ملف | لولا إيران.. أين كان العراق؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ملف | لولا إيران.. أين كان العراق؟

سليماني - المهندس
أحمد فرحات

” لو لم يكن هناك جمهورية إسلامية في إيران تقف إلى جانب العراق وسوريا ولبنان وشعوب المنطقة، اين كانت هذه الشعوب وأين كانت هذه الدول؟ وأين كانت هذه الحكومات؟ وفي أي زمان أسود كالح مظلم كانت ستدخل منطقتنا؟ “

الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في 1-10-2022‏

تعد الحضارتان العراقية (حضارة بلاد ما بين النهرين) والايرانية (الحضارة الفارسية)، من اقدم حضارات العالم، تشارك الشعبان الأفراح والأتراح، وجمعتهما على مر العصور مصائب واحدة، ليس آخرها التدخلات الغربية في إيران خصوصاً البريطانية، قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، والحكم الإستبدادي في العراق والإحتلال الأميركي بعد العام 2003.

كثيرة هي المنجزات الحضارية العراقية، فمنها خرجت حضارة بلاد ما بين النهرين، وتشريعات حمورابي الغنية عن التعريف، بالإضافة إلى موقع جغرافي هام وثروات طبيعية، جعلتها محط أطماع الدول الكبرى بعد الإكتشافات النفطية في المنطقة، في عشرينيات القرن الماضي.

أطماع دول الغرب لا تكاد تنتهي، فمع كل مفصل في تاريخ المنطقة، تظهر إلى الواجهة محاولات تقسيم الدول المقسمة أصلاً (1)، وخلق التناحر بين شعوبها، حتى داخل الوطن الواحد، تحت عناوين سياسية وطائفية ومذهبية وحتى إجتماعية. فلدى الغرب الغاية تبرر الوسيلة، والغاية كانت دائماً وأبداً سرقة مقدرات الشعوب، عبر الإستفراد بكل طرف على حدة.

إن الدول التي دعمت نظام صدام حسين في حربه ضد الجمهورية الإسلامية وضد أبناء شعبه، بقومياته وطوائفه، تحولت إلى الولايات المتحدة، وسهلت غزو العراق، إلى جانب دول غربية أخرى، أبرزها بريطانيا، بزعامة رئيس وزرائها آنذاك توني بلير.

وللمفارقة، إن هذه الدول عينها، هي التي تحرض على العداء بين إيران والعراق، وتنشط في إعلامها لهذه الغاية، وتحمل الجمهورية الإسلامية ما آلت إليه الأوضاع الإقتصادية في العراق، مع العلم، أن هذه الدول، والتي تدعي الإنتساب إلى الشهامة العربية، اشتركت في حصار الشعب العراقي منذ عشرات السنين، وقطعت عنه حتى حليب الأطفال، وسرقت أمواله وساومته على نفطه مقابل الغذاء، وتخلت عنه في وقت كان بأشد الحاجة إليها، خدمة للإستعمار الأميركي، ورغبة منها في تدمير إرادة الشعب العراقي..

وزير الخارجية العراقية الأسبق ناجي الحديثي (2001 – 2003) يتحدث عن فضائح برنامج (النفط مقابل الغذاء)

ولم تكتف تلك الدول بذلك، خصوصاً السعودية (أرسلت نحو 5 آلاف انتحاري إلى العراق حتى العام 2007 فقط)، بل دعمت وسهلت عمل الإرهابيين من تنظيم القاعدة (بزعامة الاردني أبو مصعب الزرقاوي) وتنقلاتهم عبر الحدود، للتوجه نحو العراق، حيث قامت تلك الجماعات بالعديد من الإعمال الإجرامية، وعمليات القتل الجماعية، بالإضافة إلى استهداف الأسواق ودور العبادة، والمدارس والإدارات الحكومية، واستمر هذا الدعم إلى ما بعد الإنسحاب الأميركي عام 2011، وظهور تنظيم داعش.

ومع حلول العام 2010، وبعد أن حقق العراقيون ما كانوا يصبون إليه من انسحاب للقوات الأميركية الغازية لبلادهم، تحت ستار أسلحة الدمار الشامل للنظام السابق، دخل الشرق الأوسط في مرحلة جديدة، هي ما اصطلح على تسميته “الربيع العربي”.. فكان هذا الربيع في العراق سواداً، غطى على مساحات معتبرة، في مشروع كاد من الممكن أن يطيح بكل المنجزات الحضارية العراقية، والإقتصادية والإجتماعية والسياسية.

وكان يراد للعراق أن يواجه وحيداً هذا السواد، لكن التعاضد الأخوي بين العراق وإيران، كان أقوى من أي مشروع استعماري.. سريعاً توجهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى شقيقتها العراق، ودعمت مقاومته ضد الإحتلال الأمريكي، بكافة فصائلها، ونشط الشهيدان قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في قيادة العمليات ضد الإحتلال، في كربلاء والنجف والبصرة وفي أغلب مناطق الجنوب العراقي وبغداد. ومدت الجمهورية الإسلامية المقاومة العراقية بكل ما تحتاجه من لوجستيات عسكرية ومادية وغيرها.

