الإمام الخامنئي: الجيش اليوم رمزُ الاستقلال والصلابة..الجيش اليوم عزيزٌ، وهو عزيزٌ عند الناس – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

الإمام الخامنئي: الجيش اليوم رمزُ الاستقلال والصلابة..الجيش اليوم عزيزٌ، وهو عزيزٌ عند الناس

النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 8/2/2023 في لقاء مع جمع من قادة وضبّاط القوّات الجويّة وقوّات الدفاع الجوّي في الجيش
بسم الله الرحمن الرحيم،

الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وآله الطاهرين.

أهلا وسهلاً بكم. إنّ هذا الاجتماع في التاسع عشر من بهمن (الثامن من شباط/فبراير) من كلّ عام هو من أجمل لقاءاتنا. لا بدّ أنّه من دواعي سروركم استذكار تلك الحادثة التاريخية المهمة، وتسرني أكثر – أنا العبدَ – إذ رأيت تلك الحادثة من كثب وتابعت مسار حركة القوة الجوية والجيش حتى اليوم. دمتم موفقين ومؤيدين، إن شاء الله.

هذه التقارير[1] التي قدموها تقارير قيّمة للغاية. كل واحد منها له قيمة، قيمة عملياتية، وكذلك قيمة السمعة. تمنح مثل هذه الأعمال السمعة للجيش ولكل نظام الجمهورية الإسلاميّة. لم تكن هذه الأشياء قبل، فشبابنا مَن بدأها، أي أنتم في القوة [الجوية] والجيش. أتوجّه إليكم بالشكر أيضاً على هذا النشيد الذي أعددتموه. كان شعره جيّداً للغاية، وكذلك اللحن والأداء.

سأتحدّث اليوم ببضع جُمل عن «التاسع عشر من بهمن» والجيش. أود أيضاً أن أتطرّق ببضع جُمل إلى القضايا العامة للثورة، يا أعزائي الحاضرين هنا.

تحدثنا كثيراً عن «التاسع عشر من بهمن». كل عام قدمت تحليلاً وتفسيراً لهذه الحادثة المهمّة والعظيمة إلى الحضور الكريم. ما أريد قوله هذا العام هو أنّ هذه الحادثة كانت مقدمة مؤثرة لانتصار النهضة والتجلي العملي والحقيقي للثورة. لم تكن هذه الحادثة حصراً أن جاء مثلاً مجموعة شباب من القوات الجوية لإلقاء التحية على قائد الثورة المهمة في ذلك اليوم. لا، كانت حركة مؤثرة في انتصار الثورة نفسها. لماذا؟ لأنها أطلقت الأمواج. هذه الحركة أطلقت الأمواج. والسبب في أنها فعلت ذلك هو انعكاسها السريع. فبعد ساعتين إلى ثلاث، أو ثلاث إلى أربع، من وقوع هذه الحادثة، نشرت صحيفةٌ[2] عصر ذلك اليوم في طهران صورة الحادثة، وفجأة تغيرت الأوضاع بمقادير كبيرة، ولا أقول إنها تغيّرت مئة وثمانين درجة لكنها تغيّرت كثيراً. من ناحية، اكتسب الناس روحية وشعروا أن الجيش ليس ضدهم، لأن الأداة الوحيدة للنظام البهلوي الحقير والظالم كانت هذا القمع للشعب بمساعدة الجيش. رأى الناس أنْ كلا؛ الجيش في صفّهم، في صف الشعب، في صف الثورة، فاكتسبوا روحية. في الطرف المقابل، انهزمت المعنويات. عندما شاهد قادة الجيش والقوات المسلحة وداعميهم، أي أشخاص مثل الجنرال الأمريكي هايزر[3] وأمثالهم، عندما شاهدوا هذه القضية وأنّهم تلقوا الضربة من حيث لم يحتسبوا، انهزمت معنوياتهم.

إن اكتساب الثوريين هذه الروحية، وشعور المعادين للثورة بالهزيمة الروحية والمعنوية، كان لهما تأثير مهمّ للغاية. ولهذا، في تلك الليلة نفسها، والليلة التالية عندما اندلعت تلك الاشتباكات العنيفة بين القوات الجوية والحرس الملكي في الشارع، توجّه الناس نحو هذا الحادث وساعدوا القوات الجوية دون تردد، أي وُضع الخوف وأمثال ذلك جانباً. هذه قضية مهمة، وهو أمر عجيب للغاية.

