تزامناً مع الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي مدينة تبريز التاريخية ضد النظام البهلوي في الثامن عشر من شباط عام ١٩٧٨، التقى يوم الإثنين ١٨/٢/٢٠١٩ حشدٌ من أهالي ومسؤولي هذه المدينة بالإمام الخامنئي. وخلال اللقاء علّق سماحته على انعقاد مؤتمر وارسو بأنّ هذا المؤتمر جمع الدول الحليفة، الضعيفة والمرعوبة لأمريكا ليتّخذوا موقفاً من الجمهوريّة الاسلاميّة لكنّه باء بالفشل وأراق ماء وجه الكثير من زعماء الحكومات التي تدّعي الإسلام.
جاء النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي في هذا اللقاء على الشكل التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين المطهّرين، سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات والعلماء والشخصيات وعوائل الشهداء المحترمين والشباب التبريزي المتحمّس النادر النظير، والحقّ أنّ أهالي تبريز وخاصّة شبابها نموذجيّون وقلّما تجد لهم نظيراً في البلاد. أنا مسرور جداً أن وفّقنا هذا العام أيضاً للّقاء بكم في هذه الحسينية، في يوم الله، التاسع والعشرين من بهمن، الذي هو بحقّ يوم الله و من الأيام الإلهيّة.
وأشير بداية إلى هذه النقطة، وهي أنّ أهالي تبريز هم من صنعوا يوم الله هذا. أيام الله هي أيّام التجلّي الخاصّ لله تعالى، فأحياناً يصنع عزم الناس وهممهم وإرادتهم مثل هذا اليوم. وقد صنع أهالي تبريز هذا اليوم في التاسع والعشرين من بهمن سنة 56 [18/02/1978 م] بهممهم وبصيرتهم وهو ما سوف أشير إليه لاحقاً. وبالطبع، لم تكن هذه هي المرة الأولى والأخيرة، فتاريخنا المعاصر حافل بريادة أهالي تبريز وآذربيجان في القضايا المهمة والأحداث المصيرية. ولكم أن تلاحظوا، خلال حقبة الثورة هذه، وأنتم الشباب لا تتذكّرون أحداث بداية الثورة، حيث اجترح أهالي تبريز معجزة بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالمؤامرة التي مهّد لها العدوّ في تبريز أُحبطت على أيدي أهالي تبريز أنفسهم على أفضل وجه ممكن. وقد قال الإمام الخميني يومذاك، حين كان الكلّ قلقين ممّا سيحدث في تبريز، وكان أعداء الثورة قد جيشوا الجيوش من سائر النواحي علّهم يستطيعون فصل تبريز عن الثورة، قال ما مضمونه: لا تقلقوا، فأهالي تبريز أنفسهم سيردّون على هؤلاء، وهذا ما حصل. وبعد ذلك، في فترة الدفاع المقدّس والأحداث المتزامنة معها، وبعدها في سنة 88، وبعدها في التاسع من دي حيث خرج الناس في البلد كلّه في التاسع من دي، لكنّ أهالي تبريز خرجوا في الثامن من دي، أي قبل الآخرين وأسرع منهم بيوم، فكانوا روّاداً سبّاقين في كلّ الميادين والحمد لله. أعزائي، كونوا سبّاقين في هذه الخطوة الثانية [للثورة] أيضاً وستكونون كذلك إن شاء الله. أهالي تبريز يفتخرون بيوم الله في التاسع والعشرين من بهمن. لاحظوا هذه النقطة وهي على جانب كبير من الأهمية. البعض ضعفاء ومساكين ومنفعلون. قد يكونوا قاموا في يوم ما بتحرّك ثوري، إلّا أنّهم اليوم يخجلون من ماضيهم تحت ضغط مؤامرة العدوّ، وبالطبع، بسبب نزعاتهم الدنيوية. [لكنّ] أهالي تبريز يفتخرون بماضيهم الثوري مثل أغلبية الشعب الإيراني، ويرفعون رؤوسهم ويقولون نحن الذين كنّا أطلقنا هذه الحركة الثورية، حركة الأربعين، وذكريات الأربعين نحن الذين أطلقناها، وهم على حقّ، يفتخرون، ومجيئكم هذا إلى هنا وهذا التجمّع الهائل الحماسي، وخاصّة الشباب الأعزاء، هو من الدلائل والعلامات لهذا الافتخار الكبير العميق المعاني.
