نص الخطبة
بالامس مرت ذكرى استشهاد رابع ائمة اهل البيت عليهم السلام الإمام علي بن الحسين زين العابدين الذي استشهد على يد الخليفة الاموي الوليد بن عبدالملك حين دس اليه السم في 25 محرم الحرام عام 95 للهجرة.
ومن المعروف ان الامام السجاد (ع) شهد واقعة كربلاء وكان مريضا ولم يقاتل ولم يقتل فيها، ولكنه شاهد حجم الجريمة التي ارتكبت بحق أبيه وإخوانه واعمامه وابناء عمومته وابناء عماته، وما جرى على اهل بيت الحسين واصحابه، وما جرى على على النساء والسبايا من ظلم وهتك لحرماتهم وحرمة رسول الله(ص).
في ذكرى شهادة هذا الامام العظيم (ع)نستحضر الدور الذي قام به بعد كربلاء، لنكشف ان قول ما قام به هذا الامام كان عظيما حيث خلّد قضية كربلاء وأبقاها حية في وجدان الامة على مر العصور والاجيال يستلهم منها الاحرار والثوار قيم الإباء والايثار والعزة والكرامة والتضحية والشهادة في سبيل الله وفي سبيل الاهداف الكبرى، وما اريد ان اتحدث عنه هو هذا الدور الذي قام به الامام السجاد(ع) بعد استشهاد ابيه في كربلاء والذي ادى الى حفظ واستمرار نهج اهل البيت(ع) برغم كل التحديات والاخطار التي واجهها، ويمكن ان نجمل دور الامام(ع) بعدة نقاط:
1-حفظ من بقي من أهل البيت(ع) وحفظ خطهم وتذكير الناس بمكانتهم وحرمتهم، لافشال المخطط الاموي بمحو ذكرهم، فقد كان هدف الامويين من قتل الحسين(ع) محو ذكر اهل البيت والقضاء على نهجهم وخطهم ،بل القضاء على الاسلام الذي يمثله هذا الخط وهذا النهج.
وقد اعتبر الأمويون وبعض الناس حينما استشهد الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته و أصحابه : أن أهل البيت ( عليهم السلام ) قد انتهى أمرهم ، وتم القضاء على نهجهم، وانه لم يعد يجرأ أحد على الاتصال بهم ، وبالفعل نتيجة الجهل المطبق بالإسلام ،وعدم الوعي بحقيقة الامامة وأهل البيت(ع) حصلت ردة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) و ابتعد الناس عنهم بعد شهادة الحسين(ع) بشكل عام. . حتى ان الامام الصادق عليه السلام يقول : ارتد الناس بعد قتل الحسين إلا ثلاثة : أبو خالد الكابلي و يحيى بن أم الطويل و جبير بن مطعم ( لعل الصحيح : حكيم بن جبير ) ثم إن الناس لحقوا و كثروا.
وامام هذا الواقع كان لابد للامام السجاد عليه السلام أن يبدأ العمل من نقطة الصفر تقريباً ، فيحفظ من بقي من اهل البيت، ويعيد الإسلام من جديد ،و يوجه الناس نحو تعاليمه و أحكامه . . ويعيد للناس عقيدتهم التي كانت قد تعرضت للكثير من التحريف على يد الامويين، ويعيد للامة ثقتها بأهل البيت(ع) ويوجهها نحوهم باعتبارهم المصدر الانقى والأصفى لتعاليم الإسلام الصحيح . و مصدر كل المعارف و العلوم النافعة و الأخلاق الفاضلة.
كما كان لابد له(ع) أيضاً . . من الحفاظ على العلويين، و كل من يتبع لهم ، وفك الطوق الذي ضربه الحكم حولهم ..
وقد نجح الامام عليه السلام في كل ذلك ، رغم قسوة الظروف و رغم الأخطار التي كان يواجهها ، نحج في ذلك ، حتى إنه عندما خرج فيما بعد ولده زيد على الحكم الأموي بايعه الآلاف و إن كانوا قد تركوه ولم يثبتوا معه . . ثم توالت الثورات الشعبية العارمة واحدة بعد الأخرى ، و أغلبها كان بدوافع دينية ومذهبية.
