خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش في 22-4-2022 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش في 22-4-2022

الشيخ علي دعموش

نص الخطبة

مكافحة الفساد في حكومة علي(ع)

الشيخ دعموش في خطبة الجمعة: خيارنا الدولة ولسنا بديلًا عنها

نعزي المسلمين بشهادة امير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) الذي سقط شهيدا في الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 45 هجرية.
على مر التاريخ عانى الناس ولا زالوا من آفة الفساد، فكانت هذه الآفة موجودة في الحضارات القديمة، وقد ابتليت بها حتى الحكومة الاسلامية التي حكمت بعد وفاة النبي (صلَّى الله عليه وآله). فقد تفشى الفساد في اجهزة الدولة لا سيما في عهد عثمان، فكان يوزع القطائع والأراضي على الازلام والمحسوبين لا سيما على معاوية بن ابي سفيان ومروان بن الحكم، وكان الاصل في هذه الأراضي أن ينفق نتاجها وتوزع على الفقراء و أبناء السبيل وأمثالهم، واتبع سياسة التمييز في العطاء فكان يعطي بعض الطبقات المقربة اكثر مما يعطي غيرها ويقدم القرشي على غيره والمهاجر على غيره ، كما عزز موقع بني امية في السلطة فنهبوا خزينة الدولة وتحكموا ببيت مآل المسلمين بصورة فاضحة ووقحة، وكان لابد لأمير المؤمنين (عليه السَّلَام) الذي كان شديدا في الحق وفي اجراء العدالة من التصدي لهذ الآفة ومحاربتها بضراوة عندما تولى الخلافة بعد عثمان، فاتخذ عدة خطوات واجراءات حاسمة للقضاء على الفساد في الدولة ومعاقبة الفاسدين:

فاولا: كانت أول خطوة قام بها الامام على هذا الصعيد، كانت استعادة زكول خطوة قام بها استعاد الاموال المنهوبة، حيث صادر أموال بني أمية التي نهبوها من بيت مال المسلمين، وأعاد كل القطائع التي وزعها عثمان على خاصته إلى خزينة الدولة، وهذه كانت اكبر عملية مصادرة تحدث في الدولة الاسلامية، وكان الهدف منها هو تطهير الدولة من الفساد واعادة الاموال المنهوبة الى خزينة الحكومة.
وقد قال علي (ع) عن المال الذي وزع في عهد عثمان بغير حق: (وَاَللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ اَلنِّسَاءُ، وَمُلِكَ بِهِ اَلْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ، فَإِنَّ فِي اَلْعَدْلِ سَعَةً وَمَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ اَلْعَدْلُ، فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ).
وكان بمقدور الامام ان يساوم الطبقة الفاسدة على الاموال التي نهبوها، ولكنه لم يفعل، لانه لم يكن ليرضى ان يساوم على حساب الدين والعدل، فتحول هؤلاء الى معارضين لحكمه والى متآمرین على ولایته حكومته، وشاركوا في الحروب التي شنت على حكومة علي(ع) واصبحوا فيما بعد من قتلة الحسين عليه السلام في كربلاء.

وثانيا:عزل الولاة الفاسدين الذين ولاهم عثمان على المناطق، ورفض كل محاولات تسوية امورهم او إعطائهم مهلة الى ان تستتب الأمور له ، فقد أشار عليه بعض أصحابه أن يبقيهم حتى يستقر حكمه وتستتب الأمور له ثم يعزلهم، أو ان يعزل بعضهم ويبقي آخرين، إلا أنه رفض ذلك وعده مداهنة في الدين، ومخالفا لمقتضيات العدالة، وهذا يدل على مدى الفساد الذي كانت تقوم به تلك العصابة، وطلب ابن عباس من أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أن يثبت معاوية، فإن بايعه عزله فيما بعد، فأجابه لا والله لا أعطيه إِلَّا السَّيف، وهذا يكشف عن مدى إصرار أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) على محاربة الفساد ورموزه، بكل الوسائل ومهما كانت النتائج، لان للفساد والفاسدين تأثير سلبي كبيرعلى حياة الأمة، وسلب أموالها وخيراتها، لذا كان لا بد من اقتلاع الفساد من جذوره، ليتحقق العدل، وهو أول معيار لدولة العدل الإلهي المتمثلة بخلافة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام).

