يستمر الانقسام الحاد والتحريض المتصاعد بين الائتلاف الحكومي الصهيوني من جهة والمعارضة من جهة ثانية، مُحققاً خلال الايام الماضية، رقماً قياسياً جديداً، وذلك على خلفية شروع الحكومة بتنفيذ أجندتها اليمينية، ومعركة الصدّ التي أعلنتها المعارضة ومثّلت التظاهرة الحاشدة ليل السبت- الأحد الماضي أُولى خطواتها العملية.
التحريض المستمر
أجواءٌ من التوتر العالي سيطرت على الخطاب السياسي بين الإئتلاف الحكومي من جهة، والمُعارضة وبعض المنظّمات والجمعيات المدنية من جهة ثانية، حيث عمّت لغة الاتهامات وغطّى خطاب التحريض المتبادل على المنابر ومنصّات التواصل الإجتماعي ورُصِدت “تغريدات مُهينة، ودعوات إلى عصيان مدني، وتهديدات منفلتة العِقال”.
وكانت لدعوة عضو الكنيست تسفيكا فوغل (حزب “قوّة يهودية”) إلى اعتقال قادة المُعارضة الصهيونية بتهمة “الخيانة” مفعول صبّ الزيت على النار المتأجّجة. وقال فوغل: “يجب اعتقال هؤلاء الأربعة فوراً (غانتس ولابيد ويعالون وغولان، ثلاثة منهم جنرالات سابقون في الجيش الإسرائيلي)، إنّهم أخطر الأشخاص حالياً. هؤلاء الأربعة يدعون إلى حرب (أهلية)”. ورداً على ذلك قال رئيس المعارضة لابيد إنّه “كان من الواضح أنّ هذا سيحدث. في دول غير ديمقراطية، دائماً يُهدّدون باعتقال رؤساء المعارضة”. وفيما دعا وزير الأمن السابق ورئيس حزب “المعسكر الدولتي” بني غانتس إلى “مواصلة النضال (ضدّ حكومة نتنياهو) بكافّة السبل القانونية والديمقراطية”، ذهب عضو الكنيست يائير غولان (ميرتس) إلى أبعد من ذلك، داعياً إلى عصيانٍ مدني واسع النطاق “ضدّ هذه الحكومة الجائرة والشريرة”، وطالب المعارضة “بتغيير النهج”؛ وقال: “من الغد نغيّر النهج. لا مزيد من التظاهرات المهذّبة.. فقط أعمال. فقط نتائج.. أعمال ستُعطّل، طرق ستُقطع”.
وفي محاولةٍ لتهدئة الأجواء ولجم الخطاب المتوتّر، دخل الرئيس الصهيوني إسحاق هرتسوغ على خطّ الإتصالات بين الأطراف، ودعا الطبقة السياسية والجمهور “من كافّة أطياف اللّون السياسي إلى التحلّي بضبط النفس وإبداء المسؤولية واحتواء ألسِنَة اللّهب”.
انتقال التوتر من المنابر الى الشارع
وككل الدول التي تعاني من ازمات سياسية ، كان لا بد من انتقال الانفعال والتوتر من المنابر الى الطرقات حيث ظهرت اولى بوادره بقيام أحد المؤيّدين لحكومة نتنياهو بمحاولة دهس مجموعة طلاب من جامعة “بن غوريون” في “بئر السبع” من مؤيّدي حزب “يش عتيد” (يوجد مستقبل)، الذي يترأس المعارضة، أثناء تظاهرة نُظّمت في المدينة إحتجاجاً على “خطّة الإصلاحات” التي تنوي الحكومة تطبيقها في الجهاز القضائي. وعلى هذه الحادثة، التي لم تلقَ إدانة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، علّق لابيد بالقول إنّ “تحريض الحكومة سينتهي بسفك الدماء”. كما اعتُقِل أحد سكان القدس على خلفية تهديده عضو كنيست من المعارضة (لواء سابق في الجيش) بزرع قنبلة في منزله “إذا استمرّ بالتحريض ضدّ الحكومة”.