حسنٌ، أريد أن أتكلّم قليلاً عن التاسع والعشرين من بهمن، وكلامي الأساسي يكمن في هذه النقطة التي سأذكرها. لكن قبل ذلك أريد تكرار نقطتين والتذكير بهما، فهذه فرصة بالنسبة لي.
النقطة الأولى، هي أنّني شكرت الجماهير والشعب في نهاية بياني [الخطوة الثانيّة للثورة الاسلاميّة] على مشاركتهم في مظاهرات الثاني والعشرين من بهمن. إلّا أنّ ذلك الشكر بيني وبين الله أقلّ بكثير وأصغر ممّا يستحقه شعب إيران. لقد أنجز الشعب الإيراني في الثاني والعشرين من بهمن عملاً كبيراً. وأقولها لكم إنّ الحضور الهائل للشعب في الشوارع، حيث رفع إليّ تقرير بأنّ الحضور على مستوى البلاد كافّة أو في ثمانية وتسعين بالمائة من مدن البلاد أو أزيد بقليل، كان أكثر من السنوات الماضية. ففي بعض المناطق ازداد الحضور بنسبة خمسين بالمائة، وفي بعضها الآخر بنسبة أربعين بالمائة، وفي مناطق أخرى كان أكثر بنسبة ثلاثين بالمائة. إنّ العدوّ يرى هذا الحراك لكنّه حتماً، يتكتّم عليه في إعلامه. يقولون في إعلامهم إنّ آلاف الأشخاص قد نزلوا إلى شوارع إيران. لا يقولون نزل ملايين الأشخاص في كلّ المدن بما مجموعه عشرات الملايين. هذا ما لا يقولونه لكنّهم يدركونه. فالعدوّ يدرك والكلّ في العالم يعلم بأن البلد الذي يكون شعبه متّحداً في الساحات بهذا النحو، لا يمكن أن يناله العدوّ بسوء، هذا ما يعلمه الجميع. أي إنّ حضوركم هذا في الساحة السياسية للبلاد وفي ساحة الثورة وفي ذكرى الثاني والعشرين من بهمن لسنة 57، على مستوى البلاد كلّها، كان حركة سياسية وأمنية مهمة أُنجزت على يد الشعب الإيراني. ينبغي شكر الله على ذلك، فالقلوب بيد الله، [نعم] القلوب بيد الله. «إِلَيْكَ نُقِلَتِ الْأَقْدَام و إِلَيْكَ مُدَّتِ الأعناق» الأيدي ممتدّة نحو الله، والقلوب بيد الله، والله هو الذي قاد الناس نحو الساحات، فنشكر الله تعالى، ونشكر الشعب العزيز أيضاً من الأعماق. لقد حضر الناس ورفعوا الشعارات نفسها، شعار «الموت لأمريكا»، وقد قلت في ذلك اليوم إنّ هذا لا يعني الشعب الأمريكي، فقد بيّنت مصداقه يوم التاسع عشر من بهمن وذكرت من هو المراد بهذا الشعار. وأقول الآن إنّ الموت لأمريكا يعني الموت للهيمنة والموت للاعتداء والموت للتطاول على حقوق الشعوب، هذا هو معناه. هذه الحركة المستنيرة