نص الخطبة
سأتحدث في هذه الخطبة عن بعض مضامين خطبة النبي(ص) المشهورة في استقبال شهر رمضان والتي تعتبر من الخطب الجليلة التي بين فيها رسول الله(ص) بإسلوب رفيع وبليغ المنهج الروحي والأخلاقي والإجتماعي الذي يجب أن يعتمده الصائم في شهر رمضان والسلوك الذي يجب أن ينتهجه مع الله ومع عموم الناس من الكبار والصغار والفقراء والارحام والايتام وغيرهم.لأن شهر رمضان ليس فرصة للعبادة فقط وإنما فرصة أيضا لبناء الشخصية الإيمانية والأخلاقية والإجتماعية التي تتحسس هموم الآخرين وحاجاتهم وفرصة لتصحيح السلوك والعلاقات وطريقة التعاطي مع الآخرين.
عندما ندقق في خطبة النبي(ص) ونحاول تقسيمها الى موضوعات سنجد أنها اشتملت على العديد من المواضيع الأساسية المتعلقة بهذا الشهر الكريم:
الموضوع الاول: بيان أهمية هذا الشهر وفضله وعظمته: ” أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ ، وَ أَيَّامُهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ ، وَ لَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالِي ، وَ سَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ)
ثم تبين الخطبة مكانة ومنزلة الصائم عند الله : فالصائم في ضيافة الله ومن أهل كرامة الله، وأن يكون الصائم في ضيافة الله ومن أهل كرامته فتلك منزلة رفيعة ومكرمة عظيمة، والله في هذه الضيافة يتجلى كرمه وجوده ونعمه وألطافه بأبهى الصور، يقول (ص): (هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلَى ضِيَافَةِ اللَّهِ ، وَ جُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللَّهِ ، أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبِيحٌ ، وَ نَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ ، وَ عَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ ، وَ دُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ … يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ ، يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ ، وَ يُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ ، وَ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ ، وَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ .)
الموضوع الثاني: الحث بصيغة الأمر على القيام ببعض الأعمال العبادية والأخلاقية والإجتماعية :
أ-أما الاعمال الروحية والعبادية التي تعمق العلاقة بين الانسان وبين ربه فهي:
1- تلاوة القرآن: فَاسْأَلُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ بِنِيَّاتٍ صَادِقَةٍ وَ قُلُوبٍ طَاهِرَةٍ أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَ تِلَاوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ
2- التوبة : (وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ).
3- التوجه الى الله بالدعاء والإبتهال والسؤال وخاصة أثناء الصلاة: (وَارْفَعُوا إِلَيْهِ أَيْدِيَكُمْ بِالدُّعَاءِ فِي أَوْقَاتِ صَلَاتِكُمْ ، فَإِنَّهَا أَفْضَلُ السَّاعَاتِ يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا بِالرَّحْمَةِ إِلَى عِبَادِهِ، يُجِيبُهُمْ إِذَا نَاجَوْهُ ، وَ يُلَبِّيهِمْ إِذَا نَادَوْهُ ، وَ يُعْطِيهِمْ إِذَا سَأَلُوهُ ، وَ يَسْتَجِيبُ لَهُمْ إِذَا دَعَوْهُ).
4-الصلاة والإستغفار وطول السجود: (أَيُّهَا النَّاسُ : إِنَّ أَنْفُسَكُمْ مَرْهُونَةٌ بِأَعْمَالِكُمْ فَفُكُّوهَا بِاسْتِغْفَارِكُمْ ، وَ ظُهُورَكُمْ ثَقِيلَةٌ مِنْ أَوْزَارِكُمْ فَخَفِّفُوا عَنْهَا بِطُولِ سُجُودِكُمْ ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِعِزَّتِهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ الْمُصَلِّينَ وَ السَّاجِدِينَ وَ أَنْ لَا يُرَوِّعَهُمْ بِالنَّارِ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ .
ب-وأما الاعمال الاخلاقية والسلوكية فهي:
1- حفظ اللسان (وَ احْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ)
2- توقير واحترام الكبار (وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ)
3- التعامل برحمة مع الصغار (وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ)
4- غض البصر والسمع عما حرم الله: (وغُضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ وَ عَمَّا لَا يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ).
5- حسن الخلق مع الناس.
6- كف الشر عن الناس والأذى والإساءة.
ج- واما الاعمال الاجتماعية والإنسانية فهي:
1-صلة الأرحام (وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ)
2-التحنن على الايتام وإكرام اليتيم ورعايته وكفالته (وَ تَحَنَّنُوا عَلَى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنْ عَلَى أَيْتَامِكُمْ)
3-الإنفاق في سبيل الله وإعطاء الصدقة (وَ تَصَدَّقُوا عَلَى فُقَرَائِكُمْ وَ مَسَاكِينِكُمْ)
الموضوع الثالث: بيان جزاء وثواب بعض الأعمال:
فجزاء من فطر صائما وخاصة اذا كان محتاجا ومن الفقراء : (مَنْ فَطَّرَ مِنْكُمْ صَائِماً مُؤْمِناً فِي هَذَا الشَّهْرِ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عِتْقُ نَسَمَةٍ ، وَ مَغْفِرَةٌ لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ).