الشيء المثير للاهتمام هنا أن «التاسع عشر من بهمن» خلال السنوات الماضية – في هذه العقود القليلة حتى يومنا – جاءت على هذا النحو أيضاً، فهي دائماً طليعة الثاني والعشرين من بهمن (11 شباط/فبراير)، أي عندما تجتمعون في مثل هذا اليوم وتنتشر الأخبار، يحفّز هذا الناس عبر تذكيرهم بذاك اليوم. الثاني والعشرون من بهمن هو يوم عظمة الشعب الإيراني، ويوم إظهار عزّة هذا الشعب. في كل عام من هذه الأعوام الأربعين ونيّف يُظهر الثاني والعشرين من بهمن عظمة الشعب الإيراني. كان الأمر على هذا النحو خلال هذه السنوات، أي لا يزال التاسع عشر من بهمن المطلع والباكورة المؤثرة في الثاني والعشرين منه، فالناس يتذكّرون هذا اليوم المجيد من ذلك العام، الأمر الذي يزيد حماستهم.

حسناً، عادة ما تحمل الأحداث حقائق ما. يجب النظر إلى الأحداث بهذه الطريقة، الأحداث المختلفة الطبيعية منها أو البشرية. إن كل حادثة تقع تحمل رسالة وتكشف حقيقة لنا. هذا الحادثة على هذا النحو. «التاسع عشر من بهمن» تكشف حقائق أيضاً. أهمها أنها أظهرت تركيبة الجيش الجديد وحقيقته وقوامه، الذي كان من المفترض أن يتشكل في النظام الجديد. أظهرت «التاسع عشر من بهمن» لجميع الناظرين أيّ موجودٍ هو جيش المستقبل، جيش الثورة، جيش النظام الجديد، وأي ماهيّة لديه، وما تركيبه. ظهر ذلك في هذا اليوم.

أظهرت أن الجيش الجديد جيش شعبي بالدرجة الأولى. كان [جيشاً] شعبياً. لقد حضروا إلى المكان نفسه حيث يذهب الآلاف من الناس كل يوم ليبايعوا الإمام [الخميني]. هؤلاء أيضاً ذهبوا إلى هناك وبايعوا الإمام. [جيش] شعبي وثوري وقف أمام قائد الثورة وأدّى التحيّة وأظهر الطاعة. [جيش] مؤمن، فقد كانت علامات الإيمان بالروحانية وبالإسلام واضحة تماماً في ذلك الحشد. أظهر هذا أن جيش المستقبل سيكون مؤمناً.

[أظهر] أنّه جيش منظّم – انظروا في تلك الصورة: هناك نظم تام – ويتحمّل المَخاطر. لم يكن معلوماً بعد في ذلك اليوم إلى أين يصل مصير الثورة. لم يكن شيء معلوماً. تعود قضية قرار [القيادات] العسكرية في الحضور العسكري ذاك وأمثاله إلى تلك الأيام. كانوا حاضرين دائماً. آنذاك كانت «الحكومة العسكرية» هي التي تحكم، أي لم يكن من الواضح إلى ما ستؤول النتيجة، فقد كان من الممكن أن تستمر القضايا شهراً أو اثنين. في تلك الحالة، سينتقمون منهم شرّ انتقام. لم يكونوا يعرفون ما الذي سيحدث [لكنهم] تحمّلوا المخاطر وأظهروا الشجاعة وجاؤوا. هذا أظهر أن جيش المستقبل يتحمّل المخاطر. وللحقّ والإنصاف، تحمّل الجيش المخاطر على مر هذه السنين. لقد أظهر هؤلاء أن الجيش قبضة محكمة ضد المعتدي. بالطبع، المعتدون في ذلك اليوم هم عملاء أمريكا والنظام البهلوي، وقد ظهر معتدون آخرون بعد، والجيش تصدّى لهم جميعاً.