وجاء تعليقُ نتنياهو على “الإتهامات الخطِرة ضدّ رئيس حكومةٍ سابقٍ وثلاثة مسؤولين (سابقين) في المؤسّسة الأمنية والعسكرية” بشكر عرضي أثناء حديثه عن الإتصال الذي جرى بينه وبين الرئيس هرتسوغ، بالقول: “في دولة ديمقراطية لا يعتقلون رؤساء المعارضة، كما لا يدعون إلى عصيانٍ مدني”.
ورأت أوساط إعلامية أنّ دعوة عضو الكنيست “فوغل” إلى اعتقال قادة المعارضة الصهيونية ، كان بمثابة فتيل مشبع بالنفط إشتعل فوراً في كلّ المساحة الإسرائيلية. فكلّ طرف، يمين أو “يسار”، إتهم الثاني بالتحريض، فيما كانت تتردّد في الخلفية أوامر وزير الأمن القومي “بن غفير” لقيادة الشرطة بتشديد الإجراءات ضدّ قطع الطرقات، ووعود الطرف الثاني (المعارضة) بتحدّي “بن غفير” وتنظيم تظاهرة أكبر من سابقتها، السبت المقبل.
استمرار الازمة
لا يزال السجال حول خطة وزير العدل الجديد، ياريف ليفين، بشأن القضاء قائماً ومتصاعداً، بين مؤيّدين يرون في الخطة ثورة إصلاحيّة ضروريّة لتحقيق التوازن السلطوي المختل، وبين معارضين يرون فيها إنقلاباً على طابع الدولة وهويّتها الديمقراطية.
وعلى وقع هذا السجال، تزايدت الدعوات لإفشال “الإنقلاب” التي تقوده حكومة نتنياهو ضدّ هوية الدولة وطابها وذلك عبر الشارع، حيث كانت تظاهرة السبت الماضي أولى الخطوات التي تعدّ بها المعارضة على طريق إنزال “المليون متظاهر” ضدّ حكومة نتنياهو.
ووفقاً للمخطط الذي تشترك فيه المعارضة وبعض المنظّمات المدنية واليسارية، يُفترض أن تتواصل التظاهرات كلّ سبت، حيث ستقام السبت المقبل تظاهرة أضخم من سابقتها في “تل أبيب”، ويرجّح أن يتمّ خلالها قطع بعض الطرقات.
الحرب الاهلية
يبدو ان الاحداث الجارية حاليا في الكيان الصهيوني و حدّة الخلاف الحاصل بين السلطة الجديدة والمعارضة وانتقالها من المنابر والاعلام الى الشارع يذكّر بشكل او بآخر بسابقته التي حدثت في العام 1948 ، حيث تطور الخلاف بين تنظيم الايتسيل بزعامة مناحيم بيغن و جماعة الهاغاناه بزعامة ديفيد بن غوريون ، من مطالبة بن غوريون لبيغن بالالتزام والانضمام لصفوف الجيش بحينها وتسليم محتويات سفينة التالينا من اليات عسكرية وذخائر ، الى حرب اهلية مصغرة سقط خلالها العشرات من القتلى والجرحى من الطرفين وذلك على الساحل الفلسطيني ، وانتهت باستسلام تنظيم الايتسيل .
اخيرا وبعد مرور شهر على انتخابات الكنيست وحصول تنتياهو على الاكثرية ما سمح له بتشكيل حكومة تعتبر داخل الكيان يمينية وسميت بحكومة الظلام بدأت الاحدث تشير الى منحى تصاعدي منذ قيام الجندي الصهيوني من لواء جفعاتي في الخليل بالاعتدء على ناشط يساري وظهور جندي آخر يتوعد اليساريين الصهاينة بأم بن غفير سيغير القواعد التي كانت سائدة في اشارة الى زيادة التطرف داخل الكيان وداخل الجيش وصولا الى حادثة الدهس وليس انتهاء بالتظاهرات التي دعت اليها المعارضة في كل سبت لاسقاط الحكومة ، كل هذه المؤشرات تدل على أن الازمة في الكيان ستطول وقد تصل في حال استمرارها الى استقالة الحكومة وحتى الاطاحة مجددا بالكنيست ، لأنه وبحسب التقديرات فان البديل هو عودة حادثة سفينة التالينا على شواطئ حيفا لتعود الحرب الاهلية مجددا .
المصدر: قناة المنار