نص الخطبة
(إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)
الاسبوع الاخير من شهر شعبان هو اسبوع للمسجد، نعيد فيه التذكير باهمية المسجد ومكانة المسجد وثواب العبادة في المسجد، وبمسؤولياتنا تجاه المساجد، من ناحية الحضور فيها واعمارها واحيائها بالعبادة والصلاة، لا سيما صلاة الجماعة، ومن ناحية الاهتمام والعناية بنظافتها وترتيبها واناقتها وطهارتها وصيانتها .
فالمساجد لها مكانة عظيمة في الاسلام، فهي كما في الروايات الشريفة: مجالس الأنبياء (عليهم السلام)، وبيت كلّ مؤمن، وهي بيوت الله في الأرض، فمن أتاها متطهّراً طهّره الله من ذنوبه، وكُتب من زوّاره. ففي الحديث القدسي: “إن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى لمن تطهَّر في بيته ثم زارني في بيتي، وحقٌّ على المزور أن يكرم الزائر” .
واهمية المسجد تكمن في كونه المحور والمنطلق للتعبئة الروحية وللتعبئة الثقافية ولزيادة منسوب الوعي خاصة لدى الشباب والاجيال.
فالمسجد له ادوار اساسية ومحورية، روحية واجتماعية وسياسية واعلامية وجهادية، وكل هذه الادوار يقوم بها المسجد انطلاقا من مكانته وقدسيته، وانطلاقا من كونه بيت الله الذي يقصده ويجتمع فيه المؤمنون ليكون منطلقا لكل الأعمال الصالحة والحسنة، ومكانا لبناء الشخصية ولصناعة الإنسان وإصلاح النفس وتطهير القلب وإصلاح الدنيا وبناء الحضارة الإسلامية .
ولذلك فان الفوائد التي يحصل عليها رواد المسجد عديدة ومتنوعة:
اولا: الروحانية التي يحصل عليها الانسان في المسجد قد لا يحصل عليها في غيره من خلال الصلاة جماعة وتلاوة القرآن وقراءة الادعية، خاصة عندما يكون هناك توجه وخشوع اثناء تأدية الاعمال العبادية، فمن أراد ان يعيش روحانية العبادة عليه أن يصاحب المسجد، ومن أراد الهداية عليه أن يتردد إلى المسجد، ومن أراد التوبة فبابها المسجد، فالمسجد هو تجسيد للرحمة الإلهية التي تغمر المؤمنين في الدنيا وتكون سبباً لحسن العاقبة.
ثانيا: التعلم والتفقه واكتساب المعرفة والثقافة والوعي عندما يجلس الانسان المؤمن في المسجد يستفيد من خطيب المنبر ومن الموعظة ومن الدروس المختلفة التي تلقى في المسجد، فيعرف امور عقيدته ويتعلم القيم والاخلاق ويعرف الحلال والحرام ويسأل عن الابتلاءات التي يقع فيها ليعرف احكامها ويتفقه في الدين.في المسجد قد يستمع الانسان الى نصيحة تدفع عنه الكثير من المصائب والمشكلات وقد يستمع الى كلمة طيبة او موعظة حسنة ترشده الى طريق الهدى او وتفتح امامه ابوابة التوبة وتبعده عن الذنوب والمعاصي بل قد يستفيد الانسان من دعوة مستجابة يدعو بها المؤمنون في المسجد.
ثالثا: انشاء الصداقات والعلاقات الاخوية وتقويتها، فعندما ياتي المؤمنون الى المسجد ويلتقون ببعضهم فيه يتحول المسجد الى مكان للتعارف يتعرفون على بعضهم وينشئون الصداقات ويمتنون علاقاتهم ويتبادلون الاحاديث والهموم، ويقوّن الروح الاجتماعية فيما بينهم وهذا يؤدي الى تماسك المجتمع.
ودور المسجد في التماسك الاجتماعي واضح جداً خصوصاً مع ملاحظة صلاة الجماعة فيه، والتي يعني الالتزام بها اجتماع المؤمنين ثلاث مرات يومياً بالحد الادنى.
فإنّ صلاة الجماعة في المسجد هي مظهر من المظاهر التي تعبر عن وحدة المؤمنين والمسلمين حينما يقفون معاً في صفوف متراصة، ويركعون معاً، ويسجدون معاً، ويصلون لله الواحد الاحد.
رابعا: الوعي السياسي ، فالمسجد هو مركز للتعبئة السياسية وكشف المؤامرات، ففي المسجد يكتسب الانسان مثل هذا الوعي من خلال الخطب والاحاديث التي تتناول الاوضاع السياسية والموقف السياسي، بل ان المتردد الى المسجد يطلع على الكثير من المعطيات والمعلومات والامور الاجتماعية والسياسية وغيرها والموقف منها، وهذه المعرفة قد لا يحصل عليها الانسان بالشكل الذي يحصل عليها في المسجد.
