ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، رسالة الجمعة عبر أثير “الإذاعة اللبنانية”، مؤكدا أن “مشروعية السلطة من مشروعية مصالح الناس، وأي خيانة مهما كان اسمها، دستورية أم سياسية أم إدارية أم وظيفية للسلطة كضامن لمصالح الناس هي خيانة لله والناس والشعب، وهو ما حصل في مرفأ بيروت وحل بالبلد من كارثة وطنية كبرى، بسبب إهمال تاريخي وفساد استشرى حتى أتى على الأخضر واليابس، يتحمل مسؤوليته كل من أدار البلد واحتكر السلطة والإدارات وحول الدولة إلى مزرعة، وسلط عليها القريب والبعيد. ما يؤكد أن علة كل ما في هذا البلد من فساد ونهب وهدر وتعد على المال العام هي هؤلاء الساسة الذين دمروا البلد وأوصلوه إلى هذه الكارثة، وحولوه إلى خردة، وشعبه إلى قتلى أحياء وأموات. ما يعني أن المسؤول عن كارثة مرفأ بيروت التي قد تساوي في آثارها الاقتصادية والاجتماعية كارثة تشرنوبل الشهيرة بكل آثارها المدوية، هو من حكم واحتكر السلطة والتوظيف والإدارة بمختلف مستوياتها، فلا تحملوا الحكومة الحالية ورئيسها ما يجري من آثار فسادكم، لأنهم استلموا وحكموا دولة غير دولتهم”.
وأشار إلى “أن مشكلة هذا البلد هو هذا النظام الطائفي، وهذه العقلية التابعة سياسيا وطائفيا ونفوذيا في السلطة والإدارة والمؤسسات العامة والتوظيفات المختلفة بما في ذلك الأمن والجمارك، الأمر الذي جعل اللبنانيين يفقدون ثقتهم بدولتهم وبمؤسساتها، وأصبحوا لا يصدقون كل ما تقولونه وتعدون به، لقد شبعوا كذبا ونفاقا وألاعيب وسلطة مصالح وطوائف ومذاهب ومحاصصات هنا وهناك. نعم شبع اللبنانيون أقوالا وها هم يحصدون أفعالكم، التي أقل ما يقال فيها أنها كوارث ونكبات لا تعد ولا تحصى، ولا زلتم على النهج نفسه، والعقلية ذاتها، فلا صحوة ضمير، ولا ذرة من الخجل. فإلى متى أنتم مستمرون بلعبة الموت وتدمير البلد؟ وألا تخجلون من أنفسكم؟ وما هي الأجوبة التي تردون بها على من يسألكم؟ وهل أنتم قادرون على تجاوز الخطوط الحمر الطائفية والإقليمية والدولية. إن الجواب على كل هذه التساؤلات لا بد أن يكون بحجم الكارثة، ولكن سننظر لعل هول الفاجعة قد يوقظ بعض الضمائر أو يحدث فجوة في بعض الذهنيات المتحجرة”.
وأضاف قبلان: “نعم نحن في قلب الكارثة التي شكلت بسياقها فضيحة مدوية وكارثة أسوأ من قنبلة نووية اقتصادية مالية اجتماعية، في بلد محاصر، ويعيش أسوأ كارثة سقوط في تاريخه. لذلك، نريد جوابا حاسما وبأسرع وقت، جوابا يحدد المسؤوليات، ويجرم من يظهره التحقيق، مهما كان حجمه وموقعه، نريد توضيحات مقنعة وتحقيقات شفافة، خصوصا أن واحدا من شروط صفقة القرن يمر بتعطيل مرفأ بيروت وإلغاء دوره. لذلك على التحقيق أن يجيب عما كان في عنبر رقم 12، ومن المسؤول والمسؤول الهرمي، ونريد الداتا المختلفة لهذا الكابوس الوطني. بتعبير آخر نريد داتا ومعلومات دقيقة لبلد نصف أرشيفه تمت إبادته، خاصة أن إبادة مرفأ بيروت يعني إبادة شريان لبنان الاقتصادي، وتحويل لبنان من بلد محاصر إلى بلد غارق في البحر”.
