شهر رجب هومن الأشهر العظيمة فهو أول أشهر النور الثلاثة رجب وشعبان وشهر رمضان التي تعتبر موسما روحيا وعباديا يعزز في أنفسنا وفي شخصيتنا البعد الروحي ، ويساعدنا على ضبط شهواتنا وأهوائنا ورغباتنا المادية.
وهو من الأشهر الحرم التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله تعالى: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ) وهذه الأربعة ثلاثة منها متتالية وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم وواحد فرد وهو رجب.
وهو الشهر الأصب لأنه تصب الرحمة فيه صبا فعن النبي(ص): رجب شهر الاستغفار لأمتي فأكثروا فيه الاستغفار، فإنه غفور رحيم، ويسمى الرجب الأصبّ لأن الرحمة على أمتي تُصب صبّاً فيه.
قد وردت في فضل شهر رجب روايات كثيرة، منها:
ما رُوي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إنّ رجب شهر الله العظيم لا يقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلاً.
وعن الإمام موسى بن جعفر (ع) أنه قال: رجب شهر عظيم يضاعف اللَّه فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات .
و قد دعت الروايات والأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت (ع) إلى استثمار النفحات الإلهية في هذا الشهر المبارك والاستفادة من عطاءاته الروحية والمعنوية من خلال ثلاث برامج تم التأكيد على استحبابها والعمل على تطبيقها في هذا الشهر:
البرنامج الاول: هو البرنامج الروحي العبادي، اي صيام ما أمكن من أيام هذا الشهر الفضيل، والصلاة والدعاء والذكر والاستغفار فيه، وإحياء ليلة الرغائب فيه بالصلاة والدعاء. وهي ليلة الجمعة الاولى منه .
فالصوم في شهر رجب هو من أبرز تلك البرامج وهو من المستحبات المؤكدة فيه والذين يتطلعون الى نيل الدرجات العالية عند الله والى الإرتقاء الروحي، والمعنوي، لا يكتفون بصيام شهر رمضان الواجب،يل يصومون في رجب وفي شعبان وفي غيرهما من الشهور.
فمن استطاع أن يصوم شهر رجب كله فقد نال النصيب الأوفى، وإلا فليصم نصفه أو ثلثه أو ربعه، او اول يوم وآخر يوم منه، ولا ينبغي أن يفوت الإنسان الصوم في شهر رجب، ولو يوماً واحداً.
روي عن الإمام موسى الكاظم : (ع)رجب نهر في الجنة أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل، فمن صام يوماً من رجب سقاه اللَّه من ذلك النهر.
وعن علي بن سالم عن أبيه قال: دخلت على الصادق جعفر ابن محمد (عليهما السلام) في رجب وقد بقيت منه أيام، فلما نظر إليّ قال لي: يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟ قلت: لا واللَّه يا بن رسول اللَّه. فقال لي: لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا اللَّه عز وجل، إن هذا شهر قد فضله اللَّه، وعظم حرمته، وأوجب للصائم فيه كرامته.
اما الصلاة والدعاء والذكر والاستغفار فهذه كلها من مستحبات هذا الشهر، فالمواظبة على أداء النوافل اليومية وخاصة صلاة الليل من المستحبات المؤكدة في شهر رجب، وهناك صلوات بكيفيات خاصة غير النوافل اليومية، يستحب أداؤها في أيام وليالي هذا الشهر المبارك، وهناك أدعية خاصة، تذكّر الإنسان بعظمة ربه وبأسمائه الحسنى، وتوجه الإنسان إلى مكارم الأخلاق، ووالى التحلي بالصفات الجميلة والسلوك الرزين، وقد ورد استحباب قراءتها والمواظبة عليها في هذا الشهر الفضيل وهي مذكورة في كتب الأدعية المعروفة كمفاتيح الجنان للشيخ القمي وغيره.
وقد ورد عن الصادق(ع) انه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: رجب شهر الاستغفار لاُمَّتي، فاكثروا فيه الاستغفار فإنه غفور رحيم. ويسمى رجب الاصبّ لانّ الرحمة على أُمّتي تصبُّ فيه صَبّا، فاستكثروا من قول: أَسْتَغْفِرُ الله وَأَسْأَلُهُ التَّوْبَةَ.
البرنامج الثاني: هو البرنامج الاجتماعي, كالصدقة وقضاء حوائج الناس والسعي لمعونتهم ورفعالحرمان عنهم، فان للصدقة في الأزمنة المباركة فضل واجر مضاعف, والصدقة لا تقتصر على المساعدات المالية للمحتاجين, بل تشمل كل ما فيه خدمة للمجتمع, ومعالجة لمشاكل الناس.
إن مساعدة الفقراء والمحتاجين تدل على صدق تديّن الإنسان، ولعله لذلك سمّيت صدقة من الصدق، بينما التجاهل لأوضاع المحرومين، علامة على كذب ادعاء التدين، فلا يثبت للإنسان دين وإيمان مع إعراضه عن حاجات الضعفاء والفقراء، يقول تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ الماعون: الآيات 1 ـ 3.