الواعية الإنسانية الزاخرة بالمعاني والمضامين قام بها الشعب، بهذا الشعار، في كلّ مكان من البلاد، وهي تستحق الشكر حقّاً. البعض أنفسهم ضعفاء، منفعلون ومتأثّرون بالغير، يقولون إنّ الثورة ضعفت؛ هم أنفسهم ضعفاء فيقيسون الأمر على أنفسهم. هم أنفسهم مفتونون مأخوذون، قد فقدوا الشجاعة، فيتصوّرون أن الناس والشعب كذلك. وينسبون ضعفهم إلى الشعب، لا، فالشعب هو هؤلاء الذين شاهدتموهم يوم الثاني والعشرين من بهمن. فليشملكم الله تعالى، وليشمل الشعب الإيراني والجماعة المفعمة بالنشاط التي تدافع بهذا النحو وببصيرة، عن ثورتها ونظامها وهويّتها وبلادها، برحمته ولطفه. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية تتعلّق بهؤلاء الشهداء الأعزاء الذين ضحّوا بأرواحهم في سبيل أمن البلاد. ظاهر القضية أنّ عشرين أو ثلاثين شاباً قد استشهدوا، ونحن قدّمنا الكثير من الشهداء، بيد أن هذه النقطة جديرة بالتأمل، هذا شيء يجب أن يزيدنا وعياً ويقظة لنعلم بأيّ ثمن يتأتّى الأمن ويحصل. لاحظوا، هؤلاء الذين يستفيدون من الأمن المتوفر في البلاد في أعمالهم وكسبهم ومشاغلهم وفنونهم ورياضتهم ودراستهم وكلّ أعمالهم، ثمّ نرى البعض منهم ينكرون الجميل! هذا الأمن الذي نرفل ونعيش فيه يحصل بهذا الثمن، ولقد كان الثمن دماء شبابنا، خيرة شبابنا، هؤلاء الشباب الأصفهانيين، فسلام الله وسلام ملائكته عليهم، سلام الله على أهالي أصفهان المربّين للشهداء، الذين قاموا أوّل من أمس بذلك التشييع المهیب لجثامين هؤلاء الشهداء. وأهالي أصفهان أيضاً من الروّاد في هذا النهضة وهذه الحركة. هذا عمل مهمّ جداً. يجب أن لا ننسى كيف يصان الأمن ويحفظ، أمن حدودنا، والأمن في داخل البلاد، أمن الطرق، أمن المدن، الأمن العجيب لكلّ هذه الحشود في يوم الثاني والعشرين من بهمن، فلقد انتهت هذه الأحداث وهذه الحشود الهائلة في يوم الثاني والعشرين من بهمن بأمان، وهل هذا بالشيء القليل؟ من هم هؤلاء الذين يحافظون على الأمن لنا؟ هل ترانا نعرف قدرهم؟ هل ترانا نعرفهم؟ سلام الله على الحرس الثوري وباقي العناصر التي تحافظ على الأمن، وعلى قوات الشرطة،و الجيشن وعلى الآخرين الذين يضحّون بهذا النحو ويقدّمون أرواحهم بسخاء. لقد حصلت هذه الثورة وهذه العزة الوطنية وهذا الأمن بهذه التضحيات.
