نص الخطبة
في هذه الأيام نلتقي بذكرى شهادة الإمام الثاني من أئمة أهل البيت (ع) وهو الإمام الحسن بن علي الملقب بالمجتبى (ع) الذي كانت شهادته في العاشر من شهر صفر سنة 50هجرية.
الحسن بن علي الولد الأول للإمام علي وفاطمة الزهراء والسبط الأكبر للنبي(ص)، وقد ذكرت الروايات أنَّ النبي (ص) سمّاه حسنا، وكان يحبه كثيرا، وقد عاش سبع سنين مع النبي (ص)، وشارك في بيعة الرضوان، وحضر مع أهل البيت في المباهلة مع نصارى نجران.
وفي فترة خلافة الإمام علي (ع) رافق الامام الحسن اباه إلى الكوفة، وكان أحد قادة جيشه في معركة الجمل وصفين.
تولى الامام خلافة المسلمين في 21 رمضان 40 هـ بعد استشهاد الإمام علي (ع) وبايعه في اليوم نفسه أكثر من أربعين ألف شخص، من كل أنحاء العالم الاسلامي أنذاك من العراق والحجاز واليمن ومصر , لكن معاوية بن سفيان ومعه الشام تمرد عليه وعلى خلافته كما تمرد على أبيه وخلافته من قبل، وسيّر جيشا نحو العراق، فوجّه الإمام جيشا في المقابل بقيادة عبيد الله بن عباس لمواجهته، وذهب هو مع جيش آخر من المسلمين إلى ساباط، وفي هذه الظروف تعرّض الإمام الحسن (ع) للاغتيال فجُرح، ونُقل إلى المدائن للعلاج، وتزامنا مع هذه الأحداث، بعث جماعة من رؤساء الكوفة رسائل إلی معاوية، وواعدوه أن يسلموا الحسن بن علي إليه أو يقتلوه، فأرسل معاوية رسائل الكوفيين إلى الحسن بن علي (ع)، واقترح عليه الصلح. وقَبِل الإمام الصلح مع معاوية، بعد حوالى 7 أشهر من توليه الخلافة وسلم الحكم الى معاوية .
وبعد أن وقّع الإمام الصلح مع معاوية رجع سنة 41 هـ إلى المدينة، وبقي هناك حتى آخر عمره، وكان يحظى بمكانة علمية واجتماعية كبيرة في المدينة.
وعندما أراد معاوية أن يأخذ البيعة لولده يزيد أرسل إلى جعدة بنت الأشعث زوجة الإمام الحسن (ع) مئة ألف درهم، لتدس إليه السم، فنفذت الأمر، واستشهد الامام بذلك السم، ودُفن في مقبرة البقيع في المدينة.
لقد كان أبرز ما في مرحلة خلافة الإمام الحسن (ع) على المستوى السياسي هو توقيعه الصلح مع معاوية بعد صراع طويل بدأ منذ أن تمرد معاوية على حكومة الامام علي (ع) وخلافته.
وقد تخلى الإمام ا(ع) بموجب الصلح عن خيار المواجهة والحرب ضد معاوية الذي بدأ في حياة أبيه في حرب صفين، كما تخلى بموجبها عن الحكم كما اشرنا .. وتم التوقيع على أن يكون الحكم لمعاوية ما دام حياً وفق شروط اشترطها الإمام (ع) على معاوية ووافق الأخير عليها.
وأهم بنود الصلح:
1- ان يعمل معاوية بكتاب الله وسنة رسوله وبسيرة الخلفاء والصالحين .
2- ان يكون الحكم بعد معاوية للحسن وإلا فلأخيه الحسين .
3- ان يترك سب امير المؤمنين وان لا يذكر علياً الا بخير .
4- ان لا يطلق الحسن تسمية امير المؤمنين على معاوية وان لا يقيم عنده شهادة .