وجزاء (من حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ
وَجزاء مَنْ خَفَّفَ فِي هَذَا الشَّهْرِ عَمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ حِسَابَهُ).
وجزاء (مَنْ كَفَّ فِيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ ).
وجزاء (مَنْ أَكْرَمَ فِيهِ يَتِيماً أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ).
وجزاء (مَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ ، وَمَنْ قَطَعَ فِيهِ رَحِمَهُ قَطَعَ اللَّهُ عَنْهُ رَحْمَتَهُ يَوْمَ يَلْقَاهُ ).
وجزاء (مَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلَاةٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ).
وثواب (مَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ وجزاء من مَنْ أَكْثَرَ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيّ(على محمد وال محمد) ثَقَّلَ اللَّهُ مِيزَانَهُ يَوْمَ تَخِفُّ الْمَوَازِينُ).
وأجر (مَنْ تَلَا فِيهِ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ خَتَمَ الْقُرْآنَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُور)
وأفضل الأعمال في هذا الشهر: (الورع عن محارم الله ) أن يتجنب الإنسان المعصية وعمل الحرام في هذا الشهر كما يمسك عن الطعام والشراب ويجتنب الملذات وسائ المفطرات.
واذا استطاع الانسان أن يقوم بهذا البرنامج الروحي والعبادي والأخلاقي والإنساني والإجتماعي في هذا الشهر المبارك فإنه يكون قد انهى دورة تدريبية يقوى بها على الإلتزام والتقوى والإستقامة والورع وعمل الخير وتحمل المسؤولية في سائر أشهر السنة وليس في شهر رمضان فقط، فلنستثمر هذه الفرصة الإلهية ولنرتقي بأنفسنا الى هذا المستوى الروحي والإنساني الذي أراد الله لنا أن نصل اليه لأننا اذا وصلنا الى هذا المستوى نستطيع أن نصبر وأن نثبت وأن نواجه كل تحديات الحياة وأن نواجه المخاطر التي يفرضها الأعداء علينا من الذين لا ينفكون عن استهدافنا في كل يوم من أجل أن نتخلى عن حقوقنا وعن ثوابتنا وعن عناصر قوتنا وعن المقاومة.
المقاومة افشلت مخططات ومشاريع الأعداء في لبنان وفي المنطقة من أميركا الى السعودية، وأغاظتهم عندما فازت مع حلفاءها في الإنتخابات النيابية بكتلة برلمانية وازنة، وأحبطتهم وخيبت آمالهم عندما برهنت عن حجمها وامتدادها وتمسك جمهورها بخيارها، بالرغم من كل المحاولات التي جرت لإضعافها ومحاصرتها، وبالرغم من الأموال الطائلة التي انفقت لتقوية اللوائح المنافسة لها، والآمال التي كانت معقودة على الإنتخابات لإظهار ضعفها شعبيا وتراجعها في بيئاتها الأساسية، حيث ان كل هذه المحاولات والآمال والأموال ذهبت أدراج الرياح ولم تجديهم نفعا.
وبعد كل هذا الفشل يحاولون من جديد تشويه صورة المقاومة وقادتها ورموزها من خلال وضعهم على لوائح الإرهاب .
أصلا اذا كان هناك من لوائح حقبقية للإرهاب تُصنف إرهابيين حقيقيين فيجب أن تكون أميركا والسعودية واسرائيل على رأس القائمة لأنهم اساس الارهاب وأصله وصناعه وهم الذين ارتكبوا ولا يزالون أبشع الجرائم بحق الإنسانية وبحق الطفولة في فلسطين واليمن وسوريا وغيرها.
إذن : هذا الاستهداف يأتي بعد فشلهم في محاصرة المقاومة عن طريق الانتخابات، وهو ليس بالأمر الجديد، فهم قد فعلوا ذلك من قبل ولم يتغير شيء، واليوم هذا الأمر لن يقدم ولن يؤخر شيئا ولن يغير في المعادلات الداخلية ولن ينال من المقاومة وقادتها ومجاهديها.
هذا النوع من استهداف المقاومة من قبل أميركا واسرائيل والسعودية ليس جديدا، هم يستهدفوننا بهذا وغيره في كل يوم، والتحاق بعض دول الخليج بالركب الأمريكي الاسرائيلي في العداء للمقاومة في المنطقة ولحزب الله في لبنان يكشف عن خيانة هذه الأنظمة لقضايا الشعوب في المنطقة وللقضية الفلسطينية وتبعيتهم المذلة لسيدهم الأمريكي.
هذه الأنظمة هي أنظمة بائدة ومهزوزة لا قيمة لها ولا وزن، ومسحوقة أما المستكبر الأمريكي الذي يقول ترامب عنها: لو تخليت عن حمايتها أسبوعاً واحداً لسقطت.
هؤلاء ومن موقع حقدهم وفشلهم ينتقلون من هزيمة إلى هزيمة ومن فشل إلى فشل..وسيبقى هذا الفشل حليفهم في كل محاولاتهم لأنهم على باطل وسيبقى النصر حليفنا لأننا على حق.
والحمد لله رب العالمين
المصدر: موقع المنار