حسناً، تخيلوا الآن صورة ذلك اليوم في بالكم – أنتم جزء منها، وأنا كذلك – فقد رأى الجميع تلك الصورة التي نشرتها الصحف منذ ذلك اليوم وخلال هذه السنوات المتمادية. [كان] الإمام جالساً هناك، كان مظهر القدرة والعزّة والإيمان الراسخ. كان هذا جليّاً تماماً، فقد كان الإمام هناك كالجبل وقمة دماوند[4]. إن هذا الشخص العظيم والعزيز والمقتدر نفسه ينظر إلى هؤلاء الشباب المنتمين إلى جيش العهد الملكي بنظرة عطوفة وأبوية. كانوا لا يزالون جزءاً من الجيش البهلوي في ذلك اليوم [لكن] نظرة الإمام إلى هؤلاء الشباب هي نظرة أبوية مصحوبة بمودة وثقة تامّة. في ذلك اليوم، لم يتخيل أحد أنه قد يكون هناك شخص واحد في هذه المجموعة لديه سوء نيّة. لا، نظر إليهم الإمام بثقة واطمئنان تام وتفقّدهم على نحو ما وتحدث معهم. حسناً، صار هذا نموذجاً للجيش الجديد، أي اتضح أن الجيش الجديد سوف يتأسس على هذا النحو.

هذا المعنى انعكس في أذهان جميع الناظرين بأن الوضع سيكون على هذا النحو في المستقبل. فبالعزم والقرار وتحمّل المخاطر والإيمان والارتباط بقطب القدرة والعزّة هذا، سوف يتشكّل الجيش، وهذا ما حدث. كان من المفترض أن يقف الجيش إلى جانب الشعب، فوقف كذلك وظلّ ثورياً.

من الأشياء المهمة التي أركّز عليها دائماً: البقاء ثورياً. ثمة من هم ثوريّون لكنهم لا يبقون كذلك. يصيرون ثوريين ثم لا يبقون. الجيش بقي ثورياً. أودّ أن أقول لكم: كنت في الجيش منذ اليوم الأول للثورة. منذ الأيام الأولى للثورة تقريباً، كنت في الجيش وأتردّد إلى قطعات مختلفة منه وعلى ارتباط مع الجميع. جيشنا اليوم – جيش الجمهورية الإسلامية – أكثر ثورية بأضعاف من تلك الأيام الأولى، وأكثر إيماناً من أيام الحماسة [تلك]، وأكثر عقيدةً وجهوزيةً. كلّما مرّ الزمن، غدا الجيش أكثر نقاءً. لقد وضعوا أراوحهم على أكفّهم في ذلك اليوم. أولئك الشباب الذين جاؤوا إلى الإمام في المدرسة العلوية وألقوا التحيّة وضعوا أرواحهم على أكفّهم، وبعد ذلك أيضاً وضع الجيش روحه على كفّه. في قضيّة المؤامرة لتفكيك البلاد – تعلمون مؤامرة الانفصال غربي البلاد، وشرقيها وشماليها – حضر الجيش وتحمّل كثيراً من العناء وقدّم كثيراً من التضحيات، لكنه صمد.

الأمر كذلك في قضيّة «الدفاع المقدس». لديّ قضايا وكلام [كثير] حول الجيش خلال «الدفاع المقدس». في ذلك الحين، كنت آتي وأخبر الناس في صلاة الجمعة عن بعض الأشياء التي رأيتها من قرب. وقف الجيش، وقف إلى جانب الشعب ببسالة وتضحية. حيثما كان الأمر ضرورياً، أدّى الجيش دوراً مهماً. الأمر كذلك بعد «الدفاع المقدس». كلما كان ذلك ضرورياً، وحيثما كان كذلك، أدّى الجيش دوراً مهماً.

حسناً، أود أن أضيف هذا هنا: [في ضوء] التحول الذي حدث في الجيش، تكون مقارنة جيش اليوم، جيش الجمهورية الإسلامية، بجيش العهد البهلوي، من المعرّفات حقيقةَ ثورتنا وهويتها. قارنوا هذا الجيش بذاك الجيش، فمعايير المقارنة متاحة بالكامل أمام الجميع ولا شيء مخفي أيضاً. تُظهر هذه المقارنة ما الذي فعلته الثورة، وما يمكن لها أن تفعله، وما الإكسير العظيم للثورة الذي يمكنه أن يدفع بالهوية نحو مقامات سامية على هذا النحو.

