نص الخطبة
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً* إِنَّ نَاشِئَةَ اللّيلِ هِيَ أَشَدُّ وَطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً* إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً* وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً )1- 8 المزمل.
الجانب الروحي هو عنصر اساسي في شخصية الانسان المؤمن بحيث أن شخصية الانسان المؤمن لا تكتمل من دون هذا الجانب ومن دون العمل على تربية النفس تربية ايمانية وروحية، ومن دون الاجتهاد في بناء علاقة صحيحة وقوية وعميقة مع الله.
ونقصد بالجانب الروحي المضمون الداخلي المرتبط بالله العلاقة الداخلية للمؤمن مع اللّه تعالى، الاقبال على الله، الانشداد النفسي والقلبي والعاطفي والوجداني نحو الله،
هذا الانشداد الذي ينشأ من الايمان والحب لله ، ومن الخوف من الله ورجاء ثوابه والطمع بعفوه ورحمته والطافه.
المطلوب من الانسان المؤمن ان يبني هذه العلاقة الداخلية باللّه، واذا كانت موجودة فعليه ان يحفاظ عليها وينميها، ويقويها، ويحصنها.
وهذا ما أكد عليه الإسلام تأكيدا كبيرا وأراد من الإنسان أن يتابع ويلاحق نفسه باستمرار من أجل تعميق ارتباطه وإيمانه بالله، والتوجه نحو الله من خلال تأدية العبادات والفرائض والطاعات التي تقوي إيمانه وحبه وإخلاصه لله.
لا يصح ان نغفل او نتراخى في القيام بالعبادات والمستحبات والذكر والحضور في المساجد والصلاة جماعة فيها والاستماع الى المواعظ التي تذكرنا بالله بحجة اننا نعمل في المجال الاجتماعي او السياسي او التنظيمي او الجهادي، وهذه الاعمال هي نوع من العبادة لاننا نعمل فيها في سبيل الله ومن اجل الاهداف الالهية ونخدم من خلالها المستضعفين والمظلومين وما شاكل.
البعض يقلل من قيمة العبادات والمستحبات والتضرع الى الله والحضور في المساجد والصلاة جماعة .. ويعتبر ان الانخراط في عمل المقاومة والحضور في المحاور والمرابطة في الجبهات والمشاركة في العمليات او المشاركة في الوحدات والمؤسسسات المختلفة التي تخدم المقاومة وتخدم الناس او السعي لمساعدة الناس وقضاء حوائجهم وتخفيف معاناتهم على الصعيد المعيشي مثلا، هو الاساس يعني ان الجانب الجهادي والاجتماعي هو الاساس وليس الجانب الروحي.او على الاقل هذا يغني عن الاهتمام بذاك الجانب.
وهذا اتجاه سلوكي خاطىء وربما خطير وهو ناشىء عن غفلة بعض العاملين عن أهمية البناء الروحي والتوجه الى الله أو ناشىء من غرور بعض العاملين الذين يعملون بالعمل الجهادي وبالمقاومة واعتقادهم بأن هذا العمل أعلى قيمة وأعظم أجرا وثوابا من العبادات والصلاة والنوافل وقراءة القرآن والأدعية وغيرها! .
وهذا تصور خاطىء لان العمل في المجالات الاجتماعية والسياسية والتنظيمية والجهادية وان كان شكلا من اشكال العبادة والطاعة عندما يكون في سبيل الله ولخدمة المستضعفين لكنه لا يغني عن الصلاة والصيام والقيام واحياء الليالي بالدعاء والتضرع وقراءة القران .
الانسان المؤمن يجمع بين الامرين ولا يقدم احد الامرين ويغفل او يهمل او يتراخى ب عن الامر الاخر، كلاهما مطلوبان، وعلى الانسان ان يوازن بينهما، فكما يعطي وقتا للعمل الاداري والتنظيمي او للعمل الاجتماعي او السياسي او الجهادي عليه ان يعطي وقتا ليتوجه الى الله وليختلي مع الله وليعبد الله ويقوي ايمانه وعلاقته بالله واخلاصه لله، لان الايمان هو الاساس وهو الذي يدفع الانسان نحو تحمل مسؤولياته الاجتماعية والسياسية والجهادية،والاهتمام بقضايا الامة والمظلومين ومواجهة المستكبرين والظالمين والمحتلين، الايمان والروح الايمانية هي الدافع وهي المحرك والباعث نحو القيام بهذه المسؤوليات .
ايضا البعض الآخر قد تلهيهم مشاغل العمل والتجارة والوظيفة او العمل التنظيمي او الجهادي عن الاهتمام بالبناء الداخلي والتوجه الروحي والاتيان للمساجد والتعبد لله وهذا سلوك خاطىء ايضا .
حاجة الانسان الذي يعمل في إطار العمل الجهادي والمقاومة الى تقوية العلاقة مع الله ومتابعة النفس الامارة بالسوء وتهذيبها وتذكيتها تفوق حاجة الآخرين العاديين، لانهم في دائرة استهداف الشيطان.