و يكفي أن نذكر أن من نتائج جهود الامام السجاد عليه السلام ـ إضافة إلى ما ذكرناه – أنه هيأ الاجواء لتأسيس جامعة الإمامين الباقر والصادق صلوات الله عليهما التي ضمت الالاف من طلاب العلم والمعرفة وفي مقدمهم بعض أئمة المذاهب الاسلامية كابي حنيفة ومالك وغيرهما.
2- ايقاظ مشاعرالناس ليعوا حجم الجريمة التي ارتكبت في كربلاء، وكشف زيف إعلام السلطة الاموية وتخليد قضية الحسين، فموكب السبايا الذي قاده الامام زين العابدين وعمته زينب عرف الامة بحجم الجريمة التي ارتكبها النظام الاموي بحق ال بيت رسول الله في كربلاء، وايقظ مشاعرها، فقد اجتمع موكب السبايا بالناس الذين احتشدوا للاحتفاء بنصر يزيد في الكوفة، وتحوّل اللقاء إلى مجلس عزاء كبير جدّاً، أبكت فيه زينب وسُكَيْنَة وفاطمة كل عين وكل قلب، وقالت لهم الحقيقة، وعلى طول الطريق من الكوفة إلى حلب إلى حماة إلى حمص إلى بعلبك إلى دمشق، كان الخطاب حاضراً، كان تشريح الوقائع والحقائق حاضراً وقوياً حتى في الحالات التي حيل بين الامام زين العابدين(ع) وبين الكلام، وبين زينب وبين الكلام الخطابة، كان يكفي هذا المشهد المأساوي مشهد الإمام زين العابدين(ع) المقيد بالسلاسل. ومشهد الرؤوس والأيتام والنساء الثكالى كان كافياً ليقلب الأمور رأساً على عقب، بعد ان يعرف الناس ان هؤلاء أحفاد رسول الله محمد بن عبدالله، وكثير من المدن والقرى والبلدات التي استقبلت موكب السبايا بالأفراح قلبت أفراحها إلى أحزان عندما علمت أن هؤلاء ليسوا خوارج وأن هؤلاء ليسوا من الديلم وأن هؤلاء هم أحفاد محمد وأيتام محمد. لأن الأمة كلها تقرأ في كتاب الله: “قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة بالقربى”. المسلمون قد يختلفون في مسألة الإمامة والخلافة والولاية بعد رسول الله ولكنهم لا يختلفون في مودتهم لقربى رسول الله ومحبتهم لأهل بيت رسول الله(ص). عندما كان يعرف المسلمون من أهل المدن والقرى في العراق والشام أن هؤلاء هم القربى الذين أمر الله بمحبتهم وموّدتهم، كانت الأمور تتبدل وكانت الأمور تتغير، وينقلب المشهد.
کان الامويون يعلمون ان المسلمين اذا عرفوا الحقيقة سيغضبون عليهم، ولذلك خططوا للتعميمه الاعلامية ، لکي يمتصوا ايَ ردَ فعل متوقع، لاسيما في بلاد الشام فسخروا اجهزة اعلامهم المتاحة انذاك حتی اوصلوا الناس إلی حد القناعة بان الحسين عليه السلام وصحبه انما هم من الخوارج. لكن الامام السجاد وموكب السبايا أفشل الدعاية الاموية واهدافها وکشف حقيقة ما جرى في كربلاء ومکانة من قتل فيها واستطاع الامام السجاد عليه السلام وکرائم اهل البيت کزينب وام کلثوم وغيرهما، اسقاط الاقنعة عن وجوه الامويين وسياستهم الظالمة المعادية للاسلام ولرسول الله وتحميل الامة کذلك مسؤوليتها التأريخية أمام الله والرسالة.
ويمكن في هذا المجال وكشاهد على هذا المعنى مراجعة خطب وكلمات الامام السجاد وعمته زينب في الكوفة وفي الشام، التي کسرا فيها التعتيم الاعلامي الاموي وفضحا فيها جرائم يزيد، فالإمام السجاد عندما خطب في المسجد الأموي كاد أن يثير الناس على يزيد لشدة تفاعلهم وتأثرهم بما سمعوه من الامام من حقائق حيث فضح سياسة الامويين الارهابية الدموية وبين من هم السبايا واي مقام رفيع يمثلون في الاسلام وفي الامة.
