيين، وقد اعتبر هذا الإضراب نقطة تحول إستراتيجية في تاريخ الحركة الأسيرة. وبعد منع الأسرى عام 1987 من تلقي ملابس من أهاليهم ومنع الأسرى من زيارات الغرف وتقليص مدة الفورات وكميات الطعام، شرع نحو أكثر من 3000 أسير بالإضراب عن الطعام لمدة (20 يومًا)، رفضًا لهذه القرارات، التي أقرها الجنرال “الإسرائيلي” دافيد ميمون بذلك الوقت. ورغم عدم الحصول على نتائج من هذا الإضراب إلا أنه ساهم باندلاع الانتفاضة الأولى. وفي تاريخ 23/1/1988 خاض الأسرى إضرابا تزامنًا مع إضرابات موحدة للفلسطينيين بالانتفاضة التي اشتعلت في كانون الأول (ديسمبر) 1987عام.
وفي التسعينيات شهدت السجون ثلاثة إضرابات للأسرى في سجن (نفحة، وعسقلان، وجنيد وبئر السبع) في ظروف اشتدت فيها الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال، حيث شارك في عام 1992 نحو سبعة آلاف أسير لمواجهة هجمة إدارة السجون الشرسة على الأسرى. أما عام 1996 فقد خاض الأسرى إضراباً عن الطعام استمر 18 يومًا، إذ لم يتناولوا غير الماء والملح، وتوقف الإضراب بناءً على وعود من مديرية السجون بتحسين الشروط الحياتية وعلى رأسها إعطاء كل واحد من الأسرى فرشة إسفنج، ولكن كالعادة تنصلت من وعودها. ورفضًا لسياسة العزل والشروط المهينة لزيارات الأهالي، أضرب الأسرى لمدة شهر في الخامس من يناير عام 2000، وقد انتفضت الجماهير الفلسطينية تضامناً مع أسرانا واستشهد ثمانية من الفلسطينيين في أيام متقاربة خلال الإضراب، بمناطق قلقيلية ونابلس ورام الله والخليل، وقد أضرب العشرات من الأسرى المحررين عن الطعام في خيمة التضامن التي نصبت قرب جامعة الأزهر بغزة.
يشار إلى أن هذا الإضراب جاء بعد عزل ثمانين من الأسرى في سجن(هداريم) قسم 3، وقد افتتح هذا السجن في ظروف صعبة للغاية. وفي عام 2012 بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، كان موعد الإعلان عن معركة الأمعاء الخاوية، حيث بدأ الإضراب بمشاركة تدريجية للأسرى وصل بعد أيام من بدء الإضراب ما يزيد عن 1500 أسير. وقامت إدارة السجون بعمليات قمع ونقل وعزل الأسرى من أجل إجهاض خطواتهم لكن الأسرى واصلوا الصمود حتى تحققت مطالبهم وقد استمر الإضراب لمدة 28 يوم. وعام 2017 كان إضرابات ما أطلق عليها الأسرى معركة (الحرية والكرامة) التي خاضها حوالي 1500 أسير في سجون الاحتلال لاستعادة العديد من حقوقهم التي سلبتها إدارة السجون، ثم تلتها معركة الحرية 2. وأضرب نحو 40 أسيرا من الأسرى الإداريين في 25 أيلول 2022 رفضًا لاستمرار اعتقالهم الإداري، ومنذ بداية العام 2022 أصدرت سلطات الاحتلال نحو (1365) أمر اعتقال إداريّ، وكانت أعلى نسبة في أوامر الاعتقال الإداريّ قد صدرت في شهر آب 2022، وبلغت 272 أمرًا. العصيان يشار إلى أن الأسرى في سجون الاحتلال يواصلون “العصيان” لليوم الـ 37 على التوالي، حيث بدأ بعض أعضاء لجنة الطوارئ العليا للحركة الأسيرة أمس الإضراب عن الطعام، ومنهم: عمار مرضي، وسلامة قطاوي، ومحمد الطوس، ونائل أبو العسل، وأشرف زغير، وزيد بسيسو، وزكريا زبيدي، ووجدي جودة، على أن يتبعهم باقي الأسرى يوم غد الخميس. وفي أولى خطوات إدارة سجون الاحتلال التنكيلية بحق الأسرى المضربين، فقد عزلت الأسيرين مرضي وقطاوي، ونقلت عميد الأسرى محمد الطوس (ابو شادي)، ووليد حناتشة من سجن (ريمون) إلى جهة غير معلومة. وإضافة إلى من تم عزلهم من الأسرى المضربين، ونقلهم صباح اليوم، جرى نقل ثلاثة أعضاء من لجنة الطوارئ العليا، إلى جهة غير معلومة، وهم: زيد بسيسي، ممثل الجهاد الإسلامي من سجن (جلبوع)، وباسم خندقجي ممثل حزب الشعب من سجن (نفحة)، ووجدي جودة ممثل الجبهة الديمقراطية، من سجن (النقب) .
وشرع الأسرى منذ الـ 14 من شباط/ فبراير الماضي، بخطوات نضالية، بعد إعلان إدارة السجون وتحديدا في (نفحة)، البدء بتنفيذ الإجراءات التنكيلية التي أوصى بها المتطرف “بن غفير”. والإجراءات التنكيلية التي فرضتها إدارة سجون الاحتلال على الأسرى، تتمثل: بالتحكم في كمية المياه التي يستخدمونها، وتقليص مدة الاستحمام بحيث يُسمح للأسرى الاستحمام في ساعة محددة، كما تم وضع أقفال على الحمامات المخصصة للاستحمام في الأقسام الجديدة في سجن (نفحة). ومن ضمن الإجراءات أيضا، تزويد الأسرى بخبز رديء، وفي بعض السجون زودتهم الإدارة بالمجمد، وضاعفت من عمليات الاقتحام والتفتيش بحقهم مستخدمة القنابل الصوتية، والكلاب البوليسية خلال عمليات القمع والاقتحامات. ومن بينها أيضا، المصادقة بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون حرمان الأسرى من العلاج، وبعض العمليات الجراحية، ومصادقة اللجنة الوزارية التشريعية في حكومة الاحتلال على مشروع قانون يقضي بإعدام الأسرى الذين نفذوا عمليات مقاومة ضد الاحتلال.
كما فرضت إدارة السجون إجراءات تنكيلية أخرى منها مضاعفة عمليات العزل الانفرادي بحقّ الأسرى، وسحب التلفزيونات من أقسام الموقوفين الذين يقبعون في أقسام ما تسمى (المعبار)، والتصعيد من عمليات نقل قيادات الحركة الأسيرة، وأسرى المؤبدات بشكل خاص، وتهديد بعض السجون المركزية بإغلاق المرافق العامة يومي الجمعة والسبت كما جرى في سجن (النقب). ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال حتى نهاية كانون الثاني الماضي 4780 أسيرا، منهم 29 أسيرة، و160 طفلا.
المصدر: وكالة شهاب