مظاهرالعفة والحياء في سلوك زينب(ع)
نص الخطبة
نعزيكم بذكرى وفاة عقيلة بني هاشم زينب الكبرى(ع) ابنة اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب(ع) واخت الحسن والحسين(ع ( وبطلة كربلاء وجبل الصبر والتحمل التي تصادف في الخامس عشر من شهر رجب ونسأله تعالى ان يجعلنا من السائرين على نهجها .
شخصية السيدة زينب زاخرة بالصفات والخصال والمواهب العظيمة، وسيرتها وحياتها مليئة بالمواقف الشجاعة وبالمكارم الرفيعة، فمن صفاتها العظيمة والبارزة العفة والحياء.
وعفة المرأة لا تعني الانكفاء والانطواء، ولا تعني الجمود والإحجام عن تحمل المسؤولية وممارسة الدور الرسالي والاجتماعي، وقد رأينا السيدة زينب(ع) كيف مارست دورها الرسالي والاجتماعي بأعلى مستوياته وكيف كانت امتدادا في مواقفها وحركتها لثورة كربلاء، فعفة المرأة لا تعني الجلوس في البيت والانكفاء عن تحمل المسؤولية، بل تعني حفاظ المرأة على رزانتها ورصانتها وجدية شخصيتها أمام الآخرين وترفعها عن كلّ أمرٍ دنيّ وحقير وعدم الوقوع فيما لا يناسبها، فإذا استلزم الأمر أن تخرج المرأة إلى ساحة المعركة والى ساحة العمل فلا تتردد في ذلك، وإذا كانت هناك مصلحة في التخاطب مع الرجال فلا مانع وهكذا في سائر المجالات النافعة والمفيدة.
والعفة والحياء والخجل من لوازم الفطرة البشريّة، بينما التهتُّك والميوعة والانحلال وعدم الحياء خلاف الفطرة، ومن الخطأ الظنّ أنّ هذه الصفة الحسنة خاصة بالنساء، دون الرجال، بل هي صفة لكل من المرأة والرجل، وهي ترقى بالرجل والمرأة حين يلتزمان بها إلى الكمال الإنساني .
ومن أهم نماذج العفيفات التي قدمها الإسلام بعد السيدة الزهراء (عليها السلام) ابنتها السيدة زينب الكبرى عليها السلام.
ولقب العقيلة الذي هو احد القاب السيدة زينب حيث يقال لها عقيلة بني هاشم يشير الى هذا المعنى، لان احد معاني العقيلة هو: السيدة المخدرة أي الشريفة العفيفة التي تلتزم بحجابها بشكل كامل كما يريد الله، والمرأة التي تحترم حجابها وتصونه وتحفظه فلا تقوم بأي عمل أو سلوك يتنافى مع حجابها، أو يمكن أن يسيء إلى حجابها.
وهناك مظاهر كثيرة لعفة وحياء واحتشام السيدة زينب(ع) منذ بداية حياتها:
1-: فهي لم تكن تظهر على الرجال او تُسمع صوتها للرجال غير المحارم منذ ان كانت في بيت ابيها، فقد حدث يحيى المازني قال: كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً.
ومن الطبيعي ان تكون زينب(ع) من البداية مجللة بالحياء وهي التي تربت في بيت الايمان والحياء والعفة ، وتعلمت من امها وابيها وورثت منهما كل الخصال الحميدة وتأثرت بسلوكهما النبيل حيث نقرأ في زيارتها:(السلام على من رضعت بِلُبان الإيمان) فهي رضعت الايمان من ذلك البيت الطاهر.
ولا شك ان الوراثة والعائلة والبيئة التي يتربى فيها الانسان لها تاثير في سلوك الإنسان واخلاقه وأعماله، فالانسان يتأثر بالاجواء التي يعيش فيها، وقد ثبت أنّ جزءاً من الصفات الحسنة والسيئة تنتقل من جيل إلى جيل بالوراثة والتربية ، والعديد من الفضائل والكمالات تنتقل إلى الأبناء من خلال الوراثة والتربية الصحيحة.