حسنٌ، أمّا عن انتفاضة تبريز، فالنقطة المتعلقة بانتفاضة 29 بهمن في تبريز، والتي كانت انتفاضة بحقّ، وبالمعنى الحقيقي للكلمة، وكانت بالطبع في مدينة واحدة لكنّها تركت تأثيراتها على البلاد كافّة، وقادت الجميع إلى الساحة وأفضت إلى تلك الثورة الشعبية العظيمة، النقطة المهمة التي كانت في انتفاضة تبريز والتي بارك الله فيها هي أنّ أهالي تبريز استطاعوا معرفة الوقت وتشخيص اللحظة بدقة أولاً، ثم إنّهم بادروا للعمل في الوقت المناسب ثانياً. هذان الأمران مهمّان للغاية. وهما مهمّان جداً في جميع الأمور والأحداث الشخصية والاجتماعية. اعرفوا الوقت واللحظة والظرف، ثم بعد أن نعرف الوقت وندرك بأن الوقت وقت عمل، فعلينا أن ننجز ذلك العمل في حينه وفي وقته المناسب، وبذلك سنحقّق النجاح. فإذا لم نعرف الوقت، وحصلت غفلة، أو إذا لم نقم بالعمل اللازم في حينه وأوانه، عندها لن يكون لأيّ عمل فائدة تُذكر. والنموذج على ذلك من التاريخ هو حركة التوّابين. فالتوّابون هم الجماعة التي ثارت بعد وقوع حادثة كربلاء، واستشهاد حبيب قلب الرسول الإمام الحسين بذلك النحو، وبعد حصول كلّ تلك الحوادث، حيث غلت الدماء في عروقهم ولاموا أنفسهم على قعودهم، فنهضوا وثاروا وانتفضوا، وكانوا جماعة كبيرة، فساروا، وواجهتهم الحكومة واستشهدوا جميعاً وقتلوا، ولكن، هل كان لفعل مائة منهم من التأثير بمقدار ما كان لفعل ذلك الغلام الأسود الذي استشهد في كربلاء؟ وهل كان تأثير مائة فرد منهم يوازي تأثير شخص واحد هو حبيب بن مظاهر الذي استشهد في كربلاء؟ لا، [لأنّهم] لم يقوموا بالعمل في وقته المناسب. فلو كنتم تريدون الدفاع عن الإمام الحسين وعن الرسول وعن حريم الولاية وعن حركة الحقّ مقابل باطل يزيد كان يجب أن تفعلوا ذلك في يوم عاشوراء. لكنّكم خسرتم عامل الوقت وأضعتم الفرصة. هذا هو التاريخ. لدينا في التاريخ نماذج من هذا القبيل وهي كثيرة. وحتماً لدينا نماذج من هذا القبيل في تاريخنا المعاصر أيضاً.
لا أنسى أنّه في مطلع الثورة، وكان الإمام الخميني قد عاد إلى طهران في اليوم الثاني عشر من بهمن، وقال في بهشت زهراء «أنا سوف أشكّل الحكومة» ووعد بتشكيل الحكومة، وكانت الأرضية مهيّأة تماماً. في اليوم الرابع عشر أو الخامس عشر من بهمن، ولا أذكر اليوم على وجه الدقة والتحديد، أرسل الإمام في طلبنا، لأنّ المسؤول عن تهيئة المقدّمات لتشكيل الحكومة كان مجلس شورى الثورة التي كنت وعدداً من الأشخاص الآخرين أعضاء فيها. طلبنا الإمام الخميني فذهبنا إليه في مدرسة علوي. فقال: «ماذا حصل إذاً، وما الذي جرى إنجازه؟» لاحظوا، هذا هو [الفعل] الصحيح، [فسؤاله] ما الذي حصل؟ وماذا عن تشكيل الحكومة؟ يعني: لماذا لم تهيّئوا المقدمات؟ هذه هي معرفة الوقت والاستفادة من الوقت. ثم في اليوم التالي أو الذي بعده، عيّن الإمام الخميني الحكومة المؤقتة وأصدر حكماً، واستمرت الأمور على ذلك المنوال. هذه هي معرفة الوقت. وأنتم يا أهالي تبريز، بارك الله في عملكم لأنّكم عرفتم الوقت واللحظة المناسبة وأدركتم أن هذا الوقت هو وقت توجيه الضربة. لقد أدّت الأخطاء التي ارتكبها النظام الحاكم إلى غليان الشارع فوقعت أحداث قم، وهناك ارتكب خطأ آخر فقتل عدداً من أهالي قم، وكانت الأرضية مهيّأة. فكيف يجب أن تظهر هذه الأرضية المهيأة إلى النور؟ المناسبة الأفضل كانت أربعين شهداء قم. هذا ما أدركه أهالي تبريز، فكانت ذكرى الأربعين مظهراً للحركة والانتفاضة والثورة. لقد عرفوا الوقت وشخّصوه واستفادوا منه على أفضل وجه. لذلك بارك الله في أعمالهم، وهذا درس وعبرة.
