خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 17-1-2020 – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

خطبة الجمعة لسماحة الشيخ علي دعموش 17-1-2020

الشيخ علي دعموش

نص الخطبة

لا زلنا نعيش في اجواء شهادة سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء(ع) التي كانت حياتها مدرسة نتعلم فيها الايمان والعبادة والطاعة والقيم والاخلاق والفضائل وتحمل المسؤولية على كل صعيد.

نتعلم فيها كيف يمكن ان يوازن الانسان بين ظروفه وامكاناته المادية وبين مستوى معيشته فلا يرهق الزوج زوجته باكثر مما تتحمل او باكثر من قدرتها وطاقتها، ولا ترهق الزوجة زوجها بكثرة طلباتها وبأكثر مما يتحمله .
لقد عاشت السيدة فاطمة الزهراء في بيت زوجها حياة البساطة، فلم تكن حياتها حياة مترفة، بل ان بعض الروايات تكشف عن ظروف حياة قاسية وشاقة عاشتها الزهراء وواجهتها بصبر وتحمل ومسؤولية.

من ينظر في حياة الزهراء(ع) من زاوية ادارة الشؤون المنزلية وادارة الحياة الأسرية يجد أمرين اساسيين :
الاول: قيام سيدة نساء العالمين بالعمل داخل البيت والاستغناء عن الخادم  انطلاقا من اعتبار عمل المرأة في المنزل عبادة.
الثاني: إرساءها مبدأ المشاركة والتعاون بينها وبين زوجهاعلي(ع) في ادارة الحياة الزوجية وشؤون البيت.

ففيما يتعلق بالامر الاول: نجد انه على الرغم من علو مقام الزهراء(ع) ومكانتها الرفيعة عند الله وفي الأمة، وعلى الرغم من انشغالاتها الاجتماعية وقيامها بدور رسالي وثقافي وسياسي احيانا، وعلى الرغم من انه ليس من واجب المرأة بحسب الفقه الاسلامية القيام بالأعمال المنزلية وخدمة الزوج وتربية الاولاد، بالرغم من ذلك نجد الزهراء لا تستنكف عن ادارة شؤون البيت وتأدية ما يحتاجه من اعمال التنظيف والترتيب والكنس والطبخ، ولا تتخلى عن متابعة وملاحقة اولادها بالتربية الصحيحة والقيام باحتياجاتهم داخل الاسرة.

لم تكن الزهراء(ع) ترهق زوجها بأعباء وجود خادمة في المنزل وتحمله فوق إمكاناته لترتاح من أعمال البيت، كما انها حتى عندما أمن لها النبي(ص) خادمة تساعدها لم تترك أعمال المنزل او متابعة الاولاد وتربيتهم للخادمة كما تفعل الكثيرات من النساء اليوم، بل كانت تقوم بنفسها بكثير من الاعمال المنزلية الشاقة حتى ظهرت أثار الجهد والتعب على جسدها، وكانت تتابع بنفسها تربية اولادها وتعطيهم من حنانها وعطفها واهتمامها ما ينبغي ان تعطيه الام لاولادها لينشؤوا النشأة الصحيحة.
كانت الزهراء(ع) تبذل كل جهدها لإسعاد اُسرتها، ولم تستثقل القيام بمهام البيت رغم كلّ الصعوبات والمشاق، حتى أنّ عليّاً ع(ليه السلام) رقّ لحالها وامتدح عملها، وقال لرجل من بني سعد: ” ألا اُحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي وكانت من أحبّ أهله (صلى الله عليه وآله) إليه، وإنّها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مَجَلَتْ يداها، (اي تقرَّحت من العمل) وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دَكَنَت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلت لها: لو أتيت أباكِ فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ (صلى الله عليه وآله) فوجدت عنده جماعة فاستحت وعادت وفي اليوم الثاني جاء النبي(ص) الى بيت علي والزهراء(عليهما السلام) فشكى علي(ع) للنبي(ص) حال الزهراء وتعبها من عمل المنزل بعدما امتنعت ان تطلب من النبي شيئا .. فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لهما: “أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبّرا أربعاً وثلاثين”.فإن ذكر الله يمنح الانسان القدرة على مواجهة متاعب الحياة.