وخامسا: المسجد هو مركز للتعبئة الجهادية وحث الناس على تحمل مسؤولياتهم في نصرة الاسلام والمسلمين ومواجهة الاعداء المستكبرين والمحتلين والمعتدين. وقد كان كذلك في عهد النبي(ص) وبقي كذلك في مختلف العصور.
وقد استطاع المسجد أن يغير المعادلات السياسية ويؤثر في مجريات الاحداث ويحدث انقلاباً على موازين الاستكبار والمستكبرين والمحتلين في هذا العصر من خلال الثورة الإسلامية المباركة في إيران، ومن خلال المقاومة في لبنان فالمساجد في ايران وفي لبنان كانت منذ البداية محوراً للحركة وللمقاومة وللمجاهدين في المقاومة. الاخوة الذين عاصروا المراحل الاولى لانطلاقة الثورة في ايران ولانطلاقة المقاومة في لبنان يعلمون أنه لم تكن هناك مراكز او مكاتب خاصة، كان الشباب يجتمعون في المسجد ويخططون للعمليات في المسجد ويجمعون السلاح في المسجد وينقلونه من المسجد، كان المسجد هو مركز للتوجيه وللتعبئة وللتنظيم، وللانشطة المختلفة وبالتالي المساجد ساهمت بشكل كبير في كل الانجازات والانتصارات التي تحققت على مدى العقود الماضية والى هذه الحقيقة يشير الإمام الخميني قدس سره فيقول: “إن المساجد هي التي حققت النصر لأبناء شعبنا، وهي مراكز حساسة ينبغي بالشعب الاهتمام بها”.
والى كل هذه الادوار والفوائد اشار أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال: مَنِ اختَلَفَ إلى المَسجِدِ أصابَ إحدَى الثَّماني : أخا مُستَفادا في اللّه ِ ، أو عِلما مُستَطرَفا ، أو آيَةً مُحكَمَةً ، أو رَحمَةً مُنتَظَرَةً ، أو كَلِمَةً تَرُدُّهُ عن رَدىً ، أو يَسمَعُ كَلِمَةً تَدُلُّهُ على هُدىً ، أو يَترُكُ ذَنبا خَشيَةً أو حَياءً .
اما مسؤوليتنا تجاه المساجد فتتلخص بامرين :
الاول: الاهتمام بنظافتها والحفاظ على طهارتها واناقتها والمساهمة في بنائها وترميمها وصيانتها قدر الامكان.
الثاني: الحضور في المساجد والصلاة فيها في اول الوقت والمشاركة في صلاة الجماعة . وهذا ما اكدت عليه الروايات. لا يجوز اخلاء المساجد بل يجب اعمارها واحيائها والحفاظ عليها بالحضور فيها والصلاة جماعة فيها لا يصح ان تكون مساجدنا ضعيفة بقلة روادها وضعف الاقبال عليها .
قبل كورونا كانت مساجدنا عامرة بالمؤمنين والمصلين نسبيا اليوم المساجد تشكو من قلة المصلين مع ان المخاوف من انتشار كورونا اصبحت اقل بكثير مما كانت عليه والاجراءات اصبحت اقل.
لذلك في اسبوع المسجد وعلى ابواب شهر رمضان المبارك ندعو الى اعادة احياء المساجد والاقبال عليها والحضور فيها والحرص على الصلاة فيها والمشاركة في صلاة الجماعة فيها.
وجيران المساجد وهم الذين يسكنون في جوار المسجد او تكون اماكن عملهم بالقرب من المسجد اي في محيط أربعين داراً من كلِّ جانب، أو يتواجدون في المدى الذي يصل فيه نداء الأذان، هؤلاء اولى من غيرهم بالتردد الى المساجد وبالصلاة فيها، فقد ورد أنه قيل للإمام علي (ع):” من جار المسجد يا أمير المؤمنين، فأجاب (ع): من سمع النداء” فهؤلاء جيران المسجد .
وقد ورد عن النبي الأعظم (ص): “لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد” .
المشي الى المسجد من قبل هؤلاء وغيرهم له اجر عظيم والصلاة في المسجد ثوابه اضعاف ثواب الصلاة في البيوت او المكاتب او في اماكن العمل المختلفة والصلاة جماعة في المسجد فضلها واجرها وثوابها اضعاف الصلاة فرادى.
ففي الحديث عن الإمام علي (ع): “الصلاة في المسجد الحرام مئة ألف صلاة والصلاة في مسجد المدينة عشرة آلاف صلاة ، والصلاة في بيت المقدس ألف صلاة, والصلاة في المسجد الأعظم مئة صلاة… وصلاة الرجل وحده في بيته صلاة واحدة” ..
