بات معروفا لدى العلماء والأطباء أنّ بعض الصور المتوهجة الموجودة في التلفاز أو ألعاب الكومبيوتر قد يكون لها تأثيرات على البشر المعرضين للإصابة بالصرع الناتج عن الحساسية تجاه الصور. الجديد ان الحساسية غالبا سببها صور ثابتة.
كشفت دراسة حديثة أنّ ثلث نوبات الصرع الناجمة عن مشاهدة صور تقريبا حدثت بسبب مشاهدة صور غير متحركة. وحاول باحثون من هولندا والولايات المتحدة معرفة السبب وراء هذه الظاهرة واطلعوا في سبيل ذلك على كل ما كتب بهذا الشأن في الأوساط العلمية. خلص الباحثون من خلال ذلك إلى أن نشأة ما يعرف بموجات غاما في الدماغ تلعب دورا أساسيا في هذه النوبات وبالتحديد في منطقة القشرة البصرية حيث يتم التعامل مع المحفزات البصرية.
وأوضحت دورا هِرميس وزملاؤها في المركز الطبي بجامعة أوترخت الهولندية في دراستهم التي نشرت اليوم الثلاثاء بمجلة “كارانت بايولوجي” أن موجات غاما (نمط معين متكرر في نشاط المخ في مجال تردد أعلى من 30 هيرتز) تنتج على سبيل المثال عندما ينظر الأشخاص شديدو الحساسية لصورة بها أشرطة عريضة سوداء وبيضاء. وتبين للباحثين وجود هذه الموجات لدى الأشخاص الذين يركزون النظر في الأنماط الشبكية ذات المعالم حادة التباين في حين لا توجد هذه الموجات عند مشاهدة مناظر طبيعية أو أشياء مرسومة بخطوط لينة.
كما يمكن خفض موجات غاما على ما يبدو عندما تخف حدة التباين البصري وينخفض عرض الشرائط وعند انتقال النمط من الشبكي إلى المضلع. أضافت هيرميس: “أثبتت نتائج الدراسة أنه ربما كان من المهم عند بناء المنازل أيضا تجنب مثل هذه الأنماط البصرية، حيث إن هذه الأنماط يمكن أن تُحدث دورة من عدم الارتياح والصداع ونوبات الصرع”. بل إن الأشخاص الأصحاء يمكن أن يصابوا في كثير من الأحيان حسب هيرميس بشيء من الضيق عند مشاهدة هذه الصور.
ولم يستبعد الباحثون إمكانية تسبب هذه الطريقة في الإصابة بالصداع النصفي أيضا. يدرس علماء الأعصاب موجات غاما منذ ثمانينات القرن الماضي بمساعدة التخطيط الكهربائي للدماغ من خلال حساسات توضع على فروة الرأس ولكنهم لا يزالون يحاولون حل لغز أهمية هذه الموجات حيث يعتقد بعض العلماء أن هذه التذبذبات مهمة للانتباه والاتصال العصبي وذلك في ظل رصد موجات غاما كثيرا لدى خبراء التأمل على سبيل المثال وكذلك أثناء عمليات التعلم في حين يعتبر باحثون آخرون هذه الموجات مجرد منتج عصبي ثانوي. ويعتزم الباحثون خلال دراسات مقبلة البحث عن أنماط بصرية أخرى يمكن أن تكون سببا في إصابة الإنسان بنوبات صرع جراء الحساسية تجاه الصور وذلك من خلال مقارنة ردود فعل أشخاص أصحاء مع ردود فعل مصابين بالصرع. كما يأمل الباحثون في التوصل لنموذج يتنبؤون من خلاله بنوعية الصور والمشاهد الأكثر إثارة لموجات غاما وما يعنيه ذلك من تحفيز الإصابة بنوبات الصرع.
ووفقا للباحثين فإن 3.0 إلى 3% من الناس في ألمانيا على سبيل المثال مصابون بالصرع الناشئ عن الحساسية تجاه الصور. غير أن هايو هامِر، رئيس مركز الصرع التابع لمستشفى ايرلانغن الجامعي في ألمانيا يرى أن نسبة هؤلاء الأشخاص تتراوح بين 5.0 و 1% فقط وقال إن نسبة قليلة جدا من سكان ألمانيا يعانون من هذا المرض أكثرهم غالبا من المراهقين وخاصة الفتيات. وغالبا ما تختفي هذه النوبات في سن البلوغ.
ورغم تزايد الوقت الذي يقضيه الإنسان أمام الشاشة منذ سنوات إلا أنه يبدو أن عدد حالات نوبات الصرع الناتجة عن الحساسية تجاه الصور لا ترتفع. ولكن ليس هناك بيانات علمية بهذا الشأن يمكن الاعتماد عليها. ويوصي الباحثون الأشخاص الذين يعانون من هذه الحساسية تجاه الصور بـ “تجنب التحفيز” أي تجنب ارتداء النظارة الشمسية أثناء قيادة السيارة وتجنب استخدام جهاز التصوير المتقطع “الوماض”. كما تبين أن العلاج بالأدوية المضادة للصرع له تأثير جيد أيضا.
وسبق أن نُقل 685 شخصا عام 1997 في اليابان لأحد المستشفيات جراء إصابتهم بنوبات صرع بعد مشاهدة حلقة بعينها لمسلسل “بوكيمون” التلفزيوني للأطفال. ثم أثارت حالة أخرى عام 2012 جدلا أسفر عن إزالة مقطع فيديو عن الألعاب الأوليمبية من الموقع الرسمي الذي نشر عليه بعد أن تبين أن المقطع تسبب في نوبات صرع لدى عدد ممن شاهدوه. وتأثر جميع هؤلاء بشكل بالغ الحساسية بانطباعات بصرية تسببت في صدمة نارية للخلايا العصبية في المخ. ومن المعروف لدى العلماء المعنيين بالفعل أن بعض الصور المتوهجة الموجودة في وسط طبيعي في التلفاز أو ألعاب الحاسوب يمكن أن يكون لها هذه التأثيرات على البشر المعرضون للإصابة بالصرع الناتج عن الحساسية تجاه الصور.
المصدر: dw.com