وإذا كانت الصدقة مطلوبة في كل وقت، ولها نتائجها العظيمة على حياة الإنسان قبل آخرته، حيث إنها كما ورد في الأحاديث، تدفع البلاء وتزيد الرزق، وتطيل العمر، إلا أنها في هذا الشهر الكريم أكثر ثواباً وأعظم بركة.
ففي حديث مروي عن رسول اللَّه (ص) كان يتحدث فيه عن فضل شهر رجب والصيام فيه قال: يتصدق كل يوم برغيف على المساكين، والذي نفسي بيده إنه إذا تصدّق بهذه الصدقة كل يوم ينال ما وصفت وأكثر، إنه لو اجتمع جميع الخلائق على أن يقدّروا قدر ثوابه ما بلغوا عشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات.
البرنامج الثالث: هو البرنامج المعرفي بتعميق الوعي بعقائد الدين واحكامه وتشريعاته وقيمه، والوعي بمفاهيم الإسلام، والتدبر في آيات القرآن الكريم ومضامين الأدعية المأثورة, وقراءة الكتب النافعة، لأنه مع الأسف أبناء مجتمعنا تخلوا عن القراءة والمطالعة، وحضور الدروس المفيدة. والإقبال على المساجد والاستماع للمواعظ، فان المساجد هي حصون المؤمنين والمؤمنات، والاستماع للمواعظ والخطب والدروس المفيدة، تخلق حالة من الوعي الديني والاجتماعي والسلوكي والسياسي نحن بحاجة اليها.
نحن بحاجة الى البرنامج الروحي والعبادي لنقوي علاقتنا بالله وارتباطنا به، وبحاجة الى البرنامج الاجتماعي لنعمق ارتباطنا ببعضنا وبالناس، وبحاجة الى البرنامج
المعرفي لنعمق وعينا وثقافتنا ونملك البصيرة بما يدور من حولنا، ولنواجه التحديات التي يفرضها علينا الأعداء ونقوم بمسؤولياتنا على هذا الصعيد .
فاميركا ولدى كل زيارة لمسؤول فيها الى لبنان تحرض على المقاومة وتحاول تأليب الرأي العام اللبناني ضد حزب الله، وقد أزعجها تنامي حضور حزب الله السياسي والشعبي في لبنان وتراكم قدراته التي تردع اسرائيل من الاعتداء على لبنان، كما ازعجها ان يحمل حزب الله ملف مواجهة الفساد في لبنان ويتقدم به ويحقق نجاحات على صعد مختلفة، برغم كل المساعي الامريكية التي كان يراد منها تشويه صورة حزب الله في لبنان والمنطقة وإضعافه ومحاصرته سياسيا وشعبيا.
أميركا التي أصيبت بخيبات امل متتالية في لبنان نتيجة فشلها المتكرر في محاصرة حزب الله عليها ان تيأس من إقناع اللبنانيين بالتخلي عن المقاومة او مواجهة حزب الله وعلى الذين لا يزالون يراهنون على اميركا في تحقيق طموحاتهم ان لا يراهنوا عليها لأنها باتت أضعف من اي وقت مضى في لبنان والمنطقة .
أما في ملف مواجهة الفساد فالخطوات التي تحققت حتى الآن هي إنجاز على طريق الإصلاح ومنع الفساد، فهناك ملفات فتحت وأصبحت لدى القضاء ولم يعد بالامكان طمسها من قبل احد، وقد أثبت حزب الله مصداقية وجدية في متابعة هذه الملفات لأن ملف مكافحة الفساد بالنسبة لنا ليس مجرد شعار نرفعه بل هو خطوات عملية جدية وملموسة، ونحن ندعو كل الاطراف الى رفع الغطاء عن الفاسدين والتعاون في هذا الملف بعيدا عن الاستخدام السياسي والطائفي لان ملف الفساد في البلد يمس كل اللبنانيين، ومن مصلحة لبنان واللبنانيين تسليط الضوء على ملفات الفساد ومتابعتها بجدية لان لذلك تاثيرا على الاداء في المستقبل وعلى منع الفساد في البلد
نحن مستمرون في متابعة الملف رغم كل ما اثير خلال الاسبوع الماضي ولن نتراجع وسنتابع كل الخطوات اللازمة حتى النهاية.
وقلنا منذ البداية ونعود ونؤكد اننا في ملفات الفساد لا نستهدف أحدا على خلفية سياسية او طائفية، وطالما ان الجميع يريد مواجهة الفساد والهدر في البلد فلا يجوز كلما فتح ملف من ملفات الفساد في البلد ان يعطى بعدا سياسيا او طائفيا، هذه الطريقة لا تبني بلدا، ولا تضع حدا للفساد والهدر الذي يطالب الجميع بمواجهته، بل قد تشجع الفاسدين لانها تشعرهم بانهم محميون من احزابهم وطوائفهم.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع المنار