إن جيش ما قبل الثورة، جيش العهد البهلوي، كان ذا صخب. ربما يتذكر الآن بعضكم ذلك، لكن معظمكم لا يتذكرون. لم تروا تلك الأيام التي كان فيها الجيش شيئاً طنّاناً ومبالغاً فيه وكثير الادّعاء. لكن هذا الجيش الكثير الادعاء لم يستطع المقاومة سوى بضع ساعات في قضية شهريور 1320 (آب/أغسطس 1941)[5] عندما غُزيت البلاد، بل تلاشى تماماً رغم ذاك الصخب كله، رغم أنه قبل ذلك كان هناك عسكري على رأس الجيش – طبعاً، كان رضا خان منتسباً إلى الجيش، أي كان عسكرياً – يعمل عليه قدر استطاعته ويسعى ويمارس السلطة. لم يستطع هذا الجيش نفسه الذي كان تحت قيادة رضا خان المقاومة سوى بضع ساعات في آب/أغسطس 1941، وتلك المقاومة أداها أشخاص من تلقاء أنفسهم. يُذكر أنه في تلك الساعات القليلة جرت مقاومة في الأجزاء الغربية من البلاد وكرمانشاه، هناك. كان القائد هناك قائداً جيداً ومتفانياً، فضحّوا بأنفسهم وتمكنوا من الصمود ساعتين أو ثلاثاً لكنهم استشهدوا. كان لدينا بضع حالات من هذا القبيل لكن ليس أكثر. تفكك الجيش بالكامل. لم يستطع ذاك الجيش الكثير الادعاء وبذلك الجبروت المقاومة.

في ما بعد، في عهد محمد رضا [البهلوي]، مدّوا يدهم مرة أخرى إلى بنية الجيش من أجل بنائه وتقويته. لقد بنوا جيشاً انقلب في 28 مرداد 1332 (19/8/1953)[6] مع الجواسيس الأمريكيين والبريطانيين على الحكومة والشعب وقمعه. كان جيش ذلك اليوم كذلك: جيش بلا هوية، جيش مغلوبٌ أمام هيمنة الأجانب. وهل كان لجنرالٍ ذلك اليوم في الجيش الجرأة على التحدث أمام ملازم أمريكي؟ هؤلاء الإخوة الذين كانوا في أوائل الثورة الإسلاميّة ضباطاً برتبة رائد وعقيد خلال عهد بهلوي – كالمرحوم ظهير نجاد والمرحوم سليمي وأمثال هؤلاء وكانوا متديّنين وصاروا أصدقاء لنا – كانوا ينقلون ما يحدث من كيفيّة تعامل الأمريكيّين مع كبار الضبّاط والجنرالات في إيران، فقد كانوا يعاملونهم معاملة مهينة. هكذا كانت الحال.

كانوا يشترون الطائرات المقاتلة من أمريكا بمبالغ باهظة، ولم يكن يحقّ لضابط الاختصاص في القوات الجويّة أو ضابط القوّة الجويّة يومذاك الذي كان متخصّصاً في العمل الفني أن يفتح كثيراً من قطع الطائرة وينظر فيها ويتعرّف إليها. لم يكن لديهم هذا الحق لكي لا يُكتشف ما الذي يجري هنا. دفعوا المال واشتروها، وهي ملكٌ لهم وللشعب، لكنّ هذا الضابط لم يكن يملك حق [النظر فيها]. كان لا بدّ أن يضعوا القطعة – قلت هذا مراراً – في طائرة ويرسلوها إلى أمريكا، وبعد ذلك يفعلون ما يحلو لهم، ويأتون بقطعة بديلة ثم يتقاضون مقابلها أموالاً طائلة دون حسيب. كذلك كانت هيمنتهم. هكذا كان الجيش في ذلك اليوم: مذلول ومغلوب ورازخ تحت نير الأجانب.

حسناً، لننظر إلى الجيش اليوم. الجيش اليوم رمزُ الاستقلال والصلابة. الجيش اليوم عزيزٌ، وهو عزيزٌ عند الناس وأيضاً لدى المسؤولين، وهو محطّ ثقة الناس وكذلك المسؤولين. لم يكن الأمر كذلك في ذاك اليوم. كانوا في ذاك اليوم ينظرون حتى إلى المسؤولين الذين أوصلوهم بأنفسهم إلى المناصب العالية بسوء ظن أيضاً. في ذلك اليوم، لم يكن يكترث الجيش للناس لكنّ الجيش اليوم مع الناس وإلى جانبهم وجزء منهم أيضاً. يرى المرء الجيش حاضراً في الأحداث كلها التي يحضر فيها الناس.

