بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا اليوم نلتقي بذكرى شهادة الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت (ع) وهو الإمام الحسن العسكري (ع) الذي ولد في المدينة المنورة في الثامن من ربيع الثاني سنة 232هـ وكانت شهادته في يوم الجمعة في الثامن من شهر ربيع الأول في مثل هذا اليوم من سنة 260هـ
وقد استشهد (ع) بسم دسه في طعامه أحد أعوان الخليفة العباسي المعتمد، وكان عمره 28 سنة ودفن إلى جانب أبيه الإمام علي الهادي (ع) في سامراء، ومقامهما في سامراء لا يزال شامخاً يقصده المؤمنون والزوار من كل أنحاء العالم الإسلامي
لقد تسلم الإمام الحسن العسكري (ع) مهام الإمامة بعد وفاة والده الإمام الهادي (ع) وكان عمره اثنين وعشرين سنة، وعاصر في فترة إمامته التي استمرت ست سنوات (من سنة 254 ـ 260) ثلاثة حكام من العباسيين هم: المعتز والمهتدي والمعتمد.. وجميع هؤلاء واجهوا الإمام بأحقادهم وبطشهم وارهابهم وظلمهم، وزجوا به في السجون عدة مرات، ووضعوه تحت الاقامة الجبرية وأخضعوه لرقابتهم المشددة، ولاحقوا كل من يتواصل معه.
وقد عبر الإمام (ع) عن معاناته الشديدة مع السلطة العباسية الحاكمة وعن الظروف والأوضاع الصعبة والعصيبة التي كان يعيشها في ظل هذه السلطة الجائرة عبر عن ذلك بقوله لأصحابه وأتباعه وشيعته:
(ألا لا يُسلمنّ عليَّ أحد، ولا يُشير إليَّ بيده، ولا يُومئ، فإنكم لا تؤمنون على أنفسكم).
ولكن الإمام (ع) بالرغم من كل هذه الظروف الصعبة وبالرغم من كل المضايقات والاضطهاد وسياسة الترهيب التي فرضها الحكم العباسي عليه وعلى أصحابه وشيعته استطاع بحكمته وحنكته وصبره:
1- أن يفرض احترامه حتى على أشد الناس حقداً عليه وعلى أهل البيت (ع) لان الجميع كانوا يقرون بفضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه.
2-استطاع الامام (ع) أن يربي ويعلم طلاباً كان لكل واحد منهم دور في نشر العلوم والمعارف الإسلامية وفي مواجهات الشبهات والأضاليل التي كان يبثها الأعداء.. وقد عدَّ الشيخ الطوسي تلامذة الإمام فبلغوا أكثر من مئة عالم، وكان من بينهم شخصيات بارزة وكبيرة
3- تمكَّن الإمام (ع) من إيجاد شبكة تواصل مع الشيعة في المناطق المختلفة من خلال نصب وتعيين الوكلاء والممثلين.. وتدريب اتباعه على التواصل غير المباشر مع الإمام عبر هؤلاء الوكلاء والممثلين تمهيداً لغيبة الإمام المهدي (عج) وطريقة التعاطي والتواصل معه..
4- بالرغم من الرقابة الشديدة والظروف الصعبة فإن الإمام (ع) تمكَّن من حفظ ولده المهدي (عج) وكتمان ولادته والتمهيد لغيبته وقام بتعريف خواص أصحابه عليه.
5- توجيه الشيعة للرجوع إلى الفقهاء والعلماء وربط الأمة بالعلماء والفقهاء وتقليدهم وأخذ معالم الدين وأحكام الدين عنهم خصوصاً في زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عج) حيث لا إمام معصوم يرجع إليه الناس
يقول الإمام العسكري (ع): (فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواء مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه)
وفكرة ربط الأمة بالعلماء وجعلهم مرجعية لها يأخذون منهم معالم الدين وأحكام الدين هي فكرة أسس لها أهل البيت (ع) منذ زمن الإمام الصادق (ع) الذي قال: (يُنظر من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنه استخف بحكم الله وعلينا ردّ، والراد علينا راد على الله وهو على حد الشرك بالله)
إن الأساس والمرتكز الذي تقوم عليه فكرة إرجاع الأمة إلى الفقيه العادل العالم هو أن الأجيال تحتاج دائماً إلى المرشد والموجه الذي يعلمهم أحكام دينهم ويعمق لهم إيمانهم ويقوم لهم سلوكهم ويُشخِّص لهم مصالحهم ويحفظ لهم عزتهم ويبين لهم دورهم ووظيفتهم وتكليفهم اتجاه الأحداث والمستجدات والتحديات وهذا ما يقوم به الفقيه العادل نيابة عن الإمام المعصوم.
6- توجيه رجالات الشيعة وشخصياتهم البارزة أخلاقياً واجتماعياً وسياسياً. فقد بعث الإمام (ع) برسالة جامعة إلى الشيخ علي بن الحسين بن بابويه القمي وهو أحد كبار الفقهاء الشيعة في قم المقدسة آنذاك قال فيها:
اما بعد أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقك الله لمرضاته، أوصيك بمغفرة الذنب، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، ومواساة الأخوان، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر، والحلم عند الجهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمور، والتعاهد للقرآن، وحسن الخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. واجتناب الفواحش كلها، وعليك بصلاة الليل ومن استخف بصلاة الليل فليس منا، فاعمل بوصيتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتى يعملوا عليه، وعليك بالصبر وانتظار الفرج.. فاصبر يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن وأمر جميع شيعتي بالصبر، فإن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء والعاقبة للمتقين.