ولفت إلى “أننا فعلا أمام مشكلة حقيقية، إنها مشكلة انتهاء لبنان الدولة لصالح لبنان المزرعة والإدارات المستنزفة والبلد المنهوب، والمعول عليه اليوم هو أن نأخذ قرارا جريئا وتاريخيا في السياسة والقضاء والإجراءات، لأن تاريخ هذا البلد في السياسة والقضاء مخجل وكارثي، وخاصة أننا دولة فاشلة منهارة ممزقة مشلولة منكوبة مقطعة الأوصال، والآن نعاني من أسوأ حصار تاريخي تقوده واشنطن لتجويعنا وسحقنا وتبديد وجودنا ودورنا”.
وبالنسبة لزيارة الرئيس الفرنسي للبنان، نبه الرئيس الفرنسي أنه “إذا أراد أن ينفع لبنان وأن لا تكون زيارته زيارة أخذ صورة وتقديم بطانيات وأمصال، أن يمر أولا في واشنطن، لأن المطلوب من فرنسا أن تتحرر من واشنطن أولا، لتكون هذه الزيارة زيارة رئيس دولة قادر على أخذ قرار كبير لصالح بلد كان لفترة طويلة مقاطعة من مقاطعات انتداب فرنسا، وما زال حاجة فرنسية. وعليه، أهمية زيارة الرئيس الفرنسي تكمن بتحرره من واشنطن وليس بمجيئه إلى لبنان، لأن واشنطن كمهيمن أطلسي، أخذت قرارا كبيرا بإغراق البلد ومحاصرته واستنزافه وقطع شرايينه، تمهيدا لمصادرته وإعادة توظيفه في سياق مشاريعها المحورية، بعيدا عن كونه بلدا ودولة ووطنا ذا سيادة واستقلال، وكنت أتمنى أن يهدى الرئيس ماكرون نسخة من الدستور اللبناني ليطلع عليه جيدا إن كان صالحا ليكون دستور دولة مواطنة، وخاصة أن فرنسا هي من وضعت أسس الكيان اللبناني الطائفي الفاسد”.
وأكد “أن شعب هذا البلد تاريخهم واحد، ووجعهم واحد، ورغيفهم واحد، وقلقهم واحد وأمانيهم واحدة، وكلنا ضحايا فساد السلطة والدولة المزرعة والمشروع الطائفي التاريخي لعشرات السنين. ولذلك رأينا بأم العين وحدة ناسنا وشعبنا واندفاعهم نحو أهلنا وناسنا في بيروت بكل قدراتهم، وهو ما دعونا إليه وجندنا ما أمكن لذلك. سوى أن على الحكومة أن تعي أمر كارثة البلد والناس، وأن الناس تعيش بين أنياب الجوع والفقر والنهب والاحتكار والكورونا وفشل الدولة وفشل المشاريع، ما يفترض عليها أن تأخذ قرارا كبيرا وسريعا بالاتجاه نحو الدول التي قدمت مشاريع إنقاذية واستثمارية كبيرة، لمنع ارتطام البلد بالقعر. وهذا يعني أنه على الحكومة أن تستغل بقية الوقت القصير جدا، والبدء سريعا بمشروع إنقاذ لبنان المتهاوي، خاصة أن كارثة إبادة مرفأ بيروت ستسرع في خنق لبنان وقطع أنفاسه. وعلى لجنة التحقيق الإجابة سريعا عمن تغافل ومن قصر ومن استهتر وربما من فعل، خاصة أن هذا الفعل الكارثي مرتبط كمسؤولية تسلسلية برؤوس كبيرة، وهو بمطلق الأحوال استهتار خسيس جدا، بل خيانة من طراز أول. ولذلك على لجنة التحقيق الإجابة سريعا، لأن البلد يحتضر والحصار شامل، والناس تئن من الكارثة، فضلا عن الجوع والإبادة الاجتماعية. على الحكومة أن لا تمنع نفسها عن أي بلد، عن سوريا عن العراق عن الصين عن إيران عن روسيا، عليها أن تبادر بسرعة، لأن الخساسة السياسية الدولية تعني ضرورة خنق لبنان بصمت تمهيدا لإعادة تدشيمه”.