5- ان يكون جميع الناس آمنون اينما كانوا من ارض الله وان لا يلاحق معاوية احداً بسوابقه وان يكون شيعة علي آمنين وان لا يتعرض لاحد منهم بسوء وان يوصل الى كل ذي حق حقه.
هذه اهم بنود الوثيقة التي وقع معاوية عليها وعاهد الله على الوفاء والالتزام بها .
ولعل من أهم الأسباب التي دعت الإمام الحسن (ع) إلى هذا الصلح: ان عامة الناس انذاك كانت قد ملت الحرب نتيجة الحروب المتتالية في عهد امير المؤمنين ،فقد مرت على الناس في عهد علي خمس سنين لم يضعوا فيها سلاحهم فقد انتقلوا من حرب الجمل الى حرب صفين الى حرب النهروان بحيث ان هذه الحروب المتتالية جعلتهم يكرهون القتال ويميلون الى السلم والراحة .
وحتى في زمن امير المؤمنين فقد تثاقلوا عن الاستجابة لعلي حين دعاهم للخروج الى صفين مرة ثانية في اواخر حياته الشريفة.
وقد عبر الإمام علي (ع) عن حالة التململ من الحرب التي كان يعيشها الناس انذاك احسن تعبير عندما قال في بعض خطبه:
لقد سئمت عتابكم أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة عوضا وبالذل من العز خلفا اذا دعوتكم الى جهاد عدوكم دارت اعينكم كأنكم من الموت في غمرة ومن الذهول في سكرة.
وفي موضع اخر يقول (ع): ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءاً فمنهم الآتي كرهاً ومنهم المعتل كاذباً ومنهم القاعد خاذلاً واسأل الله ان يجعل منهم فرجاً عاجلاً ، والله لولا طمعي عند لقائي عدوي في الشهادة لاحببت ان لا ابقى مع هؤلاء يوماً واحداً ولا التقي بهم ابداً.
لقد كانت هذه حالة الناس في عهد علي فلما استشهد علي (ع) وتولى الحسن الخلافة برزت هذه الظاهرة ظاهرة التقاعس عن القتال والجهاد على اشدها خاصة عندما دعاهم الحسن للتجهيز لحرب معاوية فإن الاستجابة كانت بطيئة جداً.
وبالرغم من أن الإمام الحسن (ع) استطاع بعد معاناة كبيرة وبالرغم من ان الامام الحسن قد استطاع بعد محاولات استنهاض كبيرة ان يجهز جيشا ضخماً لحرب معاوية إلا ان هذا الجيش كان جيشاً مهزوماً قبل ان يواجه العدو بسبب التيارات والاحزاب المتعددة التي كانت تتجاذب هذا الجيش فقد كان فيه جماعة من رؤساء القبائل الذين لا يهمهم الا الحصول على المال والسلطان والموقع كعمر بن سعد وقيس بن الاشعث وغيرهما وهؤلاء استطاع معاوية اغرائهم بالمال والجاه فوعدوه بان يسلموه الحسن حياً او ميتاً.
وكان في الجيش حزب الخوارج وهم الذين يريدون حرب معاوية باية وسيلة وهؤلاء انفسهم كانوا يحملون حقداً بالغاً على الإمام الحسن بسبب حرب النهروان التي خاضها علي (ع) ضدهم.
وكان في الجيش هذا جماعة من الطامعين الذين يطمعون في الحصول على المكاسب والغنائم وكان شعار هؤلاء (من اعطانا الدراهم قاتلنا معه) وكان فيه من اولئك الذين لم يفهموا اهداف الحسن ولا اهداف المعركة وانما كانوا يعتبرون ان الحسن ومعاوية بمستوى واحد كل منهما يريد الحصول على الحكم، وكان في الجيش امثال عبيد الله بن عباس الذي جعله الحسن قائدا على اثنا عشر الف جندي فارتكب خيانة كبرى حيث اشتراه معاوية بمئة الف دينار فقفز فوق القرابة والقيم والضمير والوجدان وتسلل الى معسكر معاوية في الليل ومعه ثمانية الاف جندي ففتح بذلك باب الفتنة والخيانة امام الطامعين واصحاب النفوس الضعيفة فتوالت الخيانات في الجيش.
