عمى تذكر الوجوه Prosopagnosia هو اضطرابٌ معروفٌ منذ فترةٍ طويلة، وهو يجعل الإنسان غير قادر على التعرف على الوجوه المألوفة، وأحياناً يكون المضطرب غير قادراً على التعرف على أفراد أسرته والمقربين له، بل ويمكن أن لا يتعرف على وجهه أيضاً!
مؤخراً، استنتج الخبراء أن حتى هؤلاء ممن لا يعانون من هذا الاضطراب بشكل كامل أو حاد، لديهم سبباً عصبياً يؤدي إلى ضعف ذاكرتهم في تذكر الوجوه.
الأستاذ المحاضر (ريتشارد روك) في علم النفس في جامعة سيتي، لندن يقول: عملياً، أي طبيب نفسي سيقول لك أن القدرات المعرفية كالقراءة والحساب وغيرها متوزعة بشكل متصل، والتعرف على الوجوه لا يختلف عن ذلك. هذا يُعتبر خبراً ساراً لأمثالي، فأنا لا ليس لدي اضطراب حاد (مثل ممن يمتلكون عمى تذكر الوجوه الحاد حيث لا يستطيعون التعرف على عائلاتهم) ولكني مرتاحٌ الآن لأني أخيراً أمتلك تفسيراً لضعف قدرتي على تذكر الآخرين.
عندما أحصل على وظيفةٍ جديدة، أقوم بالتحديق بزملائي في العمل، محاولاً بشدة أن أتذكرهم ولكني أفشل دائماً، لقد خُضت محادثاتٍ مع أشخاص أعرفهم جيداً لدرجة أن يسألوني عن أخبار صديقة أخي، ومع ذلك أمرّ من جانبهم بدون أن أتعرف عليهم، ودائماً أتجنب أن أعّرف نفسي لشخص خوفاً أن نكون قد تقابلنا عدة مرات من قبل، وعرفت لاحقاً أن هذا الخوف شائع بين من يعانون من اضطراب عمى الوجوه.
يقول ريتشارد أن ضعف تذكر الوجوه يُشبه إلى حد كبير الحالة الخفيفة من اضطراب عمى الوجوه Prosopagnosia، وأنه ليس الوحيد الذي يُعاني منه: كان يُعتقد أن اضطراب عمى الوجوه حالة نادرة تُصيب شخصاً واحداً من كل 10 آلاف شخص, ولكن يعتقد الباحثون الآن أن حوالي 2% من عدد السكان يمتلكونه، أنا متأكد من أن هناك أناس وقحين، ولكن عندما لا يتعرف عليك أحد المصابين بعمى تذكر الوجوه فإن السبب بكل تأكيد ليس لأنه وقح، بل لأنه يعاني من حالة حقيقية.
زيادة الوعي حول اضطراب عمى التعرف على الوجوه في السنوات الخمس الأخيرة، أدى إلى قيام العديد من أصحاب هذا الاضطراب للظهور والتطوع، مما سمح للعلماء بأن يحصلوا على فهم أعمق وأكثر دقة للحالة. الأدلة المتزايدة حول أصحاب الذاكرة فائقة التعرف على الآخرين، التي لا يُمكن لأصحابها نسيان أي وجه على الإطلاق، تزيد اليقين أن عمى الوجوه يُعتبر اضطراباً وليس مرضاً.
يكمل ريتشارد: التعرف على الوجوه تُعتبر مهارة معقدة، وضعف امتلاك الشخص لهذه المهارة لا يعني أنه يمتلك ذاكرة ضعيفة بشكل عام، في بعض الأحيان يرتبط عمى الوجوه بعدم تذكر الأماكن وصعوبة التنقل، وهي مرتبطة بكل تأكيد معي (حين حاولت مرة أن أقود السيارة من جنوب لندن إلى وسطها، انتهى بي الأمر بشكل ما في مطار هيثرو).
أصول—عمى الوجوه غير مفهومة بعد، ولكن يبدو أن هناك مناطق في الدماغ تكون مسؤولة عن التعرف على الوجه، وتكون هذه المناطق متصلة بشكل ضعيف مع بعضها البعض لمن يعانون من عمى الوجوه، وأن المادة البيضاء التي تؤثر على الاتصال بين هذه المناطق قد تلعبُ دوراً في عدم التعرف على الأماكن، ولكن كل هذا غير مؤكد بعد.
حتى الآن، استطاعت الدراسات مساعدة أصحاب هذه الحالة عن طريق ابتكار وسائل لتحسين التعرف على الوجوه على المدى القصير، ولكن (ريتشارد) يعتقد بأن الطريقة الوحيدة لصنع الفارق حقاً سيكون من الضروري التدخل مبكراً لأصحاب هذه الحالة، حيث تكون هناك فرص أكبر للتحسن. الأمر سوف يتطلب أكثر من مجرد ”تطبيقات التعرف على الوجوه“ لمساعدة من يعاني من عمى الوجوه على التذكر.
المصدر: مواقع