ألقى النائب حسن فضل الله كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في تكريم الديبلوماسي الايراني الراحل حسين شيخ الاسلام الذي نظمته وزارة الخارجية الايرانية في طهران، وجاء فيها:
“نلتقي اليوم عشية الخامس عشر من شهر شعبان المعظم ذكرى المولد المبارك لولي العصر الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، في تكريم واحد من الرجال الكبار، الذين كانوا يحملون شعلة الانتظار، ويعملون تحت راية نائب الإمام، تمهيدًا لظهور صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف)”.
اضاف: “نحيي في هذا الملتقى ذكرى رجل الثورة والدولة الأخ العزيز الحاج حسين شيخ الاسلام رضوان الله تعالى عليه، الديبلوماسي الثائر، والمقاوم السائر على خط الإمام، كما عرفناه في بلادنا العربية، كديبلوماسي يحمل رسالة الجمهورية الاسلامية، ويعبر عن تطلعاتها ومواقفها في نصرة قضايا شعوبنا المحقة من فلسطين إلى لبنان والعراق وسوريا، إلى كلِّ شعبٍ مظلومٍ ومعتدًى عليه من قوى الاستكبار والتسلُّط، ويعكس صورة بلاده في قالب إنساني إيماني، وهو ما جعله نموذجا يُقتدى به، كمسؤولٍ يعرف معنى المسؤولية الملقاة على عاتقه، وحملها الثقيل أمام الله والناس، وهي ليست مسؤولية عادية لأنَّها تحمل قيم الدِّين الحنيف، وهويَّة الدولة الرائدة على مستوى العالم، وهي الدولة التي تتطلع إليها شعوب العالم للإقتداء بها، وبتجربتها في الحرية والاستقلال، وتقديم النموذج في السياسة والاقتصاد والثقافة ومنظومة القيم، وفي بناء القدرات، وفي مقارعة قوى الظلم والهيمنة والاستكبار، ورفض الخضوع لها، أو التَّخلي عن السيادة والكرامة والحقوق، وفي الوقوف إلى جانب المظلوم والتصدي للظالم مهما بلغت قوته وجبروته، تمثُلًا لقول أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصيته لولديه الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام “كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا”.
وتابع: “إن هذه الشعوب ترى الجمهورية الاسلامية من خلال إنجازاتها ونموِّها وتطورها ومواقفها وتبنيها لقضايا الحق والعدل، وتراها أيضًا من خلال نظام القيم الذي أرسته، وما تعكسه صورة مسؤوليها وممثليها في الخارج في شخصياتهم وأدائهم وأدوارهم وطريقة تعبيرهم عن موقف الجمهورية الاسلامية، خصوصًا في ظل محاولات أعدائها تشويه صورتها وتقديمها على غير ما هي عليه”.
وقال: “ما رأيناه في أداء وشخصية الأخ حسين شيخ الاسلام (رحمه الله)، ومن خلال المواقع المختلفة التي عمل فيها أنَّه كان الإنسان المؤمن المرتبط بالله ورسوله وأئمة آل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، والمتعلِّق بإمام زمانه الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، المتمسِّك بنهج ولاية الفقيه مع الإمام الخميني (قد) ومع الامام السيد علي الخامنئي (دام ظله)، وصاحب الأخلاق الرفيعة الملتزم بمنظومة القيم الاسلامية، وقد ترجم كلَّ ذلك قولًا وعملًا من خلال جهاده وجرأته وتفانيه وتحمِّله للمسؤولية، وأنَّه كان الفخور بانتمائه إلى الجمهورية الاسلامية وحمله لهويتها الوطنية، ويمثِّل في نشاطه الدؤوب هوية الشعب الايراني بتاريخه العريق وإسهاماته في الحضارة الإنسانية، وهو الشعب الذي يبهر العالم في كل محطة من محطاته التاريخية، بثقافته ورقيه وحضوره الدائم دفاعًا عن حريته واستقلاله وكرامته، وإنتصاره للمظلومين”.
اضاف: “انطلاقًا من التزامه بتعاليم الإمام الخميني (قد) الذي حدَّد المصدر الأساسي للظلم في عالمنا المعاصر، وهو السياسات العدوانية الأميركية التي تستهدف حريَّة الشعوب وخيراتها، فإن الراحل (رحمه الله) عمل منذ البدايات على مواجهة هذا الظلم والخطر على إيران ثورة وشعبًا ودولة، لأنَّه أدرك أنَّ السياسة الأميركية الظالمة تحاول تقويض إنجاز الشعب الايراني في نيل حريته، وتطوير إمكاناته، وتدعم كل أشكال الاستهداف والحروب ضده، ولذلك تصدّى مع رفاقه لهذا الخطر بمختلف الوسائل الممكنة، وهو من موقعه في وزارة الخارجية الايرانية صار أكثر إطلاعًا على حجم التدخلات الأميركية في شؤون الدول، ومحاولات الهيمنة على مقدراتها، والخطر الذي تشكله على بلده، وقد أطل رحمه الله على قضيَّة المقاومة في مواجهة أحد أبرز أدوات الولايات المتحدة في المنطقة أي الكيان الصهيوني، وهو الذي تشبَّع بفكر الإمام الخميني (قد) الذي كرَّس النظرة المحقَّة لطبيعة هذا الكيان وخطره على العالم، وفي طليعته على البلدان العربية والاسلامية، بما فيها الجمهورية الاسلامية، وهو ما كان يبينه أداء الأخ شيخ الاسلام في علاقته مع الدول وحركات المقاومة للكيان الصهيوني، وفي مقدمها المقاومة في لبنان وفلسطين”.