ثالثا: في توزيع الاموال، ساوى في العطاء بين المسلمين، ولم يقدم احد على احد ، فاحتجوا على مساواتهم بعامة الناس ونقموا عليه على اعتبار انهم من السابقين الى الاسلام وقد قدموا تضحيات كبيرة في سبيل العقيدة ودفاعا عن الاسلام وكيان  الامة، وانه كان عليه ان يميزهم ويقدمهم ويفضلهم بالعطاء من بيت مال المسلمين، فاجاب ” وَ لَوْ كَانَ اَلْمَالُ لِي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ فَكَيْفَ وَ إِنَّمَا اَلْمَالُ مَالُ اَللَّهِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام أَلاَ وَ إِنَّ إِعْطَاءَ اَلْمَالِ فِي غَيْرِ حَقِّهِ تَبْذِيرٌ وَ إِسْرَافٌ وَ هُوَ يَرْفَعُ صَاحِبَهُ فِي اَلدُّنْيَا وَ يَضَعُهُ فِي اَلآْخِرَةِ وَ يُكْرِمُهُ فِي اَلنَّاسِ وَ يُهِينُهُ عِنْدَ اَللَّهِ وَ لَمْ يَضَعِ اِمْرُؤٌ مَالَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ وَ لاَ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ إِلاَّ حَرَمَهُ اَللَّهُ شُكْرَهُمْ وَ كَانَ لِغَيْرِهِ وُدُّهُمْ ..” .

رابعا: اعتمد مبدأ التوظيف على اساس الكفاءة لا المحاباة والمحسوبيات والوساطات، وفرض على المدراء والولاة الالتزام بمعايير الكفاءة والخبرة، وان لايوظفوا الاشخاص على اساس المعروفية والمحسوبية والقرابة، وأوصى واليه على مصر مالك الاشتر ببذلك فقال له:” ثُمَّ اُنْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ فَاسْتَعْمِلْهُمُ اِخْتِيَاراً اِخْتِبَاراً وَ لاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَ أَثَرَةً فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ اَلْجَوْرِ وَ اَلْخِيَانَةِ وَ تَوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ اَلتَّجْرِبَةِ وَ اَلْحَيَاءِ مِنْ أَهْلِ اَلْبُيُوتَاتِ اَلصَّالِحَةِ وَ اَلْقَدَمِ فِي اَلْإِسْلاَمِ اَلْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً وَ أَصَحُّ أَعْرَاضاً وَ أَقَلُّ فِي اَلْمَطَامِعِ إِشْرَافاً إِشْرَاقاً وَ أَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ اَلْأُمُورِ نَظَراً ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ اَلْأَرْزَاقَ فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اِسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ وَ غِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ .. الى ان يقول: وَ تَحَفَّظْ مِنَ اَلْأَعْوَانِ فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَةٍ اِجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ اِكْتَفَيْتَ بِذَلِكَ شَاهِداً فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ اَلْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ وَ أَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ اَلْمَذَلَّةِ وَ وَسَمْتَهُ بِالْخِيَانَةِ وَ قَلَّدْتَهُ عَارَ اَلتُّهَمَةِ”.
ولم يكتف الامام(ع) بمراعاة ضوابط الاختيار والاختبار في الموظفين، بل كان يتابعهم ويواكبهم ويراقبهم بعد التوظيف ويرسل المفتشين الاداريين عليهم لمراقبة ادائهم وامانتهم ومدى حرصهم على خدمة الناس وتحقيق مصالحهم، وعندما كان يكتشف من احدهم تلكأ او اداء فيه شبهة او خيانة كان يبادر الى مسآلته وتحذيره او انزال العقوبة بحقه او حتى عزله عن منصبه.
فقد استعمل الامام اسلوب النصيحة في احيان والتحذير في احيان اخرى للولاة والموظفين خصوصا عندما كان يحس منهم الوقوع في الشبهات ، فنجد مثلا  الامام علي (عليه السلام) يحذر عامله الاشعث بن قيس في آذربيجان من التصرف باموال الدولة من دون ان يرجع اليه في ذلك ويحصل على وثيقة ادارية او قانونية، فقد كتب اليه: ” وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَ لَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَ أَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَكَ لَيْسَ لَكَ أَنْ تَفْتَاتَ (تتصرف) فِي رَعِيَّةٍ وَ لاَ تُخَاطِرَ إِلاَّ بِوَثِيقَةٍ وَ فِي يَدَيْكَ مَالٌ مِنْ مَالِ اَللَّهِ تَعَالَى وَ أَنْتَ مِنْ خُزَّانِهِ..”
وفي موقع اخر نجد الامام (عليه السلام) يحذر من لم تردعه النصيحة بالعقاب وكل ذلك قبل وقوع المخالفة، فقد بعث بكتاب الى زياد بن ابيه وكان خليفة عامله في البصرة يحذره اشد الحذر من التلاعب باموال الدولة ، يقول له ” وَ إِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْءِ اَلْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لَأَشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ اَلْوَفْرِ ثَقِيلَ اَلظَّهْرِ ضَئِيلَ اَلْأَمْرِ وَاَلسَّلاَمُ”
وعندما كان يرتكب احدهم خيانة كان يعاقبه بشدة، فكان شديدا على المخالف والمذنب، فقد بلغه خيانة عامله المنذر بن الجارود العبدي وكان ابوه رجلا صالحا فكتب اليه ” أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلاَحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وَ ظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَهُ وَ تَسْلُكُ سَبِيلَهُ فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ لاَ تَدَعُ لِهَوَاكَ اِنْقِيَاداً وَ لاَ تُبْقِي لآِخِرَتِكَ عَتَاداً تَعْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ آخِرَتِكَ وَ تَصِلُ عَشِيرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ وَ لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِينَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي”
عزل الولاة عن مناصبهم ليس امرا سهلا بالنسبة للحاكم، لانهم ربما يتحولون الى معارضين ومناوئين للدولة، وقد فعل كثير منهم ذلك في عهدد الامام عليه السلام وذهبوا الى معاوية، لكن لم يساوم على المبادئ بل استمر بمحاربة الفساد في دولته حتى وصل الامر ليعترف القريب والبعيد بعدالته، لانه كان يريد ان يقدم تجربة صافية ونقية وخالصة عن الحكم في الاسلام ولو ان عليا(ع) تنازل عن مبادئه ودخل في تسويات ومساومات لما استطاع ان يقدم هذه التجربة النموذجية للحكومة الاسلامية.