وتوجه “إلى ذوي الضحايا ولكل من تأذى أو إصابه مكروه في هذا الحادث المفجع لأدعوهم إلى الثبات والصبر، ولنكن أمام هذه الكارثة كالبنيان المرصوص، فكلنا ضحايا هذا النظام الطائفي الذي آن الأوان لأن نتخلص منه، لأنه مصدر كل علة وكل فساد وكل فاسد. وعلى اللبنانيين أن يختاروا بين أن يبدأوا بناء دولة مواطن، دولة إنسان، دولة شعب يريد أن يعيش حرا أبيا كريما، وبين أن يستمروا في حال الكوارث والذل والمهانة على أبواب الدول”، مؤكدا “أن الخلاص بأيدينا نحن اللبنانيين، ولبنان الوطن والدولة والمؤسسات أمانة في أعناقنا، فالقرار عندنا وفي عقل وضمير كل واحد منا، فإما أن نكون على قدر التحدي وبحجم هذه الكارثة التي قد لا تتوقف عند حدود، وإما أن نستمر في المداهنة والسير على غير هدى، وحينها لا يلومن أحد أحدا”.
ولمناسبة عيد غدير، وتنصيب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إماما للأمة؛ أشار قبلان إلى “أن قيمة الإمام علي في ميزان الحكم والسلطة أنه جاع ليشبع الناس، وأنه تعب ليرتاح الناس، وأنه سهر طويلا لينعم الناس، وأنه أعلن أن الحكم والحكومة والسلطة لا تساوي شسع نعله إلا أن يقيم حقا ويبطل باطلا، وأن الدولة لا قيمة لها إلا بمقدار قمعها للظلم والفساد والاضطهاد، قيمة أمير المؤمنين أيها الإخوة أنه حول السلطة إلى مصلحة فعلية للناس، خاصة الطبقات الفقيرة، قيمة أمير المؤمنين علي أنه حول حقوق الشعب إلى سياسة سلطة ودولة وقرار وبرامج فعلية، لا تتغير مع مزاج الحاكم، قيمة أمير المؤمنين علي أنه قال الفقر كفر، والسلطة التي يوجد فيها فقراء سلطة كافرة، والحاكم الذي يسرق فقراؤه يجب قطع يده لا يد شعبه، قيمة أمير المؤمنين أنه الحاكم الذي حول الثروة والموارد والإمكانيات العامة إلى منفعة عامة لخدمة الناس وتأكيد مصالحها، بعيدا عن لعبة الحواشي والنفوذ والأرحام، وأحاط الناس والسلطة والثروة بحمايات كبيرة جدا لمنع حيتان المال وجماعة النفوذ من اغتيال مشروع السلطة الموظفة أصلا لخدمة الناس، قيمة أمير المؤمنين علي أنه يرى السلطة رغيف خبز وكفالة عيش وعلما ومعرفة وطبابة وإنقاذا ومنفعة وخدمات عامة ووظيفة، ضد الجهل والجوع والحاجة والضعف والكوارث، ومشروعا متكاملا لربط الأرض بعالم السماء، قيمة أمير المؤمنين أنه لم ير السلطة سلطة إلا بمقدار ما تخدم المعذبين والمضطهدين والمقهورين، قيمة أمير المؤمنين علي أنه حكم من داخل بيته الصغير، لأن حجارة القصر الرئاسي كانت من دموع وعناء ومظلومية الناس، قيمة أمير المؤمنين علي أنه حكم أكبر دولة في العالم القديم، دولة تزيد عن 70 دولة حسب التقسيم الجغرافي للدول اليوم، ودخلها بثوبه المرقع وقال: إنما جئتكم بثوبي هذا، فإذا خرجت بغيره فأنا خائن. هذا هو أمير المؤمنين علي الذي وصفه الله ورسوله بالصراط المستقيم والقسطاس القويم، هذا هو أمير المؤمنين الذي أعلنه الله مضبطا للسلطة وناسها، ومركز القرار فيها، حتى لا يخون خائن وينهب ناهب ويدلس مدلس ويقصر مقصر. هذا هو أمير المؤمنين علي الذي كرس السلطة من أجل الإنسان بما هو إنسان وقال: “إن نمت في الليل ضيعت نفسي، وإن نمت في النهار ضيعت رعيتي”، وأعلن على سائر الخليقة أن من جاع وسلطانه شبعان، أو خاف وسلطانه آمن، فالسلطان خائن ويجب عزله ومعاقبته”.
وختم: “لشهدائنا الرحمة ولجرحانا الشفاء العاجل، وللمفقودين والمنكوبين والمشردين الصبر والفرج من عند الله لأنه لا خير في هذه السلطة التي نعيش في ظلها”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام