كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع القيّمين على مؤتمر تكريم شهداء محافظة «كهكيلويه وبوير أحمد»تضخيم القدرات أساس الحرب النفسيّة للأعداء ضدّ الشعوب – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع القيّمين على مؤتمر تكريم شهداء محافظة «كهكيلويه وبوير أحمد»تضخيم القدرات أساس الحرب النفسيّة للأعداء ضدّ الشعوب

Khamenei September 2024

نشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 14/08/2024 في لقاء مع القيّمين على مؤتمر تكريم شهداء محافظة «كهكيلويه وبوير أحمد». وقال قائد الثورة الإسلاميّة أنّ المحافظة تملك سجلًّا حافلًا بالتضحية والجهاد وفي مرحلة الدفاع المقدّس، وتحدّث عن أسس الحرب النفسيّة التي يستخدمها الأعداء ضدّ الشعوب ومنها تضخيم صورتهم والإيحاء بضرورة الخشية منهم، وقال أنّ أحد الإنجازات العظيمة للإمام الخميني الجليل كان قدرته على إزالة الخوف من قلوب الشعوب وغرس روح الثقة بالنفس فيهم.
بسم الله الرحمن الرحيم[1]،
والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.
أهلًا وسهلًا بكم أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات؛ الحاضرون هنا. أودّ أوّلًا أن أتقدّم بخالص الشكر لكلٍّ منكم على اهتمامكم بهذه المهمّة الجسيمة والفريضة العظيمة؛ ألا وهي الحفاظ على ذكرى الشهداء حيّةً. الشهادة ذخر [ثمين]؛ إذ تُعَدّ تضحيات شباب أيّ شعبٍ سندًا معنويًّا ومادّيًّا عظيمًا لتقدّم هذا الشعب. يجب صون هذا [الذخر] وحفظه، والحؤول دون فقده ونسيانه، أو ربّما تحريفه، هنا تكمن أهمّيّة عملكم، أيْ عندما تعملون على حفظ هذا الذخر.
الكلمة التي تفضّل بها السيّد إمام الجمعة المحترم، وكذلك النصّ الجيّد الذي قرأه أخونا [العميد] في الحرس، كلاهما يتضمّنان موضوعات صحيحة وجيّدة. في ما يتعلّق بالتوصية إلى المسؤولين، سأوصي المسؤولين المحترمين بها، إن شاء الله، والسيّد عارف[2] حاضر هنا، وسأبلّغ أيضًا رئيس الجمهورية بذلك، ونأمل أن يتمّ الاهتمام بهؤلاء الناس بما يليق بمقامهم وقيمتهم المعنويّة والوطنيّة في البلاد.
تمتلك محافظة «كهكيلويه وبوير أحمد» – أي تلك المنطقة، سواء بصفتها الحاليّة كمحافظة، أو بأيّ شكل آخر كانت عليه في السابق – سجلًّا حافلًا بالتضحية والجهاد، وقد أشاروا إلى ذلك. طبعًا، العصور السابقة لها حصّتها، لكن في عصرنا، ممّا أتذكره، أنّه في بداية النضال عام 1963، أصدر جدّ السيّد[3] – والد المرحوم السيّد ملك حسيني[4] – الذي كان عالمًا كبيرًا في تلك المنطقة، بيانًا كان من البيانات النادرة، أيْ كان قويًّا وشجاعًا، وكان الجهاز الحاكم يحسب له حسابًا؛ لأنّه يعرف أنّه إذا أصدر سماحته أمرًا بالجهاد إلى الناس، من العشائر في تلك المنطقة، فإنّهم سيجاهدون، وبالفعل، حصلت أمور كهذه. في تلك المرحلة، طلبَ الجهاز الحاكم من قوميّة أخرى، وهي قوميّة عزيزة أيضًا، أن تذهب للقتال ضدّ العشائر في منطقة «بوير أحمد»، لكنّ عالِمًا «سُنّيًّا» هناك حال دون ذلك. يجب أن نلتفت إلى الوقائع التاريخيّة للروابط المذهبيّة والوطنيّة والقوميّة لدينا في هذا البلد. لقد حال شيخ من أهل السنّة دون تحقّق خطّة النظام لافتعال حرب بين قوم «البلوش» وعشائر «كهكيلويه وبوير أحمد»؛ إذ تدخّل ومنعَ ذلك، وأصدر فتوى مخالفة. هذه هي الوقائع التاريخيّة للمنطقة.
خلال أحداث «الدفاع المقدّس» والحرب المفروضة، إنصافًا، خاض أهالي «كهكيلويه وبوير أحمد» الميدان بنحو جيّد للغاية، سواء بعد تأسيس «لواء الفتح»، – الذي كان عناصره منتشرين ضمن مختلف الألوية – أو قبل تأسيسه؛ بذلَ العناصر المناضلون من هذه المنطقة جهودًا حثيثة، وأنجزوا أعمالًا متميّزة، هناك ذكريات من تلك المرحلة، وبالطبع لقد سُجّلت هذه الأمور والتقارير التاريخيّة عن «الدفاع المقدس». على سبيل المثال، صمدت إحدى الكتائب في «لواء الفتح» ليومين أو ثلاثة في جزيرة «مجنون» أمام فرقة كبيرة من جيش البعث العراقيّ، وقاومت، ولم تتراجع. طبعًا، قدّموا شهداء، لكنّهم تمكّنوا من الحفاظ على المنطقة؛ وهذه الأعمال محفوظة في تاريخ وذاكرة «الدفاع المقدس».
أودّ أن أقول إنّ أحد أسس الحرب النفسيّة التي يستخدمها أعداء كلّ شعب، وفي زماننا هذا بشكل خاص، ضدّ شعبنا العزيز وإيران الإسلاميّة، هو تضخيم صورة عدوّ هذا الشعب، وقد كان هذا الأمر قائمًا منذ بداية الثورة، كان يُفهم ويلقّن ويُزرع في عقول شعبنا بطرق مختلفة، بأنْ عليكم الخشية؛ اخشوا أمريكا، اخشوا الصهاينة، اخشوا بريطانيا، واخشوا أمثال هؤلاء؛ كانت الحال على هذا النحو دومًا. أحد الإنجازات العظيمة للإمام الجليل، كان قدرته على إزالة هذا الخوف من قلوب الشعب، وغرس روح الثقة بالنفس فيهم، والإيمان بالذات، فشعرَ الشعب بوجود قوّة وقدرة داخليّة لديهم، تجعلهم قادرين على إنجاز أعمال عظيمة بالاعتماد عليها، وأنّ العدو عاجزٌ، ويده ليست مقتدرة كما يدّعي.
عندما تتسلّل هذه الحركة من الحرب النفسيّة التي يمارسها العدوّ إلى الساحة العسكريّة، تكون نتيجتها الخوف والتراجع، وقد بيّن القرآن الكريم أنّ هذا التراجع هو في الواقع يستوجب الغضب الإلهيّ، {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} (الأنفال، 16)؛ إذا تراجعتم أمام العدوّ المهاجم، بأنواعه – فقد يكون المهاجم شاهرًا سيفه، ويقابلكم في ساحة المعركة وجهًا لوجه، وأحيانًا يكون دعائيًّا، وأحيانًا أخرى يكون اقتصاديًّا، ورابعًا يكون عسكريًّا باستخدام تجهيزات حديثة – تراجعًا غير تكتيكيّ، في بعض الأحيان، يكون التراجع تكتيكيًّا كما هي الحال مع التقدّم، ولا ضير في ذلك {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ}؛ هكذا يكون التكتيك؛ إذا تراجعتم بخلاف هذه الحالات {فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ}. والأمر كذلك في الميدان العسكريّ، وينطبق كذلك في الميدان السياسيّ.
في الميدان السياسيّ، يؤدّي تضخيم صورة العدوّ إلى الشعور بالعزلة والضعف والعجز، والنتيجة تكون الاستسلام لإرادة العدوّ؛ [يأمرهم] «افعلوا كذا»، فيجيبون: «سمعًا وطاعةً»، «لا تفعلوا كذا» يجيبون «سمعًا وطاعةً»، وهذه هي الحال الآن مع شتّى أشكال وأنواع الحكومات، سواء كانت حكومات شعوب كبيرة أو صغيرة؛ تقول «سمعًا وطاعةً» لكلّ ما يُطلب منها، من دون أيّ إرادة منها. طبعًا، هناك آداب وظروف حاكمة عند طاولة الدبلوماسيّة والمفاوضات، ويمكن التعبير عن «سمعًا وطاعةً» بطرق مختلفة، لكن في جوهرها تبقى هي نفسها، في حين أنّهم لو استندوا إلى شعوبهم، وإلى قدراتهم الداخليّة، وعرفوا كنه ذلك العدوّ، وعلموا أنّه ليس كما يدّعي، فإنّ بإمكانهم ألّا يقولوا «سمعًا وطاعةً»، لكنّهم لا يأخذون هذه الأمور بعين الاعتبار، ويستمرّون في قول «سمعًا وطاعةً». كان هذا بشأن الميدان السياسيّ.
في ميدان الثقافة، يظهر هذا التضخيم بنحو مختلف ويؤدّي إلى الشعور بالانفعال، الانجذاب إلى ثقافة الطرف الآخر، احتقار الثقافة الذاتيّة، والافتخار بالتمسّك بثقافة الأجنبيّ، فهناك بعض الأشخاص الذين يفتخرون باستخدامهم مصطلحات أجنبيّة عند الحديث أو الكتابة؛ يشعرون بالفخر لأنّهم لم يستخدموا المصطلح الإيرانيّ، بل التعبير الأجنبيّ. في بعض الأحيان، قد لا يكون لديكم مصطلح إيرانيّ، [مثلًا نقول] للتلفزيون تلفزيون، ولا نملك مصطلحًا إيرانيًّا له، ولذا، نضطرّ إلى استخدام المصطلح الأجنبيّ، وكان من الممكن وضع كلمة [فارسيّة] له منذ دخوله، لكنّنا الآن مجبرون على استخدام مصطلح «تلفزيون»، أمّا بالنسبة إلى الكثير من المصطلحات الأجنبيّة المتعارفة والرائجة على لسان بعض الأشخاص، فلا شيء يلزمنا بها. إحدى نتائج هذا التضخيم هي أنّنا نقبل ثقافة الآخر، وعاداته وتقاليده ونمط حياته. التفتوا، هذه هي الحرب النفسيّة التي يمارسها العدوّ.