لقد أوصى أئمتنا على الدوام شيعتهم بالصبر والثبات..
وكما كنا نقول دائماً: الصبر والثبات والتدبر في الأمور وفي نتائجها والتغلب على المشاكل والمصائب وعدم التسرع وعدم الانسياق، يؤدي إلى النجاح والعاقبة الحسنة ويوصل الى الاهداف والغايات التي نتطلع اليها، وبدون الصبر والثبات سواء في المقاومة أو في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والامنية لا يمكن أن نصل إلى الغايات والنتائج التي نرجوها ونتمناها.
لا بد أن يكون الإنسان صبوراً وقوياً وشجاعاً حتى لا تزلزله المصائب، ولا تضعفه الصعوبات والضغوط، ولا تحبطه المشاكل والابتلاءات والتحديات، وهذا ما يدعو إليه ديننا وايماننا في جميع المراحل وفي كل الظروف.
هذه السياسة ينبغي أن تبقى هي السياسة المعتمدة في مواجهة محاولات جرنا الى الفتنة والاقتتال الداخلي وضرب السلم الاهلي وتخريب البلد، وهذه هي ميزتنا وميزة فريقنا السياسي.
ميزتنا اننا كنا على الدوام في لبنان وكان أهلنا الشرفاء والأوفياء من أهل الصبر والثبات، لم تضعفهم الأحداث ولم تكسرهم المصائب.
لم تستطع كل مكائد العدو وأحقاده وحروبه وإرهابه وحصاره وعقوباته أن تنال من ايمانهم ووعيهم وإرادتهم وعزيمتهم والتزامهم خيار المقاومة.
واليوم في مواجهة أدوات اميركا وعملاء اميركا في لبنان نقف نفس الموقف، اليوم قيادة المقاومة وجمهور المقاومة وشعب المقاومة بما يمتلك ويختزن من ثقافة وحكمة ووعي وإيمان وإرادة وصبر سيواجه التحديات والأخطار الجديدة.
اليوم اعداؤنا في الداخل والخارج يحاولون بكل الوسائل الاعلامية والسياسية والاقتصادية والقضائية ومن خلال الاعتداء علينا بالقتل كما حصل بالأمس ان يخضعونا لنتخلى عن قوتنا ومقاومتنا وحقوقنا
أعداؤنا حاقدون وتاريخهم حافل بالجرائم والمجزار والقتل وصناعة الفتن وهم اليوم يصبون كل احقادهم ولؤمهم علينا لاضعافنا وتشويه صورتنا والنيل من مقاومتنا وحضورنا القوي في الداخل والخارج. ولا يمكننا ان نواجههم الا بالوعي والثبات والصبر والتوكل على الله سبحانه والتمسك بخياراتنا، ولا يتوهمنا احد اننا نصبر عن ضعف او عجز او وهن اصابنا فنحن نصبر من موقع القوة والاقتصار والوعي والحكمة ونعض على الجراح لاننا لا نريد ان ننجر الى الفتنة التي يريدونها ولا نريد ان نخرب بلدنا، وسيجدوننا جبالاً شامخة بوجه كل محاولاتهم ومؤامراتهم الخبيثة، ولن يصلوا إلى اهدافهم ولن يحققوا مآربهم، لأننا كنا ولا زلنا مجتمعا مقاوما وشجاعا وقويا وواعيا وعصيا على كل هذه المؤامرات، وقد برهن اهلنا بالامس مجددا على وعيهم وصبرهم وانضباطهم وحرصهم على السلم الاهلي بالرغم من المجزرة التي ارتكبت بحقهم من عملاء اميركا ممن تاريخهم حافل بالجرائم وارتكاب المجازر بحق اللبنانين المسلمين والمسيحيين.
ما جري بالأمس هو عمل اجرامي متعمد وومخطط له قامت به القوات اللبنانية بتحريض امريكي للانتقام ممن كشف مشروعهم في التآمر على لبنان ومقاومته وحلفائها وفضح حجم التسييس في ملف التحقيق بانفجار المرفا ومنع من توظيفه سياسيا في الداخل.
والشهداء الذين سقطوا في الطيونة غدرا، فدوا لبنان وسلمه الاهلي بدمائهم وحموه من الفتنة، وقضيتهم لن تهمل او تنسى وستبقى مفتوحة حتى انزال القصاص العادل بالقتلة والمجرمين المعروفة اسماؤهم وانتماءاتهم. وحزب الله وحركة امل سيتابعون هذة القضية بالاطر القانونية حتى النهاية، ولن يفلت الذين نفذوا وخططوا وحرضوا على هذه المجزرة من المحاسبة والعقاب.
والمسار الذي بدأناه لتنحية المحقق العدلي وإعادة التحقيقات في انفجار المرفأ إلى مسارها القانوني الصحيح وإخراجها من دائرة التسييس والاستنسابية سيتواصل ولن نتراجع، ولن يثنينا عن متابعة هذه القضية لا التهويل الامريكي ولا الاجرام القواتي ولا الابواق المشبوهة التي تريد تضييع الحقيقة.
قولوا ما شئتم في المقاومة وارموا بكل قبحكم وأحقادكم وجرائمكم على هذه المقاومة، ولكن اعلموا ان النتيجة الحتمية التي لا نقاش فيها، أن كل افعالكم سترتد عليكم وستدفعون ثمن جرائمكم عاجلا ام اجلا، والمقاومة لن تتزحزح وستنتصرانشالله.
المصدر: موقع المنار