وفي رواية: أنّها لمّا ذكرت حالها وسألت النبي(ص) ان يأتي لها بجارية بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ” يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ، إنّ في المسجد أربعمائة رجل ما لهم طعام وثياب ولولا خشيتي لأعطيتك ما سألتِ، يا فاطمة وإنّي لا اُريد أن ينفك عنكِ أجرك إلى الجارية .. ثم علّمها صلاة التسبيح”.
فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ” مَضَيْتِ تريدين من رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدنيا فأعطانا الله ثواب الآخرة”.
اليوم الكثير من النساء لا يرضين ان يتحملن التعب داخل البيت، ولا يقبلن الا بوجود خادمة في البيت يتكلن عليها في كل الاعمال، حتى لو كان الوضع المادي لا يسمح  بذلك، فترى نساءا اما غيرة او تنبلة  يحملن ازواجهن او انفسهن أعباءاً فوق طاقتهم، ويأتين بخادمة لان قريبتها او جارتها او صديقتها لديها خادمة او لانها اتكالية لا تريد ان تتحمل مسؤوليتها المنزلية.

ولذلك نلاحظ في السنوات الأخيرة ازدياد عدد العاملات المنزليات بلبنان، حيث أصبحت الاستعانة بخدماتهم حاجة أساسية حتى لدى عائلات الطبقات محدودة الدخل، وبالرغم من الوضع الاقتصادي المتردي الذي يمرّ به لبنان، والتذمّر المستمر من الناس من غلاء المعيشة وعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة، تنتشر ظاهرة استخدام العاملات المنزليات، بما يشكل تناقضًا مثيرًا للاستغراب، إذ تشير الإحصائيات إلى أن من أصل كل ثلاث أسر، هناك أسرة تستعين بخادمة منزلية واحدة على الأقل.
المرأة الفتية التي لا زالت بكامل طاقتها الجسدية والأُسر التي فيها شباب وصبايا لا ينبغي ان تستهلك بعض اموالها في الخدم، في الوقت الذي يستطيع أفراد الاسرة ان يتشاركوا ويتقاسمو الاعمال المنزلية، ويوفروا اموالهم لأشياء اكثر الحاحا، خصوصا اذا كانت الاسرة من ذوي الدخل المحدود، وبالاخص عندما تكون الظروف المعيشية صعبة ويكون  الوضع المالي والاقتصادي متدهورا، كما هو حالنا اليوم في لبنان.
وعلى نسائنا ورجالنا وكل افراد الاسرة من شباب وصبايا ان يعلموا ان الخدمة في المنزل والتعاون داخل المنزل له اجره وثوابه وفضله، وهو يرقى الى بعض الاعمال العبادية.
فصحيح ان العمل المتعارف في المنزل ، كالطبخ والتنظيف وغسل الملابس ونحوه،  ليس واجبا على الزوجة من الناحية الشرعية، ولكن الروايات كثيرة في اجر وثواب عمل الزوجة في خدمة زوجها وبيتها واسرتها:
فعن الامام الصادق(عليه السلام) , قال سألت أم سلمة رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن فضل النساء في خدمة أزواجهن، فقال (صلى الله عليه و آله): ما من امرأة رفعت من بيت زوجها شيئا من موضع إلى موضع تريد به صلاحا إلا نظر الله إليها، و من نظر الله إليه لم يعذبه.
فقالت أم سلمة (رضي الله عنها): زدني في النساء المساكين من الثواب بأبي أنت وأمي.
فقال(صلى الله عليه و آله) :« يا أم سلمة، إن المرأة إذا حملت، كان لها من الأجر كمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله (عز و جل)، فإذا وضعت قيل لها: قد غُفر لك ذنبك فاستأنفي العمل، فإذا أرضعت فلها بكل رضعة تحرير رقبة من ولد إسماعيل.

وورد عن الامام الصادق( عليه السلام)أنه قال “ما من إمرأة تسقي زوجها شربة ماء إلا كان خيرا لها من عبادة سنة.
وورد في وصايا النبي ( صلى الله عليه واله ) للزهراء (عليها السلام):
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة طحنت بيديها إلا كتب الله لها بكل حبة حسنة ومحا عنها بكل حبة سيئة.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة عرقت عند خبزها، إلا جعل الله بينها وبين جهنم سبعة خنادق من الرحمة.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة غسلت قدرها، إلا وغسلها الله من الذنوب والخطايا.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة نسجت ثوباً، إلا كتب الله لها بكل خيط واحد مائة حسنة، ومحا عنها مائة سيئة.
يا ‘فاطمة’! ما من إمرأة غزلت لتشتري لأولادها أو عيالها، إلا كتب الله لها ثواب من أطعم ألف جائع وأكسى ألف عريان..
اما فيما يتعلق بالامر الثاني: فقد كان بيت عليّ وفاطمة (عليهما السلام) أفضل نموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، والتعاون والمشاركة وتقسيم المهام والادوار، فقد تعاونا على إدارة شؤون البيت وإنجاز أعماله، بعدما قسَّم النبيُ (ص) الأعمالَ بين السيدةِ فاطمةَ وزوجِها علي(ع) ، حيثُ جعلَ الأعمالَ داخل البيت على عهدة السيدة فاطمة، بينما جعلَ الأعمالَ الخارجية على عهدة علي (ع) .

