حالة من التخبط يعيشها المواطن اللبناني جراء التلاعب الحاصل بسعر صرف الدولار وعدم استقراره، وهبوطه ومن ثم ارتفاعه في فترة زمنية متقاربة لا تتجاوز الساعة أحيانا، فيوم الاربعاء 21-12-2022 تجاوز سعر صرف الدولار الـ46000 ألف ليرة لبنانية وحصل بث “خبر” على بعض مواقع التواصل الاجتماعي بإمكانية صدور تعاميم عن مصرف لبنان ما أدى الى نزول سريع للدولار ما لبث ان ارتفع بعدما تبين ان مصرف لبنان مدّد العمل بتعاميمه السابقة.
ولا يبدو ان الدولار أمامه سقف في المدى المنظور يحد من استمراره بالارتفاع في ظل الشلل الضارب في كثير من مفاصل الدولة اللبنانية وتحكم مصرف لبنان وحاكمه، ما يزيد من صعوبات الحياة على اللبنانيين الذين يعيشون أصلا بحالة من عدم الاستقرار جراء الكثير من المسائل، وإن كانت القضايا الحياتية والمعيشية تؤرق غالبيتهم في هذه الايام.
لكن يبقى السؤال من الذي يتلاعب بسعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة؟ ومن الذي يعمل بممارساته على مزيد من الانهيار بقيمة الليرة اللبنانية؟ هل هناك جهة محددة تقوم بذلك ام ان الامر غير محدد؟ وهل هناك جهة واحدة او تتعدد الجهات المستفيدة مما يجري؟
حول كل ذلك، قال مدير “المؤسسة الوطنية للدراسات والإحصاء” زكريا حمودان “ما حصل يوم الاربعاء ان المصرف المركزي أصدر بيانا مدّد فيه العمل بقراراته السابقة، لكن بعض الأنباء تحدثت ان مصرف لبنان يسمح للمصارف بشراء الدولار، بينما فعليا مصرف لبنان مدّد السماح للمصارف بشراء الدولار، والبيان الثاني كان تمديد العمل بمنصة صيرفة، فما حصل هو لعب على الكلام الإعلامي ما أدى للهبوط والصعود السريعين”.
وقال حمودان في حديث خاص لموقع المنار إنه “في الواقع المالي، يوجد حاجة لدى مصرف لبنان لشفط الدولار من السوق، بالتالي فإن من يقوم بشفط الدولار هو حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وذلك عبر عمل منظم لسحب الدولار من السوق(اي من المواطنين العاديين او عبر تحويلات المغتربين او تلك الموجودة في السوق)، وبالتالي عندما يسحب الدولار من السوق يرتفع سعره”، وتابع “لدى حاكم المصرف حاجة لسحب الدولارات ليغطي حاجاته منها”، واوضح ان “هذا يؤدي الى تضخم كبير جدا لانه يضخ كميات كبيرة من الليرات في السوق”، ورأى ان “لا أحد يعرف حجم الكتلة النقدية من الليرات في السوق”، وأكد “لكن هي كتلة ضخمة جدا، ونحن امام تضخم كارثي”.
وأوضح حمودان انه “بنفس الوقت الدولة اللبنانية أصبح لديها كتلة نقدية كبيرة جدا من الليرات، وهذا أيضا يؤثر على زيادة التضخم لان الدولة لديها حاجات بالدولار، وهي لديها حاجة لاستخدام هذه الليرات لدفع الرواتب وهي تضخ ليرة لبنانية هذا ايضا يساهم بزيادة التضخم”، وتابع “الدولة تضخ الاموال عبر منصة صيرفة لدفع المعاشات ومن ثم يقوم الموظف بصرف المعاش بالسوق(ولو قبض الموظف بالدولار فهو يسلمه بطريقة او باخرى لحاكم مصرف لبنان سواء عبر الصرافين او السوق السوداء او عبر المصارف)، وهذا التداول يؤدي الى زيادة التضخم وارتفاع الدولار”، واضاف “إذا من أهم أسباب حصول التلاعب هو التضخم الكبير والدورة المالية التي شرحناها اعلاه”.
وما تأثير ذلك على المواطن؟
عن ذلك أكد حمودان ان “الاثر كبير جدا على ارتفاع أسعار مختلف السلع وهذا يظهر عدم وجود رقابة ما يؤدي الى مزيد من التفلت”، وتابع “هنا يلاحظ غياب كامل لرقابة الدولة عبر وزارة الاقتصاد”، واعتبر ان “كل ذلك يدفع ثمنه المواطن المحكوم بالأسعار في السوق لانه بغياب الرقابة لا يمكن ضمن الاسواق”، واشار الى ان “القطاع العام هو من المتأثرين بشكل أساسي، فالدولة تحدثت عن زيادة على الرواتب ولكن من دون وضع خطة مالية، ما يعني ان هذه الزيادات اختفت بدون جدوى لان سعر الدولار يرتفع”.
ورأى حمودان انه “طالما لا توجد دورة مالية طبيعية لن تنتظم الامور”، واوضح ان “المقصود بالدورة المالية الطبيعية ان يكون لدينا بالدرجة الاولى دولة موجودة تقوم بوضع السياسات المالية”، وتابع “بينما ما نراه اليوم ان حاكم مصرف لبنان يتحكم بالوضع المالي لوحده ما يؤدي الى كل هذه الاشكاليات الحاصلة في الواقع، فاللعبة تبدأ من عند حاكم مصرف لبنان فهو الحاكم بأمره على المستوى المالي”، واضاف “حتى اليوم لم تتغير سياساته وتعاميمه”.
الواضح ان المواطن اللبناني يواجه وحيدا كل الجشع الموجود لدى كثير من التجار، كما يواجه كل الممارسات التي يقوم بها حاكم مصرف لبنان ومن يعمل معه من المصارف وتجار السوق السوداء لتصريف الدولار، في ظل غياب كامل لأي تدخل من الجهات الرسمية المعنية او بعض الجهات السياسية للحد من التمادي في قهر الناس وتجويعهم، ليبقى السؤال الى متى سيستمر الامر على هذا المنوال؟!
المصدر: موقع المنار