وتابع: “كنَّا نجد فيه أخًا ورفيق درب، ومحبا يعكس بصدق موقف الجمهورية الاسلامية اتجاه القضايا العادلة، ويحمل تعاليم الإمام الخميني (قد)، ويجسِّد في شخصيته وأدائه رؤية الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله في تعاطيه مع شؤون العالم وقضايا شعوبه، وسواء في موقعه في وزارة الخارجية أو عندما اختير ليكون سفير الجمهورية الاسلامية في سوريا، فقد كان قريبًا من آلام شعوبنا يعيش مع همومنا اليومية، ويواكب عمل مقاومتنا في لبنان منذ انطلاقتها، ويتعاطى معها كواحدٍ منها مؤيدًا وداعمًا وشريكًا في تضحياتها وانتصاراتها، ومطَّلعًا على أدق التفاصيل في اليوميات السورية والفلسطينية واللبنانية، وفي مواكبته معنا لمراحل نمو المقاومة وتطورها تحقَّقت واحدة من أمنياته من خلال واحدة من اهم الانتصارات التاريخية على العدو في تحرير العام 2000، وهو الإنجاز الذي كانت الجمهورية الاسلامية شريكة في صنعه من خلال دعمها غير المشروط لحقِّ لبنان في تحرير أرضه، وحمايتها، وهو ما كرَّسته المقاومة في انتصارها على العدو في العام 2006”.
وقال: “لقد كرَّس جهده من موقعه الديبلوماسي للوقوف إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعم مقاومته ضد الاحتلال، وكان خير معبِّرٍ عن سياسة الجمهورية الاسلامية في تبني القضية الفلسطينية ونسج العلاقات مع مختلف فصائل المقاومة، فضلًا عن العمل على تطوير العلاقات السورية الايرانية والعربية الايرانية، وهو ما وجد ميدانه الرحب في عمله في العلاقات الدولية لمجلس الشورى الاسلامي لينقل هذه التجربة إلى البرلمانات العالمية، خصوصًا من خلال تجربته في المنتديات البرلمانية”.
اضاف: “إنَّ دولنا وشعوبنا تحتاج على الدوام إلى أمثال الأخ شيخ الاسلام (رحمه الله) في أصالته ووعيه وفهمه لطبيعة الصراع مع قوى الاستكبار، وفي تفانيه من أجل قضية شعبه وأمته، وإلى تنويع جهودها في الميادين المختلفة، لأنَّ الأعداء يشنون حروبهم بوسائل كثيرة، ولا يتوانون عن استخدام كل ما يؤدي إلى محاولة إخضاع هذه الدول والشعوب، ومن بينها الحروب العسكرية والأمنية والسياسية والاعلامية والاقتصادية، وقد شهدنا نماذج في ايران والعراق وفلسطين واليمن ولبنان، ولكن جميع الحروب العسكرية فشلت في لي ذراع هذه الأمَّة، فلجأ الأعداء إلى الاغتيالات كما رأينا مع قادة كبار أمثال الحاج قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، والسيد عباس الموسوي، والحاج عماد مغنية، والأخ فتحي الشقاقي، والشيخ أحمد ياسين، وغيرهم من قادة المقاومة وجميع تلك الاغتيالات أظهرت مكر وخبث أعدائنا، وصلابة وقوة شعوبنا التي تجعل من الشهداء نبراس اقتداء، وتزيدها تضحيات القادة تمسكًا بحريتها وعزتها وصون استقلالها”.
وتابع: “إنَّ الحروب الاعلامية والاقتصادية هي واحدة من أوجه الحرب على دولنا وشعوبنا، فحملات التضليل والتشويه والتحريض تتطلب بذل المزيد من الجهد لفضح المشروع المعادي وأدواته من خلال جهاد التبيين والتصدي للحرب الناعمة، وبثِّ الوعي والمعرفة لدى شعوب أمتنا، وإعادة صياغة أدوات المواجهة الثقافية والسياسية بما يتلائم مع حجم التحديَّات وطبيعة الأدوات التي يستخدمها أعداؤنا”.