يضاف الى كل ذلك الحوادث القاسية التي عاشها الحسن (ع) مع هذا الجيش بسبب :
1-خيانة رؤوس القبائل وبعض الجماعات السياسية واتصالهم بمعاوية .
2-الاشاعات الكاذبة التي اشاعها عملاء معاوية داخل صفوف الجيش بان الإمام قد صالح معاوية مما اوقع الجيش في اختلاف كبير حيث اندفع بعض الجنود نحو موقع الإمام فنهبوا امتعته واعتدوا عليه وجرحوه ولو كان لدى زعماء القبائل ايمان بالهدف لقاموا بحماية الإمام من الاعتداء الا انهم لم يفعلوا.
3-رشوات معاوية التي كان يوزعها على بعض الجماعات في الجيش لانتمائهم الى صفه .
4-دعوة معاوية الى الصلح وحقن الدماء مما جعل البسطاء يضعفون عن القتال.
امام هذا الواقع السيء رأى الإمام الحسن ان المجتمع عاجز عن مواجهة معاوية والانتصار عليه وراى أن المواجهة بجيش من النوع الذي ذكرناه كانت ستؤدي اما الى تسليم الامام الى معاوية من قبل القادة الخونة في الجيش, او إلى قتل الإمام (ع) من قبل عملاء معاوية المندسين في صفوف الجيش.. وبالتالي القضاء على المخلصين من اتباعه وسيتنصل معاوية من جريمة القتل هذه, وفي كلا الحالين سيكون معاوية هو الغالب وسينتشي بنصر حاسم ، ولذلك اختار الامام الصلح كخيار وحيد للحفاظ على رسالته واتباعه.
ولذلك فهو يقول عن بعض اسباب صلحه لمعاوية : (اني خشيت ان يجتث المسلمون عن وجه الأرض فاردت ان يكون للدين ناعٍ).
ويقول في موقف اخر: (يزعمون أنهم لي شيعة , ابتغوا قتلي وانهبوا ثقلي واخذوا مالي,والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من ان يقتلوني,فيضيع أهل بيتي وأهلي,والله لو قاتلت معاوية,لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني اليه سلما,فوالله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من ان يقتلني وانا اسيره).
الامام الحسن(ع) لم يكن يخشى القتل بل كان يملك كل الشجاعة للتضحية بنفسه والقيام بعمل استشهادي كما فعل الحسين(ع) لو علم بان ذلك سيكون في مصلحة الاسلام إلا ان تضحية الإمام الحسن(ع) وشهادته لو حصلت في تلك الظروف لكانت بلا صدى , وسيذهب دمه هدراً من دون أن تقوى تلك الدماء الزكية على إحداث تغيير في وجدان الأمة أو تحوّلٍ في مسار الأحداث ومجرياتها..
التضحية كانت ستؤدي ايضا إلى القضاء ليس على الامام الحسن وحده بل وعلى الإمام الحسين (ع) وبقية بني هاشم والبقية الصالحة من أتباع أهل البيت (ع) وبالتالي ستخلو الساحة لمعاوية وأتباعه ليتلاعب كيفما يشاء بدين الله وقيمه وأحكامه..
إذن لم يكن الصلح هروباً من المواجهة أو ميلاً من الإمام الحسن(ع) نحوالراحة والعافية، أو لأن الإمام الحسن (ع) لا يملك شجاعة أخيه الحسين (ع) , فالحسن لا يقل شجاعة عن الحسين وقد اشتركا معاً في معركة صفين وكانا في الخطوط الامامية وقاتل الحسن ببسالة في تلك المعركة حتى خاف عليه أمير المؤمنين (ع) الهلاك فكان يقول لمن حوله: ( امسكوا عني هذا الغلام لا يهدني فإنني أنفس(أبخل) بهذين (اي الحسن والحسين) لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله).