من ذا الذي صمد بكلّ كيانه أمام هذه الحرب النفسيّة؟ إنّهم الشباب الذين تُقيمون الآن مؤتمرًا تكريميًّا لهم، وتُعظّمون شأنهم، وهم يستحقّون التعظيم حقًّا. ذلك الشاب من منطقة معيّنة في البلاد، من مدينة معيّنة، من القوميّة الفلانيّة، والمحافظة الفلانيّة، الذي يقف مقابل العدوّ، لا يشعر بالخوف في ساحة المعركة، ولا يتأثّر بالكلمات السياسيّة، ولا يقبل بثقافة العدوّ، هو بالضبط من يجب تقديره وشكره، فهو الذي صمد بكلّ وجوده أمام هذه الحرب النفسيّة. فلتحيوا هذه الحقيقة، ولتجسّدوها، وتظهروها في المؤتمرات التكريميّة هذه. هذا ما أودّ قوله.
كلّ هذه الأمور التي ذكرتموها: المخطوطات، الكتب، الأفلام، المؤتمرات التكريميّة، تسمية الأزقّة والشوارع والنوادي وغيرها، كلّها أمور ضروريّة، لكنّ بعضها يفقد تأثيره مع مرور الزمن. مثلًا، إذا سمّيتم شارعًا باسم شهيد، فهذا جيّد، ولكن بعد ثلاث أو أربع سنوات، قد يقول الناس «شارع الشهيد بهشتي»، ولا يتذكّرون الشهيد بهشتي نفسه، عندما تقرّرون الآن الذهاب إلى شارع الشهيد بهشتي، قد يسألكم أحدهم «إلى أين تذهبون»، فتجيبون “إلى شارع الشهيد بهشتي”، ولكن، قد لا يتذكّر الإنسان الشهيد بهشتي العزيز، نفسه، أيضًا. بعض الأمور تكون هكذا؛ لا بأس، فعلى الرغم من ذلك بادروا إلى هذه الأمور، فبعضها تبقى خالدة، مثل الأفلام، والكتب خاصّةً – فهذه طبعًا تبقى خالدة – ويجب أن تعملوا على أن يكون لها تأثير؛ أي إنّكم، عندما تطبعون كتابًا، حسنًا، كم عدد الأشخاص الذين يقرؤون هذا الكتاب؟ كم عدد الذين يأخذون ملاحظات عند قراءته؟ كم عدد الذين يستخدمون هذه الملاحظات في جلسات أنسهم مع أصدقائهم ويتبادلونها؟ يجب أن تأخذوا هذه الأمور بعين الاعتبار، ابحثوا عن الأسلوب، وما يمكنكم فعله حتّى يتمكّن هذا الكتاب – الذي يدوم أكثر من كلّ شيء، وهو يدوم أكثر من الأفلام وأمثالها – أن يُحدِث تحوّلًا في من يقرؤه.
حسنًا، لدينا في البلاد عشرات الملايين من الشباب؛ افترضوا أنّه لو طُبع هذا الكتاب عشر مرّات، وفي كلّ مرّة طُبع منه ألفا نسخة – وهو الحدّ الأقصى – سيصبح المجموع عشرين ألف نسخة؛ عشرون ألف نسخة مقابل عشرين مليون شخص عدد ضئيل جدًّا. اجعلوا هدفكم الأول أن يقرأ هذا الكتاب عشرون ألف شخص [على الأقل]، وأن تترك هذه الشخصية التي وصفتموها وصورتموها تأثيرًا، بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، في نمط عيش هؤلاء، وفي ذواتهم وأفكارهم وثقافتهم. هذا ما ينبغي أن تركزوا جهودكم عليه. أنا أوصي دائمًا المجموعات التي تأتي من أجل مؤتمرات الشهداء التكريميّة – مثلكم – بهذا الأمر: ضعوا في اعتباركم النتائج؛ فمجرّد القيام بالعمل ليس كافيًا، هذه الأعمال هي أدوات، والأدوات هي من أجل تحقيق نتيجة معيّنة، وإلّا، فإذا كان لديكم مفتاح ولكنّكم لم تستخدموه، أو لم يكن صالحًا للاستخدام، فلا فائدة منه. يجب أن يكون هناك عمل، وأداة قادرة على أن تؤثّر.
أسأل الله أن يوفّقكم ويسدّدكم؛ وأن يرحم الشهداء الأعزّاء لتلك المنطقة وتلك المحافظة، وأن يرفع درجاتهم، ويرزقنا شفاعتهم، ويلحقنا بهم بفضله ومنّه.
والسّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ الله وَبَركاتُه