الجيش اليوم، بدلاً من فقدانه الحق في النظر ولمس قطع الطائرة المقاتلة التي اشتروها من الأمريكيين بأموال طائلة يصنع تلك الطائرة بنفسه، ويعرف كيف يصنعها. يعمل الجيش اليوم في صناعة القطع وإنجاز أعمال عظيمة ومذهلة، مثل ما عرضوه أمس في التلفاز[7] – كان اللواء السيّد موسوي[8] وآخرون حاضرين هناك – وهو مصدر سعادة وشعور بالعزة لدى الناس. الأعمال التي ينجزها الجيش اليوم هي على هذا النحو. إن وضع الجيش اليوم: جيش بنّاء ومبدع وذو ابتكار. يُنجز مثل هذه الأعمال العظيمة وسط أجواء الحظر وهو أمر مهمّ جدّاً، إذْ لا يسمحون بخروج الأموال ولا دخول البضائع. الجيش والحرس وقواتنا المسلّحة [عامة] جميعهم يُنجزون أعمالاً عظيمة. الجيش اليوم هو مظهر هذه الأشياء. ما ينجزه شبابنا اليوم يبعث على ذهول الناظرين. اليوم، يجلس شباب الجيش ويخططون لأعمال عظيمة في التجهيزات أو التنظيم.

طبعاً، هذا له نتيجة معنوية أيضاً أكبر مما سبق كله، فعندما تعملون وتسعون وتصمدون وتثبتون، فكل واحدة مما سبق قيمة، ولكن عندما تجتمع هذه القيم معاً، تصير: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف، 4)؛ تصيرون محبوبين عند الله. أن أصير محبوباً عند الله أسمى من هذه الأشياء كلّها التي ذكرتها. استطعتم، أي استطاع الجيش أن ينجز مثل هذه الحركات العظيمة.

طبعاً، كل من الشعب والمسؤولون يقدّرون الجيش. وأنتم أيضاً اعرفوا قدر مؤسستكم. ينبغي للعسكريين في الجيش أن يعرفوا قدر مؤسستهم. لديكم نقاط قوة جيدة. اعملوا على زيادة هذه النقاط. ثمة نقاط ضعف كذلك. يوجد نقاط ضعف أيضاً. تعرّفوا إلى نقاط الضعف وقلّصوها وقللوها، وزيدوا نقاط القوة. بهذا، يكون تقدير مؤسسة الجيش. اشعروا بالفخر. افخروا بأنكم جزء من جيش جمهورية إيران الإسلامية. إنه مفخرة حقاً. رحم الله الشهيد قرني، فقد فتحَ تواصلاً معنا قبل الثورة، في تلك الأواخر. عندما حدثت الثورة واستلمَ مسؤوليةً – كنت أيضاً عضواً في اللجنة الثورية وكنا نرى بعضنا بعضاً – أخبرته أنني مستعد للانضمام إلى الجيش – كنا شباباً في ذلك الوقت – وقلت إنني مستعد للانضمام إليه ولا أريد رتبةً. نجمة واحدة فقط لا أكثر! قال: تعالَ وسأعطيك رتبة عقيد التي كانت في الواقع أعلى رتبة في ذلك الوقت. هذا يعني أن المرء يفخر بأن يكون جزءاً في مثل هذا الجيش، وجزءاً من مثل هذه المؤسسة العسكرية. حسناً، هذا كان حديثنا عن الجيش و«19 بهمن».

سأتحدث بكلمة قصيرة عن الثورة الإسلامية. حسناً، حلّ 22 بهمن، أي في غضون يومين أو ثلاثة سيأتي 22 بهمن. 22 بهمن هو ذروة قمة الحركة ومفخرة الشعب الإيراني. إن 22 بهمن لهذا العام، كما أيام 22 بهمن لسائر الأعوام، هو ذكرى أكثر الأيام مجداً في تاريخ الشعب الإيراني. فلا يوجد في تاريخنا الطويل – طبعاً، إلى حد ما نعلمه ونعرفه – أيّ يوم باعث على الفخر للشعب الإيراني أكثر من 22 بهمن. بالطبع، كان لدينا أيام تبعث على الفخر [لكن] ليس فيها ما هو من نوع 22 بهمن وبعظمته قد تمكّن الشعب الإيراني فيه من تحقيق عزته بهذا القدر عبر قوته وقدرته وعزمه الراسخ. جميع أيام 22 بهمن للسنوات اللاحقة ستذكّر بذاك اليوم.