عندما تسود روح الشراكة والتعاون داخل البيت ويتحمل الجميع مسؤوليته في ادارة الشؤون ويساهم الجميع ببعض الاعمال وتقسم الادوار ولا يتكلون على الزوجة وحدها، فان الاعباء تصبح مقبولة والحياة تصبح اكثر هدوءا وسعادة.
وهذه الروح روح المشاركة المنزلية كانت موجودة بقوة في بيت علي وفاطمة وموجودة لدى رسول الله(ص) نفسه، ففي ذات يوم دخل رسول الله (ص) على عليّ (ع) فوجده هو وفاطمة عليها السلام يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ (ص): “أيّكما أعيى؟” فقال عليّ (ع”فاطمة يا رسول الله” فقال (ص) : ” قومي يا بنية”، فقامت وجلس النبي (ص) موضعها مع علي عليه السلام فواساه في طحن الحبّ.
وروي عن جابر الأنصاري أنّه رأى النبي (ص)فاطمة وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (ص)، فقال: ” يا بنتاه، تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة” فقالت: ” يا رسول الله، الحمد لله على نعمائه، والشكر لله على آلائهِ”، فأنزل الله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾.
وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: ” كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحن وتعجن وتخبز”.
لقد كانت فاطمة تواجه كل التعب والعناء بالصبر والتحمل وروح الايثار، لأنّها كانت تعرف ان وراء الصبر نعيماً لا حدود له،( يوم يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) .
إنّ إلقاء نظرة معمقة على حياة الزهراء (ع) توضّح لنا أنّ حياتها الشاقة لم تتغيّر حتى بعد أن أصبح لديها أموال وفيرة، وأصبحت في سعة من العيش ، خصوصاً بعد فتح بني النضير وخيبر وتمليكها أرض فدك وغيرها ، فقد روي أنّ فدكاً كان دخلها أربعة وعشرين ألف دينار، وفي رواية سبعين ألف دينار سنوياً وهو مبلغ كبير جدا بمقاييس ذلك الزمن، وكان بامكان الزهراء(ع) بهذا المبلغ ان تقلب حياتها.
ولكن الزهراء(ع) لم تغير من نمط حياتها ولم تعمر الدور ولم تبن القصور ولم تلبس الحرير والديباج ولم تَقْتَنِ النفائس، بل كانت تنفق كلّ ذلك على الفقراء والمساكين وفي سبيل الدعوة إلى الله ونشر الإسلام..

اليوم هذا ما يجب ان نتعلمه من السيدة الزهراء(ع) ويجب ان نتعلم أيضا كيف نحمي حقوقنا وندافع عنها وكيف نتحمل مسؤولياتنا المختلفة خصوصا تجاه بلدنا وأهلنا.
على صعيد الحكومة نحن تحملنا كامل مسؤولياتنا وقدمنا كل التسهيلات من اجل الاسراع في تشكيل الحكومة ولم نطلب شيئا خاصا لان همنا كان ولا يزال كيف ننقذ بلدنا من الانهيار وليس كيف نحصل على حصص مكاسب وزارية.

وما يقال من ان حزب الله بعد استشهاد الحاج قاسم سليماني ودخول المنطقة في مرحلة جديدة لا يريد حكومة لأن أولويته أصبحت في مكان آخر، ليس صحيحا، فنحن كنا ولا زلنا نرى ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، لأننا ندرك انه لا يمكن معالجة الازمات التي يعاني منها البلد والمواطنون بدون حكومة، ولاننا نعتبر ان ذهاب الفرصة المتاحة لتشكيل الحكومة الآن يعني ذهاب البلد نحو الفوضى والفلتان والانهيار الكامل، لانه من غير المعلوم الاتفاق على خيار آخر بسهولة.
لذلك المطلوب من الجميع اليوم ومن موقع الحرص على انقاذ البلد، عدم اختلاق العراقيل والتعقيدات وتقديم التنازلات والتسهيلات، والترفع في هذه اللحظة السياسية الحرجة التي يمر بها لبنان عن منطق المحاصصة وتحصيل المكاسب، فهذا المنطق ليس في مصلحة الاطراف السياسية ولا في مصلحة البلد.

المصدر: بريد الموقع

البث المباشر