ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين (ع)في برج البراجنة، أشار فيها إلى موعظة لقمان الحكيم لابنه: “يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لأولادهم فلم يبق ما جمعوا، ولم يبق من جمعوا له”.
وتوجه إلى هذه الطبقة السياسية بالقول: “إن العبر كثيرة، والتجارب عديدة، وما شهدناه في دولنا العربية من تونس إلى مصر والعراق وليبيا واليمن والجزائر والسودان، وكيف انتهت إليه أحوال الرؤساء وأعوانهم لخير دليل على أن ظلم الناس، وتكديس الثروات، ونهب الأوطان، وهضم حقوق الشعوب، لن يدوم مهما طال الزمن؛ والويل كل الويل مما اكتسبته الأيدي واصطنعته الأفئدة، واقترفته السياسات المستبدة والسلوكيات الطاغية. فالمآل وخيم في الدنيا والآخرة أيها السياسيون، فاتعظوا، واعتبروا، ولا تكونوا كالشياه التي وقعت في زرع أخضر فأكلت حتى سمنت فكان حتفها في سمنها”.
ونبه السياسيين في هذا البلد بالقول: “يا قادة هذا البلد، يا مسؤولين ومعنيين بشؤون الوطن وأمور الناس، إن الحرام يذهب وأهله، والظلم إن دام دمر. فها نحن قاب قوسين أو أدنى من الانهيار الذي هيأتم له بسياساتكم وانقساماتكم واستبداداتكم السلطوية التي جيرتموها لمصالحكم واختذلتموها بكم وبأتباعكم، متلاعبين بالدستور، ومتحايلين على القانون، ومصادرين لعقول الناس، تارة بالغش والخداع، وطورا بالوعود التي لن تتحقق، طالما بقي نهج الاستحواذ والسيطرة وبسط النفوذ من أساسيات العمل السياسي، في بلد خربته الطائفية وفرقته المذهبية وما زالت، وغابت عنه الرؤى الوطنية، التي من دونها لا وطن ولا دولة ولا مؤسسات ولا إصلاح، بل مزيد من التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي”.
ودعا قبلان الجميع إلى “تجاوز حساباتكم الضيقة، ومصلحياتكم الآنية، لا سيما أن هامش المزايدات والمساومات بات ضيقا، وينذر بوقوع الكارثة، الأمر الذي يستدعي الإعلان عن حالة طوارئ وطنية إنقاذية، تضع حدا لكل الهرطقات والنظريات التي لا تخدم الصالح العام، ولا تؤمن المناخ الملائم لإقرار موازنة لا تكون على حساب الفقراء وذوي الدخل المحدود، ولا تمس برواتبهم وتعويضاتهم، موازنة تقشفية لا هدر فيها ولا فساد ولا مزاريب ولا تنفيعات لهذا وذاك من أهل السلطة وأصحاب النفوذ، موازنة ذات مردودات إنمائية، وجداوي اقتصادية، تؤمن الاستقرار المالي والاجتماعي والأمني، وتسهم في إخراج البلد والناس من هذه الضائقة التي لم تعد تطاق، إذا لم يسارع الجميع، وفي مقدمهم الحكومة ومعها كل المؤسسات والإدارات، إلى وضع الأمور على المسار الصحيح، والمبادرة إلى رفع السرية المصرفية واعتماد مبدأ المحاسبة، وعلى قاعدة “المستفيد الأكبر يجب أن يدفع أكثر”.
واشار إلى أن “المشكلة المالية ليست في حجم النفقات بل بطريقة الإنفاق، وعليه يجب العمل على إطلاق يد القضاء، وتفعيل الهيئات الرقابية، وضبط المرافق والمرافئ، ومضاعفة الجهود بخفض الدين بالتعاون مع المصارف، ولعصر النفقات السرية والإدارية، وبخاصة نفقات السفر ورحلات الاستجمام”.
وفي موضوع الموقف الأمريكي من إيران اعتبر “أن القضية قضية نظام أمريكي يريد أن يصادر العالم، وهذا لا يكون إلا عن طريق ضرب العدالة والمواثيق الدولية، مرة عبر مصادرة القدس والضفة، ومرة عبر مصادرة الجولان، ومرة ثالثة عبر فرض خوات أمنية على دول الخليج، ومرة على طريقة خنق فنزويلا وكوبا وإخضاع أمريكا اللاتينية، ومرة على طريقة إعلان حرب تجارية على من يشتري النفط الإيراني، ومرة على طريقة الزج بدول منطقة الشرق الأوسط نحو حروب الإبادة، ولا من يعي ولا من يفهم. لذلك نحذر دول المنطقة من الانصياع لإدارة أمريكا، لأنها تريد مصادرة العالم رغم أنها تعاني من سقوط واضح لولا أن كثيرا من العرب تحولوا عكازا لها وحائطا لمساندتها، لذلك نحن مع الجمهورية الإسلامية، مع ممانعتها، مع قوتها، مع عدالتها، مع صمودها، ضد الهيمنة الأمريكية وحلفها التابع، وكما تمكنت طهران من الصمود والانتصار طيلة عشرات السنين السابقة على المشروع الأمريكي هي حتما إن شاء الله ستنتصر هذه المرة أيضا”.
وفي موضوع الاعدامات التي حدثت اخيرا في السعودية، اعتبر “أن ما شهدناه وسمعناه عما جرى في المملكة العربية السعودية من إعدام للعشرات، هو انتهاك لمنطق القانون الطبيعي والإنساني، واعتداء سافر على أدنى ضمانات حق المواطن في الدفاع عن نفسه في مواجهة استنسابية السلطة، والابتزاز السياسي. وما حدث سيزيد الأمور تعقيدا، وسينعكس سلبا على صورة السعودية وموقعها ووظيفتها الإقليمية، ولن يزيد القتل على الهوية والانتماء إلا خسارة وتشويها لكل من يمارس أسلوب القمع والظلم وقتل الحريات”.
المصدر: الوكالة الوطنية