وقد وردت العديد من الروايات التي تحث على الذهاب إلى المسجد بنية طلب الجماعة، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): “من مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، وان مات وهو على ذلك وكَّل الله به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتى يبعث”.
احياء المساجد بالاقبال عليها واعمارها بحضورنا وعبادتنا فيها وبالحفاظ عليها.
الإمام الخميني قدس سره يقول: ” إن مهمة حفظ المساجد تقع على عاتق كل فرد من أفراد هذه الأمة، وليس المقصود من الحفظ حفظ الحجارة والجدران والأبواب، وإنما حفظ الدور والمحورية والروحية، حتى نصبح أبناء المساجد حقاً قد جبلت روحيته بنفوسنا وأرواحنا وخالطت دماءنا .
هذا هو واجبنا الذي يجب أن نلتفت إليه، لأن أي وهن وضعف في المساجد هو وهن وضعف في خندق أساسي للمجتمع الإسلامي، مما قد يسبب انهيار المجتمع الإسلامي وتراجع الحالة الإسلامية ، فالبعد عن المساجد هو أساس الوهن!.
اليوم الانتخابات النيابية أصبحت على الأبواب ومسار الامور حتى الآن يتجه نحو إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ان لم تحصل تطورات غير متوقعة، وحزب الله حريص على اجرائها في موعدها ليمارس الناس حقهم في اختيار ممثليهم .
نحن نخوض معركة الانتخابات لنخدم الناس وليس للتفرد بالسلطة او الحصول على مقعد هنا او منصب هناك، فنحن لا نفتش عن مناصب في الدولة ولا عن مكاسب خاصة، وانما نعمل لنكون صوت الناس في المجلس النيابي، نسعى من خلاله لتحقيق مصالحهم وحماية بلدنا وحفظ سيادته واستقلاله. وقد تحملنا هذه المسؤولية خلال كل السنوات التي كنا فيها في المجلس النيابي وفي الحكومة، وقدم نوابنا ووزراؤنا تجربة ناصعة في العمل البرلماني وفي الوزارات التي تحملوا مسؤوليتها في وزارة الصحة ووزارة الزراعة والصناعة والعمل والاشغال وغيرها وهذه التجربة كانت ولا تزال تقوم على الشفافية والصدق والاخلاص والحرص على المصلحة الوطنية ومصالح الناس.
صحيح اننا لم نتمكن من تنفيذ مشروعنا الانقاذي نتيجة الحصار الامريكي والتباينات القائمة في البلد وحالة الفساد المستشرية في مؤسساته، لكننا استطعنا من خلال وجودنا في المجلس النيابي وفي الحكومة ان نكون الصوت المؤثر لحماية مصالح الناس ودفع الكثير من المفاسد عنهم، وقد شارك نوابنا ووزرائنا في اقرار العديد من القوانين والمشاريع التي تعود بالفائدة على الناس مثل قانون المنافسة وغيره، وكانت لهم مساهمات فعالة في الحد من الهدر ومن فرض الضرائب في الموازنات العامة.
الاكثرية التي حصلنا عليها في الدورة الماضية منعت استهداف المقاومة، وحالت دون تنفيذ اميركا وأدواتها لمشاريعهم في لبنان، ووفرت الحماية للمقاومة لتقوم بواجباتها في مواجهة التكفيريين ومنعهم من استباحة لبنان.
اليوم البعض يقول نحن مع المقاومة، والمقاومة بالنسبة الينا خط احمر لكن لا تفرضوا علينا تحالفاتكم وانتخاب من لا نريده! ونحن نقول: نحن اساسا لا نفرض على احد شيئا، ولا نصادر قرار احد، وليس صحيحا على الاطلاق اننا نقود الناس الى خياراتنا وتحالفاتنا الانتخابية بالتكليف الشرعي، لكن من يقتنع بالمقاومة ويلتزم خيارها ويعتبرُها خطا احمرا، عليه ان يقتنع بخياراتها ومرشحيها، وبتحديدها للمصلحة التي تراها تصب في خدمة مشروعها لحماية لبنان، وبتوجهات قيادتها التي تعمل من اجل الناس بعيدا عن الحسابات الضيقة والصغيرة، ونحن عندما نتحالف مع قوى واحزاب وشخصيات فانما نفعل ذلك انطلاقا من رؤية سياسية ومن موقف هذه القوى المؤيد للمقاومة، فالتحالف السياسي والانتخابي لدينا مبني على الموقف من المقاومة والسلم الاهلي ومنع الفتن ومواجهة خصوم المقاومة الذين يريدون ضرب تحالفاتها السياسية وتجريدها من حلفائها، هو مبني على مثل هذه الحسابات الكبيرة الاستراتيجية التي تحصن بلدنا وليس على حسابات صغيرة .
المصدر: بريد الموقع