أعزّائي، تتوفّر اليوم أمام نظام الجمهورية الإسلامية أحسن الفرص. فاليوم هو فرصة للعمل. وفرصة للتحرّك، تحرّك الحكومة وتحرّك الشعب وتحرّك المسؤولين كلّ من موضعه وبحسب مهامه. على الشباب اليوم أن يتحرّكوا ويستفيدوا من الفرصة. فالموقع والظرف اليوم مناسبان. فأعداد كبيرة من السكان، وبلد كبير، وكلّ هذه الإمكانيات التي أشرت في بياني إلى القليل منها؛ فإمكانيات البلد وطاقاته أكبر بكثير مما هو موجود في تقاريرنا وكتاباتنا وأقوالنا. كلّ منطقة من مناطق البلاد، بما في ذلك آذربيجان التي أنتم فيها وتبريز التي تحدّث السيد إمام الجمعة المحترم عنها، وما قاله صحيح، بحر من الإمكانيات والطاقات المتنوعة الاقتصادية منها والعلمية والاجتماعية والفنية والمتعلّقة بجوانب الحياة الأخرى. إنّها بحر من الطاقات فيجب معرفة هذه الطاقات والاستفادة منها. ومن الذي ينبغي أن يفعل ذلك؟ نحن المسؤولين، هذا ما يقع على عاتقنا نحن المسؤولين، وبالطبع حين نقول نحن المسؤولين فلا يعني هذا أنّ التكليف والواجب مرفوع عن عاتق الشباب. وهذا هو معنى «استلام زمام المبادرة» الذي تحدّثت عنه؛ معناه أنّ على الشباب كافّة، والجماعات المؤمنة في المواقع والمجالات المختلفة، أن يبادروا إلى القيام بكلّ ما يتأتّى لهم من أعمال، طبقاً لقوانين البلاد ومصالحها، ولا ينتظروا أحداً. إنّ عدوّنا ضعيف (1) بوني كه بيليرم، قبلاً بويور موشيز بنده بيليرم (2). جزاكم الله خيراً إن شاء الله، وحفظكم بحفظه ورعاكم. حسنٌ، الطاقات والإمكانيات في بلادنا كثيرة، وعدوّنا اليوم ضعيف. انتبهوا، لقد قلتها مراراً وتكراراً، لا نريد أن نكون ساذجين، وقلت: لا يعني “عدّ العدوّ عاجزاً وضعيفاً” أن نغفل عن نقاط قوّته، ولكن حينما ننظر جيّداً، نجد أنّ العدوّ يعاني المشاكل. فالعدوّ الرئيس لنظام الجمهورية الإسلامية وهو الاستكبار، ومظهره النظام الأمريكي المعتدي، متورّط ويعاني اليوم مشاكل داخلية وخارجية، ومتورّط في الصراع بين ساسته وزعمائه، فهم مختلفون فيما بينهم على قضايا شتّى تسمعونها وتشاهدونها في الأخبار؛ إنّهم متورّطون بديون هائلة للحكومة الأمريكية لشعبها وللدول الأخرى، أي إنّهم متورّطون بترليون ونصف دولار من القروض والديون، ويعانون من مشكلات اجتماعية داخلية، فالشعب الأمريكي طبقاً للوثائق التي يطرحونها هم أنفسهم ـ وهذه ليست معلوماتنا الداخلية بل هي معطيات مستقاة منهم وموجودة في صحافتهم وفي بعض وثائقهم التي تتوفّر لنا ـ والشباب الأمريكي يعاني من الكآبة والانتحار، وحالات القتل هناك تفوق حالات القتل في العالم أجمع، حيث يقع في أمريكا كلّ يوم عدد كبير من جرائم القتل، قتل الناس؛ قتل الناس بعضهم على أيدي بعض، وقتل الناس على يد الشرطة؛ وهناك الإدمان والمخدرات، فتكاليف المخدرات في أمريكا تتراوح بين الخمسين والمائة مليار دولار سنويّاً ـ وهذه من إحصائياتهم وأرقامهم ـ خمسون مليار دولار تنفقها أمريكا سنويّاً لمكافحة المخدرات في البلاد من دون أن يكون لها أثر. فالمخدرات تنتشر هناك يوماً فيوماً. إنّهم متورطون، وهذه المشكلات والمعضلات هي التي تجعل وضعهم في سورية كما تشهدونه اليوم، وفي أفغانستان كما تشهدون، وفي العراق [أيضاً] كما ترون، هذه المعضلات هي التي تغضبهم. وعندها ترون أن أولئك الساسة الضعاف العقول، أو ـ كما قلتم حقّاً ـ الحمقى من الدرجة الأولى! ترونهم يغضبون من الشعب الإيراني، فيلجؤون إلى السباب والشتائم، ويتخبّطون، ويقيمون مؤتمر وارسو فلا يصلون إلى نتيجة، ويدعون البلدان المتعاونة معهم والعميلة لهم والحكومات المرعوبة والضعيفة إليه، ليتّخذوا قراراً ضدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية فلا يصلون إلى نتيجة.
هذه كلّها من علامات ضعف العدوّ. إذاً، العدوّ ضعيف. وعندما يكون العدوّ ضعيفاً فإنه يكثر من إطلاق الترّهات وإثارة الضجيج. ولا ينبغي لهذا الضجيج أن يؤدّي إلى فزع المسؤول الفلاني، أو إلى خطأ الشاب الفلاني فيتصوّر بأنّ الأوضاع وخيمة، لا، لا. فيوم كانت هذه الثورة غرسة ضعيفة وتعاضد هؤلاء وتعاونوا على استئصالها من جذورها لم يستطيعوا. [فكيف الآن] وقد تحوّلت تلك الغرسة الضعيفة إلى هذه الشجرة الضخمة القويّة، وهذه الشجرة الطيبة العظيمة! إنّهم عاجزون عن ارتكاب أيّ حماقة. إنها ذات العبارة التي قالتها السيدة زينب ليزيد «كِد كَيدَكْ وَاسْعَ سَعْيَك وَ فَوَاللّه لا تمحوا ذِكرَنا» إفعل ما بدا لك، لكن إعلم أنّك لا تستطيع ارتكاب أيّ حماقة. وبالطبع فقد أريق ماء وجه الكثير من ساسة البلدان التي تدّعي الاسلام، في هذه الأحداث. أريق ماء وجههم على الأرض. هؤلاء الذين جلسوا مع الكيان الصهيوني في وارسو وما شابه، سواءً بعض الزعماء العرب في الخليج الفارسي أو غيرهم، وتحالفوا مع الصهاينة والأمريكان ضد الإسلام والمسلمين والجمهورية الإسلامية، هؤلاء لا ماء وجه لهم ولا سمعة [حسنة] حتّى لدى شعوبهم.
ما أقوله هو إنّنا الآن في نشاط الأربعين عاماً وحيويّته، وتتوفر لدينا الجاهزية والقدرة اللازمة للسير قدماً، ولدينا الإمكانيات والطاقات، وهذه المشكلات الموجودة كلّها ممكنة الحلّ. فالغلاء ممكن الحلّ. وانخفاض قيمة الريال ممكن الحلّ. والمشاكل التي تعترض الإنتاج الداخلي ممكنة الحلّ. هذه كلّها ممكنة الحلّ، وتحتاج إلى قليل من الصبر، وقليل من التدبير، وقليل من الاتحاد والتوافق، وقليل من الجدّية في السير والحركة. تحتاج إلى هذه الأمور. هذا كلّ شيء. إمكانيّاتنا جيدة جداً، والعدوّ يعاني من ضعف، وسيزداد ضعفاً إن شاء الله، فيجب الاستفادة من هذه الفرصة كما استفدتم، أنتم أهالي تبريز، من الفرصة واستثمرتموها في التاسع والعشرين من بهمن سنة 56، ووجهتم ضربتكم وفعلتم فعلكم وقمتم بمبادرتكم. أقول لكم أيّها الشباب، لأنّ الغد لكم أنتم الشباب، وهذا البلد لكم، ليبني الشباب أنفسهم، وليعدّوا أنفسهم من الناحية الروحيّة ومن الناحية الجسمانيّة، ومن الناحية العلميّة، ومن حيث القدرات الإداريّة، فينبغي للبلد أن يُدار بيد الشباب. وليستفيدوا من مشورة الشيوخ وكبار السنّ ومن تجاربهم، إلّا أنّ الداينمو المحرك للبلد هم الشباب. فليعدّوا أنفسهم كما قلت من النواحي الروحية والمعنوية ومن النواحي الأخلاقية، ومن النواحي العلمية ومن حيث الدراسة والتحصيل العلمي، وأيضاً من النواحي الجسمانية ومن حيث القدرات الإدارية والتنظيمية، واللجان والهيئات، ليستطيعوا العمل، فمستقبل هذا البلد لكم، وعليكم أن تتمكّنوا من إدارته، وبإمكانكم الوصول بهذا البلد إلى القمة. حفظكم الله إن شاء الله ووفقكم لأن تثبتوا هذه الجاهزية على المستوى العملي إن شاء الله، مع ثبات القدم فهو أمر غاية في الأهمّيّة. هذه توصيتنا لكم أنتم الشباب.
وتوصيتنا لمسؤولي البلاد هي أن يعرفوا العدوّ جيّداً، ولا ينخدعوا بحيله ومكره، فالعدوّ يدخل من طرق عدّة ومتنوّعة، فأحياناً يكشّر عن أنيابه، وأحياناً يلوّح بقبضاته، وأحياناً يبتسم، وهذه كلّها لها معنى واحد. فابتسامة العدوّ هي تماماً كتكشيره عن أنيابه، لا فرق بين الحالتين وكلاهما عداء. «قَد بَدَتِ البَغضاءُ في أَفواهِهِم وَ ما تُخفِي صُدُورُهُم أَكبَر» فما في قلوبهم النجسة الطافحة بالبغضاء والحقد على الإسلام والمسلمين وخصوصاً على الجمهورية الإسلامية أكثر بكثير ممّا يظهر في كلامهم. فلا ينخدعوا بخدع العدو، ولا تنطوِ عليهم حيله. تلاحظون اليوم أنّ الغربيّين يمارسون الخداع بالمعنى الحقيقي للكلمة، أمّا أمريكا فقد تجاوزت الخداع، وهي تمارس العداء علناً وتشهر السيف بوضوح. الأوروبيون يعملون بمكر وخداع، ولن أقول لكم ما الذي يفعلونه، فليجتمع رجال الحكومة وليفكروا، وليحذروا من أن يخدعوا، وأن تنطلي عليهم الخدع؛ فلا يخدعنّهم العدوّ، ولا يعرّضوا أنفسهم والشعب لمشكلة على أمل أن يستطيعوا فعل شيء، عليهم أن لا ينخدعوا بالعدو ولا يفزعوا منه، وليعلموا أن يد الله فوق الأيدي، والله تعالى الناصر والسند للشعب الذي ينصر دينه، وهذا الشعب والحمد لله يقوم بهذا الفعل.
وأقول لكم يا شبابنا الأعزاء إنّكم ستشهدون في حياتكم إن شاء الله، اليومَ الذي يتجلّى فيه كلّ ما قلته لكم اليوم، وكرّرته مراراً بحول الله وقوّته.
والسلام عليكم ورحمة الله.
المصدر: موقع الامام الخامنئي