من الطاعون والكوليرا إلى كورونا ، الموقف الشرعي والإنساني في مواجهة هكذا كوارث.
المجتهد والمصلح السيد محسن الأمين ( طاب ثراه ) “نموذجا”
هذه الأوبئة ليست جديدة، لطالما كانت تجتاح البلاد والمناطق وتقتل الناس وتشرّدهم إلى أماكن بعيدة عن مكان الوباء.
السيد محسن الأمين قدس سره يروي ما جرى معه في بلدة شقراء سنة 1918 من وباء الكوليرا..قال:
ووقع الوباء في جبل عامل المسمى بالهواء الأصفر (الكوليرا) حتى أنه مات في يوم واحد في قريتنا (شقرا) وهي قرية صغيرة اثنا عشر نفسا وكان الوقت صيفا ودخل في أثناء ذلك شهر رمضان وامتنع الناس من تغسيل أمواتهم ودفنهم حتى الأخ من تغسيل أخيه وحمله إلى قبره ودفنه خوفا من العدوى.
وزاد في الطين بلة ان (الجندرمة) كانت تجول في القرى تطلب الفارّين من الخدمة العسكرية فأغلق الناس بيوتهم واقفلوها واختباوا فيها .
فوظفنا لتغسيل الرجال رجلاً فقيراً يسمى (علي زين) ولتغسيل النساء امرأة تسمى (عمشا بنت الذيب).
فكان كلما توفي واحد يُغسله علي الزين أو عمشا ونذهب إلى البيوت ندق عليهم الأبواب ونقول لهم اخرجوا ولا تخافوا من الجندرمة فإنا معكم فيخرجون ويحملون الجنازة وأنا خلفهم ومع ذلك إذا وصلوا إلى منعطف يتسلل بعضهم فلا أزال معهم حتى نصلي على الجنازة وندفنها ونعود إلى البيت، فما نكاد نصل حتى يأتينا خبر جنازة أخرى فنذهب إلى أن ندفنها وهكذا طول النهار.
وتوفيت امرأة فقيرة فأبى كل أحد ان تُغسّل قرب بيته وكان هناك خَربة فقلت غسلوها فيها فأبى ذلك الجيران فقلت غسلوها في المعصرة ففعلوا ولم نجد من يحملها فصادفنا رجلين وامرأة فألزمتهم بحملها فحملوا جوانب النعش الثلاث وحمله انا الرابع إلى أن صادفنا رجلاً فحمل مكاني ثم صادفوا مني غفلة فانسلّوا وتركوا الجنازة في الزقاق ، إلى أن فاجأنا جماعة فألزمتهم بحملها فحملوها.
وأما أقرباؤنا فخرجوا من القرية إلا قليلا منهم فبعضهم ذهب إلى الصوانة وبعضهم إلى صِدّيق (مكان قرب تبنين)… وأصررت على البقاء في شقراء. إلخ..
فعلاً والأعظم من الوباء الذي حدث في شقراء، ذلك الطاعون الذي وقع في (النجف) ومات في يوم واحد أكثر من أربعين رجلٍ، وهرب الجميع إلى خارج النجف، وتركوا العديد من الطلاب اللبنانيين يُعانون من سكرات الموت، وبعضهم مات كالسيد محمد جواد حفيد السيد محمد جواد الحسيني (صاحب مفتاح الكرامة)، وهنا نجد العلامة المجتهد السيد محسن الأمين لم يُغادر النجف وقد طلب من العلامة الشيخ موسى قبلان أن يُساعده في علاج هؤلاء الطلاب والفضلاء. وبالفعل، تماثل هؤلاء الطلبة للشفاء؛ ببركة جهود وعناية السيد الأمين بهم ومساعدة الشيخ قبلان. وأنا علّقتُ على سلوك السيد الأمين في الكتاب الذي سيصدر حول السيد الأمين، أنه (قدسره) كان يُمكن أن يترك النجف كبقية أهلها كما فعلَ بعضُ أهل العلم حرصاً على حياتهم، ولكن الحسّ الإنساني عند السيد الأمين، منعه من التفكير بنفسه ومن فكرة المحافظة على حياته تحت عنوان وجوب المحافظة عليها. هذه الروحية نمت عند السيد الأمين من ذلك الوقت الذي انتسب فيه إلى تلك المدرسة التي شيّدها العلامة الشيخ موسى أمين شرارة، ومن رعايته الأبوية ومنهجه التربوي مع الطلبة، مضافاً لبركات ذلك الطالب القدوة الشيخ محمد خليل دبوق، الذي كان يجلب الماء للطلاب من عين (عيناثا) إلى بنت جبيل مع أنه أكبر سناً منهم.
ممّا خطه (قدس سره) بيده، أعيان الشيعة، ج١٥، ص ٣٣٢ و ٣٤٦.
المصدر: جمعية الإمام الصادق ع لإحياء تراث علماء جبل عامل