نص الخطبة
من الخصال الأخلاقية التي يجب أن تحكم سلوكنا عندما نتعامل مع الآخرين: التبسُّم وطلاقة الوجه والكلمة الطيبة..
فطلاقة الوجه والكلام الطيب مع الناس هما من أبرز مظاهر حسن الخلق, فعن الإمام الصادق (ع) لمّا سُئل الصادق عليه السلام: ما هو حدّ حسن الخلق؟ قال عليه السلام:)لينُ جانِبَكَ، وتُطيِّبُ كلامَكَ، وتَلْقى أخاكَ ببِشْرٍ حَسَن(.
وطلاقة الوجه معناه: ان يكون الانسان عندما يلتقي بالآخرين ويقابلهم ويختلط بهم, أو عندما يعاشرهم أو عندما يستقبلهم في بيته أو في مكتبه أو في محله ومتجره.. أن يكون منبسط الوجه بشوشاً باسماً منشرحاً ومشرقاً ، بحيث لا يكون كالحاً ولا عبوساً ولا مكفهراً او متجهماً.
أن يلقى النّاس بشخصية تغمرها البشرى والاستبشار, لا الجمود والحزن والكآبة.
وأن يكون ليناً وليس قاسياً او حاداً(لين الجانب) أي في قلبه رحمة ، وقد وصف الله تعالى رسوله فقال: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾آل عمران 159
وان يكلم الناس بكلام حسن طيب جميل وليس بكلام فظ او خشن اوفاحش، لأن البعض يتحدث بكل ما يمر على لسانه بلا ضوابط فتخرج منه كلمات بذيئة او غير مناسبة لا تليق بمؤمن.
ملاقاة الناس بالتبسم وبشاشة الوجه واللين في التعامل هو سلوك يوحي بتقبُّل الأخر والانفتاح على الآخر ، كما يوحي بالصفاء، والانشراح، والودِّ الإنساني.
والمؤمن لا يكون الا بشوشاً طليق الوجه، يقول الله تعالى وهو يتحدث عن وجوه المؤمنين المستبشرة بالجنة يوم القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ(اي مشرقة مستنيرة) *ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ناضرة أي مضيئة مشرقة. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ * لِسَعْيِها راضِيَةٌ). هذا حالهم يوم القيامة وهذا ما يجب أن يكون سلوكهم في الدنيا.
وجوه المؤمنين بيضاء, مشرقة، فرحة, ناعمة, ضاحكة, مستبشرة، راضية, بينما وجوه غير المؤمنين من الكفار والفجار سوداء, مكفهرة, مكتئبة، يغشاها غبار من البلاء, باسرة أي كالحة عابسَةٌ كاشرة مُسودَّةٌ, يقول تعالى عن وجوه الفجار يوم القيامة:(وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ((ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تظن أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ).
رسول الله(ص) كان أكثر الناس تبسُّمًا، وكان يمازح أصحابه ويلاطفهم ولا يقول إلاَّ الحق، ولا يتكلم معهم الا بالكلمة الطيبة الجميلة التي تقربهم اليه وتحببهم به وبرسالته.
روى عبد الله بن الحارث قال: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللهِ”.
وعن جرير بن عبد الله قال: “مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ(ص) مُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلاَّ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي”.
أحياناً عندما تكون لك مكانة كبيرة، وشأن كبير، تستخدم الجدية إلى أعلى درجة من أجل أن تنتزع إعجاب الناس، وتوقيرهم وتعظيمهم، لكن هذا الأسلوب ليس صحيحا.
أحيانا ترى الجميع يبتسم، لكن البعض يبقى بهيبته وصمته وعبوسه وجديته، هذا ايضا تكلف وغير صحيح.
كان النبي(ص) يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويعجب مما يعجبون منه، ويتناول معهم أطراف الحديث، برغم منزلته الكبيرة وعلو درجته.
ولم يكتفِ النبي بأن يكون قدوة في هذا السلوك الأخلاقي الإنساني، بل دعا الى ملاقاة الآخرين بالبسمة والبشاشة, وحثَّ على ذلك واعتبرها صدقة؛ فروى أبو ذر قال: قال رسول الله(ص) : “تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ”.
ومعنى ذلك أن إظهار البشاشة والبِشْر للآخرين حين ملاقاتهم أو استقبالهم فيه أَجْرٌ، كما في الصدقة أَجْرٌ.
وفي الحديث عنه(ص): أفضل الإيمان أن تكلّم أخاك وأنت طليق. أي مستبشر منبسط الوجه .
وعن الكلام الحسن يقول تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83].
وعن رسول الله(ص): مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ”.
حتى عندما تريد ان تدعو إلى الإيمان او تريد ان تعظ الناس او تعلمهم او تنصحهم أو تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر او تصلح بينهم او تقربهم اليك، فلا بُدَّ أن تكون الدعوة والموعظة والنصيحة والاصلاح بين الناس بالقول الحسن والاسلوب الحسن، كما قال تعالى لموسى وهارون عندما ارسلهما ليدعوا فرعون الى الله: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44].
ويقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ} [النحل: 125].
ويقول أيضًا: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
البسمة والبشاشة والكلام الحسن كلها أعمال بسيطة، سهلة، غير مكلفة ولا مجهدة، ولكن لها أثر كبير في القلوب فهي تقرب الناس من بعضهم وتحبب الناس ببعضهم.
البعض ممن تلقاه ببشر وابتسامة وانشراح وسرور يلقاك بوجه عابس ويتكلم معك (من راس شفافو) وكأنه يمنّ عليك بملاقاته والحديث معك، أو ينظر اليك نظرة ازدراء او احتقار، لا يعبرك ولا يعيرك اهتماماً.
التبسم والكلام الحسن طريق إلى القلوب ووسيلة لنشر المودة والخير والرحمة بين الناس، طلاقة الوجه والكلام الطيب يُدخل البهجة والسرور على الاخرين، ويجلب المودة والمحبة، ويوجب انشراح القلب، وعلى العكس من ذلك إذا كنت عبوسًا وتواجه الناس بكلام سيء او خشن او فيه شيء من عنجهية او عجرفة او احتقار، فإن الناس ينفرون منك، ولا ينشرحون بالجلوس إليك، ولا بالتحدث معك.
صاحب الوجه العبوس والكلام الخشن لا يألفه الناس ولا يُقبلون عليه، ولو كان صاحب خلق حسن في أمور أخرى، لأن الوجه هو الذي يطل الانسان به على الناس بداية الامر ، فإذا رأى الناس من الطلة الاولى شخصاً عابس الوجه، تشمأز نفوسهم منه لأول وهلة ، وقد يتهمونه بأنه سيء الخلق وبالتكبر ، وهذا بخلاف الإنسان البشوش، طلق الوجه الذي يقابل الناس بالابتسامة والانشراح والكلمة الطيبة، فإنهم يقتربون منه ويألفونه ويحادثونه ويحبونه، ولو لم يدروا شيئاً عن أخلاقه وصفاته الأخرى.
وهذه الأشياء البسيطة هي من الإيمان، والمؤمن هو القريب من الناس. قال رسول الله(ص): الْـمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ، وَخَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ.
معاشرة الناس بالبشر وملاقاتهم بوجه بشوش مبتسم يجعل المجتمع يشعر بالأمان والإخاء والألفة والمحبة، ومواجهة التحديات ومنع الأعداء من تحقيق أهدافهم تجعل المجتمع مجتمعا آمنا ومستقرا.
نحن لم نتوانى ولم نتراخى يوما في حماية بلدنا وأهلنا وكان همنا الدائم حماية لبنان من الأخطار المحدقة قاتلنا لأجل هذا الوطن وقدمنا الشهداء من أجل ان نحرر أرضنا ونحمي بلدنا ونحفظ سيادته فعلنا ذلك في مواجهة العدو الاسرائيلي الذي كان يحتل أرضنا على الحدود الجنوبية ونفعل ذلك في مواجهة الارهاب التكفيري الذي احتل جزءا كبيرا من أرضنا على الحدود الشرقية.
واليوم المعركة التي تخوضها المقاومة لدحر داعش من القلمون تكمل المعركة التي يخوضها الجيش اللبناني لدحر داعش من جرود القاع ورأس بعلبك، وهي معركة وطنية واحدة، والانتصار فيها هو انتصار واحد والمستفيد من هذا الانتصار هو لبنان وكل اللبنانيين بكل طوائفهم ومناطقهم وتوجهاتهم السياسية وأي كلام آخر هو تشويش لهذا الإنجاز الكبير ومحاولة فاشلة لنسف التكامل بين الجيش والمقاومة وتفكيك معادلة الجيش والشعب والمقاومة التي اثبتت من جديد أنها المعادلة التي تحرر الأرض وتحمي البلد وتستعيد كرامة اللبنانيين.
الى حين اتمام هذا الانجاز في القريب ان شالله يكون لبنان قد قضى على الارهاب التكفيري على الحدود الشرقية وانجز التحرير الثاني لأرضنا بعد انجاز التحرير الأول عام 2000 لكن ذلك لايعني أنه تم القضاء على كل الإرهاب في لبنان فلبنان بعد الانتهاء من داعش في الجرود يكون قد أنهى الوجود الارهابي العسكري أما التهديد الأمني فلا يزال قائما ولذلك بعد الانتهاء من داعش يجب أن يعطى الإهتمام للتهديد الداخلي حيث لا تزال هناك بعض البؤر والخلايا الارهابية التي تهدد كل اللبنانيين وهذ أمر بحاجة الى عمل مركز وجهد متواصل من كل الأجهزة الأمنية لكشف هذه الخلايا والقضاء عليها ليأمن اللبنانيون على حياتهم ومستقبلهم.
المصدر: خاص