ولذلك فان تربية زينب كانت تجعلها الانسانة العفيفة وتمنعها من الاختلاط غير الضروري بالرجال. لان الاختلاط يتنافى مع العفة، لانه من يضمن ان لا يؤدي الاختلاط الى الوقوع في الحرام او فيما لا يناسب المؤمن او المؤمنة؟.
من يضمن عندما ترفع الحواجز والحدود في العلاقة بين الشاب والفتاة بحيث تصبح الفتاة لا تتحرج في الحديث مع الشاب وجها لوجه او عبر وسائل التواصل ولا تتحرج في الخروج من بيت اهلها لتمضي اوقاتا مع شباب في رحلات او في سهرات او ماشاكل ذلك، بحجة ان هؤلاء رفقة ويريدون ان يتسلوا (وشو فيها اذا ضهروا وانبصتوا) من يضمن ألا يؤدي مثل هذا الانفتاح والسلوك الى علاقات غير شرعية والى مصائب وويلات كما نشاهد احيانا في مجتمعنا؟؟.
هذه امور لا تتناسب مع الفتاة التي لديها عفة وحياء والتي تريد ان تحمي شخصيتها وشرفها وقدسيتها.
اليوم عدم التعفف عن الاختلاط وعدم التورع عن التواصل وتبادل الاحاديث غير الضرورية مع الرجال الاجانب خصوصا عبر الواتس والفايس بوك، بات يورط حتى المحصنات المتزوجات بعلاقات غير شرعية تؤدي الى خراب البيوت وتدمير العائلة.
العفة تصون الشرف وتحفظ السمعة وتحمي العائلة وتضمن مستقبل الفتاة .الفتاة التي لا تتعفف من الذهاب مع الشباب وتبادل الاحاديث غيرالضرورية معهم والتحرك بميوعة وغنج ودلع، منْ يجروء بعد ذلك على الزواج منها ويبني لها مستقبلها؟.
هذه امور يجب الالتفات اليها ومسؤولية الأهل هنا كبيرة جدا لان عليهم ان يحافظوا على عفة بناتهم وان لا يسمحوا باي شيء يتنافى مع عفتهن.
2- وتجلى الحياء لدي زينب في سلوكها حتى عندما خرجت في موكب اخيها من المدينة نحو مكة ومن ثم نحو كربلاء، فقد كانت القافلة التي أقلت عقيلة بني هاشم مجللة بالحياء والعظمة، ينقل أحد الرواة في أحد المقاطع التاريخية عن موكب الحسين عند خروجه من المدينة نحو مكة: “رأيت نحواً من أربعين محملاً، وقد زيّنت المحامل بملابس الحرير والديباج، فأمر الحسين (عليه السلام) بني هاشم بأن يُركبوا النساء على المحامل، فبينما أنا أنظر وإذا بشابّ قد خرج من دار الحسين عليه السلام وهو طويل القامة وعلى خده علامة ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحّوا يا بني هاشم! وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد أحاطت بهما إماؤهما، فتقدّم ذلك الشابّ إلى محمل من المحامل وجثى على ركبتيه، وأخذ بأيديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما فقيل: أمّا إحداهما فزينب، والأُخرى أُمّ كلثوم بنتا أمير المؤمنين. فقلت: ومن هذا الشابّ؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العبّاس بن أمير المؤمنين.
3- وبرز حياء زينب خلال مرحلة السبي حيث حافظت على عفتها في تلك الظروف الصعبة يقول المؤرخون: “خرجت وهي تستر وجهها بكفها لأن قناعها أُخذ منها”.
4- وتجلِّى حياء زينب حتى عندما وقفت في دار الإمارة في الكوفة امام عبيد الله ابن زياد، حيث أزاحت بواجهها عنه وانزوت في زاوية من المكان يجللها الحياء والنجابة والطهارة .فسأل ابن زياد: من هذه المرأة؟ (وكرر السؤال ثلاث مرات) فلم تجب زينب لحياءها، ولعلمها بما يريده ابن زياد وهو احتقارها، إلى أن غضب ابن زياد وعرف بانها زينب فقال لها: “كيف رأيتِ صنع الله بأخيك وأهل بيتك”؟ فاجابت جواباً مختصراً ومفحما وقالت: “ما رأيت إلا جميلاً”.