الشيطان قد لا يترصد ولا يستهدف الناس العاديين ولا يتربص بهم ولا يبادر الى اغرائهم ووسوستهم كما يبادر الى اغراء ووسوسة اولئك الذين يعملون في مجال العمل الرسالي وفي صفوف المقاومة ومواجهة الإحتلال والاستكبار وأدواته.
الناس العاديون قد لا يتعرضون ايضا لإستهداف العدو المباشر ولمخاطر الإختراق والإنزلاق كما يتعرض العاملون المجاهدون ، ولا تشبه خطورة سقوط واحد من عامة الناس خطورة سقوط انسان يعمل في المقاومة، فإن الانسان المجاهد الذي يعمل في مسيرة متلألئة كمسيرة حزب الله اذا سقط لا يسقط وحده وانما قد يعرض المسيرة كلها للتشويه .
فالعاملون والمجاهدون بحاجة اكثر من غيرهم الى تعزيز الجانب الروحي وتقوية الايمان والحب والاخلاص لله والتعبد له باستمرار.
نحن نحتاج أن تبقى روح التوجه إلى الله والتعبد لله حاضرة بقوة في حياتنا حتى في غمرة الانشغالات وهموم الحياة والمتابعات والاهتمامات المختلفة ، وأن لا يصرفنا اي عمل عن تعزيز الارتباط بالله والعبادة له والوقوف بين يديه وملىء المساجد والمواظبة على صلاة الجماعة فيها والحضور في الصلاة يوم الجمعة.
عندما نعود الى السيرة النبوية نجد ان النبي(ص) كان من اعظم العاملين والمجاهدين في سبيل الله وكذلك ائمة اهل البيت(ع)، لكن عملهم وجهادهم وكثرة مشاغلهم ومتابعاتهم لم تصرفهم او تشغلهم عن التوجه الى الله والعبادة والتضرع والبكاء من خشية الله ،
فقد (كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يقوم ولا يجلس الا على ذكر اللّه).(وكان يتضرع عند الدعاء حتى يكاد يسقط رداؤه). و (كان يبكي، حتى يبتل مصلاه من خشية اللّه عز وجل..). و(كان صلى اللّه عليه وآله وسلم يبكي حتى يغشى عليه فقيل له : (أليس قد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) ؟ قال : (أفلا أكون عبداً شكوراً).
وسار علي(ع) على نهج رسول الله (ص) بالرغم من كثرة جهاده وتضحياته وانجازاته وانشغالاته، فكان يفرغ بعض الوقت للعبادة وكان عندما يصلي كأنه خشبة ملقاة على الارض لا يتحرك من خشية الله،
وفي تاريخنا الجهادي وتاريخ مسيرتنا ومقاومتنا نرى الكثير من أمثال هذه المشاهد الرائعة من اقتران الجهاد والمقاومة في ميادين القتال بالعبادة وتهذيب النفس والابتهال والتضرع الى الله وقيام الليل، نرى الكثير من ذلك في قادتنا وعلمائنا وشهدائنا ومجاهدينا..مشاهد سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي وهو يقرأ الدعاء بذلك الصوت الخاشع المتضرع الى الله في المحاور وفي مواقع الجهاد معروفة وكلنا يشاهدها.
نحن بحاجة دائما الى تجديد وتقوية وتنمية هذه العلاقة مع الله حتى لا نسقط امام الشهوات والاهواء والمغريات .
لا بد من تعميق الارتباط بالله لان ما عند الله باق اما المسؤوليات والمناصب والاعنمال كلها زائلة وفانية .(مَاعِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍۢ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ).
وشهر رمضان هو اعظم فرصة لذلك فلابد من استثمار ايامه ولياليه وساعاته في العودة الى الله وتعزيز الروح المعنوية والارتباط بالغيب ، في مقابل غلبة الروح المادية والمعايير الدنيوية المادية والشهوات والاهواء لدى الكثير من الناس في المجتمع، وهذه تحتاج الى جهد ووعي وفهم للأهداف والغايات التي خلق الانسان لأجلها، ولها وسائل خاصة لا بد من الاخذ بها.
ومن وسائلها :
اولا: ان نعلم بان رضا الله هو الغاية والهدف الذي يجب ان نسعى للوصول اليه دائما في هذه الحياة، ﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ا.
ثانيا: التركيز على كل ما يقربنا الى الله حتى لو كان قليلا، والالتزام بالعبادات بالصلاة والصوم والدعاء وقراءة القرآن وذكرالله، وتطوير علاقتنا بالله يوميا من خلال اداء الفرائض والنوافل ومن خلال المواظبة على الحضور اليومي في المساجد والصلاة جماعة فيها وقيام الليل واحياء ليالي القدر في هذا الشهر الشريف
ثالثا: اختيار اصحابنا ورفقائنا من المؤمنين والصالحين، ومجالسة العلماء الأتقياء والتأسي بهم والاستفادة من علومهم واخلاقهم وروحانيتهم فان الكثير من هؤلاء يذكروننا بالله.