فعندما أخذ الامام والسبايا إلى المسجد الاموي وفي حضور يزيد ووزرائه ووجهاء القوم وعموم الناس، الذين دعاهم يزيد ليحتفلوا بانتصاره الكبير وبثأره العظيم من بدر، وقف علي بن الحسين عليه السلام في المسجد ليخطب بالناس فأبى عليه يزيد ذلك، ولكن الناس الموجودين قالوا له: ائذن له هذا شاب في مقتبل العمر ومكسور الجناح دعه يتكلم لنسمع ما يقول.
وبنتيجة إصرار الحاضرين أذن له بأن يرتقي المنبر. فقام علي بن الحسين عليه السلام وخطب كما يقول المؤرخون خطبة أبكى منها العيون وأوجل منها القلوب.
ثم قال: أيها الناس أعطينا ستة، وفضلنا بسبع: أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين وفضّلنا بأن منا النبي المختار محمداً صلى الله عليه وآله، ومنّا الصدّيق ومنا الطيّار ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنّا سبطا هذه الأمة. من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي.
أيها الناس: أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن مكة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا أنا ابن من حمل الركن بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى، أنا بن خير من حج ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق في الهوا، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا ابن من دنى فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السما، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمد المصطفى صلى الله عليه وآله.
أنا لست من الترك ولا من الديلم. أنا لست من الخوارج. أنا ابن نبيكم وابن رسولكم وابن هاديكم وابن سيدكم. وهذه النساء هن عماتي وأخواتي وبنات رسول الله صلى الله عليه وآله .
إلى أن يكمل عليه السلام: أنا ابن، أنا ابن، أنا ابن، ويذكر ما جرى من أحداث، حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة. وكاد الحاضرون في المسجد أن يقوموا ويثورو،ا فأمر المؤذن أن يؤذن ويقطع عليه الكلام. هو ظن أنه إذا قطع عليه الكلام انتهت القضية. فلما قال المؤذن الله اكبر الله اكبر، قال الإمام السجاد: لا شيء أكبر منه. فلما قال أشهد أن لا إله إلا الله، قال علي ابن الحسين: شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي. فلما قال المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله، التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فان زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت، وإن زعمت أنه جدي فلمَ قتلت عترته.
هذا جزء من الصدح بالحق والتعريف بالحقيقة، ولذلك عندما عرف أهل دمشق الحقيقة غضبوا وحزنوا وثاروا حتى خاف يزيد من الفتنة، فسرع في تسريح الموكب من الشام الى المدينة خشية افتتان الناس.
3- التركيز على اقامة الشعائرالحسينية( البكاء والمجالس..)لابقاءالقضية حية، فقد كان الإمام السجاد (ع) يحرص على اقامة مجالس العزاء والبكاء على الحسين من اجل ان تبقى القضية حية وفاعلة في وجدان الامة على الرغم من منع الامويين لذلك، لما لها من دور في تربية وتهذيب الامة. .
وكان عليه السلام يظهر الحزن والبكاء بنفسه، فما كان ينظر إلى ماء، إلا ويذكر عطش أبيه.. وعندما ينظر إلى شاة تذبح، يتذكر ما جرى على أهل بيت النبوة الذين ذبحوا أمامه، وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (البكّاؤون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد (ص) وعلي بن الحسين (ع) ـ إلى أن يقول (عليه السلام): وأما علي بن الحسين (ع) فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وُضِع بين يديه طعامٌ إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا بن رسول الله!.. إني أخاف عليك أن تكون من الجاهلين، قال: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة).
وعنه (ع) أيضاً: (إن زين العابدين (ع) بكى على أبيه أربعين سنة: صائما نهاره، قائما ليله.. فإذا حضر الإفطار جاءه غلامه بطعامه وشرابه، فيضعه بين يديه فيقول: كلْ يا مولاي!.. فيقول: قُتل ابن رسول الله جائعا!.. قتل ابن رسول الله عطشانا!.. فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتى يبلّ طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزوجل).