إذن لم يكن الصلح هروباً من المعركة بل كان ضرورة فرضتها الظروف السياسية والعسكرية والامنية وغيرها, وتدبيراً ينسجم مع مصلحة الإسلام ومع مصلحة الأمة في تلك المرحلة ,ولذلك فإن الإمام الحسين (ع) وافق على وثيقة الصلح مع معاوية، وصالح عندما صالح أخوه وإمامه ووليه الإمام الحسن (ع).
وعندما طلب أهل الكوفة من الإمام الحسين(ع) أن يثور على معاوية بعد شهادة الحسن رفض ذلك.. لانه لم يكن يرى مصلحة للإسلام والأمة في ذلك.
ولو أن الإمام الحسن كان موجوداً حينما بويع يزيد لكان موقفه بالتأكيد نفس موقف الإمام الحسين (ع), لإنهما في نهج واحد، ليس هناك من فرق بين الحسن والحسين (ع) بأن هذا مهادن وذاك ثائر ، كلاهما ثوريان عندما تقضي مصلحة الإسلام والمسلمين الثورة وكلاهما يلجأن إلى الصلح والمهادنة عندما تكون مصلحة الإسلام والمسلمين في ذلك.
ولا شك أنه لا مصلحة للأمة اليوم في مهادنة الكيان الصهيوني فهذا الكيان يحتل الارض ويدنس المقدسات ويشرد شعبا بأكمله,اسرائيل هذه لا مكان للمهادنة معها طالما تحتل الارض والمقدسات وتعتدي وتمارس إرهابها ليس على الشعب الفلسطيني وحده وإنما على كل شعوب ودول المنطقة وعلى كل الأمة.
وبالتالي من واجب الامة ودول وشعوب المنطقة مواجهة هذا الكيان وانهاء احتلاله وعدوانه ومواجهة المشروع الامريكي الداعم والحامي لهذا الكيان ومواجهة التطبيع ويجب ان يقتنع كل الذين يراهنون على الأمريكي انهم انما يراهنون على سراب فالانسحاب الامريكي من شمال سوريا والتخلي عن الأكراد يجب ان يكون عبرة لكل من يراهن على الأمريكيين لأن ما جرى مع الأكراد وغيرهم يؤكد بأن الامريكيين لا يحفظون حلفائهم ولا يحترمون عهودهم ولا الاتفاقات، والمراهنة عليهم لا تؤدي الا الى الخسارة لان مصالحهم تتقدم على الجميع.
ولذلك على اللبنانيين الذين يراهنون على الامريكي في الداخل ويبنون الاوهام على الاجراءات الامريكية ان يأخذوا العبرة وان يعرفوا ان اميركا تبيعهم وتخيب آمالهم وتتركهم يغرقون في الازمات عند اول مفترق .
اما الموضوع الاقتصادي الذي بات يضغط على الجميع فمعالجته بحاجة الى اصلاحات جذرية ومنهجية والناس ينتظرون حلولا حقيقية وليست مرحلية ومؤقتة، وحزب الله يتعاطى في هذا الملف بكل جدية وايجابية وانفتاح ويساهم في طرح الأفكار والأراء التي تساعد وتساهم في المعالجة ويسعى بشكل جاد لتفعيل التعاون بين كل القوى المخلصة في البلد لوضع سياسات اقتصادية، واجراء اصلاحات جذرية قادرة على مواجهة التحديات التي تضغط على المواطنين اللبناني. وسياساتنا التي نعتمدها في ذلك هي هي عين السياسات التي اعتمدناها في نقاش موازنة 2019 فحزب الله لن يقبل بتحميل ذوي الدخل المحدود ضرائب جديدة، كما لن يقبل المس بالحقوق والرواتب.
المصدر: موقع المنار