ماذا لو قدر للسواد في العراق ان يتمدد؟ ماذا لو أقام حكمه السياسي والإداري والقضائي ؟ ماذا لو نشر عقيدته المبنية على إقصاء الآخر، والتي تعتبر أن زواله انتصاراً؟ هل كانت ستجري إنتخابات، وتتشكل حكومات؟ لا بل هل خرجت تظاهرات؟
وماذا لو استمر الإحتلال الأمريكي؟ كيف سيحكم العراقيون بلدهم؟ كيف سيكون اقتصادهم؟ ما هو شكل المؤسسات؟ وهل كانت اميركا ستدافع عن العراق بوجه داعش؟ وهل دافعت قبل عن العراق بوجه تنظيم القاعدة ابان الاحتلال؟

أسئلة عديدة، ستجد جوابها حتماً، عبر نظرة منصفة وعادلة.. لكن ومع مساعي تحويل العداء إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فنحن أمام خيانة للتاريخ والحاضر، وحتماً للمستقبل.. وهذه المساعي تسعى إليها دول (عربية وغربية) هي نفسها من دعم صدام حسين والإحتلال والقاعدة وداعش، وتزرع بذور الفرقة بين الشعبين الإيراني والعراقي، عبر وسائل إعلامها، ومن يساندها في الوسط العراقي، حتى بتنا أمام مقاربة عجيبة، غلفت السم بالعسل..

غير أن غالبية شعب العراق يرفض هذه المقاربة، ويؤكد أن البلدين هما أكثر من شقيقين، وهذا ما تؤكد عليه المواقف الرسمية العراقية، كرئاسة الجمهورية والحكومة والبرلمان، بالإضافة إلى العديد من النخب، التي تدرك مخاطر هذا المشروع، وتسعى جاهدة لوقف هذا التحريض.

مشاهد جوية للتظاهرة في بغداد التي خرجت إحياءً للذكرى السنوية الأولى لاستشهاد القائدين سليماني والمهندس

كما أن الجمهورية الإسلامية وقفت سداً منيعاً، أمام محاولة تدمير العراق كدولة، وأمام محاولات قتل وتشريد الشعب، فأمدت الجيش والمؤسسات والشعب، بكل ما يحتاجون إليه لمواجهة المد الداعشي، فقدم إلى العراق مستشارون إيرانيون قدموا المساعدة للقوات العراقية الحكومية وللحشد الشعبي، وسخرت طهران كل إمكاناتها في خدمة الدولة العراقية وشعبها.

مشاهد للشهيدين سليماني والمهندس خلال إغاثة أهالي البصرة وخوزستان عام 2019

وفي وقت كان قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني، مع القائد الشهيد أبو مهدي المهندس، واخوانهما من الحرس الثوري والحشد الشعبي، يقاتلون داعش وحلفائه، كانت دول عربية، ترسل الإنتحاريين إلى العراق، وتسهل لهذه الفئة المجرمة تحركاتها، وتمدها بالدعم المادي، بالإضافة إلى الدعم السياسي في المجالس الأممية.

قدمت إيران من أجل حماية العراق نخبة مقاتليها شهداء، وعلى رأسهم اللواء قاسم سليماني، بما يمثل الشهيد من موقع معنوي ومادي لدى الجمهورية الإسلامية، وبما يمثل أيضاً بالنسبة إلى العراقيين. وشهدت شوارع المدن العراقية رفع صور الشهيد تخليداً لذكراه، وشكرا له على ما قدمه لأجل رفعة العراق وقوته وسيادته.

ولان في استشهادهما رسالة، فقد اختلطت دماء الشهيد سليماني مع أخيه ورفيق دربه أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد، باعتداء أميركي. أمريكا التي أعلنت أن حربها في العراق هي لأجل مسألتين فقط، النفط وأمن الكيان الإسرائيلي، لا تزال تسرق النفط العراقي تحت مسميات مختلفة، وتتدخل في مفاصل العراق وتحاول فرض شروطها على المسؤولين، فالتدخل الاميركي واضح، وإن حمل شروطه مندوبون أمميون، أو مسؤولون من دول أخرى، يدورون في المحور الأميركي.

كما قدمت ايران للعراق العديد من المساعدات الإقتصادية والمشاريع الإستثمارية في قطاعات حيوية كالكهرباء وغيرها، ولا تزال تمد يدها للمساعدة، بأي شيء يحتاجه العراق.

لم تطلب طهران شيئاً مقابل هذا الدعم ولن تطلب في المستقبل، في تعارض لكل المواثيق الدولية والدبلوماسية، التي تشترط أن يكون المعاملة بالمثل.. غير أن الدولة الإيرانية لها قوانينها الخاصة، الإسلامية والإنسانية على حد سواء، فالإسلام دعا إلى نصرة المظلومين، وهذا ما أكدت عليها ايران في دستورها، بنصرة المستضعفين في العالم، أينما وجدوا.

كيف وأن المستضعفين هم أهل العراق، بما يعنيه بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، من أخوة وقرابة وجوار، وتاريخ مشترك، ومشتركات حضارية عمرها آلاف السنين.

———-

1- راجع: ميادة علي حيدر، المخططات الأمريكية – الصهيونية لتفتيت المنطقة العربية، (العراق انموذجاً)، كلية العلوم السياسية، الجامعة المستنصرية، بغداد

المصدر: موقع المنار