4- كسر حاجز الخوف لدى الناس واستنهاض الأمة فقد كان احد اهم الاهداف التي عمل عليها الامام زين العابدين(ع) هي كسر جاجز الخوف لدى الامة من السلطة وارهابها واستنهاض الامة بوج الطغاة والظالمين.
وقد استطاع الامام الى جانب عمته زينب ان ينقل لنا ولكل الاجيال روح كربلاء ومنطق كربلاء وشعار كربلاء انينقل لنا “هيهات منا الذلة” الذي نردده ونعبر من خلاله عن رفضنا للظلم والذل ونواجه به كل طواغيت العالم.
لقد كان المجتمع يخاف من السلطة ومن عذابها وإرهابها وبطشها الا ان دماء الامام الحسين ودماءكربلاء وحركة الامام زين العابدين وعمته زينب حركت الامة وازالت عامل الخوف من السلطة وايقظ الأمة واستنهضها وبث فيها الروح الجهادية والثورية
لقد بقي المجتمع 20 سنة قبل الحسين (ع) لم يحرك ساكناً ضد السلطة الجائرة من سنة 40هـ إلى 60هـ.
ولكن بعد سنة 60هـ تغير الواقع وبدأت الجماهير تتمرد وتثور وتنهض و تحركت الثورات في الكوفة، وفي العراق، وفي أكثر من بلد إسلامي،
ـ فكانت ثورة التوابين في الكوفة للثأر من قتلة الحسين سنة 61هـ.
ـ وثورة المدينة سنة 65هـ.
ـ وثورة المختار الثقفي 66هـ.
ـ وثورة مطرف بن المغيرة سنة 77هـ وغيرها كثير..إلى أن سقط الحكم الأموي بالضربة العباسية القاضية التي رفعت شعار الثأر والرضا من آل محمد في بداياتها.
فالثورة الكبرى التي جرفت ملك بني أمية بعد سنوات قليلة. قامت باسم الحسين وهذا ما كان ليكون لولا كربلاء وما جرى في كربلاء. وما كان ليكون لولا الجزء المكمل وهو حركة الامام السجاد وموكب السبايا الكبير والتاريخي.
هذه الخطوات والجهود التي قام بها الامام (ع) استطاعت ان تبقي قضية كربلاء حية وملهمة للثوار والأحرار والحركات والفصائل المقاومة, كانت كذلك في التاريخ وهي كذلك في عصرنا وستبقى كذلك في المستقبل.
المواجهة القائمة اليوم مع اميركا في المنطقة والمقاومة التي تبديها دول وشعوب محور المقاومة تستلهم روحها وعزمها وارادتها من روح وإرادة وعزم كربلاء
السياسات الامريكية المتبعة في المنطقة وفي العالم هي سياسات هوجاء تقوم على البلطجة والاستفراد والاعتداء على الدول والشعوب وفرض الهيمنة والاملاءات والعقوبات وهي تضرب بعرض الحائط القوانين والاتفاقات الدولية ومقررات الامم المتحدة التي لا تنسجم مع مصالحها.
وفي هذا السياق فان الاملاءات المالية والسياسية التي حملها الى لبنان مساعد وزير الخزانة الأميركية مارشال بيلينغسلي هي انتهاك للسيادة اللبنانية وعدوان على كل اللبنانيين، ولا ينبغي التسليم بها بل يجب ان تجابه بالرفض من المصارف ومن كل اللبنانيين لأنها تستهدف الايقاع بينهم وهي تصيب كل اللبنانيين وتضر بالإقتصاد اللبناني وتفاقم من الازمة المالية التي بدأنا نشاهد بعض تداعياتها من خلال ارتفاع سعرالدولار وازمة المحروقات وغير ذلك.
اليوم التسليم بالاملااءات الأميركية على لبنان وعدم معارضة ما تحاول فرضه من اجراءات مالية ضد مواطنين لبنانيين ، سيشجّع اميركا على توسيع دائرة العقوبات ووضع يدها على البلد من خلال “نظامه المالي”، وما يقوم به الامريكيون في لبنان هواعتداء على لبنان وعلى الاقتصاد اللبناني وهذا الامر يحتاج الى رد فعل على المستوى الوطني وليس رضوخا للإملااءات والأمر الواقع.
المصدر: موقع المنار