تشير دراسات حديثة إلى أنّه قد لا يوجد حد للمدى الذي قد يصل إليه عمر الإنسان، عكس ما اقترحه بعض العلماء خلال السنة الماضية. وفي شهر نيسان الماضي، توفيت إيما مورانو، أكبر معمّرة معروفة بالعالم في ذلك الوقت، عن سن تناهز 117 سنة.
وقد قاد هؤلاء المعمرون الفائقون، أي المعمرين الذين تجاوزت أعمارهم 110 سنوات على غرار مورينو، وجين كالمينت التي توفيت عن سن تناهز 122 سنة 1997- العلماء لطرح تساؤلات عن الحد الذي يمكن أن يصل إليه عمر الإنسان. ويشير العلماء إلى هذا المفهوم باعتباره الحد الأقصى لمدة حياة الإنسان، بحسب موقع “Live Science”.
من جانب آخر، استنتج كل من جان فيغ، العالِم في علم الوراثة الجزيئي في معهد “ألبرت أينشتاين” للطب بنيويورك، وزملاؤه، أنه من المرجح بلوغ الإنسان الحد الأقصى للمدى العمري. ويندرج هذا الاستنتاج ضمن دراسة نُشرت في تشرين الأول بمجلة “نيتشر”.
وفي إطار هذه الدراسة، قام فيج وزملاؤه بتحليل قواعد بيانات متعددة تحتوي على بيانات حول المدة التي عاشها الناس خلال العقود الأخيرة في عدة بلدان. وقد توصلت هذه المجموعة من العلماء إلى أنّ معدلات البقاء على قيد الحياة بين كبار السن لم تتغير منذ سنة 1980 في أغلب البلدان.
كما أفاد فيج وزملاؤه بأنه يبدو أن العمر الأقصى للإنسان عند الوفاة والذي تم الإبلاغ عنه – استقر عموماً على نحو 115 سنة.
تشكيك في الدراسة
في المقابل، تتعارض نتائج 5 دراسات حديثة مع الدراسة السابقة. وفي هذا الصدد، قال جيمس فاوبل، خبير ديموغرافي بمركز ماكس بلانك أودنسي في الدنمارك المتخصّص بالديموغرافيا الحيوية للشيخوخة: “لقد استشطْتُ غضباً عند إقدام مجلة نيتشر، التي أحترمها بشدة، على نشر مقال يحتوي على مثل هذه المغالطة”.
وتجدر الإشارة إلى أنّ فاوبل أسهم في تأسيس قاعدة البيانات الدولية حول طول العمر، وهي إحدى قواعد البيانات التي تم تحليلها في الدراسة السابقة.
في السياق نفسه، أشار فاوبل إلى أن الدراسة السابقة اعتمدت على نسخة قديمة من قاعدة البيانات التابعة لمجموعة أبحاث علم الشيخوخة. ومن جهته، بيّن الخبير الديموغرافي أن قاعدة البيانات هذه تفتقر إلى البيانات التي تم تسجيلها طوال سنوات إجراء الدراسة.
علاوة على ذلك، أفاد فاوبل لموقع “Live Science”، بأن الباحثين في الدراسة السابقة قاموا بتحليل الحد الأقصى للعمر عند الوفاة لمدة سنة، عوضاً عن تحليل الحد الأقصى للعمر الذي تم بلوغه خلال هذه السنة.
فعلى سبيل المثال، فاقت سنّ أكبر معمر حيّذ بالعالم سنَّ أكبر شخص توفي في السنة نفسها التي تمّ التسجيل فيها. من جهة أخرى، قال فاوبل إنّه “في حال تم استخدام البيانات المناسبة من مجموعة أبحاث علم الشيخوخة، فلن تظهر أي علامة تدل على وجود حد لفترة حياة الإنسان”.
في الشأن ذاته، لم يتوصل سيغفريد هيكيمي، عالِم الوراثة في جامعة ماكجيل بمونتريال، وزملاؤه، إلى أي دليل على توقف ارتفاع الحد الأقصى للمدى العمري لحياة الإنسان. وعبر تحليل اتجاهات مدة حياة الأفراد المعمرين في كل من الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، واليابان سنوياً منذ سنة 1968، وجد هيكيمي وزملاؤه أن الحد الأقصى لمدة حياة الإنسان قد يتواصل في الارتفاع مستقبلاً.
في الإطار ذاته، صرّح مارتينغ روزينغ، الباحث في علم الشيخوخة بجامعة “كوبنهاغن” في الدنمارك، وزملاؤه، بأنّ مؤلّفي الدراسة السابقة ارتكبوا أخطاء خلال التحليلات الإحصائية التي قاموا بها.
وفي ضوء هذه المعطيات، أخبر روزينغ “Live Science” بأنّهم يعتقدون أنّه يجب التعامل بحذر مع الادعاء القائل ببلوغ مدة حياة الإنسان حدها الأقصى. وبيّن روزينغ قائلاً: “عموماً، تتوافر حجج قوية تدعم الاعتقاد القائل بتواصل ارتفاع مدة حياة الإنسان. وما دامت ظروفنا المعيشية في تحسّن مستمرّ، فلا داعي لاعتقاد عكس ذلك”.
قد يصل إلى 125 سنة!
وعلى نحو مماثل، أشار جوب دي بير، الخبير الديموغرافي في المعهد الديموغرافي متعدد الاختصاصات بهولندا، وزملاؤه، إلى أن الحد الأقصى لمدة حياة الإنسان قد يرتفع إلى حدود 125 سنة بحلول 2070. واستند جوب دي بير وزملاؤه، في هذه التوقعات، إلى تحليل بيانات اليابانيات اللاتي ارتفع عددهنّ من بين المعمرين، أي من بين الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 100 سنة.
وفي هذا السياق، أخبر دي بير موقع “Live Science” بأنّه ليس هناك ما يدعو إلى توقّع بلوغ حد أقصى لحياة الإنسان مستقبلاُ. كما ذكر أنه يعيب على الباحثين المؤلفين للدراسة السابقة عدم تطبيقهم منهجيتهم بالشكل الصحيح، فضلاً عن عدم تبنّيهم المنهجية الصحيحة.
لكن الباحثين حذّروا من أنه رغم أن الدراسة السابقة لم تقدم الحجج الكافية لعدم الاعتقاد بوجود حد أقصى لحياة الإنسان، فإن ذلك لا يعني انعدام هذا الحد. وصرّح فاوبل قائلاً: “يشوب الأدلة الموجودة بعض الخلط. ولكن في الوقت الحاضر، يشير رصيد الأدلة إلى وجود حد يفوق 120 سنة أو ربما أكثر. وفي كلتا الحالتين، يلوح سؤال علمي مهم في الأفق”.
لا يزال يرتفع
من جهته، أشار هيكيمي إلى أن متوسط عمر الإنسان لا يزال يرتفع بشكل مستمر، مبيناً أن فشل تحديد الحد الحالي الأقصى للمدى العمري للإنسان يشير إلى احتمال تواصل ارتفاع مدة حياة الإنسان فترةً طويلةً.
في المقابل، دافع فيج عن فريق عمله الذي شارك بالدراسة التي نشرت في تشرين الأول، حيث أخبر موقع “لايف ساينس” بأنهم لا يتفقون مع أي من الحجج المطروحة. وأفاد فيج بأن ذلك يعود إلى أن هذه الحجج استندت في بعض الأحيان إلى سوء فهم، في حين أنها كانت خاطئة في أحيان أخرى، فضلاً عن معارضتهم لها تماماً في أوقات أخرى.
وفي هذا الصدد، يجد جاي أولشانسكي، الخبير الديموغرافي بجامعة إلينوي في شيكاغو، هذه الادعاءات المفندة “أمراً ممتعاً نوعاً ما”.
والجدير بالذكر، أنّ جاي لم يشارك في كل من الدراسة السابقة والدراسات الحديثة على حد سواء.
وأوضح جاي أنّ المشكلة الرئيسة، المتعلقة بكل هذه الحجج حول الحد الأقصى للمدى العمري، تتمثل في العدد القليل للأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم 110 سنوات من بين نحو 108 مليارات شخص وُلدوا إلى حد الآن. كما أن هذا العدد لم يرتفع إلا في الآونة الأخيرة.
من جهته، أفاد أولشانسكي بأنّ “هذه الادعاءات ترتكز في معظمها على طرق مختلفة قليلاً حول النظر في البيانات المحدودة نفسها. وفي حال قمنا أساساً بالنظر في الإحصائيات نفسها المتعلقة بعمر الوفاة والبقاء على قيد الحياة لجميع البشر، قد نحصل على نتائج مختلفة بعض الشيء”.
وأردف هيكيمي قائلاً: “ينبغي أن تتضمّن البحوث المستقبلية تحليلاً لإحصاءات شيخوخة البشر، فضلاً عن الجينوم البشري، حيث ستمكننا هذه التحاليل من معرفة ما إذا كانت ظاهرة العمر الطويل وراثية وما إذا كان تغيّر العامل الوراثي سيؤدي إلى تغيّر معدل مدة الحياة لدى الإنسان. لكن لا بدّ من التنويه إلى أن إجراء بحوث مماثلة قد يستغرق بعض الوقت”.
المصدر: الهافنغتون بوست