نحن بحاجة الى مبادىء علي(ع) لاقتلاع الفساد والفاسدين في بلدنا .
حزب الله كان من اول المبادرين في طرح مشروع لمكافحة الفساد في لبنان، والمسار الذي اتبعه منذ اعلانه عن هذا الملف هو مكافحة الفساد عن طريق مؤسسات الدولة والقضاء لان اي طريق اخر يعني التصادم وجر البلد الى حرب اهلية.
هذا المسار مسار الاعتماد على الدولة  لم يعتمده حزب الله في ملفات الفساد فقط، بل حتى عندما سقط لنا شهداء في خلدة وفي الطيونة رفضنا ان يأخذ الناس حقهم بايديهم ولجأنا الى الى مؤسسات الدولة اي الاجهزة الامنية والقضاء، رغم معرفتنا المسبقة بما يعاني منه القضاء في لبنان، فنحن لا نريد لاي قضية داخلية ان تسبب توترات وتؤدي الى جر البلد الى حرب اهلية.
حزب الله خياره الدولة، ولسنا بديلا عنها ولم ندع في يوم من الايام اننا قادرونا على معالجة مشاكل البلد لوحدنا ومن دون الدولة، نحن نتعاون ونقدم كل التسهيلات والامكانات وكل ما نقدر عليه،  ولكن الدولة هي الاساس، وهي التي يجب ان تتحمل مسؤولياتها في كل الملفات التي تهم المواطنين وفي معالجة الازمات التي يمر بها البلد ،
وفي هذا السياق، حزب الله لا يقدم نفسه كمسؤول عن الاجراءات الامنية في المناطق التي يتواجد فيها  بل خياره في ذلك ايضا الدولة، فهي التي يقع على عاتقها مسؤولية حفظ الامن وملاحقة المرتكبين، وهي القادرة على اعتفال المجرمين وعصابات النشل والسرقة ومحاكمتهم وانزال العقوبات بحقهم، ولا يمكن زج المقاومة مباشرة في هذه المهمة نعم حزب الله يتعاون مع الاجهزة الامنية والقضائية ويقدم كل التسهيلات والمعطيات التي تساعد القوى الامنية للقيام بدورها، وقد تحققت انجازات كثيرة على هذا الصعيد، واليوم الخطة الامنية للضاحية بتعاون الجميع تؤدي الى نجاحات كبيرة، وتركت ارتياحاً لدى أهلنا في الضاحية ويجب ان تستمر وتتعزز لحفظ الامن وردع كل من تسول له نفسه العبث في هذه المنطقة والاعتداء فيها على امن الناس وممتلكاتهم .