الحياء والخجل والعفاف والاحتشام واتزان الشخصية وعدم مويعتها هو الدرس الذي يجب ان نتعلمه من زينب وهذه العناوين والمفاهيم هي التي يجب ان نربي ابنائنا وبناتنا عليها، ولانسمح بشيوع الميوعة والانحلال في مجتمعنا .
واهم العوامل التي ننمي من خلالها حالة العفة والحياء في مجتمعنا وبين ابنائنا وبناتنا:
اولا: الزواج: لان الزواج وسيلة لتهذيب وإشباع الشهوة، ويخلق لدى الانسان حصانة تمنعه من الانسياق وراء الشهوات.
ثانيا: غضُّ البصر عما حرم الله: فان بناء المجتمع العفيف يبدأ من غضِّ بصر الرجال أوّلاً حيث يقول تعالى في خطابهم ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ ثمّ خاطب النساء فقال ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾.
ثالثا: اجتناب كل ما يثير الشهوة وهذا له امثلة عديدة:
1- مثل مشاهدة المحطات التلفزيونية او مواقع الانترنت الّتي تبثّ البرامج والافلام غير المحتشمة والمُخحِلَّة أخلاقيّاً فعلى الإنسان اجتناب هذه الوسائل أو تنظيمها بحيث تكون تحت رقابة ممنهجة بغية الاستفادة من البرامج المفيدة منها.
2– التفريق في المضاجع أثناء المبيت بين الذكور والإناث فلا ينبغي ان ينام الاطفال في نفس الغرفة التي ينام فيها الزوجان.
3- التقيُّد بالالتزام بالحجاب والستر الشرعيّ وعدم اظهار الزينة مثل مساحيق التجميل والمناكير، والمكياج، وغير ذلك أمام الأجانب لأن التعرّي والتزيّن من شأنهما تحريك الغريزة الجنسيّة، بحيث ينجرّ إليها الشباب.
نحن بجاجة الى الالتزام بكل هذه العناوين من اجل ايجاد حصانة إيمانية وأخلاقية في مجتمعنا، وبحاجة أيضا الى حصانة سياسية ووعي وانتباه لما يخطط لنا، حتى لا ننساق مع الاهداف التي تريدها الادارة الامريكية في لبنان، وحتى لا ننجر لركوب موجة التطبيع مع العدو، هذه الموجة التي بدأتها بعض دول الخليج وشجعت الاخرين عليها بحيث اصبح يُستقبل رئيس الوزراء الاسرائيلي في بعض دول الخليج بحفاوة كما جرى قبل يومين في البحرين.
إن تكريس التطبيع مع العدو كأمر عادي من قبل هذه الدول قد يؤثر على ضعاف النفوس ومن يتاجرون بالقضية الفلسطينية وعلى دول وحكومات ضعيفة ولكنه لن يستطيع أن يؤثر في القوى الشريفة والمقاومة ولن يستطيع جر الشعوب الى هذه الخطيئة وركوب هذه الموجة التي تعتبر أعظم خيانة للأمة.
الشعوب ترفض الخيانة التي ترتكب بحق الامة وفلسطين والقدس جراء التطبيع مع العدو الصهيوني ولا يمكن ان تنجر وراء هذه الموجة وستقاوم كل اشكال التطبيع في كل المجالات وعلى كل الصعد، والتحركات الشعبية البحرينية الرافضة للتطبيع التي شهدناها خلال زيارة رئيس وزراء العدو الى البحرين ، تؤكد رفض الشعوب العربية والاسلامية لكل اشكال التطبيع مع العدو الصهيوني.
واليوم هناك محاولات امريكية وغير امريكية وباشكال مختلفة لجر لبنان الى هذه الموجة، وفرض التطبيع مع العدو كأمر واقع، ولكن الشعب اللبناني يرفض ان يكون لبنان جزءا من حركة التطبيع في المنطقة وسيتصدى لكل محاولات ابتزازه في لقمة عيشه ومصالحه ولن يقبل أن يؤخذ لبنان إلى ضفة الاستسلام والخضوع والتطبيع تحت اي ذريعة او حجة.
المصدر: بريد الموقع