أُبقيَ 22 بهمن حياً ويجب أن يبقى كذلك. الثورة تكون حية حين تبقى حلّتها وهيأتها حيةً. الثورة الحية هي تلك التي تستطيع معرفة احتياجاتها في أي مرحلةٍ، والمخاطر التي تواجهها، وتجد طريقاً لتلبية تلك الاحتياجات، ولتحييد تلك المخاطر. مثل هذه الثورة ستبقى حية. ترون أن الثورات الكبيرة في التاريخ لم تبقَ حية، مثل الثورة الفرنسية الكبيرة، و«ثورة أكتوبر» في روسيا السوفييتية. لم تبقيا حيتين بل زالتا وتحولتا إلى ديكتاتوريات مريرة وقاسية وعجيبة وغريبة، أو عادت كما الفترات السابقة – مثلاً بعد حدوث الثورة في فرنسا وكلّ تلك الأحداث والقتلى والعناء، جاء نابليون إلى السلطة فكان ملكاً وإمبراطوراً. طبعاً، حقق بعض المفاخر لفرنسا [لكن] من بعده عادت تلك السلسلة نفسها التي كانت قد زالت بالثورة إلى السلطة من جديد. أولئك الأشخاص أنفسهم الذين طردهم الثوار من البلاد عادوا من جديد وجلسوا على العرش وحكموا الشعب عقوداً -، فما السبب؟ السبب أنهم لم يُدركوا ولم يلتفتوا إلى احتياجات الثورة وأخطارها ومقتضياتها وانشغلوا في صراعاتهم وقضاياهم الشخصية. منذ اليوم الذي انتصرت فيه الثورة الفرنسية إلى اليوم الذي عاد فيه نابليون إلى السلطة من جديد استغرق الأمر نحو عشرة أعوام أو أحد عشر. أجرى مجلس الإدارة هذا ثلاث مرات تغييرات عنيفة وكل مَن جاء منهم إلى السلطة قتلَ سابقِيه، [بل] اجتثهم وقضى عليهم أصلاً، لأمور شخصية ومن أجل أهواء عبثية. كان مثل هذا الوضع.

الثورة الحية هي تلك التي تستطيع أن تصون نفسها من هذه الآفات. ثورة الجمهورية الإسلامية صانت نفسها. نعم، نحن أيضاً لدينا مشكلات. ففي النهاية، لم تكن الهمم متساوية على مرّ هذه السنوات الأربعين ونيف. بعض الحكومات كان لديها همم أفضل وأكثر، وبعضها أقل. كان لدى بعضها تشخيص أكثر دقة، وبعضها الآخر أقل. كانت الأوضاع والأحوال مختلفة لكن الحركة كانت حركة مستمرة نحو القمة والتقدم: المادي والمعنوي. رأيتم كم تحدّثوا إلى الناس بنُكَتٍ ساخرة حول جيل الثمانينيات[9]. لقد جاء في التقارير أن جيل الثمانينيات شكّلوا نحو 70% من مجموع المعتكفين الذين أدّوا الاعتكاف هذا العام. إذن، هكذا هي الحال. لقد تقدّم الشعب معنوياً ومادياً أيضاً. طبعاً، ذكرت الجيش الآن [لكن] كان هناك عشرات الأضعاف من التقدم أيضاً لدى مختلف الأجهزة الأخرى من غير الجيش. إن الابتكار والتقدم والإبداع والأيادي الممتلئة والمنطق المحكم [أمور] منتشرة على نطاق واسع. هذا هو تقدم الثورة. هذه هي الثورة الحية. إن الشرط لبقائها حيةً أن تكون قادرة على توفير هذه الاحتياجات وتحقيقها.