اضاف: “على المقلب الاقتصادي، فإنّنا نشهد فصلا جديدً من الحرب الاقتصادية بتشديد الحصار وفرض العقوبات محاولة تقويض العملات الوطنية وهو ما نراه في لبنان وإيران والعراق وسوريا، وهذه الحروب لها منبع واحد هو الولايات المتحدة الأميركية التي لا تكتفي بهذا القدر بل تحاول منع الدول من تطوير إمكاناتها، بما فيها الطاقة النووية السلمية، كما هو الحال مع الجمهورية الاسلامية، وإطلاق التهديدات ضدها، أو منع استثمار الثروات الطبيعية، أو تطوير التعاون بين الدول التي ترفض الهيمنة الأميركية. في المقابل فإنَّ الجمهورية الاسلامية ومعها دول عديدة وحركات المقاومة تواصل الصمود وتحقيق الانجازات، ولأنَّنا في عالم متغيِّر، فنحن أمام ولادة معادلات دولية وإقليمية جديدة، وبات واضحًا أنَّ الجمهورية الاسلامية من خلال قدراتها في الميادين المختلفة، ومن خلال حضورها الديبلوماسي هي شريك أساسي في عالم الغد، ورغم الحصار والعقوبات فإنَّها تقدِّم النموذج على قدرة الدول والشعوب المتشبثة باستقلالها وحريتها واكتفائها الذاتي على تجاوز الصعوبات، وفرض نفسها في المعادلات الدولية. فاليوم يُحسب لها حساب أساسي في هذا المضمار، وهي قادرة على مواجهة التهديدات الخارجية وخصوصًا التي يمثلها تهديد الكيان الصهيوني، ومعها شعوب أمتنا ومقاوميها”.
وتابع: “إن مقاومتنا في لبنان، ورغم كل الحروب بأنواعها المختلفة، ورغم التضليل والتشويه والحصار والعقوبات، فإنَّها تتصدَّى لكلِ محاولات إخضاع بلدها وتقويض بنيان دولته، وتدمير اقتصاده، وهي تدرك أنَّ حجم ما أنجزته في الميدان كان كبيرًا، وقد أجهضت بالتعاون مع حلفائها، مشاريع إقليمية ودولية إلى حد دفَعَ أعداءها إلى التفتيش عن أي وسيلة للرد على تلك الإنجازات، بما فيها الوسائل الاقتصادية والمالية، ومع كل الاستهداف الخارجي لبلدنا، فإنَّ المقاومة تتقدَّم إلى الأمام في بناء القدرات، وفرض المعادلات في البر والبحر، ومن بين إنجازاتها الكثيرة أنّها فرضت على العدو وقف مشروعه التوسعي في الجغرافيا، وهو ما جعله يرتد إلى الداخل، فطرده من لبنان أسقط حلمه التوسعي، ووضع حدًّا لهيبة جيشه الذي قهرته إرادة المقاومين في لبنان وفلسطين، فشريان حياة هذا الكيان هي في حياة جيشه الذي لا ديمومة له من دون شن الحروب والاستيلاء على أراضٍ جديدة، وهو بات أمرًا صعبًا، ولم يعد بمتناول اليد، وسهلًا كما كان في السابق، ولذلك يقر الكثير من قادة العدو أنَّهم في بدايات مرحلة التفكَّك في ظلِّ صراعاتهم الداخلية”.
واردف: “هذا هو المآل الطبيعي للمسار الإنحداري بعد وضع حدٍّ للمشروع الصهيوني التوسعي. وهو المشروع الذي يحاول التعويض من خلال التوَّسع في التطبيع مع بعض الأنظمة العربية من دون القدرة على اختراق وجدان الشعوب العربية والاسلامية، فمهما حاولت تلك الأنظمة لن تستطيع طمس قضية الشعب الفلسطيني، أو جعل هذا الكيان يحظى بأي شرعية”.
وقال: “ليس لدى شعوب أمتنا من خيار سوى مواصلة درب المقاومة والصمود، وقد تحقَّق الكثير من هنا من الجمهورية الاسلامية إلى العراق واليمن وسوريا التي هزمت مع حلفائها المشروع التكفيري، إلى لبنان الذي مهما كانت التحديات سيتجاوز الصعوبات، وسيبقى عصيَّا على الخضوع لإرادة أعدائه، وصولًا إلى فلسطين مركز الصراع الذي يقدم شعبها جيلا بعد جيل وفي كل يوم نموذجًا للتضحية والاصرار على المقاومة”.
اضاف: “في استحضار ذكرى الأخ العزيز حسين شيخ الاسلام (رحمه الله تعالى) فإنَّنا نستعيد معه تلك التجربة الرائدة في عطائه وهو الذي بذل زهرة شبابه وعمره الشريف من أجل شعبه وأمته، وكان دائمًا يتطلع إلى رؤية الجمهورية الاسلامية المقتدرة والمزدهرة التي تنتصر على الحصار والعقوبات والتحديات، وأن يرى المقاومة تتقدَّم بثبات وتحقِّق الانتصارات”.
وتابع: “لقد تحقَّقت الكثير من آمال الراحل على امتداد المنطقة، وأخوانه على امتداد الساحات يعاهدون روحه الطاهرة على استكمال الطريق وسنحقّق بإذن الله جميع تلك الآمال”.
وختم: “من المقاومة الاسلامية في لبنان وحزب الله بقيادته وكوادره وجمهوره الواسع كل التعازي نرفعها للإمام السيد علي الخامنئي دام ظله، ولعائلة الأخ العزيز حسين شيخ الاسلام، ولإخوانه في وزارة الخارجية ومجلس الشورى ومن خلالهم إلى الشعب الإيراني العزيز”.