رابعا: محاسبة النفس باستمرار وتوجيه النقد اليها وتهذيبها ومعالجة الاخطاء والتوبة الى الله.
نبارك للشعب الفلسطيني المقاوم ولعائلة الشهيد المجاهد رعد فتحي حازم العملية البطولية الجديدة ضد الاحتلال في تل ابيب هذه العملية كشفت ضعف العدو وهشاشة كيانه واكدت مجددا ان الشعب الفلسطيني لن يتخلى عن قضيته ولن يستسلم للاحتلال وسيبقى يقاوم ويبتكر أساليب جديدة للمقاومة لطرد الصهاينة وتحرير ارضه حتى لو تنازلت الانظمة المتآمرة والمطبعة عن قضيته ومقدساته.
اما في لبنان فان احد اهداف الحملة المستمرة على المقاومة هو التأثير في مزاج الناس على ابواب الاستحقاق الانتخابي ودفعهم للتصويت ضد لوائح حزب الله وخياراته السياسية، وذلك من خلال التحريض وبث الاكاذيب وتحميل المقاومة مسؤولية الانهيار وعدم الاستقرار، وعلى قاعدة اكذب اكذب حتى يصدقك الناس!
خصوم المقاومة في الداخل يطلقون شعارات غير واقعية واكبر من احجامهم من قبيل نزع سلاح المقاومة وانهاء المقاومة وما شاكل، وربما نسيوا ان المقاومة التي يستهدفونها بأكاذيبهم المكشوفة ويحملون مشروع اسقاطها استهدفها اسيادهم في مراحل عديدة وفشلوا ولم يحققوا شيئا، فهل سيستطيع هؤلاء وهم مجرد ادوات صغيرة تديرها السفارات، ان يحققوا ما عجز عنه اسيادهم؟.
اهلنا الشرفاء المقاومون والصابرون في كل المناطق في الجنوب والبقاع والضاحية وبيروت وجبيل الذين قدموا التضحيات على طريق المقاومة وواجهوا بثباتهم وصبرهم ووعيهم كل التحديات السابقة وانتصروا عليها، سيكونون بالتاكيد بمستوى التحديات الجديدة، وسيثبتون في ١٥ ايار من خلال مشاركتهم القوية في الانتخابات واقتراعهم للمقاومة، انهم اهل الحق والصدق والوفاء، وان حزب الله متجذر في قلوبهم وعقولهم وثقافتهم ووجدانهم، وان كل المال الانتخابي ومحاولات التضليل والتشويش والضغوط لا يمكنها ان تدفعهم لمواقف سياسية خاطئة او تبعدهم عن المقاومة وخياراتها.
حزب الله على ثقة بان اهله الأوفياء سيشاركون بكثافة في الانتخابات والاقتراع لانجاح المرشحين على لوائحه ولوائح حلفائه في كل المناطق اللبنانية، ولإفشال الأهداف الأميركية والإسرائيلية التي تريد إضعاف تمثيل المقاومة في بيئتها، وسيوجهون بحضورهم القوي صفعة جديدة لاميركا وحلفائها وازلامها في الداخل وسيسقطون مشروعهم .
فنحن وجمهورنا وحلفاؤنا باقون نحمي ونبني، باقون على نهج المقاومة نحمل مشروعها وأهدافها،
باقون لنحمي بلدنا من مخاطر التطبيع الذي يريده البعض، ومن أطماع العدو الذي يحاول بتواطؤ أميركي الاستيلاء على ثرواتنا ونفطنا وغازنا ومياهنا،
باقون لنبني بلدا قويا وعزيزا ومستقلا لا يخضع للضغوط الأميركية ولا يرتهن لأي دولة، نبني نظامه السياسي بعيدا عن الطائفية، ونبني اقتصاده على أسس صحيحة ليكون اقتصادا منتجا يدعم الصناعة والزراعة والانتاج الوطني، ولا يعيش على التحويلات والمساعدات ولا تحكمه الكارتيلات والوكالات الحصرية.
فحزب الله يريد بناء دولة حقيقية، لا دولة مزارع ومحاصصة طائفية، وبلدا قويا لا بلدا ضعيفا وهشا، ووطنا عزيزا وكريما لا وطنا ذليلا ومستباح الكرامة .
هذا هو مشروع حزب الله حماية البلد وبناء البلد وخدمة الناس ، اما مشروع خصومه فهو تعميق ازمات البلد وزيادة الانقسام بين اللبنانيين واثارة الفتن الطائفية والمذهبية وجر البلد الى الخراب ورميه في احضان الخارج. وعلى اللبنانيين ان يحسنوا الاختيار ويختاروا البناء لا الخراب.