حسناً، قلنا إن هذا الشرط توفّر في هذه العقود القليلة إلى حد كبير، وأكثر وأفضل لدى الناس والمسؤولين إلى حد كبير. طبعاً، علينا جميعاً – نحن المسؤولين – أين ما كنا أن نولي اهتماماً أكبر من هذا. لا تزال هذه الحاجة قائمة بالطبع. اليوم هناك احتياجات كثيرة، وأريدكم أن تلتفتوا إلى إحداها، وأن تركّزوا على حاجة وهي الوحدة الوطنية. إنها من أهم احتياجاتنا اليوم. هي سدّ وجدار محكم وشاهق أمام العدو. الوحدة الوطنيّة هي ذاك الشيء الذي أدى دوراً عظيماً جدّاً في انتصار الثورة الإسلاميّة، وبعد ذلك في تقدّم الثورة أيضاً؛ الوحدة الوطنيّة! نحن نحتاج اليوم إلى تعزيز هذه الوحدة أكثر فأكثر بقدر ما يمكن. لقد خَطى العدوّ في النقطة المقابلة لهذه. مخطط العدوّ واضحٌ بالنسبة إلينا، أي إنّنا لا نواجه أيّ إبهام حيال مخطط العدوّ وما ينوي فعله. لا بدّ أن نعرف مخطّط العدو ونحلّله ويكون لنا تدبيرٌ مقابله.

نحن نعرف خطّة العدوّ، وقد فضحَ العدوّ بنفسه بعضاً منها وفضحَ بعضها عناصره الفاقدون للعقل هنا، ووفّر جزء آخر منها أيضاً التقارير التي تعدّها الأجهزة. مخطط العدوّ واضح.

طبعاً، هناك هدف واحد واستراتيجيّة واحدة وتكتيكات [متعددة]. هدف العدوّ هو تركيع الثورة الإسلاميّة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة. طبعاً إنهم يقولون عكس ذلك. كتب رئيس أمريكا[10] آنذاك وقال صراحة في رسالة لي قبل عشرة أعوام أو خمسة عشر: لا ننوي تغيير الحكم لديكم. لكن في الوقت نفسه كانت لدينا تقارير تفيد بأن نقاشاتهم في مراكزهم الخاصة تدور حول كيفية القضاء على النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية. طبعاً، إنّهم يكذبون. هذا هو الهدف. لماذا يريدون تركيع الجمهورية الإسلامية؟ لأسباب مختلفة، طبعاً. ففي النهاية، جاءت الجمهورية وأخرجت هذه المنطقة المهمة والإستراتيجية والغنية بالخيرات والثروات الطبيعية والبشرية من سيطرتهم. هذا من أسباب ذلك. أما السبب الآخر، فهو أن الجمهورية الإسلامية رفعت نداء الاستقلال واجتناب الرضوخ للابتزاز. التفتوا جيّداً! لسنا وحدنا مَن نريد أن نكون مستقلّين عن أمريكا والاستكبار العالمي. هناك دول أخرى أيضاً تريد أن تكون مستقلة، ولا ترغب في أن تكون خاضعة لسيطرتهم. الفرق أن هذه سياسة بالنسبة إليهم، وإيمان واعتقاد دينيّ هنا. هذا أمرٌ مهمّ. إنه المهمّ بالنسبة إلى العدوّ.

نعم، سياسات الدول هي ألّا يكونوا خاضعين لأمريكا، لكن هذه السياسة تتبدّل بالمساومة والأخذ والرد والجلوس على طاولة المفاوضات وأحياناً بالرشى تحت الطاولة التي تُقدّم إلى الشخصيّات المؤثّرة. أفلا ترون ذلك في العالم؟ يُعلن اليوم شيء ما ويقال عكسه في الغد! نعم، هناك سياسة الاستقلال وتجنّب الرّضوخ للابتزاز لكنّها سياسة قابلة للتبدّل. ليس الأمر كذلك هنا. هنا يُعدّ الاستقلال وتجنّب الرّضوخ للابتزاز إيماناً وأمراً منبثقاً من الدين؛ {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} (هود، 113)، أي لا تثقوا ولا تعتمدوا. {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (الممتحنة، 1)، {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} (الممتحنة، 9). هذه آيات قرآنيّة. يقول القرآن: يجب ألّا تثقوا بهذا المستكبر والظالم وهذه الحكومة الجائرة. إنه إيمانٌ ولا يُمكن بيعه وشراؤه. ذاك الشخص الذي يرغب في التخلّي عن هذا الإيمان يفقد أهليته للعمل في هذا النظام. هذا هو الاختلاف. لذلك، يركّزون على الجمهورية الإسلامية أكثر من أيّ مكان، وهم أكثر عدائية [معنا] من أي مكان. إنهم يريدون توسيع نطاق سلطتهم على الآخرين [لكن] لديهم أضعاف هذه النية هنا. لهذا، أشرتُ إلى أنّه إضافة إلى الامتيازات التي تتمتع بها بلدكم، الامتيازات الطبيعية والبشرية والجغرافية والمناخية وكل شيء، إضافة إليها لديه أيضاً هذا [الامتياز] المهم: يريد أن يكون نظاماً مستقلاً لا ينصاع للضغوط ولا يخضع للابتزاز ولا يرضخ للظلم، وذاك ناجمٌ أيضاً من الإيمان. لذلك، هذا هو الهدف. إذاً، الهدف هو تركيع الجمهورية الإسلامية. هذا هو الهدف.

ما الإستراتيجية؟ بث الخلاف وتغييب الثقة: غياب ثقة التيارات السياسية ببعضها بعضاً، وغياب ثقة الناس ببعضهم بعضاً، وغياب ثقة الناس بنظام الحكم، وغياب ثقة نظام الحكم بالناس، وغياب ثقة هذا بذاك، أي ألّا تثق هذه المؤسسة بتلك، وأن يكون هناك سوء ظنّ تجاه بعضهم بعضاً. عندما تغيب الثقة، يزول الأمل في المستقبل أيضاً. نعم، من البديهي أن تكون هناك اختلافات [لكن] ينبغي ألا تتحول إلى أخطاء. تارةً يثيرون موضوع «المرأة» وأخرى «الشيعة والسنة»، وتارةً «الاختلافات بين الأجيال» أو قضايا أخرى متنوعة من أجل بثّ الخلاف. إستراتيجية العدو هي بث الخلاف. بالطبع هناك تكتيكات مختلفة. كل زمان له تكتيك محدّد [غير أنّ] التكتيك الرئيسي هو بثّ الأكاذيب والشائعات. يفعلون هذه الأشياء حتى يتمكنوا من بث الخلافات. لذلك، عندما نرى أن العدو جعل الوحدة هدفاً لهجماته، فما واجبنا؟ الواجب أن نحفظ هذا الاتحاد والوحدة وألا ندعه ينتصر في رغبته الشريرة. هذه نماذج عمّا هو قائمٌ.

سيكون يوم 22 بهمن (11 شباط/فبراير) هذا العام، بتوفيق من الله، مظهر حضور الناس وعزّتهم وثقتهم بعضهم ببعض، إن شاء الله. هو مظهر الوحدة الوطنية. توصيتي لجميع أفراد شعبنا العزيز أن يسعوا إلى جعل هذه المَسيرات وهذا اليوم العظيم وهذه الحركة العظيمة مظهراً للاتحاد والوحدة الوطنيّة. فليُبلّغوا العدو هذه الرّسالة بصراحة: إنّ مساعيه من أجل القضاء على الوحدة الوطنيّة جرى إحباطُها. هم عاجزون عن التفرقة بين الناس. لا يستطيعون فصل الناس عن النظام ولا جعل النظام متشائماً من الناس. لا يستطيعون جر مجموعات من الناس إلى الصراع في ما بينها. لا ضير في الاختلافات السياسيّة واختلاف الآراء والاختلافات الطبيعيّة في المجتمع. لكن لا ينبغي أن تنتهي بالاشتباك وإطلاق التّهم والافتراء وأمثال ذلك. هذه هي الإستراتيجية التي لا بدّ أن نتّخذها مقابل إستراتيجية العدوّ. إذا بذلنا الهمّة وعقدنا النيّة، فسيمّدنا الله المتعالي بالعون، إن شاء الله.

وصلت إلى نهاية حديثي. نشعر بالأسى من أجل إخواننا المنكوبين في سوريا وتركيا،[11] ونسأل الله المتعالي لراحليهم الرحمة، والصّبر لأصحاب العزاء. نحن أيضاً ابتُلينا ونعلم كم الأمر قاسٍ ومرير عندما يحدث الزلزال ويرحل أعزّاء العائلات. إننا نشعر بألمهم ونسأل الله المتعالي لهم الصّبر والسكينة. طبعاً، لقد قدّم مسؤولونا بعض المساعدات بفضل الله، وسيواصلون تقديمها.

نسأل الله المتعالي أن يُسعد روح المطهرة للإمام [الخميني] الذي حثّنا ودفعنا نحو هذا الطريق وهدانا إليه، وأن يرفع درجات الراحلين والشهداء، إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر: موقع